دراسات

مستقبل المخاطر المتصاعدة لمخيم الهول في الشمال السوري

تحليل يكتبه محمد سالم .. منذ تأسيس ما يسمى بدولة التنظيم الإرهابي “داعش” في عام 2014، وعلى الرغم من الإعلان عن سقوطه في مارس 2019، بعد هزيمته في أخر معاقله قرية “الباغوز” شمال شرق سوريا، مازالت الحرب ضد إرهاب التنظيم وآثاره السلبية مستمرة حتى اليوم، مع استمرار التهديدات والمخاطر “الداعشية” في سوريا والعراق، والتي يمتد أثرها السلبي بشكل كبير على الأخيرتين بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام، ففي ظل محاولة التنظيم للعودة مرة أخرى وقيامه ببعض العمليات والأنشطة الإرهابية، هناك ما يصفه الكثيرون اليوم بـ “قنبلة موقوتة” في شمال شرق سوريا، وهو مخيم “الهول” الذي يضم الآلاف من النساء والأطفال والشباب من عوائل مقاتلي التنظيم، وقد بات يشكل عامل ضغط أساسي على المجتمع الدولي.

فقد أصبحت هذه الرقعة الصغيرة تنذر بخطر “داعشي” كبير، حيث تنتشر العقيدة الإرهابية وجذور الفكر المتطرف بالمخيم، مما يجعل التنظيم يمتلك هذه المرة سلاح أخطر من الأسلحة التقليدية، وهو هذه العقيدة المتطرفة، التي تنذر بميلاد مقاتلين أشد حدة وإرهابًا من سالفيهم، مما لفت الأنظار حول مخاطر مخيم “الهول”، وتؤكد الأطراف المعنية ضرورة التعامل بحذر مع هذا الخطر، وإعادة إدماج هؤلاء الأشخاص بمجتمعاتهم بعد تأهيلهم لتلك الخطوة. وبناءً على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى تحديد المخاطر الحقيقية لمخيم “الهول” في الشمال السوري، كنقطة انطلاق للفكر “الداعشي” وإنعاش هذا التنظيم الإرهابي مرة أخرى في المنطقة، بالإضافة إلى وضع التصور المستقبلي لهذا الخطر الذي يمثله المخيم باستمرار.

تهديد متصاعد
تتزايد التحذيرات من مخاطر مخيم “الهول”، الذي أصبح يهدد بولادة جيل إرهابي جديد، حيث يعد هذا المخيم الواقع بشمال شرق سوريا أحد أخطر المخيمات في العالم، فقد بات يمثل اليوم بيئة خصبة لانتشار الفكر المتطرف والتحريض على العنف، لكونه يضم الآلاف من العناصر “الداعشية” من النساء والأطفال والشباب، وتشير العديد من التقارير إلى تعاظم دور النساء “الداعشيات” الداعم لبقاء توجهات التنظيم، الأمر الذي وصل في السنوات السابقة إلى درجة عقدهن محاكمات سرية للنساء اللواتي تعترضن على تفكير ومعتقدات التنظيم.

كما أن استمرار تنشئة آلاف الأطفال في هذه البيئة، يمثل حافز رئيسي لتحويلهم إلى جيل إرهابي جديد، تربى على أسس الفكر “الداعشي”، في ظروف معيشية صعبة وبيئة محفزة للتطرف، نظرًا لعدم الاستقرار الأمني وانتشار العنف وأعمال الترهيب بالمخيم، لسيطرة نساء التنظيم عليه، والتي تمثل خطرًا حقيقيًا وبالأخص القادمات منهن من قرية “الباغوز” أخر معاقل “داعش” قبل سقوطه، فهن أكثر تطرفًا وإيمانًا بالