متابعات

الشباب يحسم الانتخابات التركية

تحليل د. أحمد سعد .. في ظل عدة استطلاعات للرأي تؤكد تقدم كمال كليجدار أوغلو مرشح المعارضة في انتخابات الرئاسة التركية التي تجرى يوم 14 مايو الجارى على منافسه الرئيس رجب طيب أردوغان الذى يتولى السلطة في البلاد منذ أكثر من 20 عاما، ويواجه حاليا أصعب تحد له على الإطلاق، يبرز دور الشباب الذى يشكل كتلة انتخابية لا يستهان بها ومنهم عدد كبير يدلى بصوته في الانتخابات لأول مرة، وتوضح مؤشرات كثيرة ان معظهم يميل إلى مرشح المعارضة أو مازال مترددا.

ويبلغ العدد الإجمالي للناخبين 64 مليونا و113 ألفا و941 مواطنا داخل تركيا وخارجها، يدلون بأصواتهم فيما يزيد على 191 ألف صندوق اقتراع في أنحاء البلاد و5 آلاف صندوق خارجها، ويصوت 6 آلاف و215 ناخبا عن طريق صناديق متنقلة في 421 منطقة داخل تركيا، وفق تصريحات رئيس المجلس الأعلى للانتخابات أحمد ينر.

وتكتسب كتلة الناخبين الجدد الذين يحق لهم التصويت لأول مرة، البالغ عددهم قرابة 5 ملايين ناخب، خصوصية بهذه الانتخابات ، لأنهم يمثلون الجيل الجديد الذي لم يعِ كيف كانت تركيا قبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة لأول مرة بعد فوزه بالانتخابات العامة عام 2002، ويعانى من الأزمة الاقتصادية والتهميش والملاحقات الأمنية.

ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت لأول مرة بالجولة الأولى من الانتخابات 4 ملايين و904 آلاف و672 تركيا، بنسبة 7.65% من إجمالي الناخبين، وفي حالة انعقاد جولة ثانية من الانتخابات يوم 28 من مايو الجاري، سيُضاف لهذه الكتلة 47 ألفا و523 ناخبا آخر يدلي بصوته لأول مرة، لبلوغه في ذلك التاريخ السن القانونية للانتخاب في تركيا وهو 18 عاما.

وتعليقا على استطلاعات الرأي التي تؤكد توجه الشباب نحو مرشح المعارضة، يشير المراقبون إلى أن فئة الشباب تدخل الانتخابات بخيبة أمل يرافقها استياء وغضبٌ شديد، فهي ترى أن النظام الحالي لا يسمح لها بالتعبير عن مطالبها ولا يأخذها على محمل الجدّ، ولهذا يحلم الشباب بشكلٍ كبير في قيام نظامٍ ديمقراطي في البلاد، كما أن لدى هؤلاء الشباب أسبابا اقتصادية أيضاً تجعلهم في صف الأحزاب المعارضة ضدّ التحالف الحاكم لاسيما أنهم يرغبون في أن توفر لهم الدولة فرص العمل، وهو ما لا يستطيع التحالف الحاكم فعله في الوقت الحالي، وبالتالي سيخسر أصواتهم في الانتخابات، وهذا يعني أن الناخبين الشباب في تركيا يشيرون إلى تغيير قادم، حيث تختلف مواقفهم عن بقية فئات المجتمع، فهم خارج الانقسام الأيديولوجي الذى يشكل الثقافة السياسية السائدة في البلاد، ويتجاهلون الهويات الدينية والقومية كالتوجهات الإسلامية والقومية والكمالية (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية(، ويدافعون عن بعض القيم العالمية المهمّة كالديمقراطية والحرية وتحرير المرأة والبيئة، ويؤيد هذا الجيل تشكيل نظامٍ يهتم بالقيم الليبرالية ويقلل من التوتّر السياسي ويضمن الحقوق والحريات الفردية سياسياً.


كما يسود غضبٍ كبير صفوف الشباب الأتراك، فهم يشعرون بخيبة أمل ويعتقدون أن مستقبلهم قد تلاشى في السنوات الماضية، ولهذا يريدون تغيير واقعهم بشكلٍ أساسي عبر الانتخابات، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية تلعب أيضا دورا أساسيا في لجوء الشباب إلى التصويت لصالح المعارضة، وهذا يعني أن مواقفهم ستنعكس في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات، بل توقع مدير مركز “ميتروبول” للأبحاث واستطلاعات الرأي أوزر سنجار، أن يصوت أكثر من نصف الناخبين الجدد لكليجدار أوغلو كرئيس للجمهورية بالانتخابات ، مضيفا أن نسبة من سيختار كليجدار أوغلو من الذين يدلون بأصواتهم لأول مرة قد تصل إلى نحو 70%، وهو رقم ضخم للغاية، وخاصة أن مقولة أوغلو (سأكون رئيساً يمكن انتقاده) تجذب الشباب بشكل كبير، كما وعد كليجدار أوغلو بحريات أكبر وفرص عمل أفضل.

والشباب الذين سيصوتون للمرة الأولى أقل رضا عن حياتهم من بقية السكان في تركيا، حيث إن 28 في المئة من الشباب الأتراك يقولون إنهم غير راضين عن حياتهم، وهذه النسبة تصل إلى أكثر من 50 في المئة عند الذين سيصوتون للمرة الأولى، إلى جانب أن45 في المئة من هؤلاء الشباب يميلون إلى تيارات اليسار، لعدة أسباب منها أنهم يرون الحكومة الحالية حكومة إسلاموية سياسية، وأنهم ضحايا أفعال وسياسات هذه الحكومة، علاوة على أن الشباب دائماً ما يكونون أكثر انفتاحاً على التغيير والابتكار لأنهم يستخدمون التكنولوجيا بشكل أفضل ويتابعون العالم جيداً، فعندما ينظرون إلى الحكومات في البلدان التي تتمتع مجتمعاتها بمزيد من الحقوق، والشباب يعتقدون أن الحكومة لا تستطيع أن تمثلهم، ويرون أنفسهم مقيدين في الحياة الاجتماعية ببعض المناطق.

ويشير المراقبون للانتخابات التركية إلى أن أصوات النساء ستكون حاسمة أيضا، حيث يشكلن 50.6 في المئة من مجموع الناخبين، وقد ساهمت النساء المحافظات في وصول أردوغان إلى السلطة قبل عقدين من الزمن، لكن هذا الدعم يتضاءل الآن، وأدى قراره بانسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول – وهي اتفاقية دولية تهدف إلى حماية النساء من العنف المنزلي – إلى نفور الكثير من النساء وأثار احتجاجات كبيرة. ولدى أردوغان تصريحات غريبة سابقة أثارت النساء فى تركيا واشعرتهن بالغضب، منها وصف المرأة من غير الأمهات بأنها “نصف امرأة”، ونصح النساء بأن يكون لديهن ثلاثة أطفال على الأقل، وقال إن الرجال والنساء لا يمكن أن يعاملوا على قدم المساواة.

كما أن أحد أحزاب “تحالف الشعب”، الذي ينتمي إليه أردوغان وحزب العداله والتنمية، هو حزب إسلامي متطرف يسمى Huda Par (قضية حرة) وقد أثار ذلك مخاوف بين النائبات حتى في حزب العدالة والتنمية، واتهمت ناشطات نسويات حكومة أردوغان بأنها لا تؤمن بالمساواة الجنسية، وإن حريات المرأة قد تم تقييدها، حيث يتعرضن للهجوم لارتدائهن السراويل القصيرة، والموسيقيات مهددات بالسجن بسبب لباسهن، وتتم مقاضاة الفنانين لانتقادهم قضية اعتداء جنسي، فهذه الحكومة تريد أن تجلس المرأة في المنزل ولا تفعل شيئا، “لكن النساء تغيرن وسيغيرن تركيا أيضا” بحسب تعبير احداهن. وبصفة عامة يبدو موقف أردوغان ضعيفا، وسط ما تعانيه البلاد جراء معدلات تضخم هائلة، فضلا عن الآثار المدمرة التي خلفها الزلزالان اللذان أسفرا عن مصرع 50 ألف شخص، والقمع الأمني الشديد الذى تمارسه حكومة أردوغان تجاه معارضيه من مختلف الفئات.

*جدير بالذكر أن المرشح الرئاسي الذي سيتمكن من الحصول على أكثر من نصف الأصوات في 14 مايو سيكون هو الفائز بالمنصب، وإذا لم يحدث ذلك، سوف تجرى جولة إعادة بعد أسبوعين من ذلك التاريخ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى