متابعات

تكتل البريكس ..الفرص والتحديات

تحليل د. فرناز عطية .. أحرز تجمع دول الـ”بريكس” نموًا وتفوقًا اقتصاديًا ملحوظًا على مستوى العالم مؤخرًا، حيث جذب أنظار كثيرًا من الدول والتكتلات الاقتصادية العالمية، وأثار هذا التفوق حفيظة عدد كبير من دول العالم، حيث يتوقع أن تحدث هذه المنظمة تغييرًا كبيرًا في موازين القوى السياسية والاقتصادية.

ويعتبر الـ”بريكس ” BRICS هي الحروف الأولى مختزلة باللغة اللاتينية لأسماء الدول الأربع المكونة لهذه المنظمة: البرازيل وروسيا والهند والصين عام 2006، وسميت وقت إذ بـ”البريك” إلى أن انضمت2010 دولة جنوب أفريقيا، وتحولت للبريكس عام 2011 ويعد إنشاؤها محاولة لإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، عقدت أول قمة لها في يونيو 2006 في يكاترينبورغ بروسيا بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة، وقد اجتمع مؤخرًا أعضاء المنظمة في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا يومي 2 و3 يونيو 2023 لمناقشة وحسم مجموعة من التطورات الجوهرية بسبب الأوضاع الراهنة في العالم وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية.

ومن المقرر عقد قمة لرؤساء دول المجموعة في أغسطس 2023 تهيمن على تحضيراتها إمكانية حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جنوب أفريقيا، بالتوازي مع صدور مذكرة توقيف في حقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة “ترحيل” أطفال أوكرانيين أثناء اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مما يوجب على جنوب إفريقيا اعتقاله باعتبارها عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية؛ خاصة وأن القمة المزمع عقدها ستكون في جوهانسبيرغ، ولكن يتوقع أن تلتف جنوب أفريقيا على هذا الأمر .
البنية والهياكل الاقتصادية :

تتكون البنية المالية والاقتصادية للبريكس من عنصرين أساسيين تمخضا عن المعاهدة الموقعة بفورتاليزا في البرازيل في 15 يوليو 2014 بين الدول الأعضاء والتي تم تنشيطها عام 2015 مع الاجتماعات الافتتاحية لمجلس إدارة بريكس واللجنة الدائمة لها في 4 سبتمبر 2015 بأنقرة في تركيا ، وهما :
1- بنك التنمية الجديد (NDB)
حيث تم الاتفاق على إنشائه في قمة بريكس يوليو 2014 برأسمال أولي وصل إلى 50 مليار دولارًا ومقره شنغهاي، وقد باشر أعماله بداية من 2018، وهو مثال بارز على زيادة التعاون بين الجنوب والجنوب.
2- ترتيبات الاحتياطي (CRA)
هي اختزال لترتيبات الاحتياطي الاجتماعي للبريكس (BRICS Contingent Reserve Arrangement)، حيث تعرف بأنها إطار لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية، وتشمل قضايا العملة التي تؤثر على العملات الوطنية للأعضاء سلبًا بسبب الضغوط المالية العالمية والتقلبات الاقتصادية، مما يؤدي إلى توفير بيئة اقتصادية كلية غير مؤكدة، وينظر إلى هذا العنصر بشكل عام باعتباره منافس لصندوق النقد الدولي (IMF).

أهمية مجموعة البريكس:
وتعد من أكبر التجمعات للاقتصادات الواعدة والأسرع نموًا، ويشكل سكان الدول المنضمة للبريكس حتى الآن حوالي 42% من سكان العالم، ويتسم أعضاء المجموعة بتفردهم بميزة نسبية ذات أهمية اقتصادية كبيرة، فالبرازيل من كبريات الدول المزودة بالمواد الخام في أمريكا اللاتينية، وروسيا مصدر رئيسي للغاز والطاقة، أما الهند فهي مصدر تكنولوجي مهم، والصين موقع إنتاجي وديموغرافي متطور، وجنوب أفريقيا تعد من أكبر مناطق التعدين في العالم وتمتاز بموقعها الاستراتيجي الذي يشرف على المحيط الهندي والأطلسي معًا.

وتزداد أهمية وفرص مجموعة البريكس في الوقت الحالي لعدة مبررات تتمثل في:

  • محاولات العديد من الدول التخلص من التبعات الاقتصادية السلبية للدولرة العالمية ومحاولة إيجاد بديل للدولار، خاصة مع إساءة استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياط، ناهيك عن الانتهاكات التي قامت بها الولايات المتحدة في القوانين النقدية طوال فترة سيطرة الدولار على العالم.
  • التضخم المبالغ فيه الذي بات يخيم على معظم دول العالم المتعاملة بالدولار، لاسيما مع رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة الأميركية مراتٍ متتالية، الأمر الذي يزيد قوة الدولار الأمريكي إزاء العملات الأخرى (مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة)، ويفاقم عجز الموازين التجارية للدول التي تضعف عملاتها، لأنه يرفع تكاليف الاستيراد محلياً بمقدار ما يجري بالدولار؛ خاصة إبان اندلاع الحرب الأوكرانية وفي ظل استمرارها وتطور الأوضاع للأسوء.
  • الهياكل الاقتصادية التي أنشأتها البريكس، ووفرت احتياطات نقدية طارئة لدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها، حيث تلجأ إليها الدول التي تعاني من سياسات المؤسسات المالية الدولية، وهو ما اتضح حين بدأت دول مثل: مصر وبنغلاديش في الاكتتاب في بنك التنمية بمليارات الدولارات.
  • رغبة الدول في مواجهة الأزمات العالمية المتمثلة في الغذاء والطاقة والديون والمناخ.

    الظهور كمنافس اقتصادي قوي
    يرى عديد من الخبراء الاقتصاديين أن المجموعة تعد منافسة لعدد من التكتلات الاقتصادية العالمية المهمة كمجموعة السبع التي تتزعمها الولايات المتحدة، والتي تضم كل من: المملكة المتحدة، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان، وكشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة “بريكس” لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدمًا في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمتها إلى 31.5 % في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 % للدول السبع الصناعية، وتساهم البريكس بـ٢٤% من الناتج المحلى الإجمالي العالمي، وبـ ١٦% من الصادرات العالمية و١٥% من واردات العالم من السلع والخدمات،

    كما تصل احتياطات العملة المشتركة للمجموعة نحو 4 تريليونات دولار، ما يُعادل 75 % من احتياطات العملة عالميًا، كما أكدت دراسة بعنوان “ارتفاع كتلة البريكس” لمعهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية يونيو2023، أن بلدان المجموعة تمكنت بنجاح من بدء الإصلاح بنظام الحصص داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث ارتفعت حصة تصويت البلدان الناشئة والنامية من 39.4 % إلى 44.7 % ومن 44.6 % إلى 47.19 %، على التوالي.

    كذا صرحت شركة الاستشارات البريطانية Acorn Macro Consulting بأن المجموعة تعد أكثر تطورًا من الناحية الصناعية مقارنة بمجموعة السبع الكبار، وهو ما يؤكد على أن قوة أخرى جديدة باتت تهدد هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على اقتصاد العالم، حيث أن التكتل الاقتصادي العالمي الجديد يسعى لوضع أعضائه أنفسهم كبديل للغرب فيما يخص الأمور المالية والسياسية العالمية، وتعمل على زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، ما يقلل الاعتماد على الدولار سواءً فيما بين الدول الأعضاء في المنظمة، أو حتى بين دول المنظمة والدول الأخرى خارج المنظمة.

    سياسة الانتشار وتوسيع قاعدة العضوية
    تعد المجموعة تكتلًا سياسيًا واقتصاديًا عالميًا يسعى لتوسيع قاعدته من خلال فتح الباب لاستقطاب مزيد من الدول لاسيما دول الشرق الأوسط، وجدير بالذكر أن الصين بدأت الحديث عن التوسع عندما كانت رئيسًا للمجموعة العام الماضي، في محاولة لمواجهة سيطرة الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويعد هذا الأمر ضرورة تفرضه الظروف الدولية الحالية سواءً فيما يخص الأزمة الأوكرانية أو محاولات الولايات المتحدة لتطويق الصين وروسيا، وفي هذا الإطار أعربت 19 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، حيث طلبت 13 دولة رسمياً الانضمام، فيما طلبت 6 دول أخرى بشكل غير رسمي، ففي فبراير طلبت السعودية وإيران الانضمام رسميًا بينما عبرت دول كالأرجنتين والإمارات العربية المتحدة والجزائر ومصر والبحرين وإندونيسيا، إلى جانب دولتين من شرق إفريقيا وواحدة من غرب إفريقيا عن أهمية انضمامها لهذه المجموعة، وتهدف بذلك لتكون المجموعة قوة لها تأثير دبلوماسي يجابه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي .

    إنشاء عملة موحده
    أكدت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا مؤخرًا ” نالدي باندور” أن إنشاء عملة موحدة لدول البريكس سيكون بنداً رئيسياً في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة في أغسطس 2023، ولكن لتستطيع هذه العملة المزمع إنشاؤها أن تكسر هيمنة الدولار الأمريكي، هناك عدد من المتطلبات:
    1- محاربة الفساد وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة في دول البريكس لجذب واستقطاب المستثمرين.
    2- تطوير الأسواق المالية في دول المجموعة لتستطيع استيعاب المدخرات عالمياً.
    3- يتطلب إصدار عملة مشتركة التخلي عن بعض صلاحيات المصارف المركزية في الدول المصدِّرة لها، وشطب عملات هذه الدول، وهذا ما قد تعترض عليه بعض الدول الأعضاء في البريكس، كما أن هذه العملة الدولية ستخضع للعرض والطلب مما قد ينشئ عجز في الحساب الجاري للدول الأعضاء في إصدار هذه العملة الدولية بمقدار الإقبال العالمي عليها، وإذا قيمت هذه العملة بالذهب فسيقدر المعروض منها بكم الذهب لدى هذه الدول .
    4- توجيه الأسواق المالية لخدمة الاستثمار الحقيقي الذي يخلق الوظائف ويرفع مستوى الإنتاج والمعيشة.
    5- تطوير التشريعات والقوانين الخاصة بالاستثمار الأجنبي.

    تحديات
    تواجه دول البريكس مجموعة من التحديات سواءً داخلية فيما بينها أو خارجية بينها وبين الدول خارج المجموعة، وأبرزها:
  • افتقار دول البريكس لتحالف سياسي، وكذا غياب الروابط الجغرافية والثقافية بين دول المجموعة.
  • عدم التجانس والتباين بين الدول الأعضاء في المجموعة اقتصاديًا وسياسيًا، فالصين تتفوق اقتصاديًا سواءً في الإنتاج أو التجارة الخارجية أو الاستثمار، بينما في الجانب السياسي تتفوق روسيا الاتحادية فهي تحاول الهيمنة سياسيًا على بقية الأعضاء، لذلك يصنف البعض روسيا على أنها رأس المجموعة بينما الصين هي جسدها، والدول الأخرى الأطراف.
  • غياب صيغة واضحة واحدة متفق عليها للخطة “بريكس +” التي كشف عنها النقاب في قمة البريكس 2017 بمدينة شيامن الصينية، لاسيما فيما يرتبط بإدماج تجمعات إقليمية بأكملها في المجموعة مثل: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، ورابطة تعاون جنوب آسيا (SAARC)، و”منظمة شنغهاي للتعاون” مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الاضطرابات والصراعات داخل الكتل، هذا إلى جانب غياب قواعد ومعايير واضحة لقبول الأعضاء الجدد.
  • المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها معظم دول المجموعة، فالصين تسعى لإعادة التوازن لأوضاعها الاقتصادية، الناتجة عن اتباعها نموذج النمو القائم على الاستهلاك والتصدير، والبرازيل والهند وروسيا يتوقع أن تدخل في حالة انكماش اقتصادي بسبب انخفاض وارداتهم، كما أن البرازيل رغم إمكاناتها الجيدة على المدى الطويل، لكن العجز المزدوج في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، وعدم الاستعداد السياسي للاندماج في العالم يضعف الاقتصاد على المدى القصير، كما أن روسيا أخفقت في تلبية الكثير من المعايير التي تستند عليها فكرة تكتل البريكس؛ حيث تعاني من التركيبة السكانية الفقيرة، والعزلة السياسية والاعتماد الاقتصادي على أسعار الطاقة وتفاقم المخاطر الاقتصادية، سواء على المدى القريب أوالبعيد، ناهيك عما تعانيه جنوب أفريقيا من الفساد وفقدان الثقة في الحكومة، ومشكلات البنية التحتية، والتقييد في سوق العمل وسوء تنظيم الاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى معاناة أغلب هذه الدول من محدودية الموارد، فمثلاً: تواجه الهند والصين نقصًا في المياه والطاقة، واللذان يتزامنان مع نمو إنتاج المحاصيل الزراعية، وهو ما يثير المخاوف من تفاقم الوضع الغذائي في المستقبل.
  • المشكلات السياسية البينية كالنزاع الحدودي بين الهند والصين، والمخاطر المحتملة لانضمام دول جديدة، مثل إيران والأرجنتين فمن المعروف أن الأرجنتين تُحمّل إيران مسؤولية الهجمات الإرهابية التي ارتُكبت على أراضيها قبل سنوات مما يخلق توترات مستقبلية بين الدول الأعضاء، فضلاً عن الخلافات الخارجية ما بين بعض دول البريكس والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية كروسيا والصين بما في ذلك من صراع وتنافس الحاد بينهم.
  • التنافس وعدم التنسيق بين دول المجموعة فيما يرتبط بالسياسات والممارسات الاقتصادية حيث تعاني السوق البرازيلية والجنوب إفريقية من الإغراق لعدد من المنتجات الصينية، إلى جانب عدم الاتفاق بين كل من بكين وموسكو على تسعير النفط الروسي.

    وبإمعان النظر فيما سبق من تحديات تواجه مجموعة البريكس نتوصل إلى أن المسار المستقبلي الأرجح للمجموعة غالبًا ما سيؤول إلى استمرارها كأداة للممانعة ضد الهيمنة الأمريكية، من خلال محاولات التوسع وربط دول جديدة بالهياكل الاقتصادية للبريكس، ولكن من الصعوبة بمكان تحولها إلى قطب دولي رئيسي ينهي سطوة الولايات المتحدة وسيطرتها الاقتصادية على العالم وتصبح عملتها بديلاً مناسبًا للدولار الأمريكي.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى