مؤشرات خطرة.. تأزم المشهد على الساحة اللبنانية – الإسرائيلية
تحليل: د. فرناز عطية
بعد استهداف إسرائيل لعدد من المواقع اللبنانية وتصفيتها لعدد من القيادات الهامة في “حزب الله”، وقد كان أبرزهم “وسام الطويل” و”طالب سامي عبد الله”، اتجه “حزب الله” لتصعيد هجماته تجاه شمال إسرائيل، فقد أطلق مؤخرًا للرد على اغتيال “طالب” قرابة الـ 160 صاروخًا من جنوب لبنان باتجاه صفد وطبريا، كما تم استهدف مصنع للصناعات العسكرية في سعسع، وقاعدة ميرون الجوية، وقصف مقر قيادة الفيلق الشمالي، وبالتالي فإن أنظار العالم تتجه نحو منطقة صراع ساخنة جديدة مؤهلة للاشتعال في أي وقت، وهو ما يؤدي بدوره إلى امتداد نطاق الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع ما توعد به “يوآف غالانت” وزير الدفاع الإسرائيلي بإبعاد “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني بجنوب لبنان استنادًا إلى القرار الأممي رقم (1701)، واستمرار قصف الحدود اللبنانية حتى لو تم وقف إطلاق النار في قطاع غزة .
وبالتالي فإن هناك عدد من المؤشرات التي توجب الالتفات إليها وتؤكد أن الوضع على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية يتجه للأسوأ ومنها:
- تهديدات “حزب الله” لقبرص:
فقد وجه “حسن نصر الله” الأمين العام لـ”حزب الله” تهديد في خطاب ناري له 19 يونيو الجاري لجزيرة قبرص باستهدافها حال ساعدت إسرائيل في حرب محتملة بين الجماعة المسلحة اللبنانية المدعومة من إيران وبين إسرائيل، وذلك إذا قامت بفتح قواعدها ومطاراتها للقوات الإسرائيلية، وهذا بعد تحذيره لإسرائيل بأن “الحرب الشاملة أضحت وشيكة جداً”، ومما يجدر ذكره هنا أن قبرص تمتلك سلاح جو صغيراً ومحدود القدرات، ولديها أسلحة ومعدات قديمة نسبيًا، كما أن المناطق الغربية القبرصية التي تبعد قرابة 300 كيلومتر عن سواحل لبنان، بها عدة قواعد جوية أساسية، هي: قاعدة “بافوس” الجوية وهي الأكبر والأكثر أهمية، وقاعدة ضاحية “لاكاتاميا” جنوب غربي نيقوسيا، مركز قيادة سلاح الجو القبرصي وبها بعض وحدات المراقبة، وقاعدة “أكروتيري” التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، وتقع على مقربة من مدينة ليماسول جنوبي قبرص وهي القاعدة الوحيدة التي يديرها سلاح الجو البريطاني في منطقة المتوسط، وقد انطلقت منها عمليات في أفغانستان والعراق وليبيا، وفي الشهور الأخيرة انطلقت منها عمليات ضد الحوثيين في اليمن، ومن زاوية أخرى فإن قبرص تعد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ولكنها ليست عضوًا في الناتو، كذلك تنظر تل أبيب إلى نيقوسيا كشريك لإحباط التهديدات الإقليمية، خاصة من قبل تركيا والجماعات المرتبطة بإيران، وقد شهدت الأراضي القبرصية في السنوات الأخيرة تدريبات القوات الإسرائيلية على الحرب المحتملة مع “حزب الله”؛ نظرًا لتشابه طبيعة التضاريس بين قبرص ولبنان، وأيضًا المناورات المشتركة بين الجانبين الإسرائيلي والقبرصي وكان آخرها في مايو 2023، وفي هذا الصدد نفى “نيكوس خريستودوليدس” الرئيس القبرصي تورطه في الأعمال الحربية، وأكد أن نيقوسيا جزء من الحل بما قدمته من جهود إغاثة في غزة من خلال تسهيل وصول المساعدات عبر الممر العائم في غزة، كما أكد أن خطوط الاتصال مفتوحة مع الحكومتين اللبنانية والإيرانية.
- إعلان الجيش الإسرائيلي إقرار خطة لتوسيع الحرب داخل الجنوب اللبناني:
بعد الحرب الكلامية والتصريحات العدائية التي تحمل التهديد الصريح لـ”حزب الله” من قبل عدد من المسئولين في الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتهم “نتنياهو” رأس الحكومة، والذي أكد أن الجيش جاهز لعملية مكثفة في لبنان إذا لزم الأمر، متعهدًا بإعادة الأمن للحدود الشمالية لإسرائيل، وكذلك “يسرائيل كاتس” وزير الخارجية الإسرائيلي الذي توعد بالقضاء على “حزب الله” في حرب شاملة، وبعد التصعيد الذي بلغ شهره التاسع أعلن الجيش الإسرائيلي في 18/6/2024 أن كبار المسؤولين العسكريين أجروا تقييمًا مشتركًا للوضع بالقيادة الشمالية، وبناء عليه تمت المصادقة وإقرار خطط عملياتية للهجوم على لبنان، كما تم اتخاذ قرارات بخصوص مواصلة تسريع استعدادات القوات في الميدان حيث أكد مصدر إسرائيلي أن قوات الجيش على الحدود اللبنانية أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023، هذا بالرغم من الوساطات وأبرزها الأمريكية التي دعت إلى حل النزاع دبلوماسيًا بين الطرفين وتفادي التصعيد.
- استعراض “حزب الله ” لإحداثيات أهداف عسكرية حيوية إسرائيلية
وجه “حزب الله” رسالة ردع قوية للجانب الإسرائيلي، وهذا من خلال نشر فيديو بواسطة منصة الإعلام الحربي له يستعرض بها إحداثيات لأهداف عسكرية مهمة على بعد 36 كلم جنوب مدينة حيفا الإسرائيلية، ستدخل ضمن دائرة استهدافه حال قامت إسرائيل بإضرام نيران حرب شاملة، في حين أكدت مصادر بالجانب الإسرائيلي على أهمية هذا الفيديو، والذي شمل: محطة أوروت رابين لتوليد الكهرباء التي تقع في مدينة الخضيرة (حديرا)، ومحطات توليد الطاقة في جنوب عسقلان وفي أسدود ومحطة دوراد ، وكذا محطة لتوليد الكهرباء والطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي والقريبة من قطاع غزة والتي تبعد عن الحدود اللبنانية أكثر من 170 كلم، بالإضافة إلى مجموعة مواقع عسكرية من مطارات ومواقع استراتيجية أخرى في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب أن الأمين العام للحزب بين أن قادة مسلحين في إيران والعراق وسوريا واليمن ودول أخرى عرضوا إرسال عشرات الآلاف من المسلحين لمساعدة “حزب الله”، إلى جانب مقاتلي “حزب الله” الذين تصل أعدادهم لأكثر من 100 ألف مقاتلًا.
- اتهامات لـ ” حزب الله” بتخزين أسلحة بمطار بيروت:
زعمت صحيفة “التلجراف” البريطانية، أن “حزب الله يخزن كميات هائلة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات في مطار بيروت المدني الرئيسي “مطار رفيق الحريري الدولي”، بحيث تتضمن صواريخ مدفعية غير موجهة من طراز فلق إيرانية الصنع، وصواريخ قصيرة المدى من طراز فاتح-110، وصواريخ باليستية متحركة على الطرق، وصواريخ من طراز إم-600 بمدى يتراوح بين 150 و200 ميل”، وقد نفت وزارة الأشغال العامة والنقل اللبنانية هذا الأمر، وأكدت أنها بصدد رفع دعوى ضد الصحيفة، وقد يفسر ما نشرته الصحيفة في هذا التوقيت بالذات بأنها:
- تقدم مبرر وذريعة جاهزة لبدء هجوم وشيك في لبنان ضد “حزب الله” أو لضرب مطار رفيق الحريري وهو ما تهدد به إسرائيل.
- إثارة القلاقل وتحريض الشعب اللبناني ضد “حزب الله” .
- محاولة إسرائيل لربط المجتمع الدولي بالوضع في لبنان، حيث أن مهاجمة طائرات الشركات الأجنبية هو اعتداء على سيادة دولة أجنبية.
ويذكر أن عددًا من السفراء المعتمدين في لبنان أجروا جولة في مطار بيروت 24/6/2024، ردًا على المقال المنشور في الصحيفة.
- طلب إسرائيل تزويدها بمزيد من الأسلحة:
سعت إسرائيل مؤخرًا للحصول على تمويل جديد من الولايات المتحدة بالأسلحة، وذلك لإنهاء مهماتها في الجنوب (رفح) والاستعداد لمهام جديدة في الشمال (الحدود اللبنانية الإسرائيلية)، وقد صرح مسئولون أمريكيون أنه إذا أرادت إسرائيل تحويل الحرب للشمال، فسيتعين عليها تحديد ما هو الهدف المطلوب، وهل يمكن أن تصمد أمامه، وأن تولد شرعية دولية ومظلة دولية لهذا الأمر، وفي هذه الحالة سيُطلب من إسرائيل استخدام أسلحة ومنظومات مختلفة، ويتجه “يوآف غالانت” وزير الدفاع الإسرائيلي إلى واشنطن لمناقشة عدة قضايا كالتسلح ونقل الحرب للشمال وملف غزة .
هنا نجد أن المؤشرات السابقة تدلل على سير الأوضاع على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية نحو الأسوأ، ونحو مزيد من التوتر، مما قد ينذر بعملية اجتياح بري إسرائيلي، لإعادة مواطنيها لمناطق الشمال التي فرو منها خوفًا من “حزب الله”، ولكن تحول الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” إلى حرب شاملة أمر غير مرجح، حيث لا يرغب أي من الطرفين في مثل هذا التصعيد، فإسرائيل بالرغم من إلحاحها وسعيها للحصول على السلاح من الولايات المتحدة إلى أنها منهكة من حربها في غزة التي لم تنته بعد ولم تحقق هدفها منها، ومن الصعوبة بمكان أن تفتح جبهات جديدة، لاسيما وأن نقلها الحرب للجبهة اللبنانية يعني مواجهتها للمحور الإيراني في سوريا والعراق واليمن وحركة حماس خاصة بعد اعتزامها نقل مكتبها للعراق وقبول الأخيرة بذلك علاوة على إيران ذاتها، مما يتسبب في اندلاع حرب شاملة متعددة الجبهات من الصعب أن تصمد أمامها إسرائيل، ومن ناحية “حزب الله” هو لا يسعى لدخول حرب مع إسرائيل لعدم توريط لبنان في هذه الحرب وحتى لا يفقد شعبيته، خاصة مع الخسائر الفادحة المتوقعة لمثل هذه الحرب، ومن جانب الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن التورط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط بالرغم من محاولة تل أبيب استغلال فترة الانتخابات التي يخوضها “بايدن”، ومن زاوية مغايرة تعزف إيران عن دفع مثل هذه التكلفة الباهظة لهذه الحرب، وبالتالي ينبغي على جميع الأطراف مراعاة قواعد اللعبة السياسية، والحفاظ على عدم تجاوز قواعد الاشتباك، وعدم الانزلاق إلى حرب شاملة تحقق مصالح شخصية لبعض المسئولين كنتنياهو الذي يحاول أن يشتت تركيز الإسرائيليين بعيدًا عن فشله في حرب غزة والقضاء على حماس، إلى جانب قضايا الفساد المتورط بها.