مقالات

تصاعد الخطر: توسع الأنشطة الإرهابية والتهديد الأمني في غرب إفريقيا

تحليل محمد سالم .. حازت منطقة غرب إفريقيا اهتمامًا كبيرًا ومكانة خاصة دوليًا على مختلف الأصعدة سياسيًا وإستراتيجيًا واقتصاديًا على مدى القرن الماضي، فقد كانت تمثل مطمعًا كبيرًا للقوى الكبرى خلال حقبة الاستعمار، ومع التطورات الأخيرة زادت هذه المساحة المتميزة التي تتمتع بها دول غرب إفريقيا من مطامع وتوجهات القوى الكبرى تجاهها، لاسيما في ظل الصراعات الدولية التي تشهدها دول القارة السمراء مؤخرًا.

وأسهم ذلك في تحويل هذه المنطقة إلى ساحة من ساحات تنافس الدول ذات النفوذ المتسع، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والدور الصيني المتصاعد، في ظل هذا السعي الدولي للسيطرة والانفراد بإدارة الأزمة بأي طريقة يمر العمل الإرهابي بالمنطقة بمرحلة تتسم بالتصاعد المتواصل والمتكرر، إلى أن باتت منطقة غرب إفريقيا تمثل بؤرة رئيسية لتنامي ظاهرة الإرهاب.

مما جعل من إفريقيا بيئة خصبة تستغلها الجماعات المتطرفة التي نفذت مؤخراً الكثير من العمليات الإرهابية، لاسيما “بوكو – حرام” في نيجيريا و “حركة الشباب” في الصومال، حيث بدأت عمليات الجماعة الأخيرة في التمدد بإفريقيا وهددت الأمن بكينيا، ولا تزال الجماعات الإرهابية نشيطة وتستغل النطاقات الهشة أمنياً والتي تظهر بها الصراعات، مما يطرح العديد من التساؤلات المهمة حول مدى انتشار وتوسع الوجود الإرهابي بالمنطقة، والتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في إدارة أزمة الإرهاب في إفريقيا، في ظل تداعياتها المتعددة على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني.

بيئة مواتية
تساهم الظروف التي تمر بها دول المنطقة في توفير فرصة لتنامي ظاهرة الإرهاب، وبينما كانت الجماعات المتطرفة تفقد آخر معاقلها بالشرق الأوسط، مثلت القارة السمراء بديلاً مناسبًا قابلًا لتنفيذ إستراتيجيتها ومخططاتها، في ظل الكثير من الخصائص التي اشتركت بها معظم دول إفريقيا من حالة الفراغ الأمني والصراعات الداخلية أو الحدودية البينية المتعددة، مما أسهم في زيادة ظهور الجماعات المسلحة وكثرة المطامع في الموارد الطبيعية ذات الحجم الهائل، وبالأخص في دول غرب إفريقيا، لتوافر المناطق الحدودية ضعيفة المراقبة بما يتيح قدرًا من الحرية والأريحية في التنقل والتعامل، حيث تنتشر عمليات تهريب السلاح دون محاولة لعرقلتها.
كما أن ارتفاع معدلات الفقر والأمية وتدهور مستويات المعيشة، فضلاً عن ضعف قدرات الحكومات المحلية على فرض السيطرة بجميع المناطق في هذه الدول، أسهم بالتالي في زيادة قدرة التنظيمات الإرهابية على نشر الفكر المتطرف والعنف واستقطاب العقول وضم المزيد من العناصر المحلية إليها بمرونة، فقد أشارت العديد من التقارير إلى أثر حالة التدهور الاقتصادي بالدول الإفريقية على الشباب بالأخص، حيث يدفعهم ذلك إلى الانضمام للجماعات الإرهابية أو الهجرة غير الشرعية، وهو ما أدى أيضاً لارتفاع نسب الجرائم المنظمة وتجارة المخدرات والسلاح وحتى الاتجار بالبشر بالمنطقة.

وقد أشار أحد التقارير الصادرة عن وكالة التنمية الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة صدر في فبراير الماضي إلى تزايد أعداد المنضمين إلى التنظيمات الإرهابية في منطقة غرب إفريقيا بنسبة 92% مقارنة بالأعوام السابقة، لأسباب اقتصادية أكثر من المحدد العقائدي والديني.

نشاط متجدد
تتسم تحركات الجماعات الإرهابية في الفترة الأخيرة بالتصاعد والهبوط المتكررين، وفي ظل تصاعد مؤشرات العنف والتطرف الذي تشهده إفريقيا باستمرار، ارتفعت مطامع التنظيمات الإرهابية لاسيما “داعش” و “القاعدة” أو الجماعات الموالية لها في القارة السمراء بالتوسع بإفريقيا عامًة وغرب إفريقيا خاصًة، مثل جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا، والتي تم تصنيفها كرابع الجماعات الإرهابية الأكثر دموية في العالم وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، وتنظيم ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم “داعش” المتمركز بشمال شرق نيجيريا، والذي تشكل من إحدى فصائل جماعة “بوكو حرام”، وقد امتدت نشاطاته الإرهابية للبلدان المجاورة مثل: مالي والنيجر والكاميرون وتشاد، بالإضافة إلى تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة.

وفي الفترة الأخيرة ارتفع معدل الهجمات الإرهابية في المنطقة مما أدى إلى اضطرار أكثر من عشرة آلاف مدرسة وسبعة آلاف مركز طبي بأنحاء منطقة الساحل إلى غلق أبوابها، نتيجة تعدد العمليات الإرهابية والإجرامية، وبالتالي تعاني حكومات تلك الدول ضغطًا كبيرًا على المستوى السياسي والأمني، ومن جهة أخرى يؤثر ذلك سلباً على المستوى الاقتصادي حيث ساهم في إحداث تراجع بمستويات المعيشة ومعدلات الاستثمار، فضلاً عن نزوح آلاف المواطنين نتيجة العمليات والتفجيرات العنيفة التي راح على أثرها الكثير من الضحايا.

وقد أسهمت إستراتيجيات حكومات هذه الدول في التعامل مع تحديات الإرهاب بشكل منعزل عن شعوبها في زيادة مرونة عمليات الاستقطاب من قبل التنظيمات المتطرفة، خاصًة في ظل الأزمات التي يواجهها العالم منذ جائحة كورونا وبعد الأزمة الروسية – الأوكرانية، وقد اتسعت رقعة انتشار الجماعات المتطرفة في دول الساحل نتيجة التعاون الكبير الذي لاقته تلك التنظيمات من سكان القرى النائية، لضعف شرعية الحكومات وضعف قدرتها على فرض السيطرة على كافة أجزائها، ما نتج عنه تزايد درجة مشاعر الاستياء لدى الرأي العام الإفريقي تجاه المقاربات الغربية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وارتفاع آمال السكان المحليين في هذه الجماعات، في ظل عدم توافر التدابير اللازمة لتجنب انتشار الخلايا المتطرفة في غرب إفريقيا.

المنافسة وعدم القدرة على إدارة الأزمة:
تؤدي حالة المنافسة بين القوى الكبرى في إدارة الأزمة وحماية المصالح الخاصة بكل منها على حدا إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها، كما ازدادت نسب الاستقطاب بين القوى الدولية مع زيادة خطوات الانسحاب الفرنسي من دول غرب إفريقيا، ويجعل ذلك كل الإستراتيجيات التي يضعها اللاعبون والمتحكمون سواء الغرب أو المحليين تحول دون استفادة دول المنطقة منها، على الرغم من تعدد المبادرات التي طرحتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الكبرى، نتيجة للعمل دون تنسيق وتعاون، واهتمام أغلب هذه المبادرات بالجانب السياسي والأمني دون الاهتمام بالتنمية الاقتصادية بما أضعف مصداقية وفاعلية هذه الجهود.

وتسمح البيئة الدولية القائمة للجماعات المتطرفة بمزيد من الوقت والثغرات الأمنية، حيث بدأ نفوذ بعض القوى في الهبوط لصالح هيمنة نفوذ قوى أخرى لاسيما الصين وروسيا، إلى جانب حالة الاستقطاب وصراع الهيمنة وتحول الإستراتيجيات، بالتوازي مع إعلان بعض الدول الغربية عن سحب قواتها الأممية لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من مالي، والتي كانت مكافحة الإرهاب هو دورها الأساسي بالمنطقة، لاسيما انسحاب القوات الفرنسية من مالي العام الماضي، وإعلان بريطانيا سحب قواتها البالغ عددهم 249 جنديًا، وإعلان ألمانيا عزمها سحب قواتها أيضاً في مايو 2024 والذين يقترب عددهم إلى 600 جندي، وهو ما يهدد بإمكانية ارتفاع نسب العنف وتوسع نفوذ التنظيمات الإرهابية ونشاطهم لفرض السيطرة على مناطق أكثر.

تأسيساً على ما سبق، قد تهدد ظاهرة الإرهاب في غرب إفريقيا بقاء وقوة الدولة الوطنية وكيانها، نتيجة لعدم توافر التنسيق الدولي والتكيف بين الاستراتيجيات المختلفة لتحقيق المصالح المشتركة، وأهمها القضاء على الإرهاب والفكر المتطرف، فضلاً عن ضعف الحكومات المحلية بدول المنطقة وزيادة السخط الشعبي تجاهها، خاصًة بعد الأزمات الأخيرة التي أدت إلى تناقص شرعيتها، وضعف القدرات والإمكانات اللوجستية والعسكرية التي قد تمكنها من فرض سيطرتها على كامل أراضيها.

وإجمالاً، قد تدفع التطورات الحكومات المحلية بغرب إفريقيا إلى الانخراط في سلسلة من التحالفات الإقليمية فيما بينها، ويبدو أن نشاط التنظيمات الإرهابية يتجه إلى التصاعد في الفترة المقبلة للضغط في نفس الوقت على القوى الغربية من اجل الانسحاب، وفي ظل توافر تنسيق بين بعض هذه الجماعات، بما يؤكد ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية في مواجهة مخاطر هذه التنظيمات الإرهابية، للتمكن من القضاء عليها واستعادة سيطرة دول المنطقة على كل أجزائها، وبالتالي دعم التنمية الاقتصادية بها، للمساعدة في استعادة قدرة الحكومات على مواجهة نشر الفكر المتطرف والجماعات التي سيطرت على مناطق واسعة، وحازت على دعم بعض شعوب هذه الدول من سكان المناطق النائية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى