أعادت عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، داخل مقر إقامته في طهران، تسليط الضوء على تزايد استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي في عمليات الاستهداف والاغتيال، حيث تمثل تلك التكنولوجيا تطورًا كبيرًا في أساليب التنفيذ، فقد أعلن الحرس الثوري الإيراني، إن التحقيقات التقنية تظهر أن اغتيال هنية نفذ بمقذوف يزن رأسه 7.5 كيلوغرامات من خارج مكان إقامته، لتعييد دقة الهجوم وتعقيده للأذهان التماثل في التكتيك لسلاح “الروبوت” الذي يتم التحكم فيه باستخدام الذكاء الاصطناعي، والذي استخدمه “الموساد” لاغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في عام 2020.
لقد قامت إسرائيل -الموساد- باستخدام أنظمة معقدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد واستهداف الشخصيات البارزة بدقة عالية، دون الحاجة لتواجد عملاء على الأرض، فاغتيال العالم محسن فخري باستخدام مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تنفيذ العملية بسرعة ودقة ودون إصابة مدنيين آخرين، ويمثل هذا النهج الجديد تحولاً في أساليب الاستخبارات والعمليات العسكرية، حيث يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والاستخبارات التقليدية لتحقيق أهداف معقدة بأقل قدر من التدخل البشري.
اغتيال فخري زاده التجربة الأولي
وفقًا لتقرير متعمق لصحيفة نيويورك تايمز، كان السلاح المستخدم في اغتيال فخري زاده مدفع رشاش FN MAG بلجيكي الصنع، معدّلًا ومُلحقًا بجهاز روبوتي متقدم ومزود بتقنية الذكاء الاصطناعي، وكان وزن الجهاز بالكامل حوالي طن وتم تهريبه إلى إيران في أجزاء صغيرة قبل العملية ثم أعيد تجميعه.
وتم إدارة العملية برمتها من قبل فريق الموساد من مركز قيادة خارج البلاد، بحسب التقرير الذي قالت الصحيفة إنه استند إلى مقابلات مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وإيرانيين، “بما في ذلك مسؤولان استخباراتيان مطلعان على تفاصيل التخطيط وتنفيذ العملية”، حيث تم تثبيت سلاح الموساد المحوسب على شاحنة بيك آب زرقاء من طراز نيسان زامياد، تبدو مهجورة، وتم وضعها من قبل عملاء إيرانيين يعملون مع الموساد عند تقاطع على الطريق الرئيسي المؤدي إلى أبسارد، والتي كانت محملة بكاميرا ومتفجرات لتدميرها بعد الضربة.
وعندما تلقى الفريق معلومات تفيد بأن فخري زاده كان متجهًا إلى الخارج، “اتخذ القاتل، وهو قناص ماهر، موقعه، وعاير البندقية، وجهز السلاح ولمس الزناد برفق” – كل ذلك من “مكان غير معلوم على بعد آلاف الأميال” خارج إيران، وكان على فريق التنفيذ التغلب على العديد من العقبات، بما في ذلك تأخير زمني طفيف وارتداد السلاح بعد الطلقة مما يمكن أن يغير المسار، وذكر التقرير أن “الذكاء الاصطناعي تم برمجته للتعويض عن التأخير والاهتزاز وسرعة السيارة” ليساهم في تنفيذ عملية الاغتيال”.
الذكاء الاصطناعي والاغتيالات الجماعية
يستخدم الجيش الإسرائيلي عددًا من أنظمة الذكاء الاصطناعي “لافندر Lavender، حبسورا Gospel، وأين أبى؟ Where’s Daddy” لشن عمليات استهداف جماعي في غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” 7 أكتوبر، حيث حدد الجيش الإسرائيلي 37 ألف هدف لحماس باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي المسمى “لافندر”، وفقًا لتقرير صادر عن مجلة +972 ويستخدم “لافندر” لتحديد أعضاء حركة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني كأهداف محتملة للقصف، وتعود الفكرة وراء نشر نظام الذكاء الاصطناعي هي القضاء على التأخير الناجم عن التدخل البشري، مما يحد من قدرة الجيش على تحديد الأهداف والحصول على الموافقة.
وصرح ضابط استخبارات إسرائيلية شارك في الحرب على غزة لصحيفة الغارديان: “لقد فعلت الآلة ذلك ببرود، وهذا جعل الأمر أسهل”، وقال ضابط استخبارات آخر استخدم “لافندر”: “كنت أستثمر 20 ثانية لكل هدف في هذه المرحلة، وأقوم بعشرات منها كل يوم. لم يكن لدي أي قيمة مضافة كإنسان، بصرف النظر عن كوني ختم موافقة، لقد وفر الكثير من الوقت”. إلى جانب “لافندر”، يتم استخدام نظام آخر قائم على الذكاء الاصطناعي يسمى “حبسورا” (الإنجيل)، الذي يوصي بالمباني والهياكل كأهداف بدلاً من الأفراد.
ولا توجد حاليًا أي معلومات حول البيانات المحددة المستخدمة لتدريب “لافندر” أو خوارزمية “حبسورا”. ومع ذلك، وفقًا للتقارير، حقق “لافندر” معدل دقة بنسبة 90%، ووفقًا لمجلة +972، حيث ينظر برنامج “لافندر” إلى المعلومات التي تم جمعها من معظم سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة باستخدام المراقبة الجماعية، ثم يقوم بتقييم وتصنيف مدى احتمالية انخراط كل شخص في الجناح العسكري لحماس أو الجهاد الإسلامي، وبحسب ما ورد، فإن الآلة تعين تصنيفًا لكل شخص تقريبًا في غزة، مما يدل على احتمالية كونه مسلحًا.
وتكشف التقارير أيضًا أن عملية تدريب خوارزميات “لافندر” باستخدام ملفات تعريف الاتصال للأهداف المحتملة قد يؤدي أحيانًا إلى استهداف المدنيين عن طريق الخطأ عند تطبيق النظام على نطاق واسع، وذلك لأن “لافندر” يعمل تلقائيًا دون سيطرة بشرية، مما يجعل العديد من الأشخاص الذين لديهم ملفات تعريف اتصال مدنية أهدافًا محتملة.
بالإضافة إلى ذلك، تبين أن الجيش الإسرائيلي كان يستهدف أيضًا أشخاصًا محددين عندما كانوا في منازلهم. وبحسب التقارير التي نشرتها العديد من الصحف الأمريكية، فقد تم ذلك لأنه كان من الأسهل العثور على هؤلاء الأفراد في منازلهم الخاصة من منظور استخباراتي. ولهذا، كان الجيش الإسرائيلي يستخدم نظام ذكاء اصطناعي آخر يسمى “أين أبي؟ Where’s Daddy ” والذي تم استخدامه لتتبع هؤلاء الأفراد وشن هجمات عندما كانوا في منازل عائلاتهم.
وأوضح ضابط استخبارات إسرائيلية في تسريبات صحفية “لم نكن مهتمين بقتل العملاء فقط عندما كانوا في مبنى عسكري أو منخرطين في نشاط عسكري، فقد قصفهم جيش الدفاع الإسرائيلي في المنازل دون تردد، كخيار أول، فمن الأسهل بكثير قصف منزل عائلة، حيث تم بناء نظام الذكاء الاصطناعي للبحث عنهم في مثل هذه المواقف”.
ورد الجيش الإسرائيلي على تسريبات استخدامات نظم الذكاء الاصطناعي التي يمتلكها وخاصة نظام “لافندر”، قائلًا إن نظام الذكاء الاصطناعي كان يستخدم فقط “للمقارنة بين مصادر الاستخبارات، من أجل إنتاج طبقات محدثة من المعلومات حول العملاء العسكريين للمنظمات الإرهابية، هذه ليست قائمة بالعملاء العسكريين المؤكدين المؤهلين للهجوم”.
وحاول مسئولين الزعم بأن الجيش الإسرائيلي لا يستخدم نظم الذكاء اصطناعي لتحديد العملاء الإرهابيين أو يحاول التنبؤ بما إذا كان الشخص إرهابيًا، بل هي مجرد أنظمة المعلومات كأدوات للمحللين في عملية تحديد الهدف.
ومع ذلك، تؤكد التقارير الاستخباراتية أن الاستخدام الجماعي لأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “لافندر” و”حبسورا” و”أين أبي؟” كان له تأثير مميت، مما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها. على سبيل المثال، عندما تمت إضافة اسم من نظام “لافندر” إلى “أين أبي؟”، كان ذلك يعني المراقبة المستمرة وإمكانية وقوع هجوم لتنفيذ الاغتيال بمجرد دخول الشخص إلى منزله، مما يتسبب في تفجير كل من في الداخل.
ويبين استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المتعددة في الاغتيالات والحرب المستمرة منذ فترة طويلة على غزة العلاقة الارتباطية بين الاغتيالات الاسرائيلية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، القادر على استبدال العنصر البشري في الهجوم المستهدف وتنفيذ الهجمات والهجمات بشكل إحصائي أكثر دون مراعاة للظروف والخسائر الآخرى.