متابعات

تداعيات تمرد فاجنر داخل وخارج روسيا

لم يتوقع معظم من تحدثوا عن تمرد مجموعة فاجنر المسلحة ان تنجح المجموعة وفاجنر فى الوصول إلى موسكو أو حتى تهديد نظام الحكم فى روسيا، لكن المدهش أن تتحرك قوات فاجنر بطريق رئيسى وحيوى، كما تقول كل الشواهد، دون أى مقاومة وتصل إلى مسافة 200 كم من العاصمة الروسية. لن أركز هنا على التمرد فى حد ذاته ولا اجتياز قوات فاجنر للحدود الروسية مع أوكرانيا دون أن يسألها أحد من أنتم؟ وإلى أين ذاهبون؟ وهى قوات لا تحمل عصي بل مدرعات ودبابات ومدفعية ووسائل دفاع جوى أسقطت عدد من الطائرات الروسية، راح ضحيتها 13 طيار روسى.

نأتى للنقطة الأهم وهى الوساطة التى أنهت التمرد، والتى قام بها كما يقولون رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو، والتى تمكن فيها من الحصول على وعد من بريجوجين رئيس فاجنر بوقف الزحف على موسكو وعودة القوات إلى أماكن تمركزها على الجبهة، وماذا عن التمرد، انتهى وتهديد الرئيس بوتين وتحميل بريجوجين المسئولية الجنائية واتهامه بالخيانة والطعن فى ظهر القوات المسلحة لا شئ سقط كل هذا، وفى إطار التفاوض تم الاتفاق على أن من يريد من قوات فاجنر أن يوقع عقد مع الجيش فاليفعل ومن يريد الذهاب لبيته فله ذلك ولن يلاحق أى شخص منهم قضائياً!!!!!! أما الزعيم بريجوجين فسيذهب إلى بيلاروسيا للعيش فيها دون محاكمة!!!!، مع أن كل ممتلكاته فى روسيا وفى سان بطرسبورج على وجه الخصوص.

هكذا انتهى التمرد وهو بالفعل كذلك على الأرض لكن المشكلة فى ما تركه التمرد من آثار على السلطة القوية للرئيس بوتين وعلى القوات الروسية التى تقاتل وعلى الغرب الذى وجد فى روسيا دولة نووية دون نظام قوى وبدأوا يتحدثون عن احتمال وقوع الحقيبة النووية فى أيدى أى عناصر مسلحة (بالمناسبة تواترت أنباء عن استيلاء مسلحى فاجنر على مخزن أسلحة نووية فى مدينة روستوف، لكن هذا لم يتأكد)، وهناك فرضية تمثيلية التمرد ربما أراد الرئيس بوتين أن يقول للغرب الحقيبة النووية فى يدى خير من عناصر مجهولة المصدر ومتهورة وأنا مازلت عنصر ضمان لكم، وذلك بعد أن أدرك أن الغرب يريد التخلص منه، خاصة بعد إتهام الجنائية الدولية له.

لكن ودون الإطالة دعونا نعدد تداعيات هذا التمرد وآثاره على الأوضاع فى روسيا والعملية العسكرية فى أوكرانيا 1 ـ أهان التمرد الرئيس بوتين ولوى ذراعه بلا شك، وفى يوم واحد أعلن عن العمل بخطة مكافحة الإرهاب، ورفع قضية والوعد بمحاكمة وعقاب رئيس فاجنر ثم انتهى الأمر بعدم العقاب وأنه سيقيم فى بيلاروسيا … لا شك أن الرئيس الروسى تلقى طعنة من شخصية وشركة هو صنعها. 2 ـ فى حال عودة الجنود (المرتزقة) التابعين لفاجنر إلى أماكنهم فى الجبهة وفق أنباء اليوم لمن سيكون ولاءهم؟ وماذا لو اغتيل السيد بريجوجين وهو ما يتوقعه العديد من المراقبين وماذا سيكون موقفهم ومن يضمن عدم قيامهم بزحف جديد على موسكو إذا اعتقل. 3 ـ ماذا عن هؤلاء الذين سيتركون الخدمة ويعودون للحياة المدنية ومن بينهم مجرمون محترفون وقتلة وهم مدربين على السلاح ومن سيحمى المجتمع منهم. 4 ـ من سيحاسب على قتل 13 طيار روسى فى يوم واحد أم أن الأمر سيمر مرور الكرام، فقد صرح السيد بريجوجين أن إسقاط الطائرات لم يكن عن عمد. 5 ـ ماذا عن وزير الدفاع الذى تسبب وجوده فى التمرد، وعدم قدرته على حماية حدود بلاده وتعرض العاصمة الروسية لهكذا خطر، هل سيبقى فى منصبه؟. بعض الأنباء تشير إلى إحتمال الإقالة وأنه سيستبدل بأليكسى ديومين الحارس الشخصى السابق لبوتين وحاكم مقاطعة “تولا” الحالى وهو الذى أقنع بريجوجين بعدم استكمال مسيرته نحو موسكو.

هناك شرخ عميق حدث فى هرم السلطة بروسيا وفى تصورى عندما تهدأ الأمور ويقل اللغط حول الموضوع سيكون على الرئيس بوتين اتخاذ قرارات هامة لأنه على ما يبدو الأمور لا تسير فى الاتجاه الصحيح وسبق أن تحدثت عن خطورة وجود ميلشيات فى الجيش من أى نوع لأنه فى النهاية ولاءها لرئيسها فقط وليس لقواتها المسلحة، وهذا الكلام ينطبق على القوات الشيشانية التى تداركت القوات المسلحة خطورة موقفها فأدمجتها فى القوات المسلحة بمقتضى تعاقد، وإن كنت أعتقد أن الأمور يجب أن تسير فى اتجاه قوات مسلحة روسية وفقط.

من أهم أخبار اليوم هو ظهور وزير الدفاع الروسي سيرجى شويجو، وزيارته لغرفة العمليات على الجبهة بعد أن اختفى عن الأنظار خلال يومى التمرد، وهو ما وصفه البعض بأنه اختفى حتى لا يزيد الأمور تصعيداً، لكن الأهم هو عدم وجود اتصال أو أى ظهور للسيد بريجوجين لا فى بيلاروسيا ولا فى أى مكان ويتوقع البعض أن يكون قد تم اغتياله أو تم اعتقاله لكن هذه الأنباء غير مؤكدة وهى مجرد تكهنات. على أى حال ستشهد الساحة الروسية الكثير من القرارات التى ستعمل على إعادة الأمور إلى نصابها، لكن الأهم أتوقع أن تشدد روسيا من هجماتها لتحقيق أى انتصار أو أى تحول نوعى فى العمليات العسكرية فهذا من ناحية سيرد للرئيس بوتين اعتباره أمام الشعب وأمام فاجنر التى تعتبر نفسها ضلع هام فى الجيش الروسى وخروجها سيؤثر على سير العمليات، وحتى لا يقال أن التمرد قد أثر فى معنويات الجيش. وعلى الجانب الأوكرانى المعنويات مرتفعة بعد التمرد ويطمح الجيش الأوكرانى فى تحقيق نقلة نوعية فى عملياته الهجومية المضادة لكنه حتى الآن وفى ذروة التمرد فشل فى ذلك، وإن كان يتحدث عن استعادة السيطرة على 130 كم مربع.

وعلى الجانب الآخر حلفاء أوكرانيا فى الغرب وخوفهم من حدوث فوضى فى دولة نووية وتأثير ذلك على الأمن والسلم العالمى، وقد يكون بالنسبة لهم وجود الرئيس بوتين فى سدة الحكم أفضل من شخصيات طائشة لها تصريحات مرعبة وتوجهات غير مأمونة العواقب.
د/نبيل رشوان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى