آراء عربيةالاخبار الرئيسية

حرب غزة ومحاولات النفاذ للداخل الأردني

تحليل: د. فرناز عطية

لا شك في أن الأردن أضحى كبقية الدول المجاورة لساحة الحرب المشتعلة في غزة، حيث تأخذ موقف المتابع الحذر، الذي يحاول الحفاظ على دعمه الدائم للقضية الفلسطينية متجنبًا الآثار السياسية والأمنية السلبية لهذه الحرب، وما يتوقع أن تلقيه ظلال هذه الحرب على الدول المحيطة من تبعات، خاصة فيما يتعلق بأمن هذه الدول واستقرارها الداخلي، فدولة كالأردن تحاول الموازنة بين التزاماتها الخارجية بما تفرضه اتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة 1994، وارتباطاتها بالقضية الفلسطينية، وما تفرضه الاعتبارات الديموغرافية الداخلية، وقد شهدت الأردن بعد عملية “طوفان الأقصى” 7 أكتوبر 2023 مجموعة من المظاهرات والاحتجاجات دعمًا للقضية الفلسطينية، ولكن هناك بعض القوى الخارجية حاولت استغلال هذه الاحتجاجات في إثارة البلبلة والفوضى الأمنية في البلاد، والتي تمثلت في عدة مشاهد كان أبرزها:

اضطرابات الشارع الأردني ودعوات “الزحف المقدس”

شهدت الأردن تظاهرات عارمة الشهور الماضية منذ تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، حيث حاولت الجماهير الالتفاف والتجمهر حول السفارة الإسرائيلية وقاموا بتوزيع الحلوى، وعجت وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات المؤيدة لطوفان الأقصى، ومع ازدياد أمد الحرب، تأجج الشارع الأردني بالمظاهرات والاحتجاجات، ووصل عدد المتظاهرين إلى عشرات الآلاف، ورفعت الرايات الخضراء، وهتفت بالولاء لحماس وقياداتها، مما أدى للصدام بين القوى الأمنية والمحتجين، وهو ما ترتب عليه اعتقال عدد من المطالبين بفتح الحدود وحصار السفارة الإسرائيلية، وأدى إلى إعلان الحكومة حظر التظاهر عند الحدود، ويذكر أن ثلثي المحتجين فئات غير مؤدلجة، وعلى الجانب الآخر قادت قوى حزبية وشبابية ويسارية وإسلامية حراكًا في الشارع الأردني وكان على رأسها: “الملتقى الوطني لدعم المقاومة”، و”التجمع الشبابي لدعم المقاومة“، داعية “للزحف المقدس” نحو السفارة الإسرائيلية وحصارها وإلغاء اتفاقية السلام، وقد كثفت جهودها لحشد المحتجين تحت هذا الشعار تضامنًا مع المقاومة في غزة، وهو ما زاد الضغط بدوره على الدبلوماسية الأردنية والحكومة الأردنية بشكل عام ووضعها في حرج، وذلك بالرغم من دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية، ورفض عمليات الإبادة والتهجير التي تقوم بها إسرائيل، ويرجع السبب في نشاط دعوات جماعات الإخوان المسلمين إلى ما عرف بـ”الزحف المقدس” في الشارع الأردني إلى عدة عوامل، هي :

  • محاولات جماعات الإسلام السياسي استثمار وتوظيف تأييد الشعب الأردني للقضية الفلسطينية لتعزيز موقفها في المجتمع الأردني في مواجهة الحكومة، وزيادة حجم قاعدتها الانتخابية لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات في أغسطس 2024، خاصة مع تعاطف الجماهير الأردنية مع القضية الفلسطينية وحماس، مما جعل البعض يستشعرون محاولات هذه الجماعات استمالة الجماهير والسيطرة على الانتخابات القادمة، فنادوا بإرجاء موعد الاستحقاق الانتخابي خاصة في حال انتهت الحرب لصالح حماس كمحاولة لقطع الطريق على هذه الجماعات.
  •  تقديم الدعم لحركة “حماس” التي استنزفت الحرب قواها، والتي تتوافق أيديولوجيًا مع جماعات الإسلام السياسي الموجودة في الأردن.
  • الموقف الدولي المتخاذل، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها اللوجيستي لإسرائيل، بل وإعطائها الضوء الأخضر للأخيرة للتصرف في غزة كما يتراءى لها، وعدم قدرتها على وقف حرب الإبادة الإسرائيلية.
  • استغلال سوء الأوضاع الداخلية كالاقتصاد والصحة والأوضاع المعيشية واستياء الجماهير منها، حيث بينت استطلاعات رأي لمركز “الدراسات الاستراتيجية” بالجامعة الأردنية أن أقل من نصف الأردنيين 46% راضون عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة لهم، و39% فقط راضون عن مستواهم المعيشي الحالي، علاوة على أن غالبية الأردنيين 60% غير متفائلين بالاقتصاد الأردني خلال العامين القادمين.

محاولات خارجية لتغذية الاحتجاجات

أولا: الاتصال بين جماعات الإسلام السياسي في الأردن وحماس

جرت اتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التي تصنفها الحكومة “بغير المرخصة” وبين “حماس” بعد عملية “طوفان الأقصى”، وقد أقر “معاذ الخوالدة” الناطق باسم الجماعة بهذه الاتصالات وأكد أنها ليست سرًا ، مبررًا أن قيادات المقاومة تحرص على أمن الأردن واستقراره ويتطلعون لتطوير العلاقة معه، وقد كانت من بين الدعوات التي أججت الشارع الأردني دعوة القيادي “خالد مشعل” للأردنيين للخروج بالملايين وبشكل مستدام في كلمة مسجلة بثت في إحدى الفعاليات الداخلية للحركة الإٍسلامية، وهو ما اعتبرته حكومة الأردن نوع من التأليب الصريح والمعلن للشارع الأردني وإثارة الاضطرابات فيه ضد الحكومة، والتشكيك بمواقف الأردن في دعم غزة ومحاولة إثارة الفوضى في الداخل، ولاسيما مع علمها بوجود ارتباطات أيديولوجية وفكرية بين التنظيمين.

ثانيًا: محاولات إيران التدخل في الشأن الأردني

وعلى الجانب الآخر تسعى قوى خارجية إقليمية كإيران لإبقاء مثل هذه الاحتجاجات قيد الاشتعال للتدخل في الشئون الداخلية للأردن، ومحاولة تكوين فصيل موال لها في الداخل الأردني، إلى جانب السعي الإيراني الدؤوب بأن تظهر أيادي طهران وقد باتت تطال الساحة الداخلية في الأردن، وأن نفوذها قد تخطى الساحات اليمنية والسورية واللبنانية إلى الساحة الأردنية ضمن استراتيجية “وحدة الجبهات” التي تسعى إيران لخلقها.

وبشكل عام فإن هناك عدد من العوامل التي شجعت على تغذية هذه الاحتجاجات والسعي لتوظيفها، ومنها:

  • وقوع الأردن في قلب أيّ مواجهة إقليمية محتملة، إذ يشترك حدوديًا مع سورية والعراق، حيث توجد ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران، ويشكّل اندلاع حرب شاملة في الإقليم تحديًا عسكريًا وأمنيًا حقيقيًا للأردن، فهو من الشمال والشرق على تماسّ مباشر مع تلك المجموعات المسلحة المدعومة من طهران، ومن الجهة الغربية يمتلك أطول حدود مع إسرائيل، وفي الداخل لديه قواعد عسكرية أمريكية باتت ضمن دائرة الاستهداف.
  • استغلال طبيعة التركيبة الديموغرافية للأردن، والروابط الثقافية والشعبية القوية بينه وبين فلسطين، حيث تعود نسبة كبيرة من سكان الأردن إلى أصول فلسطينية، في اضرام نيران الاضطرابات الداخلية بحجة دعم فلسطين.
  •  تدهور العلاقات السياسية بين الأردن وإسرائيل خلال فترة رئاسة بنيامين نتنياهو للوزراء، وسياسته المتطرفة ضد العرب.
  • رغبة بعض القوى الإقليمية في فتح جبهات جديدة، لاسيما مع تنفيذ عمليات إسرائيلية لاجتياح رفح، وتوتر الجبهة اللبنانية، مما يثير مزيدًا من الفوضى في الدول العربية خاصة الدول الحليفة للولايات المتحدة والدول الغربية، خاصة مع محاولات إيران المستمرة اختراق أمن الأردن من خلال تهريب السلاح والمخدرات عبر حدود الأردن مع العراق وسوريا، بالإضافة إلى ظهور تقارير كشف عنها النقاب في إبريل 2024 بينت وجود محاولات لفتح جبهة ضد إسرائيل من خلال الأراضي الأردنية، من خلال حركة “النجباء”، وهي فصيل متشدد ضمن فصائل المقاومة الإسلامية العراقية، ذهبت إلى إجراء مباحثات حول كيفية إنشاء مقاومة إسلامية أردنية تشن هجمات ضد إسرائيل عبر الأردن، بتنسيق مع عناصر من الحرس الثوري الإيراني وفصائل المقاومة الإسلامية العراقية وحزب الله اللبناني وحركة الجهاد الفلسطينية وحركة حماس وأيضًا جماعة الحوثي في اليمن.
  • استهداف المنشآت والقواعد الأمريكية في المنطقة العربية ومنها الأردن، لاسيما بعد تفعيله للاتفاقية العسكرية الموقعة مع واشنطن فبراير 2021 والتي تقدم للقوات الأمريكية تسهيلات ضخمة في الأردن لمدة 15 عاماً، منها تقديم 12 قاعدة جوية وبحرية في الأردن بشكل كامل، و4 قواعد تستخدم للتدريب ولأغراض متعددة لتستعمل بشكل مشترك بين الجيشين الأمريكي والأردني، ويذكر أنه تم قتل 3 من الجيش الأمريكي وإصابة آخرين في هجوم بطائرة مسيرة استهدفت قاعدة في الأردن قرب الحدود السورية يناير 2024، وقد اتهمت واشنطن طهران بتنفيذ هذا الحادث.

وإجمالاً، فإنه في ضوء ما سبق من معطيات يتوجب على الأردن أن يقوم بالتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، ويوازن بينها وبين ارتباطاته الدولية، بما لا يخل بأمنه القومي، وبما لا يدع مجالاً للتأثير على الداخل الأردني بما يعرضه لأن يكون ساحة تستغلها القوى الإقليمية أو الدولية أيًا كانت لخدمة مصالحها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى