الانتهازية الإسرائيلية.. إجراءات عاجلة لابتلاع الضفة وسط انشغال العالم بحرب غزة
تحليل: د. فرناز عطية
تنتهز إسرائيل فرصة إطالة أمد حرب غزة والتصعيد على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، لتشتت العالم وتلفت أنظاره عما تقوم به من محاولات انفراد بالضفة الغربية، من خلال القيام بإجراءات ممنهجة للضم الغير القانوني لها، ومن أبرز هذه الإجراءات:
- اقتحام مخيمات الضفة
يوجد في الضفة الغربية، 19 مخيمًا للاجئين، يقطنها ما يزيد على 800 ألف فلسطينيًا بحسب سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، ومن أبرزها: بلاطة ، جنين، نور شمس، عقبة جبر، وطول كرم، يتكرر استهدف مخيمات الضفة الغربية من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، وتعد طول كرم وجنين الأكثر سخونة، حيث تنشط فيها فصائل المقاومة الفلسطينية “القسام” من حماس، و “شهداء الأقصى” التابعة لفتح، وكتيبتي “جنين” و “طولكرم” التابعتين لسرايا القدس، من حركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة لعدد من الفصائل الشابة، وبالتالي فإن إسرائيل تسعى لاستهداف هذه المخيمات، لعدة عوامل، هي:
- وجود عناصر للمقاومة في تلك المخيمات خاصة الفارين من الضرب في غزة.
- التخوف من الاجتياح البري لهذه المخيمات نظرًا لتكبد القوات الإسرائيلية العديد من الخسائر فتلجأ إلى قصفها جوًا.
- محاولة القضاء على مخيمات اللجوء والضغط على اللاجئين والنازحين لتهجيرهم؛ وبالتالي إنهاء قضية اللاجئين ومن ثم القضية الفلسطينية.
- تغيير الواقع الديموغرافي في سياق إعادة احتلال الضفة الغربية بما في ذلك المناطق المصنفة وفق اتفاقية أوسلو تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
- تسهيل عملية تصفية “الأونروا”، المقترنة بوجود مخيمات لجوء الفلسطينيين والتي تمثل أحد أهم مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
- إنشاء البؤر الاستيطانية غير القانونية
أقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي قرارًا في يونيو 2024 بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وإضفاء الشرعية على 5 مستوطنات مصنفة غير قانونية، وتطبيق القانون الإسرائيلي في مناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية إداريًا، كنوع من العقاب تجاه التدابير الدولية التي تتخذها السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، وكذا اعتراف عدد من الدول بالدولة الفلسطينية، وذلك في إطار خطة لإسرائيل لتعزيز السيطرة على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية، وتعتمد هذه الخطة على عنصرين أساسيين:
- تشريع البؤر الاستيطانية “غير القانونية” التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال.
- التوسع في هدم المنازل والمرافق الإنشائية الفلسطينية بحجة أنها “غير مرخصة”.
وقد أكد تقرير أميمي أشار إليه ” فولكر تورك” مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في مارس 2024 أن حوالي 24300 وحدة سكنية أقيمت داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مؤخرًا، وهو أعلى مستوى مسجل منذ بدء الرصد عام 2017، وشمل ذلك نحو 9670 وحدة في القدس الشرقية، ويخلص هذا التقرير إلى أن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية تبدو متماشية إلى حد غير مسبوق مع أهداف حركة الاستيطان الإسرائيلية، الرامية إلى توسيع السيطرة طويلة الأمد على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ودمج هذه الأرض المحتلة بشكل مطّرد في دولة إسرائيل، وفي هذا السياق ندد وزراء خارجية مجموعة الدول السبع 11 يونيو 2024 بالإجراءات الاستيطانية التي تقوم بها إسرائيل في الضفة، ومن شأنها أن تعرقل عملية السلام، وبشكل عام تحاول إسرائيل كسب الوقت لتغيير الوضع على أرض الواقع وضم أكبر عدد ممكن من الأراضي الفلسطينية لدولة إسرائيل، فبجانب جرائم قوات الاحتلال في هدم منازل الفلسطينيين والاستيلاء على مقدرات المياه، يقوم المستوطنون تحت حمايتها بالتعدي على فلسطيني الضفة بحرق منازلهم وخيامهم تحقيقًا للهدف ذاته.
- مصادرة أموال السلطة الفلسطينية
يسعى “بتسلئيل سموتريتش” وزير المالية الإسرائيلي للقرصنة على نحو 3 مليارات شيكل (835 مليون دولار) من أموال عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية والتي تحتجزها إسرائيل بهدف زيادة الإيرادات العامة بما يقدر بـ 5.6 مليارات دولارًا لسد العجز ودعم مشروع الموازنة العامة للعام الجاري الذي سيعرض على الكنيست، ويصل مجموع الأموال التي احتجزتها إسرائيل من للسلطة إلى نحو 835 مليون دولارًا منذ 2018 وحتى عام 2023، وقد تذرعت إسرائيل بأنها تدفع أموالًا للسلطة الفلسطينية لذوي الأسرى وعائلات الشهداء في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ويذكر أن الأولى تقتطع في مقابل ذلك عمولة قيمتها 3%، ويفترض أن تحول الأموال إلى الأخيرة شهريًا بمتوسط 190 مليون دولارًا، كما تجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة، وتدفع السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها على أموال المقاصة، وبالتالي فإن حكومة نتنياهو خاصة المتطرفين منها يسعون إلى تعجيز السلطة الفلسطينية بهدف القضاء عليها.
- عمليات القتل والاعتقال غير المبرر
تصاحب عمليات مداهمة مخيمات الضفة الغربية، ومناطقها التي يقطنها الفلسطينيون عمليات اعتقال واسعة المجال وغير مبررة، وسقوط أعداد من الشهداء، حيث أعلنت هيئة “شؤون الأسرى” الفلسطينية في يونيو 2024 ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى نحو 9625 معتقلًا، وأكد “نادي الأسير الفلسطيني” أن من بينهم 640 طفلاً يتعرضون لكافة أشكال الانتهاك والأعمال الانتقامية، وفي هذا الإطار أكد “خالد دودين” محافظ الخليل أن سلطات الاحتلال قامت باعتقال 1700 عائلة فلسطينية بالمنطقة المغلقة منذ 7 أكتوبر الماضي، ومن جانب آخر أفادت تقارير أن عدد شهداء الضفة الغربية منذ “طوفان الأقصى” وصل إلى ما يقرب من 521 شهيدًا من بينهم 131 طفلاً، حيث القصف العشوائي المكثف على منازل المدنيين باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة، بما في ذلك تلك المحظورة دوليًا، مثل: القنابل العنقودية والفسفورية البيضاء.
- فرض حصار على الشركات والعمال بالضفة
إلى جانب احتجاز أموال السلطة الفلسطينية من المقاصة، تفرض إسرائيل حصار على الشركات والعمال في القطاعات الاقتصادية المختلفة كأحد أشكال إحكام السيطرة عليها في محافظاتها كافة التي تقطعت أوصالها لعدد من الأسباب أبرزها:
- انتشار حواجز التفتيش.
- الاعتداءات الممنهجة والمتكررة من قبل المُستوطنين على الفلسطينيين.
وقد تسبب إلغاء تصاريح العمل للفلسطينيين في مشاكل اقتصادية كبيرة في الضفة، وهو ما ترافق بدوره مع انهيار المؤشرات الاقتصادية فيها، وغلق العديد من المشروعات والأعمال التجارية بها، ويواجه الاقتصاد الفلسطيني في الضفة خطر انهيار المالية العامة، مع نضوب تدفقات الإيرادات والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة، ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقرب من نصف مليون وظيفة منذ 7 أكتوبر، يشمل ذلك فقدان ما يُقدَّر بنحو 144 ألف وظيفة في الضفة الغربية، و148 ألفاً من العمال المتنقلين عبر الحدود من الضفة الغربية إلى سوق العمل الإسرائيلية.
وبالتالي فإن الوضع في الضفة الغربية يزداد سوءًا، مع زيادة أمد الحرب، وفي المقابل تحاول بعض الدول اتخاذ مواقف على استحياء تعلن أنها ضد عمليات الاستيطان وجرائم المستوطنين، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هي والعدم سواء.
- العقوبات الأمريكية كرد فعل على الاستيطان وعنف المستوطنين:
فبالرغم من تلويح الولايات المتحدة الأمريكية اعتزامها توقيع عقوبات على منظمة “ليهافا” الإسرائيلية التي انخرطت في أعمال عنف متكررة ضد الفلسطينيين واستولت على مساحات واسعة من أراضيهم في الضفة، إلا أن الأمر يبدو أنه غير مجدي ولا يمثل حلاً ناجعًا؛ حيث تكررت هذه العقوبات ولم تغير شيئًا من إجرام المستوطنين، وسرقتهم الأراضي الفلسطينية، فقد فرضت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت سابق عقوبات على “إسحق مانيه” وبؤرته الزراعية، التي أنشأها في تلال الخليل الجنوبية في عام 2020، بعد الاستيلاء على 150 هكتارًا من الأراضي، ومهاجمة الرعاة الفلسطينيين بانتظام ومنع وصولهم إلى المراعي، وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن مساحة الأراضي التي استولى عليها “مانيه” منذ ذلك الحين بالضفة الغربية “تضاعفت تقريبًا”، وبالإضافة إلى ذلك فرضت وزارة الخارجية عقوبات على ثلاث بؤر استيطانية أخرى في الضفة، وهي: مزرعة ميتاريم، ومزرعة نيريا، ومزرعة هاماهوخ – التي يسيطر عليها إسرائيليون، كما فرضت أيضًا في شهر يونو 2024عقوبات على “رعوت بن حاييم” و”أفيعاد شلومو ساريد”، وكلاهما من زعماء منظمة (تساف 9)، لدورها في تعطيل القوافل الإنسانية المتجهة إلى غزة، ولكن بلا جدوى، نظرًا لأن الداعم الحقيقي لهذه الاعتداءات والجرائم هي قوات الاحتلال، والتي تدعمها الولايات المتحدة عسكريًا ولوجستياً.
ومما سبق يتضح لنا أن الوضع في الضفة ليس ببعيد من غزة، وأنه يزداد سوءًا مع زيادة التصعيد الإسرائيلي سواءً في غزة من خلال توفير الفرصة السانحة لابتلاع مزيد من الأراضي، أو على الجبهة اللبنانية، الذي يتوقع أن يؤدي لمزيد من العزلة للضفة الغربية، وتقييد الحركة ومنع السفر وتوقف تدفق البضائع إلى أسواق الضفة، وسيشمل ذلك وقف إسرائيل إمداد الفلسطينيين بالكهرباء والماء والوقود وحدوث شلل كامل، مما يجعل فلسطيني الضفة الغربية معتقلون داخل مدنها، ولوقف هذا الوضع لابد من اتخاذ موقف دولي حاسم وحازم، وإجراءات فاعلة تثني إسرائيل عن استكمال مخططتها لابتلاع الضفة بشكل كامل وفي أسرع وقت ممكن.