متابعات

هشاشة الديمقراطية: مستقبل المحاولة الانقلابية على رئيس النيجر

تحليل محمد سالم .. لم تعد الأوضاع في “نيامي” مستقرة على كافة النواحي، بعد إعلان العقيد “ميجو أمادو عبد الرحمن” من القوات الجوية في بيان تم نقله عبر التليفزيون الوطني بالنيجر الأربعاء 26 يوليو الجاري، الإطاحة بحكم الرئيس “محمد بازوم” بعد أن تم اعتقاله داخل القصر الرئاسي، وقد ازداد الأمر تعقيدًا خاصًة بعد أن أعلنت القيادة العامة لأركان الجيش النيجري الانضمام إلى إعلان الإطاحة بحكومة “بازوم”، ودعمها ما يعرف باسم “المجلس الوطني لحماية الوطن “CNSP.

وقد تسلط الضوء حول مخاطر هذه المحاولة الانقلابية، حيث نددت فرنسا بالأخص بضرورة إنهاء هذا الأمر، كما تؤكد الولايات المتحدة على تهديد ذلك لما تم جنيه من مكتسبات في الحرب على الإرهاب، وأيضًا لكافة ثمار الديمقراطية التي تمتعت بها “نيامي”، فقد كانت النيجر بالأخص خلال العقد الحالي من أهم القوى الإفريقية في محاربة الإرهاب بغرب إفريقيا، وتشكل نموذج إفريقي للديمقراطية .

وبناءً على ما سبق، تطرح هذه التطورات السريعة العديد من التساؤلات حول دوافع هذا الانقلاب الذي يمثل المحاولة الثالثة خلال عامين فقط للانقلاب بالنيجر، والتداعيات المحتملة داخلياً وخارجياً على ما يجري هناك، بالإضافة إلى الحاجة لرسم السيناريوهات المتوقعة حيال الأوضاع التي قد يؤدي إليها الانقلاب القائم.

دوافع عديدة:
في طبيعة الحال لم يكن الانقلاب على حكومة الرئيس “محمد بازوم” في النيجر، أو غيرها من المحاولات الانقلابية بمنطقة غرب إفريقيا عمومًا أمرًا غريبًا، وبالتحديد خلال ما تشهده هذه المنطقة من منافسات دولية وإقليمية، ومن جهة أخرى انتشار الجماعات الإرهابية المتنافسة أو المتعاونة منها فيما بينهم وبين البعض، ناهيك عن الظروف المعيشية والاقتصادية المتدهورة، فعلى الرغم من كل ما تمتلكه دول غرب إفريقيا من موارد هائلة، تبقى هذه الموارد تحت السيطرة الدولية نتيجة تدخل دول كبرى، لاسيما النفوذ الفرنسي، بالتالي هناك العديد من الدوافع التي أدت إلى هذا الانقلاب، منها ما هو معلن أو غير معلن، ومن أهم هذه المسببات:

أولًا- دوافع معلنة: برر البيان العسكري الانقلاب بأنه محاولة لتعديل الأوضاع الأمنية، ومعالجة سوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، حيث يعاني الشعب من ظروف معيشية شديدة الصعوبة، إلا أنه على الرغم من ذلك خرجت مسيرة مؤيدة للرئيس “بازوم” حول القصر الرئاسي، بعد الإعلان عن المحاولة الانقلابية مباشرة، الأمر الذي يؤكد على غياب الدعم الشعبي لشرعنة هذه المحاولة.

ثانيَا- دوافع غير معلنة: ترتبط هذه الدوافع بنظريات الصراع على السلطة وخلافات المصالح، حيث تشير التقارير إلى العديد من الخلافات بين الرئيس “بازوم” والجنرال “عبد الرحمن تشياني” والمعروف أيضًا بإسم “عمر تشياني” الذي أعلن نفسه رئيسًا للمجلس الانتقالي بعد الاستيلاء على السلطة بالنيجر، حول التعيينات في الحرس الرئاسي وبعض المؤسسات الأمنية، والتي وصلت لتوافر النية لدى الرئيس “بازوم” لعزل اللواء “تشياني” عن منصبه كرئيس للحرس الرئاسي، كما كان يسعى للاستغناء عن كافة الأطراف الموالين للرئيس السابق “محمد إيسوفو” في المؤسسات الحيوية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. ومن جانب آخر، يبدو أن هناك دوافع أخرى ترتبط بالنفوذ الدولي، لاسيما النفوذ الروسي الرامي للتمدد في منطقة الساحل الإفريقي، خاصًة بعد نجاح شركة “فاغنر” الروسية في التمدد ببوركينا فاسو وغانا، وقد يؤدي هذا الانقلاب إلى تراجع النفوذ الفرنسي لضعف علاقة فرنسا بالحكام المحتملين بعد الانقلاب، وهو ما يسمح بزيادة الانخراط الروسي بالنيجر، وهو ما قد اتضحت صورته أكثر في المظاهرات التي انتشر بها رفع الأعلام الروسية في النيجر أمام الجمعية الوطنية، نكاية في فرنسا عقب نجاح الانقلاب.

تداعيات محتملة:
بطبيعة الحال كانت “نيامي” في عهد الجمهورية السابعة لها أقرب إلى الغرب وبالأخص فرنسا، التي دعمتها في الحرب على الإرهاب بالمنطقة، كما تبادل الطرفان المصالح المشتركة بينهما، في تعاون مشترك بمستوى عالي من الدعم المادي والعسكري، وقد باتت النيجر على مشارف السقوط في حلقة جديدة من عدم الاستقرار، يمكن أن تطرح عواقبها الوخيمة خلال الفترة المقبلة، حيث يمكن القول أن الوضع الراهن لا يثير الاطمئنان بأي صورة، ومن أبرز التداعيات المباشرة في حال نجاح هذه المحاولة الانقلابية، والحيلولة دون إيقافها من قبل القوى الغربية أو الأطراف الإقليمية:

() تهديد النفوذ الفرنسي: فقد ينتج عن نجاح الانقلاب تراجع الدور الفرنسي في إفريقيا وفي المقابل توسع النفوذ الروسي، وبالتالي تهديد المصالح الفرنسية بالمنطقة بشكل عام، حيث كان يمثل الرئيس النيجري “محمد بازوم” حليفًا نموذجيًا للغرب، وتحتل النيجر مكانة إستراتيجية مميزة لدى “باريس”، للتعاون القائم في مختلف القضايا المتعلقة بالحرب على الإرهاب والهجرة الغير شرعية، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الفريدة، حيث تعتمد فرنسا على “نيامي” في الحصول على أكثر من 30% من احتياجاتها من اليورانيوم، كما أن النيجر تمتلك احتياطي هائل من النفط، كما تعتبر حجر الزاوية للنفوذ الفرنسي في إفريقيا، بعد الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو، حيث ينتشر في النيجر نحو 1500 جندي فرنسي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وبالتالي يمكن تفسير القلق الفرنسي والأمريكي من نجاح هذا الانقلاب، والتحذير من عواقبه العديدة. () تزايد حالة عدم الاستقرار: تشكل الأهمية الكبرى للنيجر على مختلف الأصعدة، أحد أهم العوامل المهددة لاستقرارها، في ظل هذا الانقلاب وتصاعد حالة التنافس وكتم الأنفاس، حيث عانت البلاد مؤخرًا بالأساس من تدهور في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وفي ظل ظهور المؤيدين والمعارضين للانقلاب، إلى جانب النزاعات العرقية المنتشرة بين الجماعات المسلحة بالمنطقة بشكل عام، كل ذلك يهدد بالتالي حالة النسيج المجتمعي في النيجر، ويبرز فرص الانقسام وعدم الاستقرار.

() خلق الفرص لنشاط الجماعات الإرهابية: إن الأوضاع الغير مستقرة التي تتزايد حدتها مع مرور الأيام بعد الانقلاب ،قد تساهم في تعزيز نشاط الجماعات الإرهابية، وقدراتها على التوسع بشكل أكبر لنفوذها في المنطقة، خاصًة إذا أدت المستجدات بالفعل إلى الانسحاب الفرنسي من النيجر، حيث تسمح الفرصة بمرونة التحركات لهذه الجماعات المنتشرة بالمناطق الحدودية. () تهديد أمن منطقة الساحل: تمثل النيجر معقلًا هامًا لفرنسا والقوى الغربية أيضًا من ورائها في محاربة الجماعات الإرهابية المنتشرة في غرب إفريقيا، ناهيك عن كونها تعد منطقة عبور مناسبة لإمداد الأسلحة من الشمال إلى الساحل الإفريقي عبر ليبيا، بما يهدد أمن المنطقة بأكملها بل ويهدد الأمن العالمي بالكامل.

المشهد المتوقع:
بطبيعة الحال يبدو أن “نيامي” في طريقها إلى حالة من التدهور المتزايد، بما يؤثر على أمن المنطقة بأكملها، ويثير حفيظة فرنسا، التي تفقد حليفًا نموذجيًا لها في غرب إفريقيا وهو الرئيس “محمد بازوم”، بينما تزداد التوقعات حول زيادة النفوذ الروسي على حساب النفوذ الغربي بالنيجر، بالتالي هناك العديد من السيناريوهات التي يمكن تصورها في مستقبل الأزمة القريب، من بينها:

() السيناريو الأول- (تدهور تام): هذا السيناريو الذي ينجح فيه الانقلاب بعزل الرئيس “محمد بازوم”، إلى جانب تدهور العلاقات مع فرنسا، بما يعطي الفرص لتنامي الخطر الإرهابي بالمنطقة، في ظل انشغال فرنسا والقوى الغربية بل وانهماك القيادة النيجرية بأمور الحكم دون مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة على الحدود، في المقابل تدرك القوى الغربية هذه المخاطر، إلا أن اتخاذ الحيطة منها بالتخطيط لمواجهتها أمر أهم بكثير من مجرد الإدراك. () السيناريو الثاني- (تدهور مواجه): يفترض في هذا التصور أن قيادة النيجر المتوقعة على آثر الانقلاب يمكنها أن تتفاهم مع القوى الغربية، لكن هذا الأمر قد يكون بعيدًا عن التصورات خاصًة في المستقبل القريب، من جهة أخرى يمكن أن يكون هناك بالفعل سعي من قيادات الانقلاب لدخول روسيا على الخط، وقد يكون ذلك عن طريق شركة “فاغنر”، على غرار ما حدث سابقًا في بوركينا فاسو ومالي، إلا أن نموذج هذين البلدين لا يمكن تصور نجاحه بشكل تام في النيجر، حيث لا يمكن تصور قبول فرنسا بالانسحاب من النيجر، كما حدث في “باماكو ” أو “واغادوغو”، وتدرك القوى الغربية جيدًا أن عدم الاستقرار في “نيامي” سيؤثر على المنطقة ككل، ويخلق فرصة كبيرة لمنافسين آخرين لشغل نفوذ استراتيجي هائل هناك، لاسيما روسيا أو الصين، تحديدًا في ظل امتلاك “فاجنر” نفوذًا حقيقيًا بالعديد من الدول في منطقة غرب إفريقيا.

() السيناريو الثالث- (التوصل إلى اتفاق): يتوقع هذا السيناريو أن تنجح المسارات الدبلوماسية في حل الأزمة، وإعادة الرئيس “محمد بازوم” إلى الحكم مرة أخرى، وإن كان في المقابل يتم إجراء انتخابات مبكرة، وإعادة إحياء روح الديمقراطية التي بدأت في الانهيار، هذا السيناريو يبدو مثاليًا في ظل رفض قوى الانقلاب لأي وساطة، وهو ما اتضح جليًا في سرعة إعلان البيان العسكري الخاص بهم قبل وصول رئيس بنين “باتريس تالهون” إلى النيجر، الذي أعلن ذهابه كمبعوث منظمة “إيكواس” إلى “نيامي”، للتفاوض منذ بداية الأزمة من أجل عودة الرئيس “محمد بازوم”، ومن جهة أخرى مازالت فرنسا تأمل في أن يستجيب الانقلابيون إلى الدعوات الدولية لعودة الحكم الديمقراطي . () السيناريو الرابع- (تعقيد تام): يمثل النموذج الأسوأ للتوقعات حيث تتدافع المصالح بالكامل، مما قد يؤدي لمواجهات عسكرية، وهو ما حذرت منه قيادة الانقلاب بالتحذير من أي تدخل عسكري أجنبي، لكن هذا السيناريو أيضًا من الصعب أن تلجأ فرنسا بالأخص لتحقيقه، لأنه بلا شك قد يزيد من الصور السلبية لها أمام شعوب منطقة الساحل بالكامل، ومازالت “باريس” تعول على “الأساليب الدبلوماسية”، رغم ما أعلنه المتحدث باسم ما يعرف بـ “المجلس الوطني لحماية الوطن CNSP”، عن هبوط طائرة عسكرية فرنسية في المطار الدولي رغم قرار القيادة بإغلاق الحدود البرية والجوية، لكن يصعب تصور المواجهة العسكرية خاصًة بعد أن أكد رئيس أركان القوات المسلّحة في النيجر الجنرال “عبده صدّيق عيسى” تأييد موقف الانقلابيين.

إجمالًا، يمكن القول أنه بغض النظر عن التصورات المختلفة والمتعددة لمستقبل هذه الأزمة، فإن الأمر المتفق عليه أن النيجر قد وقعت في مسار غير مطمئن، وباتت الديمقراطية مهددة بغرب إفريقيا، أما عن الجانب الأخطر فهو تداعيات تدهور الأوضاع بمختلف الأصعدة على نشاط الجماعات الإرهابية، في ظل إطلاق فرصة للمنافسة الدولية بين الغرب وروسيا لفرض النفوذ، وظروف معيشية صعبة تسمح بصورة أكبر للجماعات الإرهابية في كسب مرونة للتحرك، بل وقد تسمح أيضًا بخلق تأييد شعبي لها، كما حدث ببعض الدول بمنطقة غرب إفريقيا، نتيجة فقد شعوبها الثقة في الحكومات الشرعية.

وفي النهاية، يساهم تأزم الأوضاع بمنطقة الساحل في تحويلها إلى أحد اخطر بؤر الإرهاب والصراعات المتعددة، وبالتالي تهديد أمن المنطقة بأكملها ومصالح القوى الكبرى بها، بالتالي يبدو أن مستقبل الأزمة وتداعياتها بالغي التعقيد، والوضع الحالي لا يشير إلى الاطمئنان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى