الاخبار الرئيسيةمقالات

المرتزقة السوريون في النيجر أداة تركيا للاستثمار في الأزمة

تحليل: د. فرناز عطية

يبدو أن تركيا احترفت تجنيد المرتزقة من السوريين لخدمة مصالحها في المناطق المختلفة لاسيما المأزومة، فبعد تجنيدهم كمرتزقة وإرسالهم إلى ليبيا ومنطقة “ناغورنو كاراباخ” المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، لتحقيق طموحها العثماني التوسعي، ومشاركة هذه الدول في مقدراتها وثرواتها، ومؤخرًا في مايو 2024 أكدت عدد من التقارير أن أنقرة أرسلت المئات من العناصر المرتزقة السوريين على دفعات إلى النيجر، وقد تم إرسال الدفعة الثانية من المرتزقة السوريين للنيجرفي 4 مايو 2024، من قبل المسلحين السوريين من فصائل “الجيش الوطني” “فرقة السلطان مراد” المقرب من المخابرات التركية وبواسطة شركة “سادات” الأمنية التركية، وضمت هذه الدفعة 250 عنصرًا، وانطلقت لتركيا ومن ثم غادرت إلى النيجر، لتنضم إلى الدفعة الأولى التي بلغت 300 عنصرًا، وقد قضى نحو 9 منهم  مؤخرًا في معارك هناك، وهذا التجنيد للمرتزقة يكون مقابل راتب شهري يصل إلى 1500 دولارًا، وهو مبلغ مغرٍ في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، ولا يصل الراتب للمقاتلين كاملاً، فكل جهة تأخذ نسبة من الراتب، مثل ضريبة الفصيل والوكلاء وغيرهم، بالنهاية يصل للمقاتل ما بين الألف والـ 1200 دولارًا، ويصل التعويض في حال الوفاة إلى  50 ألف دولارًا، ويتم تسجيل الأسماء في أماكن محددة، ومن ثم تُرفع للقيادة في (حوار كلس ) وهي منطقة عسكرية على الحدود السورية التركية؛ ليتم دراستها، والتدقيق في المعلومات الخاصة بكل شخص، وبالرغم من المعلومات التي ساقتها التقارير إلا أن شركة “سادات التركية” نفت بشدة أي عمليات تجنيد أو نشر مقاتلين سوريين في النيجر، مؤكدةً أنها لا تتعامل مع أطراف غير حكومية، و تقدم استشارات استراتيجية لجهات حكومية وبشكل قانوني.

التدخل التركي في نيامي وقلب معادلة التواجد العسكري

بدأ تكثيف التواجد العسكري التركي بشكل سافر وملحوظ في النيجر عقب الانقلاب العسكري على “محمد بازوم” الرئيس المنتخب في نهاية يوليو 2023، والذي غير بشكل جذري معادلة التواجد العسكري هناك، وأدى إلى قلب التحالفات في غرب أفريقيا رأسًا على عقب، حيث ألغيت الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع فرنسا، وطالب العسكريون القائمين على الانقلاب برحيل نحو 1500 جنديًا فرنسيًا أرسلوا لمحاربة المتطرفين، كما ألغوا الاتفاق مع الولايات المتحدة في مارس 2024، وجاء التوغل التركي أيضًا بالتزامن مع مواصلة روسيا الزج بقواتها هناك، ضمن خطوات تصاعدت بالتدريج منذ الانقلاب، فقد حلت القوات الروسية في الآونة الأخيرة محل القوات الأمريكية الموجودة منذ سنوات في إطار الحرب ضد الإرهاب في القاعدة الجوية 101 المجاورة لمطار “ديوري حماني” الدولي في نيامي عاصمة النيجر، وأعقبه التواجد المكثف لمرتزقة تركيا.

عوامل دفعت تركيا لإرسال مرتزقة سوريين للنيجر:

  • صراع النفوذ الذي شهدته غرب أفريقيا بعد الانقلاب العسكري الأخير في النيجر، حيث برزت أربع قوى رئيسية متنافسة، وهي: روسيا، الصين، إيران، تركيا.
  • تبرر تركيا وجود المرتزقة السوريين في أفريقيا عمومًا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية، ولكن حقيقة الأمر أن هؤلاء المسلحين يتواجدون في معارك قتالية على المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تحت قيادة عسكرية روسية، وذلك نظرًا لتقارب والتقاء المصالح التركية الروسية هناك، بالرغم من أن هؤلاء المسلحين معارضين للنظام السوري وللدور الروسي الداعم له.
  • التخوف من تعرض نظام “أردوغان” لمزيد من الانتقادات وانخفاض شعبيته بالداخل بسبب استهلاك القوى العسكرية والمقاتلين الأتراك في عمليات خارجية لا طائل من ورائها، وتكبد مزيدًا من الخسائر على غرار ما حدث عند قتل الجنود الأتراك في سوريا.
  • عدم رغبة النظام التركي في التضحية بمزيد من الكوادر العسكرية التركية في معركة مجهولة الملامح.
  • قدرة الجانب التركي على المماطلة والتنصل من دفع رواتب المرتزقة والالتزامات المادية والتعاقدية تجاههم في أي وقت.
  •  الموقع الجغرافي المتميز للنيجر، كما أنها أكبر دول غرب أفريقيا مساحة، وأغناها بالثروات المعدنية كاليورانيوم والليثيوم، حيث تنتج 7 % من إجمالي الإمدادات العالمية، كما أنها من الأسواق البارزة التي تصدر البترول، وقد حصلت أنقرة على امتيازات بالتنقيب في ثلاثة حقول تعدين في النيجر، هي: كولباغا-1، كولباغا-2 ودارس سلام-2 جنوب غرب النيجر.
  • استئناف أنقرة للسياسة التركية البرجماتية وهي “الاستثمار في الأزمات”، حيث استطاعت أن تتوغل في الدول الإفريقية المأزومة ومنها دول عربية، ففي 2016 أسست قاعدتها العسكرية في الصومال، وقاعدتي الوطية ومصراته في ليبيا 2020، بالإضافة إلى 20 مكتب أمني تركي في القارة الأفريقية يتبعون شركة “سادات” الأمنية، كما ارتفع عدد مكاتب التنسيق التركية في القارة من 11 مكاتب عام 2008 إلى 33 عام 2018، وزادت خطوط الطيران التركية من عدد الوجهات لإفريقيا وخاصة للعواصم والمدن التي لا تذهب إليها خطوط الطيران العالمية، ناهيك عن دعوة آلاف الطلاب الأفارقة للتعليم في الجامعات التركية.
  • فتح جبهة واسعة لتحركات الجماعات القتالية المدعومة من تركيا، بحيث تمتد من شمال سوريا إلى غرب ليبيا، ومن ليبيا لدول غرب أفريقيا للتعاون مع مقاتلي بوكو حرام، كما يمكن الالتحام أيضاً مع مقاتلي حركة الشباب في الصومال وشرق القارة الأفريقية لخدمة النفوذ التركي في المنطقة.
  • محاولة الاستفادة من خبرات الجانب الروسي في غرب أفريقيا، لاسيما وأن قوات “فاغنر” متواجدة فيها منذ 2017، في كل من مالي وبوركينا فاسو، وأنها بعد مقتل قائدها “يفغيني بريغوجين” 2023أعيد هيكلتها تحت سيطرة وزارة الدفاع الروسية، وبمسمى “الفيلق الأفريقي”، إلى جانب أن موسكو اكتسبت ثقة الأفارقة، وحلت محل الغرب هناك.
  • رغبة تركيا بالترويج لأسلحتها في سوق رائج كغرب أفريقيا، الذي يعاني من الاضطرابات الأمنية، وكذا بيع طائراتها المسيرة “بيرقدار”.، والمشاركة في مكافحة الجماعات الجهادية، وكذا توسيع نفوذها السياسي والأمني في المنطقة.
  • السعي لتأمين القواعد التركية في ليبيا، لاسيما بعد مهاجمة قاعدة “الوطية” وتحطيم منظومات الدفاع الجوي التركية هناك.
  • توظيف تركيا للتغيير الجيوسياسي في المنطقة من خلال بناء ““تحالف دول الساحل” الذي تمّ تشكيله في 16 سبتمبر 2023، وضم كل من: مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي الدول التي انسحبت بداية 2024 من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) تحت عباءة النظام الفرنسي.
  • تضاعف حجم التبادل بين أنقرة وحكومة الانقلاب بالنيجر لثلاث مرات بين عامي 2021 و2022، والتي بلغت 203 ملايين دولارًا، وقد أدت المصالح بين الطرفين إلى امتناع تركيا 2023 عن انتقاد الانقلاب في النيجر، ورفض الرئيس التركي “أردوغان” في أغسطس 2023 خططًا أفريقية دولية لاستخدام الخيار العسكري ضد الانقلاب.

وللأسف لا تزال تركيا تخرق كل المعايير الدولية، وتضرب بها عرض الحائط، لتحقيق سياستها التوسعية النفعية على حساب شعوب الدول المأزومة، حيث تسعى لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية وسياسية بأقل تكلفة ممكنة من خلال التجارة بهؤلاء المرتزقة وأرواحهم في إطار سياسة “الاستثمار في الأزمات”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى