الصحفيون في مناطق النزاعات المسلحة.. حلقة نقاشية جديدة لمركز أتون للدراسات
جاءت التطورات المتصاعدة في قطاع غزة كاشفة بمنتهى الوضوح عما يواجهه الصحفيون من مخاطر خلال تغطيتهم للنزاعات أو عملهم في مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة، لدرجة أن هناك إحصاءات تشير إلى أن نحو 200 صحفي قتلوا في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي هذا السياق، عقد مركز أتون للدراسات حلقة نقاشية حول الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة، وقد جرى خلالها مناقشة التحديات التي تواجههم، وما يجب عليهم أن يعرفوه ليقوموا بعملهم على أتم وجه وبمهنية دون تعريض أنفسهم للخطر، وذلك عبر استضافة 2 من الصحفيين الذين لديهم خبراتهم في هذا المجال، وهما الكاتب الصحفي صلاح جمعة نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، والكاتب الصحفي أحمد العميد الذي شارك في تغطية الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق وليبيا، وبحضور الباحث السياسي الأستاذ محمد صابر والأستاذ محمد عامر رئيس قسم الشؤون الخارجية بجريدة الوطن.
قدم الحلقة النقاشية الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز أتون للدراسات والذي أشار إلى أنه نفسه كان لديه تجربته الخاصة عندما كان في لبنان وغطى حرب يوليو/تموز من عام 2006، مؤكدًا أن التحديات التي تواجه الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة أمر له أهمية كبيرة.
وأشار إلى أن هناك مجموعة من الخبرات تتعلق بتغطية مناطق النزاعات، في مقدمتها أن يعرف الصحفي نفسه حتى لا يصيبه أي ضرر، لكنه يرى أنه على الرغم من ذلك فإن هناك بعض الأطراف تتعمد إصابة الصحفيين بضرر مباشر، لافتًا إلى أنه رأى ذلك في لبنان، كما أن إسرائيل على سبيل المثال تتعمد ضرب الصحفيين رغم أنها تعلم أنهم صحفيين.
ضوابط رئيسية
بدأ الكلمة الكاتب الصحفي صلاح جمعة نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط الذي روى تجربته عندما كان مراسلًا للوكالة في قطاع غزة، وكان ذلك عام 2000، وكانت هذه فترة مليئة بالأحداث ذات الأهمية كالانتفاضة الفلسطينية، ويشير هنا إلى أن أول ما تعرض له أنه عندما وصل إلى غزة على متن إحدى الطائرات كان طاقم الطيران إسرائيليًا ومن يقومون بالتفتيش إسرائيليون، وهذا أمر يؤكد أنه لم يكن موضع ارتياح بالنسبة له.
ويتحدث جمعة عن مجموعة من الأمور في غاية الأهمية بالنسبة لأي صحفي يعمل كمراسل في دولة أجنبية أو في منطقة نزاع، أولها أن يؤكد للجميع في الدولة التي يوجد بها أنه صحفي وجاء من أجل العمل الصحفي، وبالتالي إزالة الشكوك حوله بأنه ليس جاسوسًا أو يعمل لصالح إحدى الجهات الأمنية، مؤكدًا أن هذا يتم من خلال قيام الصحفي بعمله الصحفي فقط والتصرف كصحفي.
يتحدث كذلك نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط عن أمر آخر في غاية الأهمية، وهو الحفاظ على استقلالية الصحفي، بمعنى أن عليه ألا يقبل أي أمور من الدولة التي وصل إليها تحمل أي طابع لمعاملة خاصة له، في إشارة منه إلى تلقي أموال أو إقامة في مناطق مميزة، مشددًا على أن هذا أمر مرفوض أيًا كان، لا سيما أن الجهة التي يمثلها تكون هي المكلفة بتقديم ما يلزمه من احتياجات.
ويشير إلى أهمية أن يختار الصحفي مكانًا مناسبًا للإقامة، على سبيل المثال يكون قريبًا من السفارة المصرية إذا كان مصريًا، ويجب أن يكون مهتمًا بمظهره، مشيرًا إلى أنه عندما سافر إلى فلسطين ذهب إلى السفارة المصرية للتعرف على طاقمها وللتنسيق بشأن أي أخبار أو مناسبات، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن ذهابه إلى السفارة لمجرد التنسيق، فهو لا يعمل لحسابها وإنما يعمل فقط لوكالته.
وأكد الكاتب الصحفي صلاح جمعة، كذلك، ضرورة الحفاظ من قبل الصحفي على مسافة واحدة من جميع الأطراف في الدولة التي يغطي بها، خصوصًا عندما يكون الأمر في دولة تتعدد بها الفصائل، مثل حالة فلسطين، وبالتالي هو كصحفي عليه ألا يكون طرفًا أو أن ينحاز لطرف على حساب طرف آخر، معتبرًا أن الحفاظ على الاستقلالية مسلمة رئيسية.
وشدد على أن هناك محاذير رئيسية مثل عدم التعرض لأي مسؤول في هذه الدولة أو انتقاده حتى لو في التليفون، ثم على الصحفي أن ينطلق نحو تشكيل شبكة علاقات ومصادر لتساعده في القيام بمهام عمله، فضلًا عن هذا عليه أن يأخذ في اعتباره الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على أمنه الشخصي وسلامته.
لكل نزاع طبيعته
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الأستاذ أحمد العميد وهو صحفي حربي ومستشار فيما يتعلق بتغطية مناطق النزاعات والصراعات، وقد كان له تجربة سابقة بتغطية الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، كما أنه سافر إلى مدينة بنغازي الليبية خلال ففترة إطلاق عملية كرامة ليبيا من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر ضد التنظيمات الإرهابية.
ويقول العميد إن تغطية المواجهات مع التنظيمات الإرهابية تختلف كثيرًا عن تغطية تلك النزاعات العادية التي تكون بين جيشين أو بين أطراف واضحة ومعروفة، لا سيما أن التنظيمات الإرهابية تعمل على تطوير أدواتها وتكتيكاتها من وقت لآخر، في حين أن الصحفي مطالب بأن يتعامل مع تلك التكتيكات من أجل الحفاظ على سلامته.
ويلفت الكاتب الصحفي إلى أن تنظيم داعش الإرهابي كان يتعمد استهداف الصحفيين، كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي مع الصحفيين في قطاع غزة، موضحًا أن التنظيم كان يرى أن الصحافة بما نشرت من تحليلات وتحقيقات حرمته من مواصلة عمليات الاستقطاب والتجنيد التي كان يقوم بها لدرجة أن جميع الجنسيات تقريبًا كانت موجودة في صفوفه.
وتابع أن التنظيم رأى أن الوعي الذي خلقته الصحافة قلص قدرته على التأثير، وبالتالي كان الصحفيون أهدافًا مشروعة لديه، ومن هنا كان لزامًا على الصحفي أن يتعرف على التكتيكات التي يلجأ إليها التنظيم حتى يحافظ على سلامته، مشددًا على أن الأولوية للصحفي الذي يغطي في منطقة نزاع هي عدم تعريض نفسه لأي أذى، وفي نفس الوقت فإن عليه اكتساب بعض المعلومات حول كيفية التعاطي مع مثل هذه التنظيمات، وربما يكون ذلك من خلال الحصول على استشارات من بعض القيادت العسكرية المشاركة في العمليات.
وعن طبيعة التغطية، يقول العميد إن كل حدث في منطقة نزاع يكون له طبيعته الخاصة، فمثلًا لا يمكن لصحفي غطى حرب الخليج وفق نصائح والتزامات ووسائل معينة أن يغطي عملية مثل طوفان الأقصى في الوقت الحالي بنفس الأدوات والنصائح، أو تغطية معركة ضد تنتظيم إرهابي، مؤكدًا أن كل حدث له شروطه في التغطية، فهناك مناطق يمكن للصحفي استخدام سيارة، وأخرى لا يكون مقبولًا ذلك، وأماكن يكون بحاجة فيها لارتداء أو استخدام عبارة “صحافة press”.
ويتحدث عن تجربة ليبيا ويقول إنه عندما كان في بنغازي كان الرصاص يمر إلى جواره، وعندما ذهب إلى العراق وجد أن داعش يطور تكتيكاته، لدرجة أنك لو دخلت منزلًا فإن التنظيم يفخخ الباب والشباب وحتى زر الكهرباء وربما صنبور المياه، ويؤكد أنه هنا يجب البحث عن وسائل جديدة من خلال تجنب الباب والشباك مثلًا وعمل فتحة بأحد الحوائط للدخول، ويكون دخول الصحفي بعد خبير المتفجرات.
ثم يشير أيضًا إلى أن التغطية في المناطق الصحراوية تختلف عن المناطق الزراعية، فالأولى غالبًا يكون الصحفي مع دورية عسكرية ويستقل إحدى المدرعات، وهنا على الصحفي ألا يكون في مقدمة الدورية ولا في آخرها، لا سيما أن التنظيم يستهدف هاتين المنطقتين، ما يعرض الصحفي لخطر كبير، كما أن عليه ألا يخرج من المدرعة إلا بتعلميات من المسؤول العسكري.
ويشير إلى أن الأمر ينطبق أيضًا على المناطق الزراعية فلا يجب أن يكون الصحفي هو الأول ولا الأخير، ولا يجب أن يدخل إلى الشوارع الضيفة لأنه يمكن أن يتعرض لكمين بسهولة، ويجب أن يكون كل ذلك وفق توقيتات معينة تضمن سلامته، مشددًا على ضرورة أن يكون الصحفي على علم بالوسائل التي يحمي نفسه بها، فحياته أولوية، لافتًا إلى أنه من خبرته عمل على صياغة أفكار بشأن الحفاظ على سلامة الصحفي والقيام بعمله، وفي نفس الوقت أن يكون له دور في جمع الأدلة التي يمكن أن تستخدم في بعض الأمور مثل جرائم الحرب، وهذا دور مهم للصحفي.
ولفت العميد إلى أنه في ضوء خبرته في تغطية النزاعات، فإن هناك حاجة إلى أن تكون هناك وحدة في نقابة الصحفيين المصريين تكون مهمتها تقديم الاستشارات اللازمة فيما يتعلق بتغطية مناطق النزاعات، لا سيما أن الصحف التي توجه مراسلين إلى هذه الأماكن الخطرة لا تقدم أي استشارات، مؤكدًا أن هذا أمر لا يستقيم، كما أشار إلى ضرورة أن يكون لدى تلك الوحدة، التي اقترحها على النقابة، مستشارًا قانونيًا يقدم بعض الاستشارات القانونية للصحفيين عند الحاجة.