دراسات

انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على مستقبل الأزمة السورية

شروق صابر

جاء التدخل الروسي في أوكرانيا في وقت لاتزال فيه سوريا تعاني من تعثر الوصول إلى حل سياسي ينهي أزمتها، فحتى الآن لم يطبق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015 والممهد للحل بسوريا، ولم تحقق اجتماعات اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة أي تقدم ملحوظ فيما يخص صياغة دستور جديد، ولم تصل القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الأزمة إلى مسار تفاوضي يضمن مصالحها المتباينة فيها، ما أبقى الأزمة في حالة جمود على مدار عشرة سنوات.

يشير الحال الذي وصلت إليه الأزمة الأوكرانية، إلى أن الصراع ما بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة لم يعد فقط على جانبي الحدود الروسية الأوكرانية وإنما امتد ليشمل حدودا أخرى، أصبحت سوريا من بينها، فقد امتد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة لتكون دمشق ساحة للمواجهة بين الدولتين، ليس فقط داخل أراضيها، ولكن أيضًا في ساحلها ومياهها وأجوائها، فلم يعد هدف موسكو من التدخل في سوريا هو الدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط فقط، ولكن أصبحت توظف تواجدها في سوريا للدفاع عن مصالحها في أوروبا، وقامت بدفعها في قلب الحرب على أوكرانيا بشكل غير مباشر، بدا ذلك في الزيارة التي أجراها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، لقاعدة حميميم العسكرية الروسية في اللاذقية، واجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، في خطوة عكست أن سوريا باتت تمثل امتدادًا للأمن القومي الروسي، لاسيما وأن تلك القاعدة تعد خط دفاع روسيًا متقدمًا في البحر المتوسط لمواجهة الناتو، الذي يتمتع بوجود قوي في قاعدة انجيرليك الجوية بجنوب تركيا أحد أعضاء الحلف.

كما لم يكن صدفة أن يكون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في موسكو، يوم اعتراف بوتين باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، أيضًا جاء الدعم السوري لروسيا سريعًا، حيث قام الرئيس السوري بالاتصال هاتفيًا بنظيره الروسي، في اليوم الثالث من العملية العسكرية اعترف خلاله أن “ما يحدث اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفيتي”، وكانت سوريا أيضًا وقعت اتفاقات لربط ميناء اللاذقية بشبه جزيرة القرم، واعترفت بجمهوريات انفصالية كثيرة تدور في فلك موسكو.

ومع قيام روسيا الآن بتوسيع مجموعتها من خلال إعادة نشر قوات فاجنر وتجنيد آخرين، بدا الاهتمام الروسي بالمجندين السوريين، حيث أشارت تقارير إلى افتتاح مراكز تجنيد في البلاد، ويعود ذلك لانخفاض كلفة هؤلاء المجندين والتي تتراوح بين 300 و 600 دولار شهريًا، كما يعود إلى رغبة روسيا لأن يقوم هؤلاء المجندين برد الجميل لها قائلة أنها “أنقذت النظام السوري من السقوط”، ولكن تحمل تلك الخطوة العديد من الإشكاليات التي قد تعرض سوريا لمزيد من العقوبات الاقتصادية على غرار عقوبات قانون قيصر التي لاتزال قائمة .

على الجانب الآخر أدى انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، وإعادة توجيه تركيز جنودها إلى تغيير الديناميات في سوريا، على نحو دفع العديد من القوى إلى ترجيح تراجع اهتمامها بملف الأزمة السورية لاسيما على المستوى العسكري، وفيما يلي تحليل لتداعيات الحرب الروسية على القوى الفاعلة في الأزمة السورية، ومن ثم على مستقبل وجود حل لإنهائها:

أولاً: اشتعال الصراع الروسي الأمريكي داخل الأراضي السورية

تملك كلاً من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قوات جوية وقواعد عسكرية في سوريا بل وقوات برية محلية على الأرض، حيث يتحالف مع الأولى الحكومة السورية وقوات حزب الله والعناصر التابعة لإيران، في حين يتحالف مع الثانية كلاً من العرب والأكراد في شرق وشمال شرق سوريا في المدن والبلدات التي تقع شرق نهر الفرات.

ومن المتوقع أن يشهد التفاعل الروسي الأمريكي المباشر في الملف السوري، تحولاً فى نمطه على خلفية الأزمة الأوكرانية، لينتقل من حالة التوافق الضمنى، إلى حالة من التشدد الحاد التى سيكون لها انعكاسات سلبية على حلفاء الولايات المتحدة، فضلاً عن احتمالات بممارسة روسيا ضغوطًا تجاه الوجود العسكرى الأمريكى فى الشمال السورى، بما يزيد الضغط على قوات سوريا الديمقراطية، ويجعلها بلا غطاء عسكرى أو سياسى فى مواجهة النظام السورى.

وقبل اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا بأيام اشتعل الصراع بين الجانبين في الداخل السوري، حيث أطلقت روسيا طائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط اعترضت من خلالهم 3 طائرات استطلاع أمريكية، وكانت قريبة منها للغاية، ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية لإبلاغ روسيا رسميًا بالمسارات الجوية التي تسير فيها الطائرات الأمريكية، وفسرت هذا الحدث بأنه ينذر بعواقب وخيمة لما يشير إليه بوجود تعقب لنشاط كل طرف من الجانب الآخر، لأن الاعتراض الروسي للطائرات الأمريكية جرى شرق المتوسط في المياه الدولية وليس أمام المياه الإقليمية السورية.

تلى الاعتراض الأمريكي للسلوك الروسي، تحذيرات واعتراضات مماثلة من الجانب الروسي بعد أن أعلنت روسيا أن لديها معلومات كاملة وأدلة موثقة عن نية أجهزة المخابرات الأمريكية في سوريا العمل مع مجموعات مسلحة متطرفة للقيام بعمليات عسكرية ضد قواتها هناك، وان الجيش الروسي لديه معلومات عن خطة أمريكية لتعبئة خلايا نائمة لمتطرفين للقيام بهجمات عسكرية ضده في سوريا.

تزامنت الاتهامات السابقة، مع انتشار تقارير تُشير إلى مقارنة السلوك الروسي في سوريا مع أوكرانيا، وذلك بعد توجيه اتهامات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيال سقوط قتلى مدنيين في أوكرانيا، حيث تُشير تلك التقارير إلى أن “روسيا استنسخت التكتيكات وحتى بعض الجنود الروس من سوريا في حربها ضد أوكرانيا، وقامت بقصف المساكن والمستشفيات”، كما أدان مسؤولون أمريكيون تعيين روسيا الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف قائد حرب في أوكرانيا، والذي كان مسؤولًا بدوره عن ارتكاب مجازر في سوريا، وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، “إن الجنرال الروسي لديه سجل من الوحشية ضد المدنيين في سوريا، ويمكننا أن نتوقع المزيد من نفس الشيء في أوكرانيا”.

ورد الرئيس الروسي على تلك الاتهامات قائلاً: “عندما يحدثني زملائي الغربيون عن بوتشا.. أسألهم هل زرتم الرقة السورية؟ المقاتلات الأمريكية سوتها بالأرض، والجثث انتشرت في المدينة شهورا، حتى تفسخت ولم يكترث أحد منك لذلك.. كذلك لم يتذكر أحد منكم مئات القتلى الذين سقطوا بضربة واحدة وجهتها طائرة أمريكية لأحد الأعراس.. لم يأبه أحد لذلك.. هدوء مطبق.. لكن هذا الهدوء لم نلحظه عندما تم تدبير أعمال استفزازية في سوريا واتهموا حكومة الرئيس الأسد باستخدام السلاح الكيميائي، وتبين لاحقا أن كل ذلك كان تزييفا للحقائق، تماما كما حصل في بوتشا”.

حيث تحاول روسيا الضغط من أجل إخراج أمريكا من سوريا، فقد سبق وأن طالبت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتقييم مدى شرعية وجود القوات الأمريكية في سوريا حسب ميثاق الأمم المتحدة، وأكدت على ذلك الحكومة السورية في أكثر من مناسبة بأن الوجود الأمريكي حول منابع النفط السورية في المناطق الشمالية الشرقية، غير شرعي، وطالبت بمغادرة القوات الأمريكية الأراضي السورية.

وتشير تلك المشاحنات التي بدأت في الظهور بين الولايات المتحدة وروسيا منذ بداية الأزمة الأوكرانية إلى احتمالية بقاء القوات الأمريكية الموجودة بأعداد رمزية في الشمال الشرقي إلى أمد غير منظور، بعدما كان انسحابها المحتمل يطرح في كل مناسبة، ولا يستبعد زيادة عددها وتسليحها على وقع تطورات الصراع المستمر في أوكرانيا وعليها.

ثانيًا: استغلال تركي للانشغال الروسي

تعد تركيا أحد أهم اللاعبين الثلاثة في سوريا عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا، ويعد انشغال موسكو في أوكرانيا فرصة لها لتصعيد مواقفها وتعزيز نفوذها في سوريا، وربما تقدم على عملية واسعة لمناطق شمال شرق البلاد، وفرض ما عجزت في تحقيقه خلال السنوات الماضية، أي مشروع المنطقة العازلة على امتداد الشريط الحدودي مع أراضيها، وقد أبدت أنقرة في بداية الأزمة موقفًا حذرًا ومتباينًا من الغزو، ففي البداية لم تقم بإغلاق ممري البوسفور والدردنيل أمام حركة السفن العسكرية الروسية، على وقع تثمين موقف روسيا الرافض لطلب النظام السوري المتكرر بشن حرب عسكرية شاملة في إدلب، ولكن قررت تحت الضغوط الأوروبية الأمريكية تفعيل اتفاقية مونترو، وقامت بإغلاق الممرات في وجه السفن العسكرية، طامحة بأن تثمن الدول الأوربية موقفها وإبداء قدر من المرونة تجاه مطلبها المستمر بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بجانب رغبتها التأثير على الموقف الأمريكي الداعم لقوات سوريا الديمقراطية الكردية “قسد”، حيث ترفض أنقرة أي كيان كردي مسلح على حدودها الجنوبية.

أيضًا عولت تركيا في محاولة استغلالها للانشغال الروسي في أوكرانيا على غياب الدور الروسي في سوريا بما يترك لها مجالاً في تحقيق توسع للفصائل الموالية لها، فقدرات الجيش السوري قد تتراجع لاعتمادها على القدرات الجوية الروسية التي كانت تمدها بالمساعدات، بما يسمح بالتوسع في مناطق الشمال السوري للجيش الوطني السوري الموالي لتركيا.

كما حاولت أيضًا في إطار ذلك، نشر حضورها اقتصاديًا في سوريا، وشهدت الحدود التركية الروسية تحركات لتوريد السلع التجارية والصناعية والغذائية التركية، كما يتم تداول العملة التركية كبديل عن الليرة السورية، وأعلنت حكومة الإنقاذ التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” عن إقامة العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية بالتعاون مع شركات تركية.

ولكن يلاحظ هنا أن الحسابات التركية مع روسيا داخل سوريا أكثر بكثير من تلك التي تجمع تركيا بالولايات المتحدة، الأمر الذي يعني أن تركيا ربما تواجه غضبًا روسيًا حادًا موجهًا لمناطق نفوذها في الشمال السوري، بما فيها الشمال الغربي حيث إدلب، وذلك إذا اتسع نطاق الحرب في كييف، فخروج بوتين منتصرًا من الحرب من
شأنه تقليل قدرة القيادة التركية على المناورة أمام موسكو فيما يخص الملف السوري.

ثالثًا: التنسيق الروسي الإيراني سوريًا في ظل الأزمة الأوكرانية

تتسم العلاقات الروسية – الإيرانية بالتعاون أحيانًا والتنافس أحيانًا أخرى، وقد حرصت الدولتان على توسيع نطاق التنسيق فيما بينهما للتعامل مع بعض القضايا على غرار دعم النظام السوري، حيث كان للأدوار التي قامت بها الدولتان تأثيرًا كبيرًا في تغيير توازنات القوى داخل سوريا لصالح الأخير، وقد عززت عودة روسيا إلى لعب دورًا نشطًا في الشرق الأوسط من دور إيران في الحرب السورية خاصة في دمجها في العملية السياسية، فقد لعبت موسكو دورًا رائدًا في عملية أستانا، التي وصفها البعض بأنها مسار بديل لعملية جنيف التي كانت ترعاها الولايات المتحدة، التي لا تعد طرفًا في محادثات أستانا بل كل من روسيا وتركيا وإيران، ما يعد اعترافًا بدور إيران كطرف رئيس في حل الأزمة السورية.

