بدأ نوع آخر من التصعيد في جبهة مغايرة ، تحاك بشأنه التساؤلات لدى المتابعين للصراع في الشرق الأوسط حول مستقبل المنطقة في ظل توسيع نطاق التصعيد وتعدد أطرافه وتنوعها ما بين دول وفواعل إقليمية غير دولية “جماعات مسلحة” كحزب الله وجماعة الحوثيون، فقد انطلق مسار جديد للعمليات النوعية بين تل أبيب والحوثيين في اليمن، حيث توعد “عبد الملك الحوثي” زعيم الحوثيون 25/7/2024 بالرد على العدوان الإسرائيلي، واستمرار العمليات ضده، ويذكر أن إسرائيل وجهت 20 يوليو 2024 ضربة إلى ميناء الحديدة باليمن استهدفت منشآت حيوية ومدنية، وذلك بعد أقل من 48 ساعة من وصول مسيرة أطلقها الحوثيون إلى تل أبيب على مسافة 2000كم تقريبًا فوق منطقة سكنية، تسببت في مقتل شخص وإصابة آخرين، في تجاوز صريح لمنطقتين الاستهداف الأساسيتين المعتادتين للعمليات بين الطرفين، والتي كانت تتمثل في : محيط خليج عدن والبحر الأحمر على مسافة تتراوح بين 50 إلى 400 كم من خلال استهداف السفن الإسرائيلية أو القاصدة لإسرائيل، وميناء “إيلات” والسفن المتجهة نحو إسرائيل القادمة من البحر المتوسط، وقد برر الجانب الإسرائيلي هجومه بأن ميناء “الحديدة” ميناء عسكري يستخدم في تمرير الأسلحة من إيران لجماعة الحوثيين لضرب إسرائيل، فهل تعد هذه العمليات بين الطرفين حدث عارض أم أنها قد تتكرر بين الحين والآخر مما يهدد مستقبل المنطقة بحرب واسعة النطاق؟
للإجابة على هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى عدد من العناصر ووضعها في الاعتبار:
- الحوثيين جماعة مسلحة لا تملك مع إسرائيل قواعد للاشتباك، وبالتالي فالجبهة مع الحوثيين ستصبح جبهة مفتوحة بلا ضوابط، وهو ما يشكل اختلاف في الصراع بين إسرائيل وجماعة “حزب الله”.
- العمليات النوعية للحوثيين ضد إسرائيل والتي بلغت 200 عملية منذ اندلاع حرب غزة، وهو ما أعلنته المصادر الإسرائيلية، جعل إسرائيل تظهر في موقع الدفاع عن النفس، وأنها تواجه تهديد لأمنها في المنطقة بشكل مستمر، من خلال تعرضها للهجوم، ناهيك عن حصول “حزب الله” على معلومات استخبارية حساسة من خلال المقاطع المصورة “هدهد 1 و2″، والتي تضمنت مواقع عسكرية ومنشآت مهمة هدد بضربها، ومن الوارد تبادل هذه المعلومات والتنسيق بشأنها مع الحوثيين.
- استغلال “نتنياهو ” هجمات حزب الله والحوثيين ودعا في خطابه في الكونجرس الأمريكي 24/7/2024 لتدعمه الولايات المتحدة ضد “محور الإرهاب” الذي تتزعمه إيران.
- إسرائيل قامت بالردع الاستعراضي الظاهري للحوثيين، لأنها لم تقم باستهداف نقاط عسكرية لهم أو شخصيات بعينها من قياداتهم، بل استهدفت منشآت مدنية وخزانات للنفط ومحطة للكهرباء، لا تحتاج لأي جهد استخباراتي أو عسكري، مما يزيد من احتمال شن مثل هذه الهجمات في المستقبل.
- إطلاق العنان لنتنياهو لينفذ مخططاته في غزة والضفة، تحت عباءة مواجهة الحوثيون والحرب بالوكالة مع إيران ضد إسرائيل، من خلال سياسة لفت الانتباه وتوجيه أنظار العالم بعيدًا عن حرب الإبادة بغزة والضم اللاقانوني للضفة.
- عدم وجود بنك أهداف واضح ومؤثر لإسرائيل والولايات المتحدة في اليمن، لاسيما تجاه جماعة الحوثيين.
- مبدأ وحدة الساحات يفرضها واقع ميداني واتفاق ضمني غير مكتوب يتعلق بموازين القوى على أرض الواقع.
- مزيد من التأزم للوضع الإنساني في اليمن، وتعريض الشعب اليمني لمزيد من الضغوط عليه لصالح جماعات الحوثي التي اكتسب مساحة أكبر من التأييد والزخم الشعبي بعد تشكيل حلف “”حراس الازدهار” الذي فشل في الضغط على الحوثيين رغم الضربات التي وجهها لهم، والتي وظفها الحوثيين تحت مسمى العدوان الأمريكي – البريطاني على اليمن، إضافة لتعريف إسرائيل لميناء الحديدة بأنه “ميناء عسكري” كمسوغ لضربه.
- محاولة تحويل الأراضي اليمنية ساحة لحروب للوكالة بين إيران وإسرائيل عن طريق ميليشيات الحوثيين، والسعي لتشكيل صورة ذهنية للعالم بأن الحوثيون يمثلون اليمن، لتوريط اليمن.
- ضمان توقف المباحثات التي بدأت في سلطنة عمان قبيل أيام من الضربة الإسرائيلية لليمن، والخاصة بالملف الإنساني في اليمن، لصعوبة إعادة الحوثيين لمائدة التفاوض.
- زيادة الإرباك بالمشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع تصعيد اللهجة بين الحوثيين وإسرائيل، وعدم القدرة على التنبؤ بأين وكيف سيتم الرد، ناهيك عن توعد الحوثيين بتتبع من قام بتسهيل تنفيذ إسرائيل لهذه الضربة، وتكهنات حول فتح بعض الدول الإقليمية مجالها الجوي لهذه المهمة.
- عدم الثقة في القرار السياسي للولايات المتحدة الأمريكية الذي يدعم التحرك العسكري تجاه جماعة الحوثيين، فواشنطن تحيد موقفها من قوات الحوثي ولا تتعامل معهم بجدية كونهم يشكلون مصدر تهديد للمنطقة، فالجانب الأمريكي أنشأ عدد من التحالفات لتطويق الحوثيين، ولم يلجأ لها للقضاء عليهم بل هرع لإنشاء حلف جديد بمسمى “حراس الازدهار”.
- سعي الولايات المتحدة لدفع الحرج عنها، بإقرارها عدم التنسيق مع إسرائيل، استجابة للضغط الشعبي الداخلي، وتجنبًا للتورط مع الحوثيين في اليمن، لاسيما مع بدئ الاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في نوفمبر 2024.
- الإصرار على تغيير الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل.
وأخيرًا فإن فتح مزيد من جبهات الصراع، والتوتر في المنطقة، يزيد من احتمالات انزلاقها إلى أتون فوضى وحرب إقليمية واسعة النطاق، يومًا بعد يوم، لاسيما مع ما تقوم به جماعات كالحوثيين يظهر في العلن أنه ضد إسرائيل، وفي حقيقة الأمر يخدم مصالحها في المنطقة، لاسيما مع اشتعال الموقف على جبهات متعددة وبشكل متزامن، في وقت تواصل فيه إسرائيل تنفيذ خططها التوسعية، والتي بدأت بحرب الإبادة التي شنتها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر2023، والتي راح ضحيتها نحو 40 ألف فلسطينيًا، وعمليات الضم غير القانوني التي تقوم بها في الضفة، موظفة عدد من الفواعل الإقليمية وسط صمت دولي وعالمي.