مقالات

لبنان بعد الإنتخابات هل سيعمل باتفاق الطائف أم يطوّر تسوية الدوحة ؟

تراجع التشكيك في حصول الانتخابات النيابية، وتقدم التفاؤل باجرائها، استناداً الى تأكيد المراجع الرسمية اللبنانية، وتشديد من اصحاب القرار الدولي والاقليمي بضرورة احترام هذا الاستحقاق الدستوري.

فالتحضيرات اللوجستية قطعت شوطاً في الاستعداد لها، وتعمل الحكومة على سد الثغرات، كان آخرها، موضوع تأمين التيار الكهربائي لمراكز الاقتراع ولجان القيد اثناء العملية الانتخابية، اذ تكفل وزير الداخلية بسام مولوي ان تقوم الوزارة بنفسها في استجرار الكهرباء، والغاء المناقصة التي كانت طلبتها وتقدمت اليها شركات، وحصل اشكال قانوني حول فض العروض، واحترام المهل، فكان قرار الوزير مولوي، الاعتماد على مؤسسات الدولة، في تأمين التيار الكهربائي، لا سيما البلديات التي لديها مولدات، والاستعانة باخرى محلية في المدن والبلدات لانارة مراكز الاقتراع، وتحديداً في ساعات الليل، حيث يبدأ فرز الاصوات، وايضا في لجان القيد.

وتبقى مسألة مراقبي الانتخابات من موظفين اداريين ومعلمين، اضافة الى رؤساء لجان القيد من القضاة، وهؤلاء لهم مطالبهم، تقول مصادر وزارة الداخلية، وان الحكومة عاكفة على الوصول الى توافق ولو مرحلياً معهم، وحل بعض مشاكلهم، لتمرير الانتخابات التي لم تشهد حماوة بعد، وبالرغم من اعلان اللوائح، حيث تتحدث التقارير عن الرشاوى الانتخابية المفتوحة على مصراعيها، ودون استثناء، وبدأ تسعير الصوت، الذي يبدأ من صفيحة بنزين، الى صندوق مواد غذائية، ودفع فاتورة ادوية، او الاستحصال على مبلغ نقدي بمئة دولار، اذ فتح كل مرشح «منصة للمال الانتخابي» كل وفق امكاناته المالية، اذ ان غالبية اللوائح، ومعظم المرشحين لا سيما المقتدرين منهم مادياً، يعممون ثقافة الفساد والرشوة والاستزلام والتسوّل، وبعكس الشعارات المرفوعة عن النزاهة والشفافية، حيث يعاقب القانون الرشوة الانتخابية، المنتشرة في كل لبنان، وعند من هم في السلطة وحتى خارجها، ومنذ عقود.

لذلك، فان الانتخابات واقعة في موعدها، والسؤال المطروح هو عن المرحلة التي تليها، والنتائج التي ستفرزها، ولمن ستكون الاكثرية النيابية، التي ستقرر مصير رئاسة مجلس النواب المحسومة للرئيس نبيه بري، وبعدها تشكيل الحكومة التي سيعود الى رئاستها نجيب ميقاتي، اذا جرت الرياح بما تشتهي سفن اصحاب القرار الداخلي والنفوذ الخارجي، وفق قراءة مراجع عدة، لما سيحصل بعد 15 ايار، لان المرحلة مصيرية، والانتخابات المقبلة تقرر مصير لبنان ورئاسة الجمهورية فيه، حيث يتوقف عليها ايضاً، تحديد هوية لبنان، كما نظامه السياسي، والهوية هنا تعني ان يكون في الحاضنة العربية، او خارجها كما تطالب قوى سياسية داخلية حليفة لانظمة عربية، واين سيكون موقع لبنان في الصراع الاقليمي والدولي، اذ الحروب منتشرة في كل اجزاء من الكرة الارضية، التي تفتش عن نظام يحكمها، اذ تشير المصادر الى ان لبنان، امام سؤال مصيري في تحديد الهوية، لجهة المشروع الصهيوني التوسعي الذي يعمل «لشرق اوسط جديد»، دعا اليه رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق شيمون بيريز، وتعمل بموجبه الادارات الاميركية المتعاقبة، بضغط «اللوبي اليهودي» في المؤسسات الاميركية، وجماعة «المحافظون الجدد» في الادارات الاميركية المتعاقبة، التي عنوانها «امن اسرائيل» وبقاء كيانها الغاصب، وتحويلها الى «اسرائيل كبرى» جغرافيا وسياسياً واقتصادياً.

فهذا الموضوع سيحتل البند الاول في صراع المشاريع على لبنان وفيه، ثم يعقبه بند آخر، وهو اي نظام او اي دستور سيعمل به، ما اقر في الطائف، ام الذي قام في الدوحة؟

ففي الطائف تم رسم خارطة طريق لاصلاح النظام السياسي، لم يسلكها اي طرف، للتقدم نحو دولة تبدأ بالتحرر من الطائفية، بفصل السياسة عنها، واقرار قانون انتخاب خارج قيدها، واستمرار المناهضة دون الوقوف عند طائفية الوظيفة، وتعزيز الانماء المتوازن بما يسمح بتحقيق اللامركزية الادارية. هذا الطائف، حصل انقلاب عليه، ولم يمارس كما جاء في النص الذي اصبح دستوراً، فكانت الممارسة، مناقضة له، وما زال صالحاً للاستخدام لجهة التحول نحو نظام لا طائفي، وهو حاجة لبنانية، والتي دون ذلك، فان لبنان سوف يستمر في حالة جاهزة للاقتتال الداخلي، في مطالبة كل طائفة بحقوقها السياسية.

لذلك، فان مرحلة ما بعد الانتخابات، ستحدد على اي نظام سياسي سيقوم لبنان، على اتفاق الطائف بالالتزام به وتطبيقه، ام باتفاق الدوحة الذي مرّر الثلث الضامن في الحكومة، وهو صيغة جديدة دخلت عرفاً الى الدستور، بعد احداث 7 ايار 2008، وكان لا بدّ من تسوية تمنع الانزلاق نحو حرب اهلية قامت بها الدوحة ونجحت، الا انها كانت، حلا مؤقتاً لانه استند الى قاعدة طائفية، بان تصبح الطائفة الشيعية الطرف الثالث في السلطة، لها حق «الفيتو»، داخل مجلس الوزراء، كما في التوقيع الثالث لوزير المالية، الذي تكرّس كحق دستوري عُرفي للشيعة، اذ الدعوة للمثالثة، تعود الى مرحلة الثمانينات، وطرحها رئيس حركة «امل» نبيه بري عند النقاش في الاتفاق الثلاثي، بين «امل» و «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، لكنها لم ترد في الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في دمشق نهاية 1985.

فلبنان امام اتفاقين الطائف والدوحة، والاول عمُل به منقوصاً، والثاني مفروضاً، فهل ستكون مرحلة ما بعد الانتخابات هي للبحث في نظام يوفق بين الاثنين، حيث اقترح الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، مبادرة للبنان، تتضمن اجراء اصلاحات سياسية في النظام، بعد الفساد الذي ارتكبته السلطة الحاكمة منذ ما بعد اتفاق الطائف والدوحة ايضاً، اذ سبق لفرنسا ان استضافت مؤتمر «سان كلو»، عام 2007 بالتوافق مع ايران وحضور «حزب الله» في عهد الرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي للبحث في تطوير النظام السياسي، كما ان الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي هي نتاج تفاهم فرنسي ـ ايراني، مرر صفقة نفط في العراق لصالح فرنسا بقيمة 27 مليار دولار.

والعلاقات التي تنسجها السعودية مع فرنسا، والتفاهم الذي حصل بين ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، والذي تُرجم في لبنان، بعودة السفير السعودي وليد البخاري وزملائه الخليجيين، وبانشاء صندوق مساعدات فرنسي ـ سعودي بمبلغ 36 مليون دولار، هل ستفتح الباب، لتحصين الوضع السياسي الداخلي بتطبيق اتفاق الطائف، ام تعويم اتفاق الدوحة، او دعوة فرنسية لطاولة حوار جديدة، يُطرح عليها موضوع النظام السياسي.

كل ذلك متوقف على التطورات التي يشهدها العالم، وما سيطرأ على الحرب الروسية ـ الاوكرانية، وما ستنتج عنها الحروب الدائرة في المنطقة، وما يجري بين سوريا ودول خليجية التي يتقدم فيها الحوار، والعلاقات السورية ـ السعودية.

المصدر: الديار اللبنانية


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى