نعلم أن للتاريخ منهج ورؤية ممتدة ترتبط بميلاد الحضارات، ولا يوجد مرآة صادقة تعكس الحقائق التاريخية سوى الوثائق؛ فهي الأسانيد التي تضم بين طياتها وسطورها كافة الحقائق، وتكشف عن أمورٍ وموضوعات لم يكن لها أن تتضح إلا بوجود تلك الوثائق.
الوثائق التي تُعد المعين الذي لا ينضب من المعلومات والتي تصل الحاضر بالماضي، وتفتح أمام عيوننا أبوابًا للمستقبل. إن الوثائق التاريخية ستظل شاهدًا لا يرقى إليه الشك فيما تتضمنه من معلومات؛ فهي بعامل الزمن سجلت لنا أحداثًا لم يكن ليتأتى لنا معرفتها إلا بالتوصل لتلك الوثائق وتناولها بالدراسة والتحليل وفقًا للظروف والعوامل التاريخية التي أفرزت تلك الوثائق في الفترات الزمنية المختلفة؛ فتوافر الوثائق وإتاحتها للبحث والدراسة يجعل منها مصدرًا أصيلًا لكتابة التاريخ والبحث فيه دون أن يرقى إليها الشك، فالتاريخ لا يُكتب صحيحًا إلا من خلال المصدر الأساسي الذي دونت فيه الأحداث والمعاملات بصورة تلقائية؛ ألا وهي الوثائق، فلا تاريخ بلا وثائق، ولا وثائق إلا بوجود مؤرخ ليستنبط منها الحقائق ويخرجها للناس بكل أمانة لتصبح تلك المعلومات التاريخية ذاكرة الشعوب وموطن أصالتها ونشأتها.
من هنا يجب أن نؤكد على أهمية الوعي بقيمة الوثائق التاريخية، ولأن التاريخ والوثائق وجهان لعملة واحدة، فإن كل ما تخلفه لنا المعاملات الحياتية من وثائق عبر الزمن سوف تصبح وثائق تاريخية شاهدة على الأحداث، ومن المصادر الأصيلة ذات الأهمية العالية في مجال دراسة التاريخ والآثار، وحياة الشعوب، والعادات والتقاليد، وكافة الأحداث؛ لما تحويه من دلائل رسمية، وقرارات، وأوامر، وأحكام، ومعاملات، ووصف للآثار والأماكن بدقة متناهية، وكذا وصف الوظائف والكيانات الإدارية التي شكلت المجتمعات عبر العصور، لقد كان لكل ما سبق ذكره عن أهمية الوثائق التاريخية أكبر الأثر في الاهتمام بها من قِبل الباحثين والدارسين؛ فصارت تخصصًا مستقلًا بذاته.
ومنذ أن قدّر الله سبحانه وتعالي للبشر أن يعمروا الكون وجعل العلم سبيلهم إلى ذلك صار البحث والتفكر في آيات الكون والسعي لطلب العلم هو بُغيتهم، وإحدى وسائلهم الأساسية من أجل معرفة العالم، ولم تستطع الذاكرة البشرية الحفاظ على كافة التطورات الحياتية التي توصل إليها الإنسان، ومن هنا بدأ في البحث عن الوسائل المعينة له على حفظ سمات التطور والتقدم في حياته؛ فاخترع الكتابة ليحفظ ذاكرته، وأعماله، وخبراته، ومعارفه عبر الزمن؛ كي ينقلها إلى الأجيال القادمة من أبنائه، فبحث في كافة الأشياء المتوفرة في بيئته؛ فوجد أن أكثر ما توفر لديه هي الأحجار، وجدران الكهوف، وألواح الطين، فنحت عليها الرسوم التعبيرية عما يحدث في حياته اليومية، وأصبح ذلك بمثابة التسجيل لذاكرته وذكرياته، حتى اهتدى للخاف الأشجار، وسعف النخيل، وأوراق البردي، وجلود الحيوانات؛ فاخترع الأحبار والأقلام لتيسير التدوين والكتابة والرسم، وأصبح يكتب على كل شيء وكأنه يوثق يومياته.
وبتراكم أوعية المعلومات ظهرت فكرة الترتيب والتصنيف والحفظ لتلك الأوعية وفقًا للمادة المكتوب عليها، ووفقًا للموضوعات التي اشتملت عليها تلك الأوعية، كما بدأت فكرة البحث عن طريقة مبتكرة للحفظ والاسترجاع.
بهذا التطور البدائي البسيط بدأت الإرهاصات الأولى لظهور مهنة التوثيق، التي أصبحت بمرور الزمن معينًا للإنسان في مسيرته وسعيه لظهور فكرة الدولة المتحضرة؛ التي قامت على نظام المؤسسات الدينية والعلمية، وما استتبع ذلك من تشييد وإقامة الدواوين، وتعيين الكُتاب وذوي المهارات في فنون الكتابة والحساب والعلوم والفلك وغيرها، وكذا أصحاب المهارات في تصنيع مواد الكتابة، والأحبار، والأقلام، وفنون التجليد، وزخرفة الورق والدفاتر والسجلات.
ونتيجة لانتشار فكرة التدوين وتزايد عأالمعاملات بين الناس والرغبة في تسجيل التصرفات الشرعية منذ صدر الإسلام؛ ظهرت أنواع متعددة من وثائق المعاملات الشرعية كوثائق البيع، والشراء، والزواج، والدعاوى الشرعية، ووثائق المعاملات المالية والتجارية، وسُجلت تلك التصرفات والمعاملات في وثائق متعددة الأشكال والمسميات.
كما ظهرت الوثائق العامة المتعلقة بالدولة وما يصدر عنها من أوامر ومراسيم تتعلق بديوان الحكم، ووثائق المعاهدات، والاتفاقيات، ومراسم التولية، والإقطاعيات وغيرها، والوثائق الخاصة وهي التي تسجل التصرفات الخاصة للأفراد سواء كانت بيعاً، شراء، إيجاراً، وقفاً، أو عتقًاً…الخ.
مما سبق يتضح أن معرفة الإنسان بالكتابة تعتبر أول ثورة حضارية للفكر البشري، بينما يعتبر اختراع الورق هو الداعم الرئيس لتلك الثورة وهو الذي هيأ لها سبل الانتشار والتطور.
اختراع الكتابة وتطورها
يرجع الفضل إلى العراقيين الأوائل في اختراع الكتابة، وظهرت الكتابة على الألواح الطينية باللغة المسمارية عام 3600 ق.م ، وكان النقش يتم على ألواح الطين وهو ليِّن بقلم رفيع حاد، ثم يجفف الطين في النار أوتحت أشعة الشمس، كما ابتكر المصريون القدماء الكتابة الهيروغليفية عام 3400 قبل الميلاد، ثم اخترعوا الورق فانتشرت الكتابة، وكان للعرب المسلمين فضل تطوير صناعة الورق وتعريف العالم بقيمته ودوره في النشر والتدوين.وفي القرن الخامس عشر الميلادي تم اختراع الطباعة بالحروف المعدنية المتحركة فنقلت العالم إلى عصر حضاري جديد؛ فطُبعت الكتب بنسخ كثيرة، وازداد تداولها بين الناس وانتشر العلم، وظهرت الدوريات ؛ والأشكال المتنوعة للمجلات العلمية والأدبية والثقافية، كل ذلك بالإضافة إلى الوثائق والمكاتبات الرسمية وغير الرسمية بأشكالها وموضوعاتها المختلفة.
نمو وتطور علم الوثائق
مما سبق يتضح إن الجـوانب العملية لعلم الوثائق والتعامل بتطبيقاته الفعلية كانت الأسبق في الظهور من جوانبه النظرية البحتة، ولقد شكل الجانب التطبيقي العملي مع الجانب النظـري الهيكل العلمي الحقيقي المتكامل لهذا العلم. إذ سبقت الممارسات العملية بين البشر من خلال الوثائق بأشكالها وموضوعاتها المختلفة فكرة توثيق هذا العلم ومفرداته وأدواته.
ولقد مثلت مراكز الحكم والإدارة والمساجد القديمة ثم الدواوين والمصالح الحكومية دور إنتاج وحفظ الوثائق بكافة أنواعها في البداية؛ حتى ظهرت الحاجة لوضع اللوائح والقوانين لحفظ الوثائق وإنشاء مراكـز المعـلومـات المتنوعة لتصبح فيما بعد ممثلة للميادين التطبيقية لعلم الوثائق.
ومنذ أواسط القرن التاسع عشر ظهرت حركة التوثيق بفكرتها الأولى المبسطة ، والتي كانت تهدف إلى تقديم تحليل دقيق لمحتويات أوعية المعلومات الوثائقية، ثم ظهرت عمليات الإفادة من استرجاع المعلومات الموثقة في الدواوين والمصالح الحكومية، ولكنها كانت في حد ذاتها محاولات ناتجة عن خبرات مهنية؛ كانت في أشد الحاجة إلى مبادئ وقوانين علمية أساسية تستند إليها، وتدعمها في تطبيقاتها الميدانية، ولقد وُجدت مفاهيم علم الوثائق لهذا الغرض ووُجدت نظـرياته لبناء هذه الأُسس، وتطويرًا لمبادئ وأهداف التوثيق، وتكاملاً معها وهكذا نما وتطور علم الوثائق حتى وصل لصورته الحالية نظريًا وتطبيقيًا.
ولقد اشتقت عن علم الوثائق مجموعة مسميات أصبح كل منها بمثابة علم مشتق في حد ذاته ومنها: – التوثيق (Documentation) – علم المعلومـات (Information Science) – علم الدبلوماتيك diplomatic)
-علم نقد المصادر؛ مثل: المواثيق ، القوانين ، المعاهدات، العقود، السجلات القانونية، والوثائق المشابهة. كما تشتمل أيضا على دراسة نشأتها وتكوينها وكذا تقييمها وتمييز الصحيح من المزور.والآن ننتقل للحديث عن أهم مستودع لحفظ وإتاحة الوثائق في مصر والعالم العربي ألا وهو الأرشيف القومي المصري.
– شرع محمد علي باشا في إنشاء دار المحفوظات العمومية بالقلعة عام 1828م تحت مسمى “الدفترخانة العمومية” وذلك بهدف حفظ مقتنيات الدولة الإدارية والمالية من الوثائق والدفاتر، وهي أقدم دور الأرشيف في العالم العربي وثاني دار للأرشيف في العالم ككل، وكان هدفها جمع نتاج أنشطة أجهزة الدولة وحفظه من الضياع لأهميته لمحمد علي في اتخاذ القرارات الإدارية والمالية الخاصة بالدولة، وقد صارت بمضي الوقت تراثًا قوميًا.
– وقد ضمت الدفترخانة العمومية كنوزًا من الوثائق والسجلات والفرمانات والمعاهدات منذ بداية العصر الفاطمي مرورًا بالعصر الأيوبي والمملوكي ثم العثماني، ثم وثائق مصر الحديثة منذ عصر محمد على وحتى يومنا هذا، وقد انتقلت بعض الوثائق والدفاتر إلى قصر عابدين بهدف كتابة تاريخ الأسرة العلوية؛ فأطلق على تلك المجموعة وثائق عابدين، وبقيام ثورة يوليو 1952 صدر قرار إنشاء دار الوثائق القومية رقم 356 لسنة 1954م، وحدد القانون وظيفتها في جمع وحفظ الوثائق وإتاحتها للباحثين والدارسين، وفي عام 1990 نُقلت دار الوثائق إلى موقعها الحالي بكورنيش النيل، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 176 لسنة 1993 بإنشاء هيئة مستقلة تضم دار الكتب والوثائق القومية لتقوم الأخيرة بدورها كمركز للباحثين والدارسين لا ينغلق على مهمته في حفظ تراث الدولة من الوثائق بل ليتيح ذلك التراث للبحث والإطلاع والدراسة والتوثيق.
ونؤكد مرارًا وتكرارًا على أن دار الوثائق القومية تعد واحدة من أهم دور الأرشيف في العالم؛ لاحتوائها على كم هائل من المصادر الوثائقية؛ لا تخص مصر وحدها كدولة محورية في الوطن العربي؛ بل تضم وثائق وحجج شرعية وخرائط ومقتنيات تتعلق بدول العالم العربي والعديد من الدول الأجنبية، ولهذا فقد انعكس ذلك على محتويات الدار التي تضم وثائق باللغات العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية؛ فضلاً عن عدد من الوثائق باللغة الأمهرية.
نبذة عن أهم مقتنيات الأرشيف القومي المصري من الوثائق
يزخر “الأرشيف القومي المصري” بكنوز من الوثائق تحكي تاريخنا دون تشويه أو تحريف، ويرجع ذلك إلي أصولية المصادر الصادقة الشاهدة على الأحداث، والتي لم تدون بهدف كتابة التاريخ، ولكنها نتجت عن المعاملات الشرعية القائمة بين الأفراد كما ذكرت آنفًا، ويطلق عليها “الوثائق الخاصة”؛ ويجسد هذه الوثائق حجج الأمراء والسلاطين منذ العصر الفاطمي حتى العثماني، ثم أرشيف المحاكم الشرعية منذ العصر المملوكي ومرورًا بالعصر العثماني حتى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلي أن تطور النظام القضائي المصري.
أما علي الجانب الآخر فنجد مصطلح “الوثائق العامة” وهي التي تخص الدولة؛ وتتمثل في الفرمانات الشاهانية، والمعاهدات، والمراسيم؛ حتى تطورت إلي شكل الوثيقة الديوانية الصادرة عن دواوين الدولة أو الدواوين الحكومية التي أنشأها محمد علي.
ثم الوثائق الديوانية وهي “وثائق الصادر والوارد”؛ التي تدون بالدفاتر، وكذلك دفاتر القيد بأنواعها، ودفاتر الاستحقاقات والميزانيات المتعلقة بالدواوين المشار إليها؛ مثل ديوان البحرية، الجهادية، الصحة العمومية، المالية، التجارة والمبيعات، الواردات، وكذلك وثائق الشركات التجارية التي أُنشئت لإدارة حركة المال والاقتصاد منذ عصر محمد علي وخلفائه؛ مثل “الشركة العزيزية المصرية للملاحة البخارية” و”الشركة المجيدية” و”ديوان المرور والسكك الحديدية” و”مصلحة وابورات البوستة الخديوية” ووثائق “شركة قناة السويس البحرية”؛ مضافًا إلى ذلك وثائق الحركات الثورية، ومذكرات الزعماء، ووثائق مديريات السودان…وغيرها.
بالإضافة إلى احتفاظها بوثائق تتعلق بتاريخ بلاد الشام والجزيرة العربية، كما تحتفظ بوثائق تتعلق بتاريخ كريت، وتركيا، والمغرب العربى، والعراق، وإيران، وإثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي، وأوغندا، وكينيا، والمنطقة الأفريقية بصفة عامة.
أما عن المجموعات الأرشيفية التي تضمها دار الوثائق فتتمثل فيما يلي:
– الوثائق السيادية : وهى الوثائق ذات العلاقة بالمؤسسات السيادية بالدولة؛ مثل وثائق ديوان الجهادية، الديوان العالي السلطاني، حجج الأمراء والسلاطين، أرشيف وزارة الخارجية
– الوثائق الاقتصادية: وتتناول عناصر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية المختلفة، مثل ديوان الروزنامة، بيت المال، القومبانية المجيدية، وزارة الاقتصاد وزارة الزراعة
– الوثائق القانونية: وهى وثائق تختص بإثبات الحقوق والاستدلال القانوني، مثل : محكمة الباب العالي ، محكمة القسمة العسكرية، محكمة مصر الشرعية
– وثائق ذات طبيعة خاصة: مثل مذكرات الزعماء، ووثائق الحجاز، والشام، والسودان، ووثائق الأزهر الشريف، وثائق الثورة العرابية، وثائق الخرطوم، وثائق دنقلا، وثائق الجنيزة ، وثائق سعيد باشا ، وثائق قناة السويس
– وثائق الخدمات: كالتعليم، والنقل، والمشروعات العامة، مثل: ديوان المدارس، المرور والسكة، مرفق مياه القاهرة، المجلس الأعلى للجامعات، الدفتر خانة، وزارة القوى العاملة
– وثائق الإدارة المحلية: وهى تختص بالوثائق المتعلقة بالمديريات والمحافظات المصرية منذ إنشائها؛ بالإضافة إلى أنها تضم الإحصائيات الحيوية التي تمت في مصر، ومن مجموعاتها وثائق محافظة مصر ، ديوان الداخلية ، محافظة العريش، تعداد النفوس ، مديرية جرجا
وخلال تلك الفترة الممتدة من العصر الفاطمي وحتى العصر الحديث تنوعت أساليب صياغة الوثائق؛ وخاصة وثائق المعاملات الشرعية والتي تطلبت تدخل علماء الشروط والمذاهب الأربعة لوضع الأسس لصياغة وتدوين تلك الوثائق وفقًا لمنهج موحد؛ حتى لا يتطرق إليها الشك وتكون حجةً وشاهدًا على صحة التصرفات الشرعية الصادرة عن المحاكم، ونظرًا لارتباط ذلك بالقضاء وظهور فكرة تسجيل الأحكام الشرعية؛ لذا فلا بد لدارس الوثائق أن يكون على دراية بمفهوم القضاء، وقواعد صياغة العقود الشرعية؛ حتى يستطيع وضع الأسس المنهجية لقراءة وتفسير النصوص الوثائقية، وحتى يتسنى للباحثين في مجال الوثائق والتاريخ والعلوم المتعلقة بذلك مثل علم الآثار واللغة أن يتخطوا صعوبة قراءة الخطوط من خلال دراستهم للصيغ الفقهية الأساسية التي دونت وثائق المعاملات وفقاً لها؛ فيصبح من السهل قراءة وتفسير الكلمات من خلال استنباط المعنى وقراءة النصوص المتشابهة لتعينهم في فك طلاسم الخطوط؛ والتي بدورها تضعهم على بداية الطريق الصحيح في دراسة الوثائق وما تحويه من الحقائق.
دار الوثائق والمرحلة القادمة
لأن الإلمام بأحدث التقنيات التي توصلت إليها البلاد الأوروبية في حفظ واسترجاع وثائقها، وكيفية معالجة النصوص الوثائقية، والدور الذي تلعبه الوثيقة الألكترونية في حياتنا اليوم من أهم أهدافنا في المرحلة القادمة؛ لذا وجب علينا مواكبة مستجدات العصر والعمل علي تطوير أرشيفنا القومي بما يلبي احتياجات المرحلة التي نمر بها، ولذلك يجب أن نسعى لنصل بأرشيفنا القومي إلى قمة هرم الإدراك المعرفي في مجال الترتيب والوصف والحفظ والإتاحة ورقمنة المقتنيات الأرشيفية؛ وكذا الوصول إلى مرحلة معالجة الوثيقة سواء ورقية أو رقمية؛ حتى تصبح فيما بعد دليلاً لا يقبل الشك إذا ما تم الاعتداد بها أمام القانون.
وأمام كل هذه الرغبات التطلعية الملحة للوصول للأفضل يجب أن نضع نصب أعيننا الواقع الحالي لأرشيفنا القومي وواقع مقتنياته من الحفظ والإتاحة بالصورة الورقية إلي مرحلة الرقمنة والوصول إلي الوثيقة الإلكترونية المعالجة من الشكل الورقي التقليدي؛ حيث لم نصل بعد لمرحلة إنتاج الوثيقة الإلكترونية والتعامل عليها وحفظها وإتاحتها إلكترونيًا.
ومن خلال رؤيتنا للواقع الفعلي لمقتنيات “الأرشيف القومي” فهو يعتبر علي قمة الهرم؛ من حيث المكانة التراثية والمعرفية والتاريخية، ولكن من الناحية التكنولوجية ومعالجة المقتنيات، وكذلك من ناحية الحفظ الجيد وتيسير الاسترجاع وتقديم الخدمات البحثية؛ فهو ليس في المكانة التي نرغبها، ولذلك يجب على المؤسسة الوثائقية الاستمرار في أداء الدور الثقافي التي تقوم به وأن تسهم بدورها في توثيق التعريف بالأرشيف القومي ودوره الرائد في مجال حفظ تراث وتاريخ الأمة المصرية.