نتنياهو والمصير المجهول.. مؤشرات وأسباب تراجع شعبيته
تحليل د. فرناز عطية ..
يبدو أن شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، ومدى رضا الشعب الإسرائيلي عن أدائهما وممارساتها بات على المحك، لاسيما مع ما شهدته إسرائيل في الآونة الأخيرة من تهديد لأمنها القومي إبان تنفيذ مقاتلي “حماس” لعملية “طوفان الأقصى” يوم السبت الموافق 7 أكتوبر 2023، وهو ما فتح الباب أمام دعوات لعزل نتنياهو بعد الإخفاق المتتالي على صعيد إدارة الداخل.
مؤشرات تراجع شعبية نتنياهو
وتشير الإحصائيات إلى انخفاض شعبية نتنياهو وحكومته في ظل ائتلاف مسيطر يمثل التيارين اليميني والديني القومي، وقد أكد على ذلك استطلاع للرأي نشرته جريدة (معاريف) العبرية يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023، حيث أفاد بأن 66 % من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون تنازل بنيامين نتنياهو عن السلطة وتولي شخص آخر، بينما يرى 21% فقط أن يبقى رئيسًا للوزراء، ويؤكد الاستطلاع على تراجع شعبية حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إلى 19 مقعدًا، فيما يتوقع ارتفاع شعبية خصمه السياسي “بني جانتس” المنتمي لحزب “الوحدة الوطنية” إلى 41 مقعدًا في الانتخابات القادمة، فيما يعتبر 48% من المستطلعة آراؤهم أن “جانتس” هو الأنسب لتولي منصب رئيس الحكومة، ويحمل أغلبية الرأي العام الإسرائيلي نتنياهو مسئولية وقوع ضحايا وأسر رهائن في الهجوم الذي شنته “حماس” على المستعمرات الإسرائيلية.
ويذكر أنه في استطلاعات رأي سابقة أجريت إثر اشتعال الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل ضد حكومة نتنياهو، كان آخرها استطلاع 25 يوليو 2023 لقناة (N12 News) وإذاعة (ريشيت 13) ، والذي أشار بدوره إلى تضاؤل فرص الائتلاف الحكومي الحالي في العودة مُجدداً إلى السلطة في الانتخابات القادمة، كما كشف أن عدد المقاعد التي قد يشغلها ائتلاف نتنياهو الحاكم هو 52 و53 مقعداً على الترتيب، مقارنة بـ64 مقعداً حالياً، ويلاحظ أن هذه النسبة الترجيحية كانت قبل الأحداث الأخيرة، ومن المتوقع أن تشهد انخفاض كبيرًا في الوقت الراهن.كما يدلل تمديد حكومة نتنياهو لنفسها بعد هجمات “طوفان الأقصى” في شكل حكومة طوارئ تضم جزء من المعارضة على الانخفاض الحاد في شعبية هذه الحكومة ورئيسها.
أسباب تراجع شعبية نتنياهو
يمكن تفسير أسباب تراجع شعبية نتنياهو وحكومته بما يلي:
– تحالف نتنياهو مع تجمع الصهيونية الدينية المتطرف ثالث أكبر مجموعة في الكنيست، وثاني أكبر مجموعة في الائتلاف الحاكم بقيادة” إيتمار بن غفير” وزير الأمن القومي، و” بتسلئيل سموتريتش” وزير المالية الحالي، والذي ينادي بجعل إسرائيل دولة هالاخية (تقوم على الشريعة اليهودية)، مما ينفي ويتجاهل وجود أطياف أخرى في إسرائيل كاليسار والوسط والعلمانية، وهو ما يؤجج الصراع ويشعله بين العلمانيين والدينيين في إسرائيل.
– خطة الإصلاح الشامل المقترحة من قبل نتنياهو وحكومته، والتي تمثل خرقًا للعهد الاجتماعي بين المواطن والدولة الإسرائيلية وترسخ الديكتاتورية للسلطة التنفيذية، حيث تنهي مبدأ الفصل بين السلطات، وتجعل رئيس الوزراء هو المسيطر على المشهد السياسي، فتقضي هذه التعديلات بتفويض الحكومة في تعيين القضاة، وتقويض المحكمة العليا والحد من صلاحياتها في إلغاء القوانين، ويسمح للبرلمان بإعادة سن القوانين التي استبعدتها المحكمة، كما يمنح الحكومة السيطرة على تعيين القضاة، ويسمح للوزراء بتعيين المستشارين القانونيين لوزاراتهم، وعلى المستوى الشخصي تسمح هذه التعديلات لرئيس الوزراء نتنياهو بتخطي تهمة الفساد التي تلاحقه منذ عامين، مما جعل هذه الخطة تواجه معارضة واسعة في الداخل والخارج .
– انتشار الاضطرابات والمظاهرات والقلاقل في إسرائيل، فقد شهدت عشرات المدن في الآونة الأخيرة من الشمال إلى الجنوب بما في ذلك تل أبيب وحيفا والقدس المحتلة وبئر السبع وريشون لتسيون وهرتزليا، مظاهرات ضد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة واشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن، وأنصار ائتلاف نتنياهو؛ بسبب خطط الحكومة وتشددها في تنفيذ هذه الخطط مع تجاهلها التام لمعارضة أغلب الإسرائيليين لهذه الممارسات والخطط، وما تشمله هذه الخطط من: إلغاء قانون المعقولية واستحداث قوة الحرس الوطني والاستحواذ على الضفة الغربية، إضافة إلى الانتفاضات الأخيرة بسبب عدم قدرة نتنياهو وحكومته على استعادة الرهائن الذين أسرتهم “حماس” ضمن عملية “طوفان الأقصى”.
– الإخفاق الأمني والاستخباراتي والخسائر المادية والبشرية التي شهدتها إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو على يد مجموعة من مقاتلي “حماس” غير نظاميين في حرب أشبه بحرب العصابات، فما هو الحال لو تعرضت إسرائيل لهجوم من جيش نظامي يملك تقنيات وتكتيكات.
– ظهور “أزمة ثقة” ما بين الحكومة والشارع الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، فعندما يؤكد الجيش جاهزيته فيما يتعلق بمسألة الاجتياح البري على غزة ضمن عملية “السيوف الحديدية”، بينما ترجأ الحكومة هذا الاجتياح، أخذًا بالنصائح الأمريكية، فيما يطالب الشارع الإسرائيلي بضرورة الإفراج عن الرهائن بأي طريقة ممكنة وبأقل الخسائر الممكنة.
– توسيع الانقسام والاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي بين اليسار واليمين والعلمانيين والمتدينين مما يؤثر سلبًا على تماسك المجتمع، ووحدة الدولة وأمنها، لاسيما مع شراهة أعضاء اليمين المتشدد وتنافسهم على السلطة والحقائب الوزارية الرئيسة للسيطرة على مفاصل الدولة، وسماح نتنياهو بذلك، مع عدم أداء معظمهم للخدمة العسكرية وانخراطهم في المدارس التوراتية، على النقيض من العلمانيين الذين يؤدون العمل العسكري لسنوات، ناهيك عن الانقسام الخارجي الذي برز بشكل صارخ بين أعضاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بشأن خطط وممارسات الحكومة، مما يهدد بدوره العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة.
– الأضرار والتأثير السلبي الذي ألحقه نتنياهو وحكومته بالاقتصاد الإسرائيلي سواءً من خلال خطة الإصلاح المزمع تطبيقها، حيث تصاعدت تحذيرات من قبل عدد من خبراء الاقتصاد بلجوء مؤسسات وشركات تدريج الائتمان العالمية بخفض التقييم الائتماني لإسرائيل، خاصة بعد تراجع الشيكل وتراجع المؤشرات في أسواق الأسهم إثر سن قانون “إلغاء المعقولية القضائية”، مما يؤدي إلى رفع الفائدة على الدين الخارجي، وإرهاق خزينة الدولة، وزيادة الفائدة المصرفية المرتفعة أصلاً بسبب التضخم المالي، وكذا تآكل إضافي في مستويات الدخل والقدرة الشرائية، ومن ثم تباطؤ حقيقي للاقتصاد، كما أشارت البيانات الرسمية إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية، بنسبة 90% في الأشهر الأخيرة قبل هجوم “طوفان الأقصى” و العملية الإسرائيلية “السيوف الحديدية” على غزة”.
ومن ناحية أخرى نجد الوضع ازداد سوءًا بعد “طوفان الأقصى” حيث انخفضت قيمة الشيكل 3% بعد العملية مباشرة، وانخفضت البرصة الإسرائيلية بقيمة 8% بخسارة 20 مليار دولارًا، وعلقت50 شركة طيران عالمية رحلاتها إلى إسرائيل، كما ازدادت معدلات مغادرة السكان لإسرائيل، ومن بينهم شخصيات هامة كـ”أيهود باراك” رئيس الوزراء ورئيس الأركان الأسبق؛ مما يدلل على بدأ موجة جديدة من الـ”هجرة عكسية”، إلى جانب إغلاق مرفأ عسقلان وتوقف منشآت النفط فيه بعد الهجوم، إضافة لتسجيل نقص حاد في المنتجات الاستهلاكية، وارتفاع جنوني في الأسعار، وتضرر المصرف المركزي الإسرائيلي؛ مما حدا بنتنياهو بأن يطلب من بايدن ضخ التمويل، حيث تم تزويد المصرف الإسرائيلي المركزي بـ30 مليار دولارًا، وتم طرح ما يعرف بـ”سندات الشتات” بهدف جمع تبرعات من يهود العالم لدعم جهود الحرب في إسرائيل، كما تم استدعاء 360 ألف جنديًا من الاحتياط؛ مما يعني خروجهم من العملية الإنتاجية، وبالتالي تراجع الصناعات وقطاعات الاقتصاد كافة، وكذا أغلقت عدد من الشركات العالمية فروعها في إسرائيل، وتراجع إنتاج الغاز من حقل “تمار”.
وبشكل عام فكل ما سبق ذكره أدى إلى زعزعة شعبية “ثعلب السياسة الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، الذي فاز بتولي منصب رئيس الوزراء لعدة مرات، ومع هبوط أسهمه هو وحكومته لدى الشعب الإسرائيلي، لاسيما وأنه لا يمكن المفاضلة بين استقرار إسرائيل وأمن شعبها، وصورتها الذهنية، واستمرار نتنياهو في السلطة بعد ما تسبب فيه من خسائر مادية ومعنوية لإسرائيل، مما يرجح ويعجل بسيناريو مغادرة نتنياهو لمنصب رئاسة الوزارة، وتقلد شخص آخر لهذا المنصب يحاول إصلاح ما أفسده نتنياهو وحكومته على المستويين الداخلي والخارجي.