اختبار صعب: مستويات التفاهم بين واشنطن وطهران بالشرق الأوسط
تحليل: الباحث/ محمد صابر
تتوالى العمليات التي تقوم بتنفيذها الميليشيات الموالية لإيران في الشرق الأوسط، مما أضاف العديد من الضغوط على كاهل الإدارة الأمريكية، في التصعيد القائم مع إيران، وبالأخص بعد تنفيذ الميليشيات المدعومة من طهران هجومًا بطائرة بدون طيار على قاعدة “برج 22” الأمريكية التي تقع في شمال شرق الأردن في 28 يناير 2024، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين.
وقد نفذت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات ضد الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق بدأت منذ 2 فبراير الجاري، مستهدفة من خلالها مواقع أسلحة وذخيرة، في 3 مواقع بالعراق، و4 مواقع في سوريا، في محاولة لاستعادة صورة وهيبة الولايات المتحدة، خاصًة بعد هجوم الأردن، ونأي الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بنفسه عن اتهامات الجمهوريين بأنه أضعف رئيس في التاريخ الأمريكي.
بالتالي، يحاول هذا التحليل البحث في حسابات التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بالمنطقة، بالإضافة إلى محاولة تصور وطرح السيناريوهات المتوقعة فيما يخص الهجمات المتتالية واستمرار التصعيد القائم بين واشنطن من جهة، ووكلاء طهران من جهة أخرى.
إدارة الأزمة:
هناك العديد من الخطوات الهادئة في تطور الصراع بين الولايات المتحدة وإيران ووكلائها بالشرق الأوسط، بعد الهجوم على قاعدة “البرج 22″، الذي يختلف عن الاعتداءات السابقة التي تعرضت لها القواعد الأمريكية، كونه قد شكل نقطة تحول في إستراتيجية إيران المتعلقة باستفزاز الأمريكيين إلى استهداف قتلهم، إلا أن إدارة الأزمة بين الطرفين اتسمت بالحذر وعدم التهور في ردود الفعل، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
() تأخر اتخاذ رد الفعل الأمريكي: فقد واجهت الإدارة الأمريكية انتقادات قوية بسبب تأجيل الضربات، لإهدار فرصة توجيه رسالة ردع للهجمات التي تنفذ على قواعدها في سوريا والعراق وهجوم الأردن، الذي أودى بحياة ثلاث جنود أمريكيين، مما قد أدى لإثارة الشكوك حول الإدارة الأمريكية بأنها قد تكون وجهت رسائل استباقية إلى إيران لتجنب سقوط خسائر بشرية إيرانية، وتقليص فرص تأجيج الصراع مع طهران، خاصًة في ظل حسابات المصالح الأمريكية المتعلقة باقتراب إيران من الوصول لمرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، ورغبة واشنطن في تقليص حدة التصعيد ضد إيران، بالإضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما لا يسمح بخلق حالة من التصعيد والمغامرة بتوسع نطاق الصراعات لتجنب وقوع الأخطاء الإدارية، ويمكن أن تفسر هذه الحسابات الأمريكية عدم سقوط قتلى أو جرحى إيرانيين، على آثر الضربات التي نفذتها واشنطن في كل من العراق وسوريا.
() حرص طهران على تجنب المواجهة بشكل مباشر مع واشنطن: فقد عملت إيران من جهتها على التهدئة، وقد نفت رسميًا أي صلة تربطها بهجوم “البرج 22″، وقد أعلنت كتائب “حزب الله” العراقية تعليق عملياتها العسكرية مؤقتًا ضد القوات الامريكية لمنع إحراج الحكومة العراقية، وسعت لتبرئة “طهران” من الهجوم على قاعدة “البرج 22″، بتأكيدها أن إيران لا تعرف كيفية عملها وكثيرًا ما تعترض تصعيدها ضد القوات الأمريكية، وبالتالي تبنت كتائب “حزب الله” العراقية المسئولية عن الهجوم وعملت على تبرئة إيران منه.
(*) استهداف وكلاء طهران لحلفاء الولايات المتحدة بسوريا: على الرغم من إعلان بعض الميليشيات الموالية لإيران تعليق أنشطتها ضد القواعد الأمريكية مؤقتًا، أعلنت ما تُسمى بـ “المقاومة الإسلامية في العراق” شن هجومًا على القاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي بسوريا، الذي أدى إلى مقتل 6 من عناصر “قوات سوريا الديمقراطية” وإصابة 20 آخرين، وعلى الرغم من أن تنفيذ هذه الميليشيات لذلك الهجوم يعد بمثابة رسالة مفادها القدرة على استيعاب الضربات الأمريكية والرد عليها، إلا أن استهداف الميليشيات الموالية لإيران عناصر “قوات سوريا الديمقراطية”، يشكل محاولة لتجنب تكرار ما حدث بهجوم “البرج 22” من سقوط قتلى أمريكيين، وفي ذات الوقت العمل بصورة موازية على تحقيق هدف الميليشيات الإيرانية ضد “قسد”، والمتعلق بتقليص نفوذ الأخيرة واستنزافها في مواجهات عسكرية فرعية.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول أن كلًا الولايات المتحدة وإيران يسعى من جهته إلى عدم التصعيد والدخول في مواجهة مباشرة، بما يشمل التفاهمات الغير معلنة بين الطرفين، ومع استمرار الاختبارات الصعبة التي تواجه علاقة الطرفين، عمل كلاهما على إدارة الصراع بالمنطقة بصورة أكثر حذرًا بما يقلص من احتمالات الوقوع بالأخطاء في حسابات المصالح، والحفاظ على ردود الفعل الرشيدة.
سيناريوهات التصعيد:
في ضوء التطورات المطروحة، وبعد الهجمات الأمريكية على مواقع الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق، يمكن وضع تصورات للسيناريوهات المتوقعة في مسار الصراع، وفي ظل الظروف الآنية، وهي:
() استمرار تنفيذ الميليشيات هجماتها على القواعد الأمريكية: يفرض هذا السيناريو استمرار الأسلوب الذي تتبعه الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، فقد استمرت بعض هذه الميليشيات بالفعل في تنفيذ هجمات عديدة ضد الأهداف الأمريكية مثل قاعدة عين الأسد وقاعدة الحرير في العراق، واستهداف حقل كونيكو للغاز في دير الزور بسوريا، كما أعلنت العديد من الميليشيات المسلحة بالعراق استمرارها في تنفيذ عملياتها ضد الأهداف الأمريكية. () تعطيل النشاط بشكل مؤقت: توقف الهجمات ضد القواعد الأمريكية بشكل مؤقت، لتجنب إثارة غضب الولايات المتحدة، بعد إيصالها رسالة مفادها أن مقتل جنودها يمثل “خطًا أحمر” يستلزم الرد عسكريًا، وقد تجاوبت كتائب “حزب الله” العراقية معه بشكل ملحوظ ومعلن.
(*) مراجعة إيران لدعمها الميليشيات الموالية لها: قد تلجأ إيران إلى مراجعة إستراتيجيتها مع الوكلاء بسوريا والعراق، خاصًة في ظل تهديد التحركات التي تقوم بها بعض هذه الميليشيات للمصالح الإيرانية، بالتالي قد تحتاج طهران إلى إحكام السيطرة والتحكم بهذه الميليشيات، بما لا يسمح للأخيرة بالخروج إلى ما لا ترغب به طهران أو تستطيع أن تواجه عواقبه وتديرها بصورة ناجحة.
إجمالًا، يمكن القول أنه على الرغم من عدم قوة رد الفعل الأمريكي على الهجوم الذي استهدف قاعدة “البرج 22″، إلا أنه قد كان منضبطًا بصورة دقيقة لحسابات التصعيد وتجنب الاندفاع السلبي، وهو ما ضمن عدم وقوع المواجهة المباشرة بين الطرفين ،والتي لا يمكن أن تكون في صالح أي منهما خاصًة في ذلك التوقيت، كما أنه يبدو أن طهران سوف تحول مراجعة دعمها للميليشيات الموالية لها، لمنع السقوط في دوامات مستنزفة قد يدفع الثمن بها الإيرانيين، وبما يمنع انخراطها في المواجهة بصورة مباشرة، والحفاظ على استمرار التفاهمات المتبادلة القائمة مع واشنطن في جهود ضبط مستويات التصعيد.