الاخبار الرئيسيةدراسات

أزمات متلاحقة.. تهدد نتنياهو وحكومته

تحليل: د. فرناز عطية

لايزال الوضع السياسي لنتنياهو يشهد مزيدًا من الأزمات الداخلية التي تؤثر سلبًا على شعبيته في الشارع الإسرائيلي، حيث تلاحقه الأزمة تلو الأخرى، مما يزيد من سخط الشارع والمواطن الإسرائيلي تجاه سياسته، فإلى جانب حرب غزة التي مر عليها نصف عام تقريبًا، وكبدت الجانب الإسرائيلي الخسائر الفادحة ماديًا وبشريًا ولا تزال تستنزف موارده، وتؤثر سلبًا على صورة الكيان الإسرائيلي على مستوى العالم، حيث أدت إلى خسائر بالاقتصاد الإسرائيلي وصلت إلى 73 مليار دولارًا في قطاعات مختلفة، كالصناعة والزراعة والسياحة الداخلية، وذلك مع استمرار الارتفاع في تكاليف الحرب وتداعياتها على الموازنة العامة لإسرائيل، التي أضحت تعاني عجزًا بقيمة 6.6% من الناتج المحلي وذلك حسب بيانات تقرير البنك المركزي الإسرائيلي ووزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية، كما تسببت الحرب في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال -حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم- حيث تم إيواؤهم في 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار)، هذا إلى جانب الخسائر البشرية، فلا يزال 132 أسيرًا إسرائيليًا محتجزين في غزة، إضافة إلى ما يثيره أهالي المحتجزين من اضطرابات ومظاهرات في الشارع الإسرائيلي بين الفينة والآخرى تعبيرًا عن موقفهم الرافض لسياسة الحكومة تجاه ذويهم، كما لقي أكثر من 1000 جندي إسرائيلي مصرعهم في هذه الحرب، إلى جانب الاضطرابات النفسية التي أصابت عدد كبير من الجنود والمستوطنين والحالات الانتحار، والإعاقة .

أزمات مستجدة:
شهدت الآونة الأخيرة أزمات استحدثت بسبب قرارات ونهج حكومة نتنياهو التي استفزت مواطني إسرائيل باختلاف انتماءاتهم ومسئوليها أيضًا، وأثارت السخط العام، وأبرزها:

–   الخلافات الداخلية بين أعضاء حكومة نتنياهو
يرى كثير من المتابعين للشأن الإسرائيلي أن هناك خلافات بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية قد تشكل إرهاصات لتصدع هذه الحكومة، ومنها عقد “يوآف غالانت” وزير الأمن الإسرائيلي اجتماعًا بديلًا لجلسة مجلس الحرب بدون نتنياهو شارك فيه كل كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي، والموساد، والشاباك، والوفد المفاوض لبحث صفقة الأسرى؛ لمناقشة صفقة الأسرى المحتملة مع حركة حماس في مارس الماضي، مؤكدّا أن نتنياهو يسعى لإضاعة الوقت، وشهد آواخر الشهر ذاته استقالة الوزير “جدعون ساعر” رئيس حزب “أمل جديد” من حكومة الطوارئ بعد طلبه الانضمام إلى مجلس الحرب، والذي اصطدم بطلبين من الوزيرين “إتمار بن غفير”، و “بتسلئيل سموتريتش” للانضمام لمجلس الحرب، مما أدى بدوره لتوليد أزمة ائتلافية لأن ضمهما كان سيؤدي للانسحاب الفوري للوزيرين “غانتس” و”آيزنكوت” من حكومة الطوارئ، وقد رأى البعض هذه الخطوة أنها إضعاف للجنود وبداية تفكك لحكومة نتنياهو، ومنهم “يائيير لابيد” زعيم المعارضة، وبالتالي فإن الخلافات داخل حكومة نتنياهو في اتجاه متصاعد.

–   إبطال المحكمة العليا لجوهر إصلاحات حكومة نتنياهو على قانون المعقولية
أصدرت المحكمة العليا في 1يناير 2024 قراراً بإبطال التعديلات التي أجراها نتنياهو وحكومته ضمن ما عرف بـ”خطة الإصلاح”، على قانون المعقولية القضائية، حيث صوتت المحكمة بفارق ضئيل على إلغاء قانون تم إقراره في يوليو 2023يمنع القضاة من إلغاء قرارات الحكومة التي يعتبرونها “غير معقولة”، وأرجعوا ذلك إلى “الضرر الجسيم وغير المسبوق الذي لحق بالطابع الأساسي لدولة إسرائيل كدولة ديمقراطية”، ويذكر أن نتنياهو كان يهدف من وراء هذه التعديلات إلى الإفلات من قضايا الفساد المتورط فيها، ويعد قرار المحمة ضربة موجعة وجهة إلى نتنياهو وحكومته، مما يعني عدم قدرته على الإفلات من العقوبات المترتبة على تورطه في قضايا الفساد الموجهة له، ناهيك عن إخفاقاته وحكومته منذ طوفان الأقصى واندلاع حرب غزة .

–   مشروع قانون “تجنيد الحريديم”
ظهرت مؤخرًا دعوات من وزراء بمجلس الحرب الإسرائيلي لتعديل قانون التجنيد، بتوسيع قاعدة المجندين لتشمل اليهود المتدينين “الحريديم” على أساس قاعدة مفادها “أن جميع شرائح المجتمع ينبغي أن تخدم البلاد” لاسيما في هذا الوقت الحرج والخطر، ومن المعروف أن “الحريديم” لا يخدمون بالجيش الإسرائيلي إلا بشكل محدود ليتفرغوا لدراسة التوراة، وكان أبرز المطالبين بدعوى شمول التجنيد لجميع الشباب الإسرائيلي “” يوآف غالانت” وزير الدفاع من خلال تأكيده على ضرورة وحدة وشراكة قوى المجتمع الإسرائيلي المتباينة لمواجهة التهديدات القادمة من غزة ولبنان والضفة الغربية، كما أيد ذلك كل من الوزيرين “بيني غانتس” و”جادي آيزنكوت” اللذين رأى ضرورة سن قانون خدمة عسكرية يوسع نطاق التجنيد الإجباري بهدف زيادة أعداد المجندين خلال العقد المقبل، وفي هذا السياق يذكر أن 66 ألف شابًا حريديًا تم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية خلال عام 2023 وهو رقم قياسي وسط حالة الحرب التي تعيشها البلاد، وتعدد جبهاتها، وقد أثار هذا الأمر سخط الأحزاب الدينية المتشددة، وتوعدت بإسقاط ائتلاف نتنياهو، وفي المقابل هدد “غانيتس” بالانسحاب من الحكومة حال الإبقاء على قانون التجنيد بصيغته الحالية التي يستثنى منها اليهود “الحريديم” المتشددين؛ مما أدى لتجاذبات سياسية داخل حكومة الطوارئ، وإثارة جماهير الحريديم ضد نتنياهو وحكومته، والخروج في مظاهرات للتنديد بهذا المشروع، وبدوره سبب مزيد من السخط والاضطراب في الشارع الإسرائيلي.

–   توقيع العقوبات على كتيبة “نيتساح يهودا”
أثارت أخبار اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية توقيع عقوبات على كتيبة “نيتساح يهودا” بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الضفة الغربية جدلاً بين المسئولين في الحكومة الإسرائيلية، ففي حال وقعت الكتيبة تحت طائلة العقوبات الأمريكية ستكون السابقة الأولى من نوعها بالنسبة للجيش الإسرائيلي، وسيتم حظر استفادتها من أية مساعدات أمريكية أو تدريب عسكري أمريكي، ويذكر أن الكتيبة تتكون من الشباب الإسرائيلي الذين لم تتوفر لهم أماكن بالمعاهد والكليات الدينية، وتعمل هذه الكتيبة ضمن شروط تتيح قيامهم بالأعمال الدينية المطلوبة منهم إلى جانب الأعمال القتالية، وقد تأسست هذه الكتيبة 1999 بعضوية مجموعة من الحاخامات الحريديم الذين عملوا مع القسم الأمني في وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي، وينتمون لمنظمة “ناحال حريدي” غير الربحية، وكان قوام الكتيبة 30 جنديًا وقتئذ، وتعرف أيضًا بكتيبة ” ناحال حريديم” أو “الكتيبة 97″، وتمارس أغلب أعمالها القتالية في الضفة الغربية.

ورأى مسئولون إسرائيليون أن هذه العقوبات من شأنها التأثير سلبًا على شرعية الجيش الإسرائيلي، والعمليات التي يقوم بها، كما طالب البعض ومنهم “غانتس” بضرورة الضغط لوقف مثل هذا الأمر والحيلولة دون تنفيذه بشتى الطرق، فيما دعا “بن غفير” وزير الأمن القومي إلى الاستيلاء على جميع أموال السلطة الفلسطينية المحولة لها عبر إسرائيل ردًا على عقوبات واشنطن المقترحة.

ومن جانب آخر وجه البعض ومنهم ” لابيد” الاتهام إلى نتنياهو وسياسته المتشددة، والتي أدت بدورها إلى الوصول لمثل هذا الوضع الخطير ورفض أية عقوبات توجه لأي من وحدات الجيش الإسرائيلي، مما يؤزم من وضع نتنياهو وحكومته، ويعزز من الصراعات بين أعضائها.

وباستعراض ما سبق نجد أن كثرة الأزمات المتوالية التي تلاحق نتنياهو وحكومته تقلل من شعبيته، حيث أكد استطلاعين للرأي لمعهد “لازار” وجريدة “معاريف” انخفاض شعبية “نتنياهو” لصالح غريمه “غانتس”، إذ يرى 50% أن الأخير هو الأفضل لرئاسة الحكومة، ومن زاوية أخرى فإن هذه الأزمات تزيد من حدة الصراعات بين أعضاء حكومة نتنياهو مما يعجل بتفككها وانحسارها عن السلطة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى