متابعات

روسيا وتركيا هل انفضت الشراكة؟

تحليل د.نبيل رشوان .. لا شك أن التطورات الأخيرة فى العلاقات التركية ـ الروسية لا تبشر بما كان الطرفان يأملان فيها، ففى زيارة واحدة لتركيا استطاع الرئيس الأوكرانى أن يأتى بقادة “منظمة الآزوف” التى تصنفها روسيا على أنها منظمة إرهابية من تركيا معه على نفس الطائرة التى أقلته، وأن يقف هؤلاء القادة معلنين أنهم سيواصلون القتال ضد القوات الروسية، رغم أن الأتفاق فى البداية وقت إخلائهم أن يبقى هؤلاء القادة حتى نهاية الحرب فى تركيا، لم يكتف الرئيس إردوغان بذلك بل وافق على انضمام السويد لحلف الناتو بعد أن رفض هذا مراراً وتكراراً بدعوى مساندة السويد لحزب العمال الكردستانى، وفى المقابل وعدت السويد أنقرة بأنها لن تعترض على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، رغم أن المعترض على ذلك ليست السويد بل فرنسا وألمانيا فى الأساس.

الرئيس بوتين ورغم إصرار نظيره التركى بكل ثقة على أن موسكو سوف تمدد اتفاق تصدير الحبوب، الذى رفع أسهم الرئيس التركى على الساحة الدولية وفى الداخل التركى مما مكنه من كسب الانتخابات الانتخابات الرئاسية، أعلن الرئيس الروسى عن خروج بلاده من الاتفاق، ولم يكتف بذلك بل قصف أوديسا على مدار أسبوع ربما للتأكيد على إصراره على الخروج من الصفقة،على أى حال تاريخ العلاقات التركية الروسية طويل ومزدحم بالأزمات، فلم تكن العلاقات التركية ـ الروسية فوق مستوى الشبهات على مدار التاريخ، فقد تركت الحروب التركية ـ الروسية فى العهد العثمانى ذكريات مريرة فى العقل الباطن التركى العادى، ورغم تحسن العلاقات بين تركيا والاتحاد السوفيتى فى الجمهورية التركية الأولى قبل الحرب العالمية الثانية، غير أن هذا الوضع ما لبث أن انقلب وأصبحت تركيا تعتبر الاتحاد السوفيتى خطرا داهما على أمنها القومى خاصة من قبل اليمين السياسى التركى، المدعوم من المؤسسة العسكرية التركية.

لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، توصلت موسكو وأنقرة إلى أنه لا مفر من تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث تحولت موسكو، فى ظل النظام العالمى الجديد، تقريباً إلى دولة رأسمالية على علاقة وطيدة بالغرب خاصة فى عهد الرئيس بوريس يلتسين، وتم تعزيز هذه العلاقات من خلال معاهدة حول “مبادئ العلاقات بين الجمهورية التركية وروسيا الاتحادية” وقعت عام 1992، واعتبرت هذه المعاهدة حجر الأساس لحقبة جديدة من العلاقات بين البلدين، فقد شددت المعاهدة على جانب الندية فى العلاقات بين البلدين واحترام السيادة والسلامة الإقليمية والمساواة فى الحقوق والمصالح المتبادلة والامتناع عن استخدام القوة فى حل النزاعات، واكتسبت العلاقات بين البلدين منحى جديداً طالما كان ضحية للحرب الباردة والاستقطابات الدولية.

وعلى الرغم من شعور الغرب بالفوز المصطنع فى الحرب الباردة وركونه إلى أن الدب الروسى قد مات وبدأ يستعد لتقسيم فروته، فإن روسيا رغم ذلك واصلت لعب دور مهم فى القوقاز وآسيا الوسطى، وهنا أدركت تركيا أن علاقاتها بروسيا ستكون إما شريكا أو منافسا، فهاتان المنطقتان (وسط آسيا والقوقاز) ترى فيهما أنقرة مجالا حيويا تاريخيا وثقافيا لها، ومن ثم استوعبت تركيا أن مصالح البلدين سوف تتقاطع بلا شك فى أى لحظة، وتم توقيع ما صار يعرف بـ “خطة العمل المشتركة للتعاون فى أوروسيا” فى 10 نوفمبر 2001، وهى الوثيقة الأولى التى تحدثت عن إقامة “شراكة متعددة الأبعاد” بين روسيا وتركيا.

وعلى الرغم من التعاون الاقتصادى غيرالمحدود بين روسيا وتركيا، فإن بذور الصدام موجودة ويمكن أن تنبت وتترعرع فى أى لحظة، ويبقى الشك وعدم الثقة قائمين فى العلاقات بين روسيا وتركيا من أسميهما “الصديقين اللدودين” اللذين دفعت بهما أوروبا وخلافهما مع الغرب لأحضان بعضهما فى التسعينيات، لكن لن تكون تركيا بنفس الأهمية لحلف الناتو فى حال انتهاء المواجهة مع روسيا إذا ما تمخضت عن انضمام أوكرانيا للحلف، وإذا استطاع الناتو ضم جورجيا فمن الممكن أن تفقد تركيا أهميتها الإستراتيجية لحلف الناتو، خاصة أنه فى الحالتين سواء انتصار أوكرانيا أو ضم جورجيا سيكون على حساب إضعاف روسيا.!

لكن الذى لا شك فيه أن العلاقات التركية ـ الروسية شهدت تحسنا كبيرا بعد الحرب الباردة، ومهما كانت دوافع واضطرارات هذا التحسن وأعنى عدم القبول الأوروبى للطرفين، إلا أن العلاقات شهدت تطورات مهمة فى كافة المجالات الاقتصادية (التبادل التجارى تعدى 40 مليار دولار حاليا) وهناك طموح ليصل إلى مائة مليار، بالإضافة لأعمال وشركات التشييد والبناء والسياحة التركية والتى تسيطر على السوق الروسى، على أى حال ورغم التحسن غير المسبوق فى العلاقات التركية ـ الروسية فإن شراكة الدولتين فى أكثر من خمسة قرون من الذكريات المريرة المتراكمة من الفترة العثمانية بالنسبة لأنقرة، وتم استنساخها من جديد فى فترة الحرب الباردة، وحتى الآن هناك فصيل يمينى داخل تركيا يعتبر روسيا أكبر تهديد للأمن القومى التركى، ويستدعى هذا الفهم “أزمة الثقة بين الجانبين مرة أخرى.. تحتاج البلدان إلى عمل جاد حتى يمكن إزالة الأحكام المسبقة وانعدام الثقة، إذا كانتا تريدان مستقبلا مضمونا للعلاقات بينهما، ويتجاوزان بهذه الصداقة كونها محصورة فى الجانب الاقتصادى، خاصة أن تركيا لديها جانب ثقافى كانت تقوم به وتعثر بعد إسقاط طائرة روسية بواسطة مقاتلات تركية، واسترداد روسيا للقرم الذى كانت تركيا تعتبره مجالا للتأثير الثقافى فى أوكرانيا.

وإذا تحدثنا عن ألغام حديثة من الممكن أن تعرقل مسيرة العلاقات بين تركيا وروسيا فى المستقبل نجد أنها:

أولاً – الإرث التاريخى بين تركيا وروسيا 500 عام من الحروب بين الدولة العثمانية والقياصرة الروس وإرث الحرب الباردة, بوصف تركيا عضوا فى الناتو ومازالت.

ثانيا- تركيا عضو فى الحلف الذى تقاتل روسيا الآن فى أوكرانيا لمنع تمدده وتهديده لأمنها القومى، وعند الاختيار بين روسيا والحلف فإن تركيا ستكون فى موقف صعب.

ثالثا – تركيا تم ضمها للناتو لقربها الشديد من الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتى ولتحجيم الدور السوفيتى والروسى فى البحر الأسود فيما بعد. رابعا – تركيا تزود أوكرانيا بالمسيرات وبالسيارات المدرعة بل وحتى بعض القطع البحرية وهى فى حالة حرب مع روسيا ومع ذلك لا تعير الأخيرة الأمر اهتماما.

خامسا – أسقطت تركيا طائرة روسية مع ذلك تغاضت روسيا بسرعة عن الأمر.

سادسا – لم تعترف تركيا حتى الآن بالقرم كجزء من روسيا وأعلنت أنها لن تعترف بجمهوريات الدونباس، ولا حتى بالاستفتاء الأخير فى مناطق أوكرانية أخرى، وروسيا تتقبل ذلك بسعة صدر فهل من بديل؟ وأعلن الرئيس بوتين أن دولا كثيرة لها نفس الموقف، بمعنى أنه لن يقاطع كل الدول.

ويبقى السؤال هل سيحدث صدام مصالح؟ نعم قد يكون فى أوكرانيا أو سوريا أو ليبيا, فخطوط التماس بين تركيا وروسيا كثيرة وليس آخرها أوكرانيا، الطموح التركى يصل إلى عمق روسيا ذاتها، بشكورتستان وتتارستان والقرم، وبالطبع تركستان فى وسط آسيا حتى الصين وبالتأكيد جنوب وشمال القوقاز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى