الاخبار الرئيسيةمقالات

التكنولوجيا فى مواجهة الأيديولوجيا .. معركة اللاسلكى بين إسرائيل وحزب الله

تحليل: فتحي محمود

على غرار أفلام الخيال العلمى، استخدمت إسرائيل سلاح التكنولوجيا إلى جانب الاختراق الأمنى فى القيام بعمليات نوعية ضد حزب الله، فيما يمكن تسميته بمعركة اللاسلكى، التى تم فيها تفجير أجهزة البيجر وفى اليوم التالى أجهزة اللاسلكى “توكى ووكى” الموجودة بحوزة عناصر الحزب، ويسقط منهم قتلى وجرحى

وقد سبق للدولة العبرية استخدام هذا السلاح فى عمليات الإغتيال التى فقد فيها الحزب نحو 400 من كوادره خلال الأشهر الماضية على رأسهم القيادى فؤاد شكر، واضطر الأمين العام للحزب حسن نصر الله لأن يطلب علنا من اعضاء الحزب وعائلاتهم التخلص من أجهزة الموبايل، ويتم نزع كاميرات المراقبة من شوارع الضاحية الجنوبية، ويبدأ سكانها فى التعامل مع شبكة الانترنت بحذر شديد، بعد استخدام إسرائيل هذه الوسائل التكنولوجية فى اختراق قواعد الحزب واستهداف كوادره، واصبح سلاح التكنولوجيا فى مواجهة سلاح الأيديولوجيا الذى يعتمد عليه الحزب فى حشد مناصريه الذين يؤمنون بعقيدته الدينية والسياسية.

لكن استخدام سلاح التكنولوجيا هذه المرة شكل نقلة نوعية سببت أضرارا أضخم، وارتباكا واسعا فى صفوف الحزب، وسط صمت رسمى من حكومة نيتانياهو، وتوعد من جانب قيادات الحزب بالانتقام من إسرائيل، وهو أمر من الصعب حدوثه بشكل سريع، فالحزب بحاجة إلى بعض الوقت ليستوعب ماحدث، ويعرف أسبابه، وكيفية معالجة الاختراق الأمنى الضخم الذى يعانى منه، وإعادة تنظيم شبكة الاتصالات الخاصة به، التى اصيبت بخلل كبير، فمعظم الشبكات اللاسلكية مخترقة، والشبكة الأرضية لا تتوفر لدى جميع الكوادر خاصة عند التحرك خارج الأماكن المغلقة، والحاجة إلى إعادة تقييم نظام السيطرة والتحكم وأساليب التأمين، إلى جانب حجم الإصابات الكبير وخاصة فى العينين واليد، التى قد تحرم أصحابها من المشاركة فى أى أنشطة قتالية.

بداية الإختراق الأمنى

التساؤل الأول الذى ظهر عقب تفجير أجهزة البيجر كان الاستفهام عن مصدر هذه الأجهزة، لمحاولة التوصل إلى الخرق الأمنى الذى حدث، بعد أن  كشف مصدر أمني لبناني كبير أن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) زرع كمية صغيرة من المتفجرات داخل شحنة من هذه الأجهزة طراز “إيه آر 924″، طلبها حزب الله قبل أشهر من تايوان،

وأشارت أصابع الاتهام إلى الشركة التايوانية “جولد أبوللو” التى تصنع هذا البيجر، لكن الشركة أخلت مسؤوليتها عن الحادث وأوضحت أن أجهزة بيجر من طراز “إيه آر 924” المستخدمة في انفجارات لبنان صنعتها شركة “بي.إيه.سي كونسلتينغ” ومقرها في بودابست بالمجر.

وأضافت أنها منحت الترخيص لتلك الشركة لاستخدام علامتها التجارية، نافية المشاركة في إنتاجها، وبالبحث الشركة المجرية تبين أنها مملوكة  لسيدة تدعى كريستيانا روزاريا بيرشوني أرشيدياكونو، تبلغ من العمر 49 عاماً من أصول إيطالية ومجرية، وهى من تديرها، وأظهر موقع الشركة أنها تأسست في 19 مايو من العام 2022 وتعمل في مجالات الاستشارات والمبيعات، ويقع مقرها في 33شارع سوني بالعاصمة بودابست ويوجد بها منزل من طابقين، ونقلا عن وسائل إعلام مجرية فإن صاحبة الشركة تقيم في شقة بالطابق الثامن من مبنى مشترك بحي أويفشت وهو عقار لا يتناسب تمامًا مع إنجازاتها الشخصية والمادية أو على الأقل وفقًا للسيرة الذاتية التي تظهر على الموقع، ومجال عمل الشركة هو الاستشارات وليس صناعة أو تجارة الأجهزة الإلكترونية، ثم أوقفت الشركة عقب الانفجارات موقعها الإلكترونى وأغلقت المقر تحت شعار الصيانة، وهو أمر يثير الشك حول هوية الشركة الحقيقية، خاصة أن المجر هى قاعدة أساسية للموساد.

موجة ثانية من التفجيرات

لم يقتصر الأمر على تفجير أجهزة البيجر فقط، لكن فى اليوم التالى شهد لبنان موجة ثانية من التفجيرات شملت أجهزة جديدة لا علاقة لها بالبيجر، معظمها أجهزة اتصال لاسلكى “توكى ووكى” وأجهزة إلكترونية أخرى،

وتشكل الموجة الثانية خرقاً أمنياً خطيراً آخر في صفوف حزب الله، وتزيد من الضغوط علييه، خاصة أنها وقعت في مختلف أنحاء لبنان، بعضها في شقق ومنازل، إلى جانب عدد كبير من أجهزة الاتصال اللاسلكية كانت مخزنة في مستودعات حزب الله، لأنها كانت مخصصة للاستخدام فقط خلال الحرب مع إسرائيل.

وتستهدف إسرائيل من الموجة الثانية زيادة حالة الارتياب والخوف في صفوف حزب الله، في محاولة للضغط على قيادته لتغيير سياسته فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، وإقناع الحزب بأن من مصلحته أن يقطع علاقته بحماس ويبرم اتفاقا منفصلا لإنهاء القتال مع إسرائيل بغض النظر عن وقف إطلاق النار في غزة.

ويشير المراقبون إلى أنه  بالرغم من ترويج حزب الله وإيران امتلاكهما إمكانيات كبيرة قادرة على إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل، فإن تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكى تعكس حالة كبيرة من الضعف بالنسبة للحزب، وكذلك إيران التي لم تكن لديها القدرة على التعرف الاستباقي على هذا الاختراق وتجنب حدوثه، وبالتالي ستكون هناك مخاوف كبيرة في الوقت الراهن داخل حزب الله بشأن حدود الانكشاف أمام تل أبيب، وما إذا كانت إسرائيل باتت قادرة على استهداف المزيد من القيادات داخل الحزب.

رد أم عدوان

 التخوف الأساسى لدى حزب الله الآن قبل التفكير فى الرد، هو الخشية من أن تكون مذبحة البيجر واللاسلكى مقدمة لعدوان إسرائيلى على لبنان، فمن الواضح أن إسرائيل اتخذت قرارا بفتح جبهة الشمال مع الحزب بشكل أوسع لتحقيق عدة أهداف، على رأسها تأمين الجبهة الشمالية وإعادة سكان المناطق القريبة من الحدود اللبنانية إلى منازلهم، مع تقلص العمليات العسكرية فى غزة وإمكانية نقل قوات إسرائيلية كبيرة إلى الجبهة اللبنانية، وكلها أهداف تعزز من وضع رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو فى مواجهة معارضيه.

ويوضح الخبراء أن  أحد الانعكاسات الرئيسية للعملية الأخيرة في لبنان ترتبط بشكل رئيسي باحتمالية دفعها باتجاه المزيد من التصعيد، وتوسيع قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل، خصوصاً وأن الحزب في ضوء هذه العملية، وكذا عدم رده حتى اللحظة على اغتيال فؤاد شكر في يوليو الماضي، بات مطالباً بالرد بما يناسب حجم وطبيعة هذه العمليات، خصوصاً وأن عدم الرد يدفع باتجاه إحراج الحزب أمام قواعده، جنباً إلى جنب مع كونه يؤدي عملياً إلى تراجع منظومة الردع التي حرص الحزب على التكريس لها مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023، وسوف تسعى إسرائيل إلى التعامل الاستباقي مع رد حزب الله أو اتخاذ هذا الرد كذريعة لتوسيع العمليات، وخاصة أن إسرائيل باتت على الأرجح تملك قاعدة معلوماتية كبيرة بخصوص قواعد وقيادات الحزب، ما يمثل أرضية خصبة يمكن من خلالها تنفيذ المزيد من العمليات النوعية، كما تسعى إسرائيل إلى استخدام عملية تفجير أجهزة البيجر للترويج لقدرتها على تنفيذ عمليات نوعية ضد خصومها، وبالتالي العمل على ترميم قدرات الردع الإسرائيلية.

جبهة مساندة وليس مواجهة

رغم تأكيد قيادات حزب الله أن الحزب سيرد بشكل قوى ضد إسرائيل، إلا أن هناك عناصر مهمة تحكم طبيعة هذا الرد، بغض النظر عن التصريحات العلنية التى تهدد وتتوعد، فالحزب حتى هذه اللحظة لا يريد حربا موسعة وشاملة مع إسرائيل، وعندما بدأ القتال بعد السابع من أكتوبر كان الهدف هو وجود جبهة مساندة للمقاومة الفلسطينية فى مواجهة العدوان على غزة، وليس جبهة مواجهة رئيسية، فهناك عوامل عديدة تحد من قدرته على الدخول فى حرب شاملة، منها عدم وجود بيئة لبنانية داعمة لمشاركته فى الحرب، حيث تعارض قوى سياسية وطائفية عديدة فى البلاد تورط لبنان فى حرب مع إسرائيل، وتوجه اتهامات للحزب بأنه أصبح صاحب قرار الحرب والسلام بدلا من الدولة اللبنانية، وسط أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية عديدة تعانى منها البلاد، إلى جانب تعرض الحزب لخسائر كبيرة خلال الأشهر الأخيرة وتخوفه من تلقى ضربات تهدد بنيته التحتية مثلما حدث فى حرب تموز 2006، علاوة على حرص إيران ـ التى يرتبط بها الحزب عضويا ـ على عدم اندلاع حرب شاملة فى الشرق الأوسط حرصا على مصالحها وسعيها للحوار مع الغرب.

وامام الحزب عدة سيناريوهات للرد الآن، منها إطلاق اعداد كبيرة من الصواريخ الموجهة والمسيرات ضد أهداف عسكرية ومقار للموساد فى العمق الإسرائيلى لضمان اختراق بعض هذه الصواريخ للقبة الحديدية، مع التركيز على مقار الموساد كهدف رمزى باعتباره المسئول عن العملية الاستخباراتية الخاصة بتتبع واختراق صفقة أجهزة البيجر وتلغيمها، أو  محاولة القيام بعمليات إغتيال نوعية لكوادر إسرائيلية، داخل الأراضى المحتلة، سواء باستخدام مسيرات أو بعمليات إنتحارية.

وفى جميع الأحوال لن يكون الرد سريعا، فالحزب بحاجة إلى ترميم صفوفه، والتأكد من سلامة عمليات التأمين الداخلى لقياداته وكوادره، قبل أى تحرك عسكرى، وفى الوقت نفسه فإن الرد وطبيعته أصبح أمرا حتميا ليتمكن الحزب من استعادة ثقة مناصريه وتحسين صورته التى تضررت كثيرا، والحفاظ على هيبته أو ماتبقى منها.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى