متابعات

لقاء بوتين ـ بريجوجين مصالحة أم تصفية لفاجنر

تحليل د. نبيل رشوان .. ربما كان صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية هى أول من أعلنت عن أول لقاء فى الكرملين تم بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ورئيس شركة “فاجنر” العسكرية فى الكرملين، ظل الأمر على أنه غير مؤكد حتى أعلن عن ذلك المتحدث باسم الكرملين السيد دميترى بيسكوف الذى أكد أن اللقاء تم بالفعل يوم 29 يونيو الماضى، أى بعد 5 أيام من التمرد، ودعى الرئيس بوتين إليه 35 شخصية وأن اللقاء استغرق حوالى ثلاث ساعات، ووفق السيد بيسكوف استمع الرئيس لشرح قادة فاجنر واقترح عليهم توظيفهم.

وبصرف النظر عن التفاصيل وعن المقترحات، فقد حضر اللقاء السيد سيرجى ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسى والسيد زولوتوف رئيس الحرس الروسى، جهاز مثل الأمن المركزى، وقد قرر الرئيس بوتين تزويد الحرس الروسى بأسلحة ثقيلة بعد التمرد. شرح قادة “فاجنر” أسباب ما قاموا به، وركزوا على أنهم جنود يدينون بالولاء للرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية، وكما أكد المتحدث باسم الكرملين بيسكوف أن قادة فاجنر أعربوا عن استعدادهم “للقتال فى سبيل الوطن” فى أى مكان. اعترف الكرملين بحقيقة اللقاء بعد أن أصبح معروفاً للجميع عن طريق الصحافة الأجنبية التى استقت معلوماتها من مصادر استخباراتية.

بعض الخبراء تحدثوا أو فسروا الهجوم على بريجوجين من وسائل الإعلام الروسية الرسمية بأن هذا لأن السيد بريجوجين تحدث بشكل غير لائق فى مواقف عديدة، لكن لنعد إلى تفسير السيد يفجينى مينتشينكو الخبير السياسى، والذى فسر اللقاء بأن روسيا لديها رئيس رجل سلام، لم يكن ليسمح بحرب أهلية، لدرجة أنه تنازل عن إهانات وجهت إليه شخصياً فى سبيل ذلك،وذهب إلى هذا اللقاء من أجل خير البلاد واستقرارها.

أما السيد سيرجى ماركوف المحلل السياسى المقرب من الكرملين ومدير معهد الدراسات السياسية فقال إن اللقاء بين الرئيس بوتين وبريجوجين لا يشرح ولا ينفى حقيقة التمرد، لكنه يلقى الضوء على ما هو قادم فى المستقبل. فقد اتضج أن مقاتلى “فاجنر” سيقومون بأعمالهم وفق تخصصهم (القتال) أى سيستمرون كمحاربين. وكما قالوا خلال اللقاء بالرئيس أنهم سيظلون على ولاءهم لروسيا وللرئيس كقائد أعلى وليس لبريجوجين، وهذا وفق السيد ماركوف إعلان مهم للغاية. ويفسر المحلل السياسى طول فترة اللقاء 3 ساعات بأن المتحدث لم يكن الرئيس وحدة، فقد تحدث قادة “فاجنر” وهذا يعنى أن الرئيس بوتين كان حريصاً على معرفة وجهة نظرهم ومعرفة ما حدث والدافع له، ووفق كلام السيد ماركوف، لكننا لا نستطيع معرفة ما ذكروا وما هى دوافعهم لما قاموا به.

ويعتقد السيد ماركوف أن الرئيس بوتين التقى قادة “فاجنر” لكى يحل مسألتين هامتين أولاً محاولة فهم سبب ما حدث، والتى كانت بمثابة صدمة ليس فقط بالنسبة للخبراء ولكن بالنسبة له للرئيس شخصياً، أما المسألة الثانية فهى محاولة من الرئيس محاولة تجديد ولاء مقاتلى “فاجنر” وبريجوجين إليه، وبالفعل حقق الرئيس هذين الهدفين الرئيسيين للقاء، وتوقع السيد ماركوف بأنه ألا يحدث تمرد آخر من “فاجنر” مستقبلاً.

لكن الغريب بعد هذا اللقاء عرضت وسائل الإعلام عمليات تفتيش لأحد قصور رئيس “فاجنر” بريجوجين وأظهروا البذح والفخامة وكميات الأموال بالعملات المختلفة وسبائك الذهب، وفسر المتخصصون ذلك بأنه ربما يكون السيد رئيس “فاجنر” قد أساء التصرف أثناء عرض وجهة نظره أمام الرئيس، وهذا بلا شك سينعكس على مستقبل السيد بريجوجين، فقد منحه الرئيس فرصة وقبلة حياة جديدة ولكنه لم يستغلها، على أى حال هذه تكهنات. ويعلق البعض على معرفة خبر لقاء الرئيس بمقاتلى “فاجنر” من وسائل إعلام أجنبية بأنه خطأ، على اعتبار أن المواطن الروسى لا يجب أن يعرف أخبار بلاده من الخارج.

وتساءل العديد بل معظم من يتابعون الشأن الروسى لماذ لم يتم القبض على بريجوجين، على الأقل حتى بسبب إسقاط طائرات راح ضحيتها أكثر من 10 طيارين روس، وتؤكد صحيفة الفاينشال تايمز أن رئيس “فاجنر” يتحرك بحرية، طائرة بريجوجين الخاصة قامت بثلاثة عشر رحلة لأماكن متعدد منها موسكو وسان بطرسبورج ووجنوباً إلى روستوف حيث كان التمرد وكراسنودار، ومنها مرتين إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا. وهنا يبدو الأمر وكأن ثمة مصالحة حدثت بين الرئيس الروسى وإحدى أذرع القوات الروسية الغير نظامية وهى “فاجنر” ورئيسها بريجوجين الذى لم يستطع أن يبرر تمرده أمام الرئيس بوتين سوى بأنه “حالة نفسية انتابته” وأن هدفه كان قيادة وزارة الدفاع (الوزير شويجو) الذى كان يرغب فى أن تنطوى “فاجنر” تحت قيادة القوات المسلحة، وفى تقديرى المصالحة كانت لابد أن تتم، لأن هناك ملفات أخرى غير العملية العسكرية فى أوكرانيا، هناك أفريقيا الوسطى وليبيا ومالى والسودان وموزمبيق وسوريا وربما فى دول غيرها، فى هذه الدول إضافة إلى أعمال بريجوجين وهو مصلحة شخصية لرئيس “فاجنر”، لكن يجب ألا ننسى النفوذ الروسى الناجم عن وجود مقاتلى “فاجنر” فى تلك المناطق وهى دول لا تميز بين الشركة الأمنية الخاصة والقوات الروسية المسلحة، وهى تتعامل مع مقاتلى فاجنر على أنهم قوات روسية، وربما لهذا السبب حرص الرئيس بوتين على بقاء “فاجنر” ورئيسها دون عقاب، وفى اعتقادى دورها هام لروسيا فى الخارج.

وبالإضافة للنفوذ الروسى الذى أحدثته “فاجنر” فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا يجد الكرملين فائدة من سحب مرتزقة بريجوجين من أفريقيا، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد طريقة لسحب هؤلاء المقاتلين الذين تعاقدت مع بريجوجين حكومات أفريقية مثل أفريقيا الوسطى من أجل جلبهم، فى نفس الوقت سحب هؤلاء المقاتلين الذين يحرسون رئيس أفريقيا الوسطى ويقومون باستخراج ثروات معدنية وماس سيؤثر بلا شك على نفوذ روسيا فى تلك الدولة، وإذا كانت الصين تنافس بسلع ومشاريع فإن روسيا بالحماية. وماذا عن السودان الذى نشب فيه اقتتال وحماية الشركة الروسية التى تستخرج الذهب هناك مع الفوضى الحالية، ومن هنا فإن قرار سحب مقاتلى “فاجنر” ليس بالقرار السهل، وكما يقول الصحفى الاستقصائى إليا روجدسنفسكى إن حكومات العديد من الدول الأفريقية مثل سيراليون التى تطلب من وزير الخارجية لافروف مقاتلين من “فاجنر” وأفريقيا الوسطى التى يدين رئيسها وحكومتها بالبقاء فى الحكم لمجموعة “فاجنر”. يرجح بعض الباحثين فى مركز “دوسيه” المقرب من وزارة الدفاع الروسية وبرجوجين أن تترك مشروعات الأخير الأفريقية فى المستقبل القريب على ما هى عليه.

ورغم اللغط والغموض الذى اكتنف مصير “فاجنر” نجد أن أوضاع هذه المجموعة أو الشركة المسلحة مثالية، إن جاز التعبير، جزء من المقاتلين وافق على توقيع عقود مع وزارة الدفاع والإندماج كجنود فى الجيش الروسى النظامى، وبالتالى العودة لأوكرانيا والقتال هناك، أما هؤلاء الذين لا يرغبون فى توقيع عقد مع الجيش فيمكنهم يبقوا مع بريجوجين، وهؤلاء من الممكن أن يتمركزوا فى بيلاروسيا، وسيبقون هناك وسيقومون بالعمل فى المشروعات الأفريقية، أى أن بريجوجين حافظ على الجزء الأساسى من “فاجنر” أى هؤلاء الذى اختارهم وجندهم عام 2014 والذين يدينون له بالولاء الكامل، وهؤلاء الأفراد ستكون لديهم فرصة مستقبلية للانتقال إلى منطقة هادئة فى أفريقيا (هادئة بالنسبة لأوكرانيا بالطبع) حيث الراحة والراتب المرتفع، وكما يقول الباحثين فى مركز “دوسيه” القسم الأخير يمثل 95% من مقاتلى “فاجنر” الذين سيبقون مع بريجوجين، كما أن أى مرتزقة سيذهبون إلى أفريقيا سيكونوا تحت سيطرة الأخير.

لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، هل حان الوقت لانتهاء دور “فاجنر” وبريجوجين فى الحياة السياسية الروسية، رغم اللقاء مع الرئيس بوتين، والذى فسره البعض على أنه غلق لصفحة التمرد وبدء صفحة جديدة، الواقع يقول أن رئيس فاجنر لديه موالين كثيرين فى روسيا بل ولا أبالغ إذا قلت أن كثير منهم فى الجيش بدليل إيقاف الجنرال سيرجى سورافيكين بطل عمليات الجيش الروسى فى سوريا والجنرال الكسييف نائب رئيس الأركان، حيث أنهما غير معلوم مكانهما حتى الآن، رغم أنهما القائدين العسكريين اللذين تحدثا إلى بريجوجين ليلة التمرد وحاولا إثنائه عن تهوره، لكن السيد “جاكو” كما كان يلقت السيد بريجوجين فى مراحله الإجرامية المبكرة لم يستمع لهما، كما أن هناك بعض القادة العسكريين الذين حصلوا على عضوية شرفية فى “فاجنر”، ولا أعتقد أن هذا بدون مقابل، وماذا نقول إذا كان أحد القادة العسكريين السابقين الكبار هو نائب السيد بريجوجين، لذلك لن يغلق ملف فاجنر إلا بعد عمليات تطهير سياسية وعسكرية.

لكن ورغم كل ما قلناه هناك مؤشرات توحى بأن أيام “فاجنر” أصبحت معدودة، فعندما سئل الرئيس بوتين عن لقائه ببريجوجين وقادة عسكريين من “فاجنر” قال الرئيس بوتين “”فاجنر” ليست موجودة” أما وزارة الدفاع الأمريكية فقد أعلنت على لسان المتحدث باسمها أن “فاجنر” لا تقاتل الآن فى أوكرانيا، بينما بعض العسكريين الأوكران تحدثوا عن وجودهم فى جنوب أوكرانيا. البعض الآخر تحدث عن وجود معسكرات لفاجنر فى مقاطعة لوجانسك، ورغم حديث الرئيس بوتين وتصريح المتحدث باسم البنتاجون إلا أنى لا أستطيع الجزم بأن “فاجنر” انتهت أو حلت أو أصبحت خارج القانون، فالرئيس بوتين الذى تحدث عن فاجنر من قبل باعتبارها مرتزقة وأن القانون الروسى يمنع ويجرم هذا العمل هو نفسه الذى اعترف بحصول “فاجنر” على مليارات من ميزانية وزارة الدفاع الروسية…… الغموض مازال سيد الموقف، والأحداث والاتفاقيات التى وقعتها “فاجنر” مع دول أفريقية هى ما ستؤكد بقاء فاجنر من عدمه، خاصة وأن هناك تعاقدات لتوريد أغذية وقعتها فاجنر مع الحكومة، فى الوقت الحالى بعد التمرد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى