الاخبار الرئيسيةدراسات

خوارزميات التواصل الاجتماعي .. الصناديق السوداء للتلاعب بالرأي العام

تحليل د. أحمد فتحي

إذا كنت من النوع الذي يعرف عن العالم باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، فأنت لست وحدك، بل الأغلبية الكاسحة طبقًا لإحصائيات كافة التقارير السنوية لمراكز الأبحاث الرقمية، ومع ذلك إن قدرتنا على الفهم الكامل لعملية تشكيل الرأي العام إعلاميًا – وبالتالي التأثير – لمنصات التواصل الاجتماعي، التي يتم التحكم فيها خوارزميًا محدودة بطبيعتها. كانت إحدى العبارات الأكثر شيوعاً على مدى العقد الماضي هي أن الأنظمة الخوارزمية التي تتحكم بشكل متزايد في ديناميكيات كيفية إنتاج الأخبار ونشرها واستهلاكها هي “الصناديق السوداء” للتلاعب بالرأي العام.

ويشير مصطلح الصندوق الأسود إلى أي نظام معقد ، تتم من خلاله عمليات داخلية غير واضحة لمستخدميها. وفي سياق الخوارزميات، تتمثل القضية الرئيسية في أن مخرجات تلك العمليات التي تقدمها شبكات التواصل هي نتيجة لمجموعة معقدة ومتطورة بشكل متكرر من المعايير والمدخلات – والتي يظل الجزء الأكبر منها مملوكًا لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك التنافسية والربحية، مع المخاوف والحاجة إلى محاولة تقليل مدى التلاعب بهذه الأنظمة من قبل أطراف ثالثة.

الخوارزميات حارس البوابة الجديد
في عصر ما قبل الإنترنت وتدفق البيانات، عاش البشر في مجتمعات يتم انتقاء جميع معلوماتها حول حالة العالم، ليتم تحريرها أو حتى مراقبتها قبل نشرها وبثها لعامة الناس، عبر وسائل الإعلام التقليدية من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية ومحطات الإذاعية، ولم تكن هناك سوى طرق قليلة لمشاركة المعلومات بين الأفراد، الذين لم يكونوا في الدوائر الاجتماعية لبعضهم البعض.

كان القائمون بالاتصال في تلك الوسائل الإعلامية هم المتحكمون باختيار نوع المعلومات التي يمكن لعامة الناس الوصول إليها والذي عرف اكاديميًا بنظرية “حارس البوابة”. ثم جاءت شبكة الإنترنت التي كان من المفترض أن تكسر هذه الجدران بين عامة الناس والمعلومات، وتسمح بالتدفق الحر للبيانات وتسمح للناس بالتواصل وتبادل الأفكار مع أي شخص تقريبًا. لا مزيد من البوابات، وبالتالي لا مزيد من حراس البوابات.

لكن هذا ما لم يحدث، تتأثر الأخبار والمعلومات العامة التي يراها ويسمعها المواطنون الأن بشكل متزايد “بالخوارزميات” التي أضحت حراس لبوابة الأخبار والمعرفة حول أرجاء الأرض للمواطن العالمي، فالخوارزميات هي “إجراءات مشفرة لتحويل بيانات الإدخال إلى مخرجات مرغوبة، بناءً على حسابات محددة”. تؤدي مثل هذه الإجراءات الآلية دور حراس البوابة وتقوم تلقائيًا باختيار المعلومات العامة وفرزها وترتيب أولوياتها. في جميع أنحاء العالم، يحصل الناس على المزيد والمزيد من معلوماتهم السياسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت التي تسيطر عليها الخوارزميات، مثل فيسبوك، أكس (تويتر سابقا)، جوجل، يوتيوب، إنستغرام، أو تيك توك وينطبق هذا بشكل خاص على الأجيال الشابة.

عندما تعمل الخوارزميات كحارس للبوابة، فإنها تؤثر على المعلومات التي يتلقاها الجمهور وعلى طريقة تواصل الناس وتحديد الأولويات والتوصية على التعرض لوجهات النظر المضادة للمواقف إما عن طريق تضييق أو توسيع وجهات النظر التي يواجها الجمهور.

خوارزميات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
يمكن أن تؤثر المعلومات التي تظهرها الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي على إقبال الناخبين أو على مدى الاقتناع بالمعلومات الخاطئة، كما تلعب خوارزميات التوصيات على منصات مثل تيك توك دورًا مهمًا في الحركات الاجتماعية، ويمكن ايضًا للخوارزميات الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي أن تدير النقاش العالمي عبر الإنترنت من خلال فرض رقابة على المحتوي أو تعزيز انتشار وجهات النظر المتطرفة حول قضية أو صراع، وهو ما ظهر جليُا في التعامل برقابة مع المحتوي الفلسطيني وتعزيز المحتوي الإسرائيلي في “الحرب على غزة”.

منذ تصاعد الصراع الدموي على قطاع غزة إلى ما يشبه الإبادة الجماعية خلال هذا الشهر، استخدم صناع المحتوى الذين يركزون على دعم القضية الفلسطينية بشكل متزايد ما يعرف تفادي الخوارزميات “algospeak” – وهي مجموعة من العبارات والتهجئة الخاصة والكلمات الرمزية – لمنع إزالة منشوراتهم أو قمعها من قبل خوارزميات منصات وسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق إطلاق أصوات أو إضافة أصوات لإخفاء تعليقاتهم الصوتية، أو تغيير تهجئة الكلمات الإنجليزية والعربية الشائعة مثل “فلسطين” و”الإبادة الجماعية” و”حماس” لتجنب اكتشافهم، حيث يقوم العديد من صناع المحتوى المشهورين بتوجيه المستخدمين الفلسطينيين لتبني تكتيكات مماثلة لمنع تتبع خوارزميات عمالقة التكنولوجيا لإزالة محتواهم.

لقد أحيا الصراع الحالي تدقيقًا دام سنوات حول كيفية قيام شركات التكنولوجيا مثل ميتا وجوجل وتيك توك بمراقبة منصاتها خلال لحظات العنف المتزايد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذي لطالما انتقدت مجموعات المجتمع المدني شركة ميتا لقمعها حرية التعبير للمستخدمين الفلسطينيين عن طريق إزالة المحتوى العربي بشكل أكبر من المنشورات العبرية. واتهم الناشطون شركات التكنولوجيا أيضًا بعدم الاستثمار في أنظمة لحماية المستخدمين الفلسطينيين من خطاب الكراهية والتهديدات العنيفة.

واعتبرت مواقع يوتيوب وتيك توك وفيسبوك وإنستغرام التابعة لشركة ميتا حماس منظمة متطرفة، مما يمنع الجماعة من التواجد على منصاتها. وبينما يستطيع مستخدمو ميتا ويوتيوب الدعوة إلى السلام أو التعليق على القضايا التي تواجه اسرائيل، إلا أنهم لا يستطيعون التعبير عن دعمهم لفلسطين أو قطاع غزة. وقد أعلنت شركة ميتا سابقًا إنها غيرت الإعدادات الافتراضية في المنطقة العربية، مما جعل من يمكنه التعليق على منشورات فيسبوك العامة الجديدة مقتصرًا على الأصدقاء أو المتابعين الحاليين في محاولة لتضييق الخناق على المحتوى “غير المرغوب فيه” على حد تعبيرها. بينما أوضحت تيك توك إنها أضافت المزيد من المشرفين الذين يتحدثون العربية والعبرية لمراجعة المنشورات المتعلقة بالحرب، وعلى صعيد آخر صرحت شبكة يوتيوب إنه يزيل خطاب الكراهية الذي يستهدف المجتمعات اليهودية مع ربط المستخدمين بمصادر أخبار موثوقة.

في وقت سابق من هذا الشهر، اشتكت حشود من المؤيدين الفلسطينيين من أن شركة ميتا كانت تقمع محتواهم الذي يوثق أعمال العنف ضد الفلسطينيين في القطاع. بينما أفاد المؤثرون المشهورون أن عدد المشاهدات والإعجابات على مقاطع الفيديو الخاصة بهم على فيسبوك وانستغرام قد انخفضت بشكل حاد. واشتكى بعض المستخدمين من إزالة منشوراتهم أو إخفائها أو تقييد حساباتهم بسبب انتهاك قواعد المحتوى الخاصة بالوسائل التواصل الاجتماعي. ولا يزال آخرون يقولون إن قدرتهم على بث الفيديو المباشر قد تم تقييدها، في حين انخفضت أيضًا قدرتهم على العثور على مقاطع الفيديو المباشرة للمبدعين الفلسطينيين.

ميتا تحاول تبرئة نفسها أمام العالم
حاولت ميتا تبرئة نفسها عبر بيان على مدونتها الرسمية هذا الأسبوع، بأن الشركة قد أصلحت أخطاء منعت منشورات بعض المستخدمين ومقاطع الفيديو المؤقتة المعروفة باسم القصص ومقاطع الفيديو القصيرة المعروفة باسم Reels من الظهور بشكل صحيح. وقالت الشركة أيضًا إنه لفترة قصيرة، أن الخلل “أثر على الحسابات في جميع أنحاء العالم بشكل متساوٍ – وليس فقط الأشخاص الذين يحاولون النشر حول ما يحدث في إسرائيل وغزة – ولم يكن لها أي علاقة بموضوع المحتوى”.

لكن العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يدعمون المحتوي الفلسطيني يشككون في تفسير ميتا بعد أن قمعت الشركة بالمثل وجهات نظرهم خلال العدوان الذي استمر أسبوعين بين إسرائيل وحماس في عام 2021. وخلال العدوان، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى، مما دفع حماس إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل. ثم ردت إسرائيل بحملة قصف أسفرت عن مقتل أكثر من 200 فلسطيني. وبينما غمر المستخدمون شبكات ميتا الاجتماعية بحسابات مباشرة عن المعركة، بدأ إنستغرام بتقييد المحتوى الذي يحتوي على هاشتاغ #الاقصى، حيث ألقت ميتا في البداية باللوم على خطأ في النشر الآلي للبرنامج.

وجدت عملية تدقيق خارجية بتكليف من الشركة بناءً على توصية مجلس الرقابة المستقل التابع لها، أن هاشتاغ #الاقصى تمت إضافته بحسب التقرير “عن طريق الخطأ” إلى قائمة المصطلحات المرتبطة بالإرهاب من قبل مراجع خارجي يقوم بالإشراف على المحتوى للشركة. وأشار التقرير إلى أن هذا يرجع على الأرجح إلى أن خوارزميات ميتا التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة خطاب الكراهية والأشكال الأخرى من المحتوى الإشكالي تستخدم قوائم المصطلحات المرتبطة بالمنظمات الإرهابية الأجنبية. لذلك، من المرجح أن يتم وضع علامة على المحتوى الخاص به على أنه يحتمل أن يكون مرتبطًا بجماعة إرهابية.

خوارزميات X الحرية مقابل الدفع
على صعيد آخر، تعمل خوارزميات موقع X بشكل مختلف تحت إدارة الملياردير الشهير إيلون ماسك، فقد تدهورت المنصة إلى درجة أنها لم تفشل فقط في تضييق الخناق على المعلومات الخاطئة، ولكنها تفضل المنشورات من خلال الحسابات التي تدفع مقابل خدمة الاشتراك الزرقاء، بغض النظر عمن يديرها أو لصالح أي قضية تعمل.

وقد انتشر مقطع فيديو مروع لرجل يقطع رأس طفل على منصة X في الأسبوع الماضي – تمت مشاركته في البداية بواسطة حساب مميز أو تم التحقق منه – كدليل على هجوم حماس على إسرائيل. وقد شاهد الفيديو الملايين عبر الإنترنت، وتمت مشاركته باستخدام هاشتاج #الاسلامهوالمشكلة و #اسرائيلتحتالهجوم. ولكن وجد مدققو الحقائق أن المقطع لا علاقة له بإسرائيل أو بحركة حماس، وبدلاً من ذلك تم تصويره في سوريا في عام 2016. وسرعان ما تم فضح هذه الادعاءات الكاذبة من قبل مدققي الحقائق باستخدام أدوات تكنولوجية متعددة، ولكن الضرر قد حدث بالفعل.

وهذا الاتجاه مثير للقلق بشكل خاص لأن السكان المهمشين والمضطهدين مثل الفلسطينيين يعتمدون على منصات وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة مظالمهم وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ضدهم. لا سيما في ظل أحادية وسائل الإعلام التقليدية في تبني وجهة النظر الواحدة، ولكن وتبقى المخاوف بشأن الرقابة والحظر الخفي دائمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتزداد بشكل بوتيرة أعلى بكثير في أوقات الصراعات، مما يجعل التداعيات الواقعية المترتبة على سياسات الشركات المبهمة هذه أكثر خطورة، وتصبح الخوارزميات هي الصندوق الأسود للتلاعب بالروايات أمام الرأي العام العالمي.

نظرة إلى المستقبل
يمكن بلورة تحيز خوارزميات التواصل الاجتماعي في النقاط التالية:

  1. تم تصميم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز مشاركة المستخدم، وبالتالي تضخيم التحيزات البشرية المتأصلة للتعلم من الأعضاء المرموقين أو داخل المجموعة
  2. غالبًا ما يشجع هذا التضخيم المعلومات الخاطئة والاستقطاب لأنه لا يميز دقة المعلومات.
  3. ويشير الباحثون إلى أن كلاً من المستخدمين وشركات التكنولوجيا بحاجة إلى اتخاذ خطوات للتخفيف من هذه التأثيرات، بما في ذلك تعليم المستخدم والتغييرات الخوارزمية
    ونتيجة لذلك، من يتم تضخيم المحتوى السياسي المتطرف أو الموضوعات المثيرة للجدل، وإذا لم يتعرض المستخدمون لآراء خارجية ذات مصداقية، فقد يجدون أنفسهم لديهم فهم خاطئ لرأي الأغلبية من الأطراف المختلفة، ويقترح الباحثون أنه على عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي اتخاذ خطوات لتغيير خوارزمياتها، حتى تكون أكثر فعالية في تعزيز المجتمع، بدلاً من تفضيل معلومات فقط، ولكن السؤال الأهم هل تريد شركات التكنولوجيا القيام بذلك؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى