متابعات

أسرار الصراع بين فاجنر وقيادات الجيش الروسي

تحليل د. نبيل رشوان .. لا شك أن ما حدث فى روسيا على مدى الأربعة وعشرين ساعة الماضية مثير للاهتمام ومدعاة للتفكير، وإذا تحدثنا عن الأحداث من خلال ما تبثه وكالات الأنباء والتليفزيونات حول العالم نكون بذلك مجرد مكررين لما تقوله وسائل الإعلام، ولكنى سأتناول تداعيات الأمر بشكل تحليلى.

تصرفات السيد بيرجوجين وتمرده على القيادة الروسية ظهر منذ فترة وبشكل أكثر دقة بعد بدء العملية العسكرية فى أوكرانيا، فى البداية كان يهاجم القوات المسلحة وقادتها ووزير الدفاع ورئيس الأركان لأسباب تبدو وجيهة وهى عدم إمداده بالذخيرة ووصل الأمر إلى الهجوم على الرئيس بوتين قائدهم الأعلى وتغاضى الرئيس بوتين عن ذلك فهو يخوض عملية عسكرية تعتبر مفصلية فى تاريخ روسيا وتاريخ الرئيس بوتين الشخصى وهو ربط بين وجود روسيا والنجاح فى هذه العملية.

تأسست شركة “فاجنر” العسكرية على غرار شركة “بلاك ووتر” الأمريكية وهذه الأخيرة اندثرت بعد أن سببت للولايات المتحدة مشاكل جمة سواء فى العراق أو أفغانستان حيث استخدمتها واشنطن. روسيا استخدمت قوات فاجنر فى سوريا وفى أفريقيا الوسطى وفى السودان ومدغشقر وموزمبيق وبعد دول أمريكا اللاتينية، لكن الضربة القوية تلقتها فاجنر فى سوريا فى غارة لمسيرات أمريكية، وعندما بدأ النزاع الروسى الأوكرانى فى أعقاب الإطاحة بالرئيس الموالى لموسكو فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، ومع دخول روسيا لشبه جزيرة القرم برز دور “فاجنر” فى المنظومة الدفاعية الروسية، ويقال أن “فاجنر” جزء من القوات المسلحة الروسية والطفل المدلل للرئيس بوتين، وقيل حينها إن الرئيس الروسى أنشأ “فاجنر” لتنافس القوات المسلحة ولتكون قوات خاصة بالرئيس. لكن الحرب الأوكرانية وانغماس فاجنر فيها وخاصة أثناء معركة باخموت جعل القيادة العسكرية سواء وزير الدفاع أو رئيس الأركان يناصبون السيد بريجوجين رئيس فاجنر العداء، ولا يمدونه بالسلاح أو الذخيرة مما جعله يهاجم وزير الدفاع ورئيس الأركان بأقذع الشتائم.

يبدو لى أن موقف قيادات الجيش الروسى التى رأت فى السيد بريجوجين منافساً، خاصة بعد قيام “فاجنر” بتحقيق نجاحات فى أفريقيا وسوريا، لهم وعدم استجابتهم لمطالبه بإرسال ذخيرة ومعدات عسكرية، وفى نفس الوقت عدم قدرته على الوصول للرئيس للحصول على مطالبه، ربما جعل رئيس “فاجنر” يفتح خط اتصال بينه وبين القيادات الأوكرانية، وفى تقديرى كان الاتفاق عبارة عن أن يترك الجيش الأوكرانى باخموت “لفاجنر” بحيث يبدو السيد بريجوجين كمنتصر فى نظر الرئيس بوتين ومن ثم يفضله على وزير الدفاع ورئيس الأركان، لكن هذا أيضاً لم يفلح فى استمالة الرئيس بوتين، وفضل عليه قادة الجيش الروسى، وهو الأمر الذى ظهر هذا جلياً عقب تمرد “فاجنر”، عندما ألقى الرئيس بوتين خطاباً وصف فيه بريجوجين بالمتمرد والخائن وقارن ما فعله بما فعله البلاشفة مع الجيش الروسى فى الحرب العالمية الأولى عام 1917. وبينما طالبت القيادة الروسية رئيس “فاجنر” وقواته بإنهاء التمرد والاستسلام، أعلن السيد بريجوجين أنه استولى على فورونيج وسيزحف على موسكو، وربما فى خياله زحف موسولولينى على روما.

أما وأن التمرد مازال مستمراً والأخبار متناقضة، وروسيا مترامية الأطراف ومن الصعب الإلمام بكافة التفاصيل، فإننا سنتحدث عن ما قد تتطور إليه الأحداث وهى كالآتى أولاً: هو أن الشعب الروسى بدأ يشعر بالحرب فقد بذلت القيادة الروسية جهوداً جبارة لجعل الحرب تنحصر فى أماكن القتال فقط دون تأثير على الداخل الروسى، فإذا بهذا التمرد وانتشار القوات فى مدن روسية كبيرة بل وعند مداخل موسكو جعل الشعب الروسى يشعر بالقلق، مما سيشكل ضغط كبير على القيادة الروسية التى تتمتع بتأييد شعبى كبير. ثانياً : إذا لم ينته هذا التمرد بحد أقصى خلال 72 ساعة القادمة فإن المسألة قد تتحول إلى حرب أهلية وقد تتحول العمليات العسكرية إلى مزمنة، وقد تتمرد مقاطعات روسية وتدخل البلاد فى حسبة أخرى . ثالثاً : بتدخل قوات شيشانية لإنهاء تمرد “فاجنر” تكون روسيا تخطئ نفس الخطأ عندما أشركت “فاجنر” فى العملية العسكرية بأوكرانيا، ولا ننسى أن الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة بعد تدليل فاجنر قد انتشرت كما الفطر بعد المطر، لدرجة أن شركات كبرى مثل غاز بروم انشأت شركة وهناك القوازق وغيرهم كثير. رابعاً : وهذ سيناريو صعب حدوثه ولكنه وارد وهو أن يحدث انقلاب قصر ويتم تنحية الرئيس بوتين عن السلطة، باعتبار السبب فى الأحداث وإذا استمرت أحداث العنف سيتهم بعد القدرة على السيطرة على الأوضاع.

لكن هناك احتمالات أن يكون هناك فرضيات أخرى بخلاف ما هو ظاهر على السطح والمعلن عنه على أنه تمرد لمجموعة عسكرية خاصة، لماذ لا يكون الأمر مجرد دور تقوم به مجموعة “فاجنر” بتمردها، بحيث تقوم بالتمرد فيقوم الرئيس بوتين بسحب قواته من أوكرانيا على الأقل من الدونباس بدعوى القضاء على التمرد، ومن ثم البدء فى عملية سياسية تنهى هذا النزاع، لكن هذه الفرضية استبعدت بعد أن أصدر الرئيس بوتين أوامره بالقبض على بريجوجين ومطالبته لقواته بالاستسلام. ربما يكون بريجوجين عميل أوكرانى وفق بعض الفرضيات وهو يقوم بهذا الدور منذ قتال قواته فى مدينة باخموت وإقامته فى المدينة بشكل دائم وحواره الغير مباشر مع القادة الأوكران وهو حالياً يقوم بدور فى نقل النزاع إلى الداخل الروسى، هذا غير مستبعد وفى تقديرى هذا هو الاحتمال الأرجح. هناك احتمال أن يكون الرئيس بوتين لدية رغبة فى إعلان الأحكام العرفية على الأقل فى الجزء الأوروبى من روسيا وتمرد مثل هذا يجعله يقوم بذلك ولديه مبررات قوية، من الممكن كذلك أن الرئيس يرغب فى زيادة زخم العملية العسكرية بعد أن طال أمدها، وقد تسؤ الحياة نتيجة العقوبات والعملية العسكرية وأراد بوتين أن يلفت نظر الشعب للأخطار المحدقة، ولا شك أن التمرد سينسب لمؤامرة أوكرانية فى هذه الحالة مما سيجعل العملية العسكرية مهما كان أمدها مبررة.

على أى حال من الصعب التكهن بما ستأول إليه الأحداث، لكن المؤكد أن الأمور مفتوحة على كافة الاحتمالات، ولا ننسى أن الغرب فى حالة من القلق، فروسيا دولة نووية وهذا يجعل تهديد الأمن والسلم العالمى على المحك، الاتحاد الروسى عبارة عن جمهوريات ومقاطعات ولا أحد يدرى ما ستؤل إليه الأمور، ويد من سيكون السلاح النووى، نعم الأمور لم تصل لهذا لكن هذا ما يعنى الغرب، الذى أكد أنه على الرغم من الأحداث فإنه مستمر فى دعم أوكرانيا، وربما لسان حال حلفاء أوكرانيا أن يفت هذا التمرد فى عضد القيادة الروسية وتحقق القوات الأوكرانية نجاحات تفتح الطريق أمام حل سياسى ينهى النزاع. لكن لا شك أن هذا التمرد سيرفع معنويات الجيش الأوكرانى وعلى العكس من ذلك فيما يتعلق بالجيش الروسى الذى سيشعر بأنه تلقى طعنة فى الظهر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى