بعيدا عن إسرائيل .. تحديات كثيرة تواجه الرئيس الإيرانى وحكومته
تحليل: شروق صابر
رافق فوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان بمنصب الرئاسة بعد سنوات لهندسة هذا المنصب لصالح المحافظين توقعات بأن تتجه إيران في عهده نحو مزيدًا من الانفتاح والحوار مع العالم بموازاة تحسين الأوضاع الداخلية، إلا أن التشكيل الوزاري الذي أعلنه الرئيس الجديد مؤخرًا، قلل من طموح الكثير بأن تأتي حكومته بالجديد للشعب، وأنها ستكون تكرارًا لسياسة النظام السابق. هذا التحول في النهج، يأتي نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية التي دفعت البلاد نحو أزمات متعددة، فمنذ اغتيال إسرائيل لكل من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية أثناء حضوره احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد في طهران، وفؤاد شكر القيادي الكبير في حزب الله اللبناني في بيروت، أصبح العالم في حالة ترقب شديد منذ أن وعدت إيران بالرد وضرب إسرائيل منذ حوالي أسبوعين، وهو وإن حدث سيلقي بظلاله على المنطقة، وإن لم يحدث سوف تظهر إيران حينها في موقف ضعف.
تحول في النهج
يواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان سيل من الانتقادات اللاذعة بعد إعلانه عن القائمة التي تقدم بها للبرلمان لشغل حقائب وزارية، وعقب استقالة نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف عن منصبه، إذ رأى العديد أن الحكومة القادمة قد لا تلبي تطلعات الشعب التي وعد بزشكيان أثناء حملته الانتخابية بحلها، بل وربما تزيد من تعقيد تلك الأزمات، ولعل هذا التغير يعود إلى عدة أسباب يمكن عرض أهمها على النحو التالي:
1- تعامل الرئيس بحذر: لم يكن فوز بزشكيان على التيار الأصولي كاسحًا وهو ما يضيق عليه مساحة التعامل في بعض الملفات، كما أن التيار المحافظ لا يزال يسيطر على الكثير في السلطة، فهو لا يزال يسيطر على البرلمان الذي يجب أن يعطي الثقة للوزراء اللذين يرشحهم الرئيس، لذا أدرك بزشكيان أن اختيار وزراء إصلاحيين بشكل كامل يعرض هذه التشكيلة الوزارية لخطر الرفض من قبل البرلمان، خاصة وأن نسبة المتطرفين داخل هذا التيار في البرلمان ليست بالقليلة، وهم بالطبع لهم دور في تزكية أو رفض الوزراء المرشحن.
2- غياب التناسق بين حقائب الحكومة: عقب انتهاء مراسم تنصيب بزشكيان رئيسًا للدولة،جاءت الدعوات بتشكيل حكومة كفاءات ائتلافية بعيدًا عن المحاصصة الحزبية لمحاولة حلحلة الأزمة الاجتماعية والثقة السياسية في الحكومة القائمة في المجتمع الإيراني. فحكومة وحدة وطنية بعيدًا عن الأحزاب السياسية، سوف تعكس مدى وعي الحكومة بالأزمات الداخلية والخارجية واتخاذها للقرارات اللازمة لمعالجتها، في ظل ظروف النزاع السياسي المحتدمة في إيران أن تسهَّل عملية بناء الاجماع على القضايا والاستراتيجيات وسبل حل المشكلات وتوظيف المزيد من الكفاءات ومنع عرقلة عمل الحكومة.
وفي هذا الاتجاه أشارت صحيفة “اعتماد” الإيرانية أن استطلاعات الرأي الصحيحة تُظهر أن الأغلبية الساحقة من الناس توافق على الأولوية التي أعطاها بزشكيان لشعار الوحدة، إلا أنه وخلافًا للتوقعات، قد يصوت بعض النواب على أهلية الوزراء بطريقة حزبية وبصورة مناهضة للوحدة، من دون التوجه إلى الكفاءة والأهلية المهنية. لذا ظهرت طالبه البعض بتغيير بعض الوزراء المقترحين في التشكيلة الحكومية للحيلولة دون رفض أهليتهم في البرلمان، ما قد يعيق ظهور تلك الحكومة بتلك الرؤية إلى النور. هذا بجانب استبعاد تلك التشكيلة لبعض العرقيات، فمع بدء دراسة أوراق مرشحي الرئيس الإيراني لتولي الوزارات، ازدادت الانتقادات لتشكيلة الحكومة، لاسيما من قبل نواب أهل السنة في البرلمان، والذين اتهموا بزشكيان بحرمانهم من أي مناصب وزارية، بعد دعمهم له في الانتخابات الرئاسية، ورغم ادعائه تشكيل حكومة وقاق وطني.
ملفات عديدة
منذ توليه منصبه، أكد بزشكيان مرارًا على ضرورة اتباع تعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي وسياساته، وصرح إنه لم يكن يفوز بالرئاسة لولا وجود خامنئي، وهي تصريحات أثارت انتقادات له، وعززت جبهة معارضي النظام، ووفقًا لتوصيات المرشد الأعلى لبزشكيان بمواصلة السير على طريق رئيسي، يمكننا قراءة سياساته في أهم الملفات التي تخص الدولة على النحو التالي:
1- ملف الأوضاع الداخلية: سيتابع الشعب بشغف كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع أهم المشاكل التي تعاني منها إيران اليوم، كالإنخفاض الحاد في دخل الفرد، واختلال توازن الطاقة، واختلال توازن النظام المصرفي، ومشكلة الجفاف، واختلال التوازن في صناديق التقاعد، وأزمة البطالة وأزمة هجرة النخب والمتخصصين، إلا أن قضية الحجاب الإلزامي يبدو أنها ستكون من أوائل القضايا التي سينظر الشعب في كيفية تعامل الرئيس الجديد معها، مع استمرار ممارسة شرطة الأخلاق العنف ضد النساء اللاتي لا تلتزمن بارتداء الحجاب بالطريقة الصحيحة التي تتبعها الجمهورية الإيرانية.
ويقلق البعض من أن يعطي بزشكيان الاهتمام الأكبر للقضايا الخارجية في ظل توتر الأمور في المنطقة، في هذا الإطار ذكرت صحيفة تابعة للتيار الأصولي أن النقطة الأساسية والاستراتيجية التي تعد شرطًا رئيسيًا لنجاح عمل الحكومة الجديدة هي عدم ربط القضايا الداخلية بالقضايا الخارجية، أي عدم السير على نهج حكومة روحاني بالتركيز على الاتفاق مع الغرب وإرضائه مقابل التنازلات وتضييع إنجازات البلاد.
2- ملف السياسة الخارجية ودعم الميليشيات: أعطى بزشكيان مساحة واسعة خلال حملته الانتخابية للتأكيد على فتح حوار مع الغرب، بما يشمل القضية النووية، ومن ثم التخفيف من وطأة العقوبات على الدولة، هذا بجانب تحسين العلاقات مع الجوار، والحفاظ على النفوذ الإقليمي لإيران. ومن بين القضايا المثيرة للبحث، هي الطريقة التي ستتعامل الحكومة الجديدة من خلالها مع ملف “محور المقاومة” في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة. وقد عبر بزشكيان عن استمرار دعمه لمحور المقاومة.
وفي ظل ترقب العالم ردًا إيرانيًا على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية حماس داخل مقر إقامته فى العاصمة طهران، فى 31 يوليو الماضى، ربما لم يريد بزشكيان أن تكون بداية فترته الرئاسية هي بداية لدخول بلاده في حرب غير معلوم نتائجها، خاصة لعدم تناسق القدرة القتالية بين إيران وإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، لذا تُدرك إيران أنها تحقق نتائج عالية أكثر من خلال وكلائها الإقليميين بدلًا من المواجهة المباشرة. وهنا ظهر الحديث عن “التراجع التكتيكي” الذي ذكره المرشد الأعلى حيث صرح إن “الانسحاب والتراجع إذا كان غير تكتيكي فإنه سيجلب غضب الله وسخطه”، وهو ما فسره البعض أن النظام قرر التراجع عن قرار مهاجمة إسرائيل باعتبار ذلك “تراجع تكتيكي”.
3- الملف النووي: وعد بزشكيان في حملته الانتخابية أن يُخرج إيران من عزلتها، وعقب توليه زمام الأمور، أبدى الرئيس الإيراني المنتخب استعداده للدخول في “حوار بناء” مع الدول الأوروبية على الرغم من “تراجعها عن التزاماتها” لتخفيف تأثير العقوبات الأميركية. في المقابل يتمسك الرئيس الإيراني الجديد بالحذر في العلاقة مع واشنطن، وهو أمر طبيعي في ظل إمساك المرشد الأعلى علي خامنئي بملف العلاقات الخارجية. فستكون بالطبع الكلمة الأخيرة في الاتفاق مع الغرب بيد المرشد، هذا بجانب نتيجة الانتخابات الأمريكية المقبلة وكذلك صعود اليمين المتطرف بأوروبا. ولم تقف التحديات التي تواجه الوصول إلى اتفاق نووي وجني ثماره على الداخل الإيراني عند حد نتائج الانتخابات الأمريكية فقط، بل ترتبط أيضًا بالأوضاع التي تشهدها المنطقة، خاصة بعد حرب غزة، حيث أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في الفترة المقبلة ستعمل على إظهار دور إسرائيل الأمني في المنطقة أكثر من ذي قبل.
ختامًا، يمكن القول أن الحكومة المقبلة سوف تلتزم بالنهج الذي حدده القائد الأعلى علي خامنئي خلال مراسم تنصيب الرئيس فيما يخص الملف الخارجي، والذي يبدو أنه لا يريد توسيع دائرة الحرب، حيث تدرك إيران أنها وإن دخلت في حرب مباشرة مع إسرائيل ستكون هي الخاسرة، حيث تكمن قوة إيران في الحرب بالوكالة، وتُدرك أنها تستطيع التفوق على إسرائيل من خلال سياسة “ألف طعنة” وتوجيه عدة ضربات لها من خلال الميليشيات التابعة لها في المنطقة. أما على الصعيد الداخلي فقد تستطيع حكومة بزشكيان تحقيق انجازًا في عدة ملفات داخلية لاسيما ملف الحريات.