الاخبار الرئيسيةمقالات

الشرق الأوسط حقل تجارب للذكاء الاصطناعي العسكري الأمريكي

تحليل د. أحمد فتحي

لا يزال الخط الفاصل بين الخيال العلمي وواقع ساحة المعركة غير واضح، فلقد دخل الذكاء الاصطناعي بالفعل في العديد من جوانب حياتنا، ولكنه الآن يغير طبيعة الحرب ذاتها، وهذا ما يفعله مشروع “مايفين” (Project Maven)، الذي يعد أداة الذكاء الاصطناعي الأكثر وضوحًا لدى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، الذي صُمم لمعالجة الصور ومقاطع الفيديو كاملة الحركة من الطائرات بدون طيار واكتشاف الأهداف المحتملة تلقائيًا.

في عام 2017، شرع الجيش الأمريكي للمرة الأولى في مناقشة مشروع لإدخال الذكاء الاصطناعي إلى ساحات المعركة، حيث طرح ويل روبر، الذي عمل في مكتب القدرات الاستراتيجية بوزارة الدفاع الأمريكية، فكرة ما يسمى الآن بمشروع “مايفين”، ليكشف تقرير جديد صادر عن بلومبرج أن المشروع قد دخل بالفعل إلى الخدمة، وكثف الجيش الأمريكي استخداماته للمشروع بعد هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، فطبقًا ل “شويلر مور” كبير مسؤولي التكنولوجيا في القيادة المركزية الأمريكية، خوارزميات “مايفين” ساعدت البنتاغون على تحديد الأهداف لأكثر من 85 غارة جوية في الشرق الأوسط في الشهر الماضي فقط.

ويعد مشروع “مايفين” بمثابة مركز الجهود العسكرية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، ويستخدم المشروع أدوات التعلم الآلي لتحديد الأهداف من أفراد ومعدات، وهي تلك العملية التي كان ينفذها محللون بشريون بعناية شديدة، حيث تدمج تقنيات “مايفين” الذكية مصادر بيانات مختلفة – من صور الأقمار الصناعية، وبيانات تحديد الموقع الجغرافي، واعتراضات الاتصالات – في واجهة موحدة لتحليل ساحة المعركة.

وبعد عام واحد فقط من ولادته، تم بالفعل نشر مشروع مافن، في 6 مواقع في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يساعد المحللين العسكريين على فرز جبال من البيانات التي تلتقطها أجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار. وقال القادة العسكريون إن البرنامج يستخدم لتنظيم وتحليل مقاطع الفيديو والبيانات المأخوذة من الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط، وساعد نجاحه المبكر البنتاغون للمضي قدماً إلى التوسع في استخدامه بالقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بعد الشرق الأوسط.

وعن العمليات الحالية يتم استخدام خوارزميات الرؤية الحاسوبية الخاصة بالمشروع بنشاط في أماكن مثل اليمن والعراق وسوريا – للبحث عن الأهداف والإبلاغ عن قرارات الضربات الجوية، لكن الولايات المتحدة ليست وحدها التي تستخدم “مايفين”، حيث يعد استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في الاستهداف القتالي، واستخدام أوكرانيا للذكاء الاصطناعي في دفاعها ضد روسيا، تأكيدًا أن هذه التكنولوجيا تعيد تشكيل قواعد الاشتباك.

وشنّت القاذفات والمقاتلات الأمريكية ضربات جوية على 7 مواقع في العراق وسوريا في شهري فبرابر ومارس الماضي، مما أدى إلى تدمير كامل أو إلحاق أضرار بصواريخ ومنصات إطلاق ومخازن طائرات مسيرة ومراكز عمليات للميليشيات المستهدفة، كما استخدم البنتاجون أنظمة الذكاء الاصطناعي لرصد قاذفات صواريخ في اليمن ووحدات بحرية سطحية في البحر الأحمر، ثم قام بتدميرها عبر ضربات جوية متعددة خلال تلك الفترة.

مراحل تطور “مايفين”

طورت خوارزميات التعلم الآلي المستخدمة لتضييق نطاق الأهداف في إطار مشروع “مايفين”، بواسطة عملاق التكنولوجيا جوجل، وبشكل أدق، تضمن المشروع استغلال الجيش الأمريكي لتقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة من جوجل لتحليل لقطات الطائرات المسيرة ووضع علامات على الصور لمزيد من المراجعة البشرية، وقد أثار هذا المشروع ضجة كبيرة بين موظفي العملاق التكنولوجي، حيث قام الآلاف منهم بالتماسات إلى الشركة لإنهاء شراكتها مع البنتاجون، بل إن البعض منهم استقال بسبب تورط الشركة في هذا المشروع. وبعد بضعة أشهر من احتجاج الموظفين، قررت شركة جوجل عدم تجديد العقد في عام 2019 وإنهاء علاقتها بالمشروع.

وبحلول عام 2020، كان الجيش يجري تدريبات بالذخيرة الحية باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي في الفيلق 18 المحمول جواً في ولاية كارولينا الشمالية، وتعد تلك الوحدة الآن أكبر منصة اختبار تشغيلية لمشروع “مايفين”، حسبما أفادت كاترينا مانسون من بلومبرج في نظرة خلف كواليس البرنامج، إلا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست مثالية بعد، في حين أن العنصر البشري في الفيلق 18 يمكنهم التعرف على الدبابة بشكل صحيح بنسبة 84%، فإن “مايفين” يجعلها أقرب إلى 60%، ويقول الخبراء أن هذا الرقم ينخفض إلى 30% في الظروف المناخية الصعبة، في حين يرى الجيش الأمريكي أن الوضع يتحسن، لأن دولًا مثل أوكرانيا وإسرائيل تعتمد على تلك التكنولوجيا في صراعاتها الحالية.

وأوضح كبير مسؤولي التكنولوجيا بالبنتاجون أن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لم تتوقف عن تجربة استخدام الخوارزميات لتحديد الأهداف المحتملة باستخدام صور الطائرات بدون طيار أو صور الأقمار الصناعية حتى بعد أن أنهت جوجل مشاركتها بالمشروع، حيث أن الجيش الأمريكي اختبر استخدامها خلال العام الماضي في تدريبات رقمية، لكنه بدأ في استخدام خوارزميات الاستهداف في العمليات الفعلية بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر. ومع ذلك، يقوم العنصر البشري باستمرار بالتحقق من التوصيات المستهدفة لأنظمة “مايفين” قبل توجيه الضربات، فهم الذين يقترحون كيفية شن الهجمات والأسلحة التي يجب استخدامها. “لا توجد أبدًا خوارزمية تعمل من نفسها لتتوصل إلى نتيجة ثم تنتقل إلى الخطوة التالية، في كل خطوة تتضمن الذكاء الاصطناعي هناك مراقب بشري في النهاية يتخذ القرار.”

تطور المشروع في عهد بايدن

في 2022، أعلن مدير الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية NGA في 25 أبريل أن الوكالة ستتولى السيطرة التشغيلية جزئيًا على خدمات مشروع الذكاء الاصطناعي “مايفين”، بموجب الميزانية التي اقترحها الرئيس الأمريكي جو بايدن للسنة المالية 2023، وتعتبر وكالة NGA بأنها وكالة الاستخبارات المسؤولة عن معالجة وتحليل صور الأقمار الصناعية، ولكنها تقود أيضًا جهود مجتمع الاستخبارات لرسم الخرائط الأرضية ومعالجة أنواع أخرى من الصور الجوية.

وقد شاركت الوكالة بشكل كبير في مشروع “مايفين” منذ إطلاقه في عام 2017، حيث عملت مع وزارة الدفاع على اختبار قدرات المشروع في العروض العسكرية، بما في ذلك في Project Convergence، وهو تدريب سنوي للجيش الأمريكي في صحراء أريزونا لاختبار الخدمة وتقنياتها المتقدمة في ساحة المعركة، من خلال تجهيز طائرة MQ-1C Gray Eagle بدون طيار بنظام “مايفين” الذكي ومنصة الاستدلال الخوارزمي التي تم إنشاؤها من خلال المشروع، ليكون واحداً من عدة حلول تلقائية أو مساعدة للتعرف على الأهداف التي تم اختبارها في الصحراء.

وفي النهاية قسمت مسؤوليات مشروع “مايفين” بين الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية (NGA) ورئيس مكتب الذكاء الرقمي والاصطناعي البنتاجون (CDAO)، بينما يشرف علي المشروع مكتب وكيل وزارة الدفاع للاستخبارات والأمن.

تزايد وتيرة التمويل للمشروع

وتكشف وثائق الميزانية المالية الأمريكية لعام 2025 كيف لا يزال مشروع “مايفين” يتطور، بالإشارة على تعليقات خبراء عسكريين أن زيادة التمويل لدعم تطوير الخوارزميات، وإعداد البيانات، وتجربة التكامل لإنشاء قدرات مشتركة لوزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات، فيما يلي بنود ميزانية المشروع والمبالغ الأساسية المطلوبة للسنة المالية 2025 المرتبطة بها:

  • أنشطة التجارب – 223 مليون دولار
  • أنشطة العرض والتحقق – 372 مليون دولار
  • الأنشطة التطوير – 54 مليون دولار
  • أنشطة مكتب الذكاء الرقمي والاصطناعي – 9 مليون دولار

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي أبهرت القادة العسكريين وجعلتهم يتصورون ساحات معارك يتم فيها جمع المعلومات ومعالجتها والتصرف بناءً عليها بسرعات تتجاوز القدرات البشرية. وتحت أعين الكونجرس، طلب البنتاغون بالفعل مليارات الدولارات للمساعي العسكرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. لقد تم طلب أكثر من 3 مليارات دولار للمشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في عرض ميزانيتها لعام 2025، وقد جادلت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بأنه قد يكون من الاختياري أن يكون للبشر السيطرة النهائية على الأسلحة المستقلة، ومع تنافس الصين أيضًا على هيمنة الذكاء الاصطناعي، يحذر باحثون أمريكيون من أن الغلبة ستعود إلى أولئك الذين يستطيعون إزالة العنصر البشري من الحرب.

بينما تتنافس الدول على التفوق التكنولوجي في سباق الذكاء الاصطناعي، أصبح الحوار الدولي واللوائح التنظيمية التي تتناول استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب أكثر أهمية من أي وقت مضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى