مركز أتون يعقد حلقة نقاشية حول الأزمة الليبية ومستقبلها| بالصور والفيديو
تعد الأزمة الليبية واحدة من أعقد الأزمات التي ضربت منطقة الشرق الأوسط منذ أحداث ما سمي بـ”الربيع العربي”، كونها أخذت أبعاداً عسكرية وقبلية ومناطقية، وتشابكت وتداخلت فيها مصالح الأطراف الإقليمية والدولية مع الأطراف الداخلية، ورغم المساع من أجل حل سياسي، إلا أن حالة من الجمود تخيم على المشهد هناك.
وفي محاولة لاستقراء المشهد الليبي وكذلك استشراف مستقبل تلك الأزمة، عقد مركز أتون للدراسات حلقة نقاشية تطرقت إلى مختلف الأوضاع على الساحة الليبية بمشاركة الأستاذ أحمد عامر الكاتب الصحفي المتخصص في الملف الليبي والأستاذ أسامة الدليل رئيس قسم الشؤون الدولية بجريدة الأهرام العربي، والكاتب الصحفي محمد عامر رئيس قسم الشؤون الخارجية بجريدة الوطن، وقد أدار الحلقة الكاتب الصحفي الأستاذ فتحي محمود مدير مركز أتون للدراسات.
تقسيم حتمي وأزمة هوية
وقد استهل الكاتب الصحفي أسامة الدليل الحديث في الحلقة النقاشية بمحاولة الوقوف على الجذور الحقيقية للأزمة الليبية والتي من خلالها يمكن التعرف على الأسباب التي أودت بالليبيين إلى الحالة التي هم عليها، إذ قال إن السبب الرئيسي يتمحور حول أن ليبيا تعيش أزمة هوية، حول ما إذا كان الليبيون عرباً أم أفارقة أم هم امتداد لأوروبا، خاصة وأن حدود الأمن القومي الأوروبي تنتهي عند منطقة الساحل الأفريقي، مؤكداً أن هذا الأمر يربتط بصلب مفهوم الأمن القومي.
واستعرض “الدليل” مجموعة من الخرائط التي توضح تطورات المشهد والأوضاع في ليبيا إحداهما كانت عام 2019 ووضحت نفوذ الشرق والغرب على الأساس القبلي والولائي، كما استعرض خريطة أخرى تتعلق بالنفوذ العسكري، سواء التبون في الجنوب أو الطوارق، والمناطق الشرقية وكذلك الغربية ومناطق إنتاج النفط وشبكة الاتصالات التركية.
وأشار إلى أن واحدة من مناطق الصراع هي موانيء تصدير النفط، وكذلك مصرف ليبيا المركزي وهيئة الاستثمار الخارجي وأماكن تواجدهم، موضحاً أن خريطة ليبيا تضم 1400 تشكيلاً مسلحاً ولائهم ليس للدولة وإنما للقبيلة أو لإحدى الجماعات الدينية، مشيراً كذلك إلى أنه قد كانت واحدة من الإشكاليات التي واجهت الدولة الليبية في فترة العقيد الراحل معمر القذافي هي مشكلة متعلقة بغياب الولاء للدولة.
وقال رئيس قسم الشؤون الدولية بالأهرام العربي إنه عندما يكون هناك مجتمع يعاني من أزمة هوية، ودولة كذلك غير واضحة الهوية إن كانت مملكة أم جمهورية خصوصاً أنها كانت تسمى جماهيرية، ورئيس هذه الدولة يسمى قائد الثورة وليس رئيساً، وكأن هناك نظماً ملكية وأخرى جمهورية ونظام الثورة في ليبيا، لافتاً إلى أن هذا أمر يشغل مصر عندما يتم النظر إليه لأن عليها أن تعرف هوية جارتها.
وتحدث “الدليل” عن موقع ليبيا فيما يتعلق بالصراع في البحر الأبيض المتوسط قائلاً إنها تشكل رقماً مهماً في الصراع داخل البحر المتوسط، مستعرضاً خريطة أخرى تتعلق بمناطق السيادة البحرية والتي اصطدمت فيها سيادة مصر البحرية مع ما يسمونه في تركيا الوطن الأزرق الذي يجعل ليبيا دولة متشاطئة مع تركيا، دون النظر إلى قواعد الجغرافيا أو الاتفاقيات ذات الصلة بتقسيم البحار.
واستعرض في هذا السياق خريطة تركية يرى فيها النظام التركي أن الجرف القاري الخاص بتركيا يصل إلى نقطة تماس مع الجرف القاري الليبي، ما يجعل الدولتين متشاطئتين، ومن ثم رأى أن هناك إمكانية لترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، دون النظر إلى دول الجوار مثل مصر أو قبرص أو اليونان، مشيراً إلى أن مشروع العثمانية الجديدة التي يتبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمر له أساس وجذور وله من يدافع عنه وليس الأمر مجرد كلام عبثي.
وقال أسامة الدليل إنه كان في ليبيا عام 2011 وعندما عاد كتب أن ليبيا إلى التقسيم الحتمي، مشيراً إلى أنه يتم الجلوس للتفاوض والاتفاق من أجل الحل لكن لن يتم الحل، معتبراً أن ذلك مرتبطاً بأزمة الهوية التي تعيشها ليبيا، والتي دفعت معمر القذافي في وقت من الأوقات للقول إن ليبيا فاطمية الهوية، وقد كافح من أجل ذلك ليخلق هوية خاصة بليبيا.
موقع ليبيا والصراع الدولي
وأكد أنه على المستوى الخارجي فإن ليبيا ذات موقع حاكم بسواحلها البحرية، مشيراً إلى أن البحر المتوسط فيه قوى كثيرة تتصارع من أجل مصالحها سواء الصين أو بريطانيا أو دول عربية مثل قطر والإمارات، معتبراً أن الإشكال الذي سيحدث في منطقة شرق أفريقيا أي البحر الأحمر سيؤثر على ما يجري في ليبيا، وكذلك نشاط الدواعش في الجنوب الليبي بنسبة 400%، مشيراً إلى أن ليبيا تعتبر كذلك روح دول الساحل الأفريقي.
وأكد أن ليبيا كي تنظر إلى المستقبل فإن عليها أن تعالج العوار الأمني الذي لديها فيما يتعلق بالأمن القومي ونظريته القائمة في جزء كبير منها على فكرة الهوية، والجانب الثاني متعلق بالعوار في الأمن الداخلي نتيجة مخازن الأسلحة والذخيرة المروعة التي تركها “القذافي”، مشيراً إلى أن هناك من يرتب مستقبل ليبيا وفق مصالحه، مثل فرنسا التي تركز على الجنوب الليبي ولهذا لا نرى أصابع الفرنسيين لأن الأنظار كلها متجهة نحو المناطق القريبة من السواحل، لافتاً كذلك إلى أن روسيا ترى أهمية استراتيجية كبيرة في أن يكون لديها قواعد عسكرية في ليبيا وكذلك أمريكا لها مصالحها، وكذلك الاتحاد الأوروبي.
أزمة جهوية عصبية
في المقابل، استهل أحمد عامر الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي حديثه بالتأكيد على أن أزمة ليبيا ليست أزمة هوية وإنما أزمة جهوية عصبية، فليبيا التي عدد سكانها 7 ملايين كلهم مسلمين على المذهب المالكي، والأقليات سواء الأمازيغ أو التبو أو الطوارق جميعهم لا يمثلون سوى 400 ألف نسمة في ليبيا، وبالتالي ليس هناك صراع هوية، بل على العكس تماماً فالقبائل الليبية قبائل عربية وتتباهى وتتمسك بقوة بانحداراتها وأصولها وعاداتها العربية.
وقال إن أزمة ليبيا الحقيقية تتمثل في التمسك والعصبية الشديدة جداً للقبيلة والمدينة، وبالطبع هناك علاقات اجتماعية بينهم وهناك عائلات انتقلت من مناطق إلى مناطق أخرى وولد وعاش أبناؤها في مناطق غير تلك التي ينحدرون منها، ولكن تجد الليبيين يعيدون الشخص إلى أصل قبيلته وعائلته هذا من مصراتة أو هذا من بنغازي أو هذا من طرابلس.
وعن العلاقات المصرية الليبية، قال “عامر” إنه من بين 7 ملايين ليبي هناك نحو مليون ليبي والدتهم مصرية، فقد حصلت زيجات فترة الستينيات والثمانينيات عالية للغاية، على نحو أوجد عدداً كبيراً من الليبيين لهم ارتباط كبير بمصر خاصة في المنطقة الشرقية، كذلك فإنه خلال فترة الاحتلال الإيطالي حدثت هجرة كبيرة لليبيين إلى مصر، لدرجة أنه يقال إن هناك حوالي 20 مليون مصري تعود أصولهم إلى القبائل الليبية.
وتطرق الكاتب الصحفي إلى أن وجود 7 ملايين ليبي في مساحة ليبيا الشاسعة التي تصل إلى مليون و850 ألف كيلومتر مربع جعلها مجموعة من المدن المتباعدة على الشاطيء وبعض المدن في الجنوب الصغير جداً مثل سبها أكبر مدن الجنوب لم يتجاوز عدد سكانها 150 ألف نسمة، كما أنه تاريخياً في الأساس كانت ليبيا 3 أقاليم وهي برقة التي تمثل الجانب الشرقي الملاصق للحدود المصرية، وفي الغرب إقليم طرابلس الذي يطلق على المنطقة الغربية ككل بما في ذلك طرابلس العاصمة وهي امتداد طبيعي للغرب الأفريقي، وبالتالي عندما تشكلت الملكية في ليبيا كانت هناك عاصمتين هما بنغازي وطرابلس ولنفس الدولة في إطار نظام فيدرالي.
وأضاف أنه مع انتشار البترول تم تغيير النظام من فيدرالي إلى ملكي لكامل ليبيا وكانت طرابلس هي العاصمة بحكم أنها أقرب إلى أوروبا وأكثر تطوراً، فيما كانت بنغازي دائماً هي العاصمة الثقافية التي يخرج منها الشعراء والكتاب والمثقفين، مشيراً إلى أزمة المؤسسات التي كانت طوال 42 سنة من حكم القذافي، حيث شهدت البلاد عام 1975 قيام الرئيس الراحل بإلغاء جميع مؤسسات الدولة على أساس أنه يبدأ مرحلة ثورة وسيقوم بوضع نظام جديد، ومنذ هذا العام وحتى عام 2011 لم يضع هذا النظام، وبقيت ليبيا دولة لا هي جمهورية ولا هي ملكية وبدلاً من ذلك أوجد الكتاب الأخضر واخترع نظاماً جديداً هو الجماهيرية.
أبعاد سياسية وجغرافية وعسكرية للأزمة
أما عن الوضع الحالي، يقول أحمد عامر إنه يرتبط بأبعاد جغرافية وعسكرية وأمنية والتي يجب الحديث عنها إلى جانب التأثير الخارجي والإقليمي وحلفاء هؤلاء على الأرض، موضحاً أنه على صعيد الوضع الجغرافي كان الشرق الليبي يشعر في فترة القذافي أنه مهمش ويفتقد إلى البنية التحتية ووسائل الترفيه، مع أنه في حقيقة الأمر فإن كل ليبيا سواء الشرق أو الغرب أو الجنوب كان يعاني نفس الأمر، وأن هذ البلد النفطي الذي يملك 48 مليار برميل نفط ولديه احتياطي أموال 320 مليار دولار حتى هذه اللحظة لا يزال بلداً فقيراً لدرجة أن من يريد العلاج يذهب إلى تونس، وكان “القذافي” له السلطة المطلقة في كل شيء، وكان غريب الأطوار وحقبته صعبة، وهي التي أفرزت الوضع الحالي، فعدم وجود مؤسسات حقيقية في عهد القذافي هو الذي أوجد الخلل في ليبيا بعد 2011، مع رؤية دولية أن تكون الأراضي الليبية بؤرة للإرهاب، ومع تدخل المخابرات الغربية فإن الأمر يقول إن الوضع في ليبيا لن يذهب إلى الاستقرار، مشيراً إلى أن البريطانيين يرون أن ليبيا ستقسم.
أما عن الوضع السياسي، يقول “عامر” إن ليبيا لديها مشروعين أحدهما “الكرامة” الذي يقوده خليفة حفتر كمرشح رئاسي يقوم على فكرة الدولة الواحدة التي لها جيش وحكومة ومؤسسات، في مواجهة مشروع النظام السابق الذي يمثله سيف الإسلام القذافي وهو يقوم كذلك على فكرة الدولة الواحدة، أما جميع من رشحوا أنفسهم للرئاسة من قبل جميعهم لن تتجاوز أصواتهم المناطق التي ينحدرون منها، أي أنهم مشروعات غير مكتملة تقوم على العصبية القبلية والمناطقية.
وأشار إلى أن جميع المفاوضات الأممية التي كانت تتم كانت تخلط الأوراق من أجل أن يستمر نفس المشهد السياسي الذي يتحكم فيه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، موضحاً أنه كان هناك الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر والذي كان قريباً من تخوم طرابلس بعد أن نجح في القضاء على الإرهاب في المناطق الأخرى ودخل بعضها اعتماداً على الحاضنة الشعبية، قائلاً إن هنا أدرك الأوروبيون أن ليبيا تقترب من أن تكون دولة واحدة فسمحوا للأتراك بإدخال السفن والقوات على مرأى ومسمع الأمريكيين والأمم المتحدة، ولم يقف أمام أنقرة أي شيء ودخلت الحرب بقوة شديدة جداً وأقامت القواعد العسكرية في الوطية ومصراتة ومعيتيقة وبوستة وأصبح هناك تواجد عسكري تركي ضخم جداً بموافقة ومباركة بريطانية أمريكية، ما اضطر الجيش الليبي إلى التراجع إلى سرت – الجفرة ليس بقرار تركي وإنما بقرار من الدول الغربية وبعض الدول الصديقة.
ويرى أن المخطط الذي يحدث في ليبيا هو نموذج أقرب إلى العراق أي دولة واحدة ذات حكومات ضعيفة متعاقبة ومناطق نفوذ دولية، مشيراً إلى أن هناك 3 ملفات تهم الدول الغربية وهي الهجرة غير الشرعية وتدفقات النفط وتواجد الإرهاب، وطالما هذه الأمور غير موجودة فلن تمثل ليبيا أي شيء للعالم.
وفيما يتعلق بالبعد العسكري قال إن هناك ميليشيات تحولت إلى قوات لها أسماء رسمية وبعضهم يقودها أناس ليس لهم صفة عسكرية أو شرطية، وبالتالي عندما تحدث أي أزمة بين تلك الميليشيات تتحول إلى حرب شوارع في وقت يفترض أن هذه قوات شرطية نظامية، معتبراً أن هذا نوع من العبث في المنطقة الغربية، إلى جانب دخول تركيا وروسيا وما حدث بينهم من توافق بشأن الوضع في ليبيا.
ماذا تفعل مصر؟
عما يجب أن تفعله مصر، يقول الكاتب الصحفي أسامة الدليل إنه يجب أن يتم منع أي صيغة لأن تكون ليبيا دولة مقسمة، فهذا يجب أن يكون خطاً أحمر لمصر، والأمر الثاني ألا تكون ليبيا دولة ملكية، لأن الصراع كبير بين الجمهوريات والملكيات في العالم العربي، وبالتالي وجود دولة ضعف مساحة مصر ملكية في غربها فإن هذا أمر يشكل كارثة.
فيما قال الكاتب الصحفي أحمد عامر إن مصر يجب أن تظل طوال الوقت هي البلد الوحيد الذي تثق فيه جميع الأطراف الليبية، وهدف مصر ألا تكون ليبيا دولة مقسمة يتحكم فيها الإرهاب والجميع في ليبيا يرى نفس الأمر، موكداً أن مصر أمنها القومي واضح وتحركاتها واضحة وحركتها بميزان حساس في هذا الملف الدقيق للغاية، مدللاً على ذلك بأننا نرى رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة وغيرهم يجتمعون في مصر.