القصف الصاروخي الإيراني الباكستاني: الدوافع وأبعاد الصراع
تحليل السفير شريف شاهين
فوجى المراقبون والمحللون السياسيون باندلاع قصف صاروخي متبادل بين إيران وباكستان، بعد أن قامت الأخيرة بضربة صاروخية مكثفة داخل الأراض الإيرانية رداً على قيام إيران بقصف في مناطق بإقليم بلوشستان الباكستاني الذي ينشط فيه جماعات مثل (جند الله وجيش العدل) المدعومة من تنظيم القاعدة وامتداداته داخل الأراضي الأفغانية، بعد أن قامت هذه الجماعة بتنفيذ تفجيري مستهدفة موكب مراسيم الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني قرب “مسجد صاحب الزمان” في مدينة كرمان الإيرانية، ما استدعى تدخل إيراني وقصف صاروخي إيراني، اعتبرته باكستان اعتداء على أراضيها وتجاوز لسيادتها، فقامت بإطلاق صواريخ باليستية من قواعدها في رساله واضحة بأن الجيش الباكستاني لا يسمح لأى دولة مهما كانت علاقاتها طيبة وجيدة مع باكستان باختراق أو انتهاك سيادة أراضيها.
فما الذي استدعى قيام كلا البلدين وفى هذا التوقيت بتأجيج نزاع لا مصلحة لكلا البلدين فيه؟ خاصه مع وجود لجنة عسكرية إيرانية باكستانية مشتركة تجتمع بصفة دورية لضبط الحدود على الجانبين بعد أن ازدادت أنشطه جماعه (جند الله) الانفصالية في إقليم بلوشستان من أنشطتها العدائية ضد حكومة باكستان، وهي التي تتخذ من أراضي إيران وأفغانستان ملاذاً لها للقيام بهذة الأعمال العدائية، وهي التي تهدف لاستقلال إقليم بلوشستان وسيستان كهدف نهائي لها.
ولفهم أبعاد هذا الصراع ينبغي تسليط الضوء على جذور هذا النزاع وأسبابه التي تعود إلى طبيعة إقليم بلوشستان الذي يشكل مساحه 350000 كم مربع من الأراضي المجاورة لكلاً من إيران وأفغانستان ويقطنه حوالى ٢٠ مليون نسمه معظمهم من عرقي البشتون و البلوش ذوي الأصول المختلفة وضمنهم الأصول العربية القادمة من أراضي عمان والقريبة والأصول الكردية، ويدين معظم سكان الإقليم بالمذهب السني و برغم كونه أكبر أقاليم باكستان الأربعة مساحة، إلا أنه أقل الأقاليم الباكستانية من ناحيه النمو الاقتصادي ويعاني تهميشاً واضحاً، برغم استحواذ أراضي الإقليم على ثروات معدنية ضخمة من الغاز والنحاس والفحم والذهب واحتمالات وجود يورانيوم به. كما أن للإقليم منفذ بحري بعد كراتشي وهو ميناء جوادر المطل على مضيق عمان ومضيق هرمز ويجري به أكبر مشروع تنموي لتكون هذه الميناء مطل بحري هام لطريق الحرير الصيني، وقد قامت الصين في السنوات الأخيرة بضخ ما يزيد على ٤٧ مليار دولار لإقامة ممر للتنمية في الإقليم يمتد من الحدود الصينية وحتى ميناء جوادر في إطار مبادرة (طريق الحرير) الصيني ليكون الميناء منفذاً للصادرات الصينية، وكذلك أقامت به الصين أول قاعدة صيفية بحرية خارج أراضيها وحتى هنا كانت بداية الإجابة على سؤال هام وهو لماذا ازدادت سخونة الصراع.
يتوزع بلوشستان بين ثلاث دول هي باكستان وإيران وأفغانستان، ولقد بدأت قضيه الإقليم منذ العام ١٩٤٧ عندما أعلنت بريطانيا في هذا العالم وثيقة استقلال بلوشستان التي كانت تحت حكم التاج البريطاني للهند ثم نكست بريطانيا بوعودها بعد إعلان استقلال باكستان وانفصالها عن الهند ولم يعترف سكان الإقليم بسيطرة باكستان عليه، وبالنظر لكونهم قومية مستقلة حظيت بتوافق اقليمي ثم باكستاني على الحكم الذاتي إلا أن الحكومة المركزية في باكستان عدلت عدة سياساتها بعد توسع الصراع الهندي / الباكستاني، وبعدها بدأ التمرد في بلوشستان يأخذ أبعاداً خطيرة بتدخل الهند و ايران ثم أفغانستان و أطراف عربية مؤخراً مثل المخابرات الإماراتية.
يتواجد في بلوشستان جماعات مسلحة انفصالية أبرزها جماعه (جند الله وجيش العدل) المدعومة من القاعدة و(جيش تحرير بلوشستان) و (عسكر بلوشستان) و (جيش البلوش المتحد) وغيرهم وهم غالباً مجموعات مدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية.
وقد شهدت عاصمة الإقليم (كويته) في باكستان عدة انفجارات وأعمال عنف ضد الجيش الباكستاني مما اقتضى تشكيل لجنة عسكرية باكستانية إيرانية لضبط الحدود التي يتسلل منها الانفصاليين، ولكن يظل السؤال لماذا التصعيد في هذا التوقيت الذي يشهد سخونة في الإقليم وللإجابة على هذا التساؤل نود الإشارة إلى حجة باكستان في القصف الأخير كانت أن إيران توفر ملاذات أمنة للانفصاليين فيما تدعي إيران أن القصف الإيراني يستهدف وجود خلايا الجهاز الموساد تعمل مع هؤلاء الانفصاليين لزعزعة الاستقرار داخل إيران
إيران التي تخشى من أن يمتد الصراع إلى منطقة الأحواز ذات الأقلية العربية والمناطق الغربية ذات الغالبية الكردية والشمالية ذات الغالبية الأزرية، كانت حجتها أن إسرائيل كانت وراء حادث تفجير الموكب الشيعي وأن العناصر التي قامت بالتفجير تم تدريبها في مركز للموساد في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق وأماكن في بلوشستان، ولذا كانت الضربة الإيرانية مزدوجة لكلا من الإسرائيليين والعناصر التابعة لها من تنظيم القاعدة الذين يستهدفون الشيعة داخل الأراضي الباكستانية والأفعانية.
نلاحظ وجود ارتباط وثيق في هذه الفترة بين أحداث إيران وباكستان وما يحدث في غزة، حيث تشير المعلومات الاستخباراتية إلى قيام إسرائيل والموساد تحديداً بتفعيل عملية تسمى(نيللي) وبمقتضاها أعطت الموساد تعليمات باغتيال كل مشرف ومنفذ في عملية 7 أكتوبر في غلاف غزة ومن أشرف عليها من فيلق القدس الإيراني وبهدف الانتقام من إيران قامت إسرائيل بتوسيع دائرة الحرب وخلط الأوراق بهدف الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لتكون موجودة بكل ثقلها خاصة وأن كلا من إيران وباكستان معروف عنهما بمساعدتهما القوية للشعب الفلسطيني وعضويتهما المشتركة في منظمة التعاون الإسلامي وقد سعت إسرائيل على خلق هذا التوتر لتظل الولايات المتحدة الأمريكية متواجدة بقوة خاصة وأن أمريكا تعاني من الجماعات المسلحة التابعة لإيران في مناطق شمالي سوريا وشمالي العراق، كما أن أمريكا لها استراتيجية متعلقة بجنوب غرب آسيا وهي أنها تغض الطرف عن الجماعات المتشددة والإرهابية لأن ذلك يساهم في تخريب مشروع “طريق الحرير” الصيني وقد سمحت أمريكا بدخول عناصر من داعش قبل انسحابها من أفغانستان إلى بلوشستان، للقيام بأعمال تخريب في بلوشستان حيث طريق التنمية من ميناء الجوادر للصين، وقد قامت هذه الجماعات باختطاف بعض الخبراء الصينيين العاملين في المشروع لضربه ومنعه.
والخلاصة أن التوتر الأخير الذي وصل إلى حد القصف المتبادل بين دولتين السلايتين جارتين احدها شيعية والأخرى سنية يعود في جانب منه إلى جذور تاريخية استغلتها عناصر إقليمية أولها إسرائيل في محاوله لإشغال إيران واستنزاف العناصر والمليشيات المسلحة التابعة لها، ولكن اقتضت المصالح أن تتدخل الصين بقوة باعتبارها قوة بحرية لديها مصالح ضخمة في الإقليم ومع كلا البلدين لتهدئة الصراع، ولاشك أن الأيام المقبلة ستشهد تفعيلاً للجنة العسكرية المشتركة الباكستانية / الإيرانية لضبط الحدود، ووضع مثل هذه الأحداث مستقبلاً. ولكن يظل السؤال إلى متى تصمد النوايا الحسنة أمام مخططات إسرائيل والهند ضد باكستان من جانب ومع وجود نية لإسرائيل مبيته لجر ايران إلى صراع مسلح يكون مسرحة جنوب لبنان في المستقبل القريب، وسوف تجيب الأيام المقبلة على هذه التساؤلات