حَجَر عَثْرة.. تجنيد “الحريديم” وتهديد مسار استمرار حكومة “نتنياهو” في السلطة
تحليل: د. فرناز عطية
عقبة إضافية تضاف إلى العقبات التي تعترض طريق استمرار حكومة “نتنياهو” في سدة الحكم بإسرائيل، حيث قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع 25 يونيو 2024، بأنه يجب على الدولة تجنيد طلبة المدارس اليهودية التلمودية المتدينين (الحريديم) في الجيش، وذلك في ظل مراوغات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” رغبة منه في إرضاء اليمين الإسرائيلي المتشدد، المتحالف مع حزب “الليكود”، وأكدت المحكمة غياب إطار تشريعي مناسب بدون تثبيت الإعفاء في إطار قانوني، وبناءً عليه ينبغي على السلطة التنفيذية أن تلتزم بتطبيق القانون.
من هم طائفة “الحريديم”؟
كلمة “الحريديم” هي مفرد “الحريدي” وتعني المتدين أو التقي، وهم اليهود الأرثوذكس المتشددين، ويشكلون 13 % من سكان إسرائيل، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 19 % بحلول عام 2035، وفقاً للتحليل الديموغرافي الذي أجراه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، يتوقع أن يشكلوا أكثر من 30% بحلول عام 2065، بسبب ارتفاع معدلات المواليد بينهم، يعيش غالبيتهم في فلسطين التاريخية كمدينة “بني براك”، ومنطقة “ميا شعاريم” في القدس، ويكثرون في الولايات المتحدة، كما يعيش البعض منهم في الدول الأوروبية ويتنقلون بينها، وغالبًا ما يقطنون في أحياء معزولة اجتماعية، ولهم طقوس وأزياء معينة، غالبية رجال “الحريديم” لا يعملون ولا يؤدون الخدمة العسكرية للتفرغ لدراسة (التوراة)، ولأن معظم أشكال التعليم “العلماني” مرفوضة لديهم، فإن القليل منهم يحملون شهادات مهنية، ويفضلون نوعاً خاصاً من المدارس اليهودية يدعى يشيفاه (Yeshiva)، وهي نادراً ما تستخدم التكنولوجيا، فيما تتولى الأمهات دور المعيل داخل المنزل، “الحريديم” لا يعترفون بالصهيونية ولا بحق اليهود في إقامة دولة، ويسيطر على أغلبهم الفقر المدقع ، ويطلبون إعانات مالية من الجمعيات الخيرية والحكومات من أجل ضمان العيش، ولكنهم يصوتون في الانتخابات للأحزاب الدينية التابعين لها، وهما: حزب “شاس” لليهود المتدينين الشرقيين، وحزب “يهودية التوراة” لليهود المتدينين الغربيين، على اعتبار أن هذا واجب ديني وفقًا لتعليمات الحاخامات، وغالبًا ما ينسجمون مع أيديولوجية معسكر اليمين خاصة في موقفهم من القضية الفلسطينية؛ لذا يسعون بشكل دؤوب للحصول على مقاعد في “الكنيست”، ليعكسوا مطالبهم الدينية المتمثلة في : التقيد بتعاليم التوراة، وعدم إلزامهم بالتجنيد، والحفاظ على يوم السبت كيوم للراحة، ويخوضون المعارك السياسية من أجل هذه المطالب، وبالرغم من كونهم أحزاب صغيرة إلا أن لها دور كبير في الائتلافات السياسية حيث يعتمدون في عملهم داخل الكنيست على الابتزاز السياسي.
أسباب المطالبة بتجنيد “الحريديم”:
- كنوع من المساواة بين جميع المواطنين اليهود الإسرائيليين في المجتمع الإسرائيلي.
- تخفيف الأعباء المالية عن الدولة نظرًا لحصول هذه الفئة بشكل دائم على الإعانات والدعم المادي من قبل الدولة.
- طول أمد الحرب في غزة، والخسائر في الجنود من حيث الإصابات وحالات الوفاة، وكذا استدعاء جنود الاحتياط الإسرائيليين للخدمة لفترات طويلة أو إضافية، إلى جانب التوقعات بفتح جبهات جديدة تحتاج إلى عدد أكبر من المجندين والكتائب.
- اعتراض العلمانيين على عدم تجنيد اليهود المتشددين، لاسيما مع زيادة أعدادهم مقارنة بالعلمانيين، وكذا تقلدهم مؤخرًا مناصب عليا في الدولة وحقائب وزارية هامة كالمالية والداخلية.
- تصاعد المطالبات مؤخرًا بتجنيد “الحريديم” داخل المجتمع الإسرائيلي سواء على مستوى رجال السلطة أو على مستوى العامة من العلمانيين، وكان من أبرزهم: “” يوآف غالانت” وزير الدفاع، و بيني غانتس” و”جادي آيزنكوت” اللذين رأى ضرورة سن قانون خدمة عسكرية يوسع نطاق التجنيد الإجباري بهدف زيادة أعداد المجندين خلال العقد المقبل، وكذا حركة “من أجل جودة الحكم في إسرائيل”، وهي إحدى الجماعات التي تقدمت بطعن في المحكمة العليا ضد الإعفاءات، مؤكدةً أن “الحرب الطويلة في غزة تلفت انتباهنا إلى الحاجة الماسة لتوسيع نطاق التجنيد ليشمل جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي”، كما دعا “يائير لبيد” زعيم المعارضة إلى تجنيدهم، لأنه يرى عند تجنيد 66 ألف شابًا من “الحريديم”، فإن الجيش سيحصل على 105 كتيبة جديدة ضرورية، إلى جانب مطالبة محتجون بالقدس 26 فبراير 2024 بالمساواة في التجنيد، كما تشير الإحصائيات أن 7 من كل 10 يهودي إسرائيلي يعارض الإعفاء الشامل من التجنيد للـ”حريديم”.
- بلوغ المعفون من الخدمة العسكرية من “الحريديم” رقمًا قياسيًا خلال عام 2023 وصل إلى 66 ألف شابًا.
تجنيد “الحريدم” مابين مد وجزر
قضت المحكمة الاسرائيلية العليا 1998 بأن وزير الدفاع ليس له الحق في إعفاء يهود “الحريديم” من الخدمة العسكرية، وطلبت من الحكومة إيجاد طرق لتجنيدهم، وفي 2014 أصدرت حكومة يمين الوسط برئاسة “بنيامين نتنياهو” قانوناً يهدف إلى جعل 60% من رجال “الحريديم” يشاركون في الخدمة العسكرية في غضون 3 سنوات، ولكن بعد انتخابات عام 2015 التي أعادت الأحزاب الحريدية إلى السلطة تم التخلي فعلياً عن التنفيذ، ومنذ ذلك الحين، انخرطت الأحزاب الحريدية في السلطة وأضحت أكثر قوة مع زيادة أعداد “الحريديم”، وقد أوضحت المحكمة العليا أنه بحلول نهاية مارس 2024 ينبغي أن تضع الهيئة التشريعية قانوناً جديداً لإعفائهم، أو يتعين على الحكومة تجنيدهم .
تداعيات قرار تجنيد “الحريديم”
بغض النظر عن الاضطرابات والاحتجاجات وحالة الفوضى التي أشعلها “الحريديم” في إسرائيل بعد صدور قرار تجنيدهم الإلزامي، إلا أن المحكمة لم توضح التفاصيل المتعلقة بتنفيذ ها القرار ، مما يعني ضمنًا أن الحكومة لديها بعض الحرية في تحديد عدد “الحريديم” الذين تحتاج إلى تجنيدهم على أساس فوري، وكذلك إمكانية تأثير الكنيست على كيفية تنفيذ هذا القرار.
ولكن أهمية هذا القرار تتأتى من إنهاء حالة التمييز لصالح فئة ما، لأن المساواة تعتبر أساس المواطنة في أي دولة، ففي الوقت الذي تشرع فيه الحكومة الإسرائيلية في فرض قانون يزيد من فترة الخدمة الإلزامية للجنود الاحتياط كل عام، ويرفع من سن الإعفاء من الخدمة العسكرية لـ 50 عامًا، في المقابل هناك مجموعة لا تخدم في الجيش في ذروة افتقار البلاد لكوادر بشرية لإلحاقها بالجيش، لاسيما مع تعدد جبهات القتال والخسائر البشرية واستمرار توتر الأوضاع، ومن زاوية أخرى فإنه بالرغم من تأييد أغلب الرأي العام في إسرائيل لرفض فكرة الإعفاء، إلا أن الأحزاب الدينية توعدت بأن تكون بالمرصاد، وأنها ستنسحب في حال تنفيذ هذا القرار من الائتلاف الحكومي لحكومة “نتنياهو” مما قد يؤدي لسقوط حكومته وحدوث انتخابات مبكرة متوقع أن يخسرها “نتنياهو” استنادًا إلى استطلاعات الرأي؛ مما يعد ضربة قوية لمستقبله السياسي، حيث يتم محاسبته في قضايا الفساد التي تلاحقه، وكذلك بشأن إخفاقاته في حرب غزة وما ترتب عليها من خسائر وتبعات.