تمر العلاقات الأثيوبية- الصومالية والدولية بنقطة بتطور مثير للجدل، منذ الإعلان عن مذكرة تفاهم بين إقليم صوماليلاند- الذى كان أعلن انفصاله عن الصومال – وبين إثيوبيا، أول يناير 2024.ونتطرق لهذا الشأن، والسيناريوهات التى يمكن أن تحدث.
فقبل الإعلان عن “المذكرة”، جددت أثيوبيا- بزعم أنها دولة بلا شاطئ بحرى- مطالبها ومساعيها إلى أن تكون لها حرية الوصول إلى البحر الأحمر، عبر الدول الشاطئية المجاورة لها، خاصة إريتريا، جيبوتى والصومال. وقامت بتحديث أسطولها البحرى؛ مما كان أمراً مستغرباً.
أما “صوماليلاند”، فإنها أراضيها تقع على خليج عدن المؤدى إلى باب المندب المدخل الجنوبى للبحر الأحمر. وتقع إثيوبيا خلف “صوماليلاند” من الجنوب والغرب. ويرتبط بعض أهالى الإقليم-وعاصمته هرجيسا- بعلاقات جيدة مع إثيوبيا، وخاصة قبيلة الاسحق، التى تميل أغلبيتها إلى الانفصال عن بقية الصومال. وينقل مصدر صومالى أن الاسحق يرددون أنه كان من حقهم دولة مستقلة؛ بحجة أنهم ليسوا أقل من قبيلة العيسى، التى أصبح لها دولة فى جيبوتى، مع قبيلة العفر وغيرهم، منذ السبعينيات فى القرن الماضى.
وفى مقابل الاسحق، فإن قبيلتى “دولبهانتا وورسنجلى” تؤيدان الوحدة؛ لأنها تربطهما ببقية قبيلتهم الكبرى”الدارود”؛ والتى لها نصيب دائم بالحكم فى الصومال؛ لهذا شكلتا-أخيراً- إقليم “خاتمو”. والأخير يعد خصمًا من أراضى “صوماليلاند” ؛ التى ورثت حدود ما كان يُعرف بـ”الصومال البريطانى”.هذه الحدود تعتبرها “صوماليلاند” أحد مبررات مطالبتها بالاعتراف الدولى، بعد إعلانها نفسها دولة مستقلة، عام 1991. وزادت الهزيمة العسكرية لقوات”صوماليلاند” أمام القوات الأخرى فى لاس عنود- بإقليم “خاتمو” -من الجُرح لدى “الاسحق”، وبحثهم عمن يقف إلى جانبهم؛ لاستعادة السيطرة على “خاتمو” ؛ الذى يضم محافظتى صول وساناج ومديرية عين”.
ولم يكن اعتراف الصومال بالإقليم، ضمن نظامها الفيدرالى الذى يمنح الأقاليم سلطات محلية، سوى ضربة لمحاولة “صوماليلاند” الاستقلال. لهذا جرت مباحثات بين رئيس الصومال حسن شيخ محمود وبين موسى بيحى رئيس إقليم “صوماليلاند”، فى جيبوتى؛ لمعالجة علاقات الإقليم مع دولته. وأشار مصدر صومالى إلى أن موسى بيحى اتجه إلى قبول منصب رفيع فى السلطة الفيدرالية بمقديشو؛ لكن السلطة الصومالية فوجئت بتوقيعه مذكرة التفاهم مع أثيوبيا، بعد الاجتماع بقليل. وترتب على ذلك- حسب مصدر صومالى- أن بعض الصوماليين أثاروا الشك، حول أن رئيس الصومال كان على علم بالاتفاق، وأنه متورط فيه.
فى هذه الظروف، جاء الإعلان- الملىء بالغموض- عن “مذكرة تفاهم ومشاركة” بين “جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية” وبين “صوماليلاند” ؛ دون الإشارة إلى أن الأخيرة ” جمهورية”، وفقاً للاسم الرسمى، الذى تريد “صوماليلاند” الاعتراف به. ورغم عدم الإعلان عن نص المذكرة، فإن الخلاف حولها كشف جانباً من غموضها، وخطورتها. ركز رئيس “صوماليلاند” على أن إثيوبيا ستكون أول من تعترف ب”صوماليلاند” دولة؛ وهو ما أثار ردود فعل حادة من الصومال، التى تعتبر الإقليم جزءاً منها، فضلاً عن أن دولاً ومنظمات دولية استنكرت الاتفاق. ودفعت ردود الفعل إثيوبيا إلى التعقيب بأنها ستجرى تقدير موقف تجاه مطلب “صوماليلاند” بالاعتراف. وفى حين أشار مستشار الأمن القومى لآبى أحمد إلى أن “المذكرة” تمنح أثيوبيا إمكانية الوصول إلى قاعدة بحرية، نُقل عن مكتب آبى أحمد أنها ستحقق تطلعات أثيوبيا فى تأمين وصولها إلى البحر، وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية. كما أنها ستعزز الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية بينهما”. كما تشير “المذكرة” إلى الطريق لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهما.( يوجد لأثيوبيا قنصلية عامة فى هرجيسا عاصمة صوماليلاند).
وأتاحت هذه العبارات،التى تتسم بالعمومية، لمن وصفهم مصدر صومالى بأنهم خبراء صوماليين، الإشارة إلى أن ما تضمنته المذكرة من تأجير “صوماليلاند” لأثيوبيا ساحلاً- على خليج عدن- بطول 20 كيلو متراً، لمدة 50 عاماً، يحمل مخاطر عديدة. فالمخطط أن تقيم إثيوبيا قاعدة بحرية عسكرية وميناء بحرياً، تحت سيطرتها، فى منطقة ميناء ” زيلع”، الأقرب إلى أراضى إثيوبيا، والذى يصلح ميناء، ومرسى لسفن حربية. كما ستنشئ طريقاً- تحت سيطرتها- من هناك حتى الأراضى الأثيوبية. وهذا سيسمح بدخول أثيوبيين، ستقيم لهم إثيوبيا مساكن هناك؛ بحيث تتواجد كثافة سكانية إثيوبية .وربما هذا هو السبب فى استقالة وزير دفاع “صوماليلاند”؛ لأنه ينتمى إلى إقليم أفضل الذى تقطنه قبيلتا العيسى والجدابورسى(سمرون)، ولم يتم التشاور معه فى الاتفاق المؤثر على جماعته. أما الشراكة الأمنية فتم تفسيرها بأن إثيوبيا ستتدخل لإعادة إقليم “خاتمو” إلى “صوماليلاند” بالإقناع أولاً ثم بالقوة.
وبناء على هذا، فإنه من المتوقع أن تمضى إثيوبيا و”صوماليلاند” فى المفاوضات بشأن كيفية تنفيذ “المذكرة”. وهناك أنباء عن أن وفدا إثيوبياً وصل إلى هرجيسا- على متن طائرة عسكرية- للمشاركة فى هذه المفاوضات. وسبق ذلك بحث مسئول عسكرى فى “صوماليلاند” مع نظيره الإثيوبى، فى أديس أبابا، السبل الممكنة للعمل معاً. ويترتب على ذلك أن إثيوبيا تسعى إلى أن تخلق أمرًا واقعاً؛ من خلال المماطلة فى التفاوض بشأنه؛ إلى أن تنتهى من القاعدة العسكرية والميناء. ويعزز ذلك أن الرئيس الصومالى يميل إلى المعالجة القانونية للأمر، باعتبار أن تأجير الموانئ والقواعد العسكرية من سلطة الحكومة الفيدرالية.
وسيحمل هذا البديل خطر ظهور مقاومة لإثيوبيا فى شمال الصومال، فضلاً عن زيادة عدد من ينضمون إلى حركة “الشباب” الصومالية، التى تسعى للإطاحة بالحكومة الصومالية. وهذا الخطر، يمكن أن تعالجه إثيوبيا، باستخدام قوتها العسكرية ضد الأطراف الصومالية.
أما الاحتمال الثانى، فهو اكتفاء إثيوبيا بأن تزيد الموانئ البحرية الصومالية، التى تستخدمها لأغراض تجارية. ويعزز هذا أن الصوماليين يرحبون بذلك، ويعملون من أجله. وهناك أنباء عن أن القوات البحرية الإثيوبية عندها بدائل مؤقتة،منها استخدام جزيرة قريبة من خليج عدن.كما أن أقوى ردود الفعل كانت بسبب انتهاك السيادة، وليس بسبب أى استخدام تقليدى للموانئ البحرية.