سيناريوهات انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد انسحاب بايدن
تشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية الحالية تطورات ومنعطفات غير مسبوقة وصلت ذروتها – على الأقل في الوقت الحالي – بإعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من استكمال السباق الانتخابي في مواجهة خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، على نحو فتح الباب أمام كثير من التكهنات والتساؤلات بشأن مرشح الديمقراطيين المرتقب وكذلك تأثير هذه الأجواء على فرص المرشح الذي سيقطن البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة.
في هذا السياق، عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية حول سيناريوهات الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ضوء تلك التطورات، إذ استضاف المركز الكاتب الكبير إميل أمين، خبير الشئون الأمريكية، لقراءة المشهد الانتخابي الأمريكي الذي تزداد إثارته يومًا تلو الآخر، وقد قدم الحلقة النقاشية الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، وبحضور عدد من أبرز باحثي المركز.
مشهد غير مسبوق
واستهل إميل أمين حديثه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية أمام مشهد لم نراه من قبل فيما يتعلق بسباق الانتخابات الرئاسية، على نحو يدفع للقول إن الانتخابات الحالية أبعد من مجرد سباق رئاسي وربما يتوقف عليها مستقبل الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هناك كثيرًا من الدراسات التي تتحدث عن خروج هذه الانتخابات عن سياقها الانتخابي نحو عنف غير مسبوق والذي كنا نتحدث عنه في السابق كمجرد فرضية إلا أن رأيناها على أرض الواقع من خلال واقعة إطلاق النار على دونالد ترامب.
ويلفت إلى أن العنف يعتبر سمة للهوية الأمريكية، خصوصًا وأنه منذ البداية فقد استولى الرجل الأوروبي الأبيض على أرض الولايات المتحدة بقوة السلاح من أصحابها الأصليين “الهنود الحمر”، والآن فنحن أمام مشهد يتخطى مسألة الانتخابات ويرسم برسم العنف أكثر من السياسة، وقد ظهر ذلك بوضوح عقب نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 والتي خسرها ترامب، ورأينا أنصاره يقدمون على محاولة اقتحام مبنى الكابيتول، وهذه سلوكيات لا علاقة لها بالممارسة السياسية.
موقف الحزب الديمقراطي
وعن التوقعات بشأن المشهد الانتخابي، يقول إميل أمين إن الجمهوريين في حالة من الراحة وأمرهم محسوم حول مرشحهم ترامب، لكن بالنسبة للحزب الديمقراطي فالواقع يقول إن بايدن قد غادر السباق، وكان ذلك بضغط من عائلته خاصة زوجته جيل بايدن وكذلك بعض القادة المؤثرين داخل الحزب مثل الرئيس الأسبق باراك أوباما وجاك تشومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.
وقال إن الواقع يؤكد أن هناك انقسامات داخل الحزب الديمقراطي، علمًا أن البعض ربما يتساءل حول دعم بايدن ترشح نائبته كامالا هاريس لاستكمال سباق الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، وما إذا كان ذلك الأمر حلًا أم أنه يشكل محاولة لتوريط الحزب، مشيرًا إلى أن هذه الفكرة ربما تكون وفق إطار نظرية المؤامرة، لكن أنصار هذا الرأي يرون أن بايدن عندما كان نائبًا للرئيس الأسبق أوباما لا يزال يصر في نفسه أن الحزب الديمقراطي لم يرشحه لانتخابات الرئاسة 2016 وبدلًا من ذلك اختار هيلاري كلينتون، وهو يرى أنه كان يمكن أن يكون المرشح ويربح الانتخابات وقتها، كما أن كامالا هاريس لا تعني شيء كثيرًا بالنسبة له والعلاقات بينهما لم تكن على ما يرام، وربما كان لديه تخوفات أن تزيحه نائبته استنادًا إلى التعديل 25 من الدستور الأمريكي في ضوء شكوك حول سلامة قواه العقلية.
أما عن دعم هاريس، يقول إميل أمين أن أوباما أو جاك شومر أو نانسي بيلوسي لم يقل أي منهم إنهم ضد هاريس، لكنهم لم يقولوا أيضًا إنهم معها، وهؤلاء الثلاثة هم المحرك الرئيسي للديمقراطيين، ولكن بصفة عامة فإنها ليست الوجه البراق للرئاسة الأمريكية، لأنها ليست من الأمريكيين البيض ولا حتى من الأمريكيين السود، وإن كان يمكن أن يكون لديها من يدعمها من الأقليات والملونين وكذلك الشباب.
ولفت إلى أن هناك شخصيات أخرى يمكن أن يتم ترشيحها من قبل الحزب الديمقراطي مثل جافن نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا والذي إن ترشح ربما يعيد ذكريات الرئيس الأسبق رونالد ريجان الذي كان حاكمًا لنفس الولاية وفي عهده انهار الاتحاد السوفيتي، كما أنه من جانب آخر فإن نيوسوم معروف بأن لديه علاقات جيدة مع الزعيم الصيني شي جين بينج، وهذا أمر مهم بالنظر إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تضع الصين في مقدمة المخاطر ولم تعد روسيا كما كانت في السابق.
وحول رأيه بشأن أي من هؤلاء سيقدمه الحزب الديمقراطي، يقول إميل أمين إن هذا لن يعرف قبل مؤتمر الحزب في 19 أغسطس المقبل وهنا سيظهر فريقهم للانتخابات بشكل واضح المعالم، معتبرًا أنه من السابق لأوانه الحديث عن الفائز في السباق الانتخابي أو صعوبة فرص الديمقراطيين قائلًا إنه من الصعب تحديد الفائز إلا يوم الانتخابات، لأن وقت الانتخابات قد تظهر بعض الأمور كأن يتم نشر فضائح لأحد المرشحين، مشيرًا إلا أنه بالفعل فريق حملة ترامب بدأ ينشر بعض الفضائح لكامالا هاريس.
فرص ترامب
وعن فرص دونالد ترامب، يقول المتخصص في الشأن الأمريكي إن ترامب لديه فرص كبيرة، وجزء منها يرتبط بالمخاوف لدى الرجل الأبيض الأمريكي الذي تقول دراسات إنه بعد 16 سنة سيتحول إلى أقلية من بين مجموعة أقليات في الولايات المتحدة مثل الهسبانيك أو الآسيويين الذين تتزايد أعدادهم أو العرب وهم الأقلية الأقل عددًا رغم أنها كان ينتظرها مستقبلًا واعدًا قبل أحداث 11 سبتمبر 2001.
وأشار إميل أمين في سياق حديثه عن محاولة اغتيال دونالد ترامب التي جرت مؤخرًا إلى تساؤلات حول إمكانية تعرضه لمحاولة جديدة، لا سيما وأنه خرج بتصريحات يقول فيها إنه كان بإمكان رجال الخدمة السرية تحذيره، كما أن هناك تساؤلات لا تزال قائمة حول إطلاق النار عليه حول كيفية حدوث هذه الواقعة ودوافع الشخص الذي قام بالتنفيذ.
اليمين الأمريكي الجديد وسيناريوهات الفوضى
كما لفت إلى إمكانية صعود من أسماهم “اليمين الأمريكي الجديد” في الولايات المتحدة، على غرار المحافظين الجدد بداية من 1997 والذي وضعوا خطة ليكون القرن الـ21 قرنًا أمريكيًا بامتياز، وحددوا مشروعهم على أساس منع صعود الصين ووقف نمو روسيا، وهؤلاء هم من أخرجوا لنا لاحقًا مصطلحات الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، مشيرًا إلى أن اليمين الجديد يرسم خطة انقلابية بحلول 2025 من ضمن ملامحها عزل وتقويض اليسار الأمريكي، كما أن من ضمن أفكارهم إلغاء وزارتي التعليم والتجارة، والأخيرة لأنهم يرون أنها تسببت في تحويل المواطن الأمريكي إلى مجرد مستهلك واعتمادي عكس الأطروحات التي قامت عليها الدولة وهي الطبيعة الاستثنائية للأمريكي وفكرة أن الولايات المتحدة مدينة أقيمت على جبل لتنير العالم.
وعن موقف الدولة العميقة من تلك الخطة، يقول أمين إنها حكمًا لن تقبل وهنا تثار المخاوف بشأن الصراع والفوضى، لدرجة أن دولة مثل كندا لديها دراسات تسأل حول ما يمكن أن تقوم بها حال اندلعت حربًا أهلية في الولايات المتحدة، خصوصًا وأن هناك توقعات بانفلات الوضع في 2024 أو 2025، مشيرًا في هذا السياق إلى توقعات عالم الاجتماع النرويجي يوهان جالتونج الذي تنبأ بموعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كما أنه يتوقع حدوث الفوضى في أمريكا بحلول 2025، وبالتالي ربما الانتخابات الحالية تحمل بداية الفوضى وانحلال الدولة الأمريكية.
ويقول إميل أمين إن السؤال المهم الآن يتعلق بموقف العالم إذا حدث هذا السيناريو في الولايات المتحدة، خصوصًا أن العالم في وجود أمريكا يأن وفي غيابها يتألم، لأنها إن لم تلعب دور شرطي العالم فإنها تلعب دور الموازن وصناعة التوازنات من خلال ما تملك من أدوات مختلفة، مثل أدواتها العسكرية وهي الدولة التي تملك أسلحة لا يعرف البشر عنها شيء، لكن الإشكالية أن العالم لم يعد قرية واحدة بل أصبح مثل هذا المستطيل (يمسك بهاتفه)، وبالتالي ما يحصل في أمريكا سيؤثر على العالم كله، ويمكن القياس على ما جرى من اختراقات خلال الأيام الماضية فيما عرف بـ”الشاشة الزرقاء” وانعكاساته على كثير من الدول، وبالتالي فإنه في حال حدوث أي احتراب بالولايات المتحدة فإن العالم كله سيتأثر.
أمن إسرائيل من الثوابت
واستقبل المتخصص في الشأن الأمريكي إميل أمين بعض من أسئلة الحضور في هذه الحلقة النقاشية، ومنها سؤال حول نظرة مرشحي الرئاسة الأمريكية لقضايا الشرق الأوسط، وفي هذا السياق لفت إلى أن هناك بعض الاختلافات فمثلًا دونالد ترامب رجل عقارات ويفكر دائمًا في المكاسب المالية ولكن أيًا كان فهناك ثوابت لدى أي رئيس أمريكي تجاه الشرق الأوسط وفي مقدمة ذلك أمن وأمان إسرائيل فهذه أولوية أمريكية سواء لدى الجمهوريين أو الديمقراطيين فنحن أمام وجهين لعملة واحدة، ثم تأتي الأولوية الثانية لدى أي رئيس أمريكي بتأمين منابع النفط، وصحيح أنه لم يعد له المكانة التي كان عليها لكنه لا يزال يشكل أولوية.
وحول مسألة أمن إسرائيل، يقول إميل أمين إنه بشكل واقعي ما من شخص في الداخل الأمريكي لديه رغبة في الوقوف ضد مسألة أمن إسرائيل، ولكن الرأي العام الأمريكي يتغير فقد نشأت أجيال جديدة لديها نظرة مختلفة تجاه قضايا الشرق الأوسط والتعامل معها، داعيًا في هذا السياق إلى أن تكون هناك مساع لإنشاء جماعات مصالح أوضغط تعمل لصالح قضايانا كما فعلت كثير من الدول.
وفي إجابة على سؤال حول تأثير اللوبي الصهيوني في سباق الانتخابات الرئاسية، يقول أمين إن علينا أولًا ضبط هذا المصطلح فالأمر يتعلق باللوبي الداعم لإسرائيل لأن جزء منه ليسوا يهودًا فهناك مسيحيين يدعمون إسرائيل، وفي المقابل هناك يهود ضد سياسات إسرائيل الحالية، ورأينا في الفترة الأخيرة حركات مثل يهود من أجل السلام، ولكن بصفة عامة اللوبي اليهودي لم يعد له تأثيره الذي كان في السابق فيما يتعلق باختيار الرئيس الأمريكي.
توقعات
وبسؤاله عن فرص فوز أي من المرشحين، أكد إميل أمين أن ذلك من السابق لأوانه، لكنه يرى أن الأمر بالنسبة للديمقراطيين يعتمد على التشكيلة التي سيتم بها خوض سباق الانتخابات الرئاسية، هل يتم اختيار كامالا هاريس ومعها على سبيل المثال ميشال أوباما، أو يتم ترشيح حاكم ولاية كاليفورنيا نيوسوم ومعه ميشال أوباما زوجة الرئيس الأمريكي السابق وهنا يكسب أصوات السود ويكون لدىه فريقًا جيدًأ أو يكون مرشحًأ ومعه حاكمة ولاية ميشيجان جريتشن ويتمر، وكل هذا سيتحدد مع مؤتمر الحزب الديمقراطي في أغسطس.