وفور قيام روسيا بحربها ضد أوكرانيا، قامت إيران بدعمها، من خلال وسائل إعلامها، فعلى سبيل المثال، قدمت صحيفة “كيهان” اليومية المتشددة أوكرانيا كـ “ضحية للنفوذ الغربي”، وأشار تعليق نشرته الصحيفة في 27 فبراير الماضي، إلى أن “الحرب في أوكرانيا لم تبدأ في أواخر فبراير ولكن قبل بضع سنوات، عندما قادت الولايات المتحدة الأمريكية الثورات الملونة في البلاد، ووضعت فناناً كوميدياً في مقعد الرئيس”. كما وصل الأمر إلى خطباء الجمعة في المساجد، حيث أشار إمام صلاة الجمعة في طهران أحمد خاتمي، إلى الناتو باعتباره المسئول عن الهجوم العسكري دون تسمية روسيا، وزعم خاتمي أن تصرفات الناتو الاستفزازية وتصرفات الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر نفسها بشكل غير مبرر قوة عظمى، أدت إلى تعقيد الوضع في المنطقة.

ولكن لا يمنع هذا التنسيق الروسي – الإيراني، تعارض المصالح بين الطرفين حول بعض الملفات، ولعل أهم ملفات الخلاف بين الدولتين، ما يتعلق بعدم اعتراض روسيا على قيام إسرائيل باستهداف القوات الإيرانية داخل سوريا، كما أنه من المتوقع أن تمثل عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب أهم قضايا التنافس والخلاف بين الدولتين، لرغبتهما في السيطرة على الاقتصاد السوري، خاصة ما يتعلق بمجالات النفط والطاقة والكهرباء والزراعة.

وتتطلع إيران إلى جني أكبر المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، فقد دفع التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى عملية فرز لمواقف الدول الإقليمية، إذ وجدت هذه الدول أنها أمام عملية صعبة، تشبه الامتحان لجهة الاختيار بين روسيا وأوكرانيا تأييداً أو تنديداً. وقد رأت إيران أن ما يجري في هذا السياق يصب لصالح علاقاتها مع روسيا في مواجهة الخصوم الإقليميين، لاسيما تركيا وإسرائيل اللتين لهما علاقات قوية جداً مع الحكومة الأوكرانية.
وبحكم وقوف كل من تركيا وإسرائيل إلى جانب كييف، فإن طهران ترى أن هذا المعطى الجديد يشكل عاملاً مهماً لاستثماره، لاسيما في الساحة السورية، حيث الحساسية الروسية – الإسرائيلية بسبب عمليات القصف الإسرائيلية للأراضي السورية، بحجة استهداف الوجود العسكري لإيران وحليفها حزب الله.

وقد كان لافتاً قبل نحو أسبوعين، قيام القوات الروسية والسورية بمناورة جوية مشتركة بالقرب من المنطقة الحدودية بين سوريا وإسرائيل، وهو مؤشر يُمكن لإيران البناء عليه للاستفادة من الدور الروسي في سوريا في مواجهة إسرائيل، خاصة أن ثمة قناعة سائدة بأن عمليات القصف الإسرائيلية للوجود العسكري الإيراني في سوريا كانت تتم دائماً بالتنسيق مع الجانب الروسي.

ولعل ما ينطبق على جبهة إسرائيل ينسحب على تركيا، حيث التنافس والصراع مع إيران على شمال غرب سوريا، وتحديداً إدلب، قائم على قدم وساق، في وقت يشكل الجانب الروسي الناظم الأساسي للصراع الجاري هناك. وأبعد من ساحة سوريا، تتطلع إيران إلى الاستفادة من الأزمة الأوكرانية لتوسيع دورها في جنوب القوقاز، لاسيما بعد أن نجحت أنقرة في تحقيق خطوات إن لم نقل نجاحات كبيرة على حساب طهران هناك.

ومع انشغال روسيا بالعملية العسكرية في أوكرانيا، تتحرك الميليشيات الإيرانية في سوريا لسد هذا الفراغ، فقد انتشرت ميليشيات إيرانية في مواقع إستراتيجية ولاسيما في دير الزور، حيث تحاول ترسيخ موقعها العسكري وبسط نفوذها هناك، حيث تتقاسم العمليات مع روسيا عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام في غرب المنطقة، ومن المرجح أن تسعى إلى تغيير الديناميات الطائفية في بعض المناطق السورية لتعكس تطور وكلائها في العراق ولبنان.

ولكن مع ذلك قد يكون إحدى ثمار الحرب الأوكرانية تقارب إضافي روسي- إيراني في مجالات مختلفة، وقد زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان موسكو، مؤكداً أن التعاون مستمر رغم العقوبات الغربية. ودعا الوزير الإيراني إلى “معالجة جذور الأزمة في أوكرانيا بطريقة دبلوماسية”، وأدان في الوقت نفسه العقوبات الغربية ضد روسيا.

إسرائيل وسياسة الحبل المشدود

على خطى تركيا ظهر الموقف الإسرائيلي في البداية متناقض وحائر، في التعاطي مع الهجوم الروسي في أوكرانيا، فقد حاولت إرضاء مختلف الأطراف، ولم تقدم دعمًا عسكريًا لكييف خوفًا من إغضاب روسيا ودفعها لتقييد أيديها في استهدافها لمواقع إيرانية في العمق السوري، فقد نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 400 غارة جوية في سوريا، ومناطق متفرقة من المنطقة منذ عام 2017، بإطار حملة واسعة تستهدف إيران وميليشياتها، بحسب ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وفي بداية العملية الروسية لم يذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت روسيا، وقال إنه “صلى من أجل السلام ودعا إلى الحوار”. لكنه لم يلمح إلى موسكو، ويُنظر إلى هذه الموازنة الحساسة في موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا على أنها محاولة من أجل السماح لإسرائيل بالوساطة بين الجانبين الروسي والأوكراني، وتجنب تعريض اليهود في روسيا وأوكرانيا لهجمات معادية للسامية، ورغم تصويتها في الأمم المتحدة لصالح قرار وقف الحرب، بعد ضغوط أمريكية إلا أنها لم تقدم الدعم العسكري ولم تنفذ العقوبات الاقتصادية، مؤكدة بذلك على دور العلاقات المميزة التي تربطها بكافة الأطراف.

وأكد على ذلك الموقف وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، يوم 11 أبريل الجاري بأن: “روسيا تتهم أوكرانيا، وأوكرانيا تتهم روسيا. بينما نحتاج هنا للحفاظ على موقف إسرائيل الأخلاقي من ناحية، وعلى مصالحها من ناحيةٍ أخرى”.

وتشير التقديرات إلى أن هذا الموقف المحايد من جانب إسرائيل، سوف يستمر نظرًا لتشابك المصالح والمخاطر الإسرائيلية الروسية في الساحة السورية، حيث تشكل دمشق قضية هامة في علاقة الدولتين، لدرجة وصف روسيا بأنها الجار الشمالي، ووصف إسرائيل بأنها دولة من دول البلطيق، بالإضافة إلى إدراك إسرائيل إن أي تغيير في موقفها من شأنه أن يهدد عملياتها في سوريا، الأمر الذي دفع وزير الخارجية يائير لبيد في 24 مارس الماضي للحديث عن أهمية اتخاذ بلاده موقفًا محايدًا خشية سقوط طياريها أسرى في سوريا.

أتت كلمات وزير الخارجية الإسرائيلي بعد يوم من تصريحات للسفير الروسي في سورية، ألكسندر يفيموف، حيث قال إن “إسرائيل تستفز بلاده، بهجماتها المتكررة على مواقع عسكرية تابعة لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية”.

خاتمة

في النهاية، يمكن القول إن الحرب الروسية ضد أوكرانيا قد تجعل الدبلوماسية الدولية المطلوبة لدفع العملية السياسية في سوريا أكثر صعوبة مما كانت عليه بالفعل، هذا بجانب ما تنذر به تلك الحرب من تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية على الأزمة السورية، فقد يؤدي التأييد السوري الكامل للموقف الروسي حال حدوث أي انتكاسة، إلى دفعها ثمنًا باهظًا في العديد من الملفات، من بينها مفاوضات سوتشي واللجنة الدستورية.

كما قد ينتج عن هذه الحرب أزمة إنسانية في الداخل السوري، حيث أن دمشق تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي من موسكو، وقد بدأت العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تطال قطاعي الغاز والنفط بالظهور، والتي من شأنها أن تؤثر على الداخل الروسي، ما يعني أن روسيا سوف تنشغل لفترة بمعالجة أزماتها الداخلية، بما يترتب عليه ترك سوريا في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية المرشحة للتزايد، كما شهدت أسعار معظم السلع والمواد الأساسية في الأسواق السورية ارتفاعاً كبيراً في الفترة الأخيرة، خاصة بعد تطبيق قرار رفع الدعم عن فئات من السوريين من قبل الحكومة، في ظل عدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، إضافة لقلة فرص العمل، وضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية المتدهورة أمام الدولار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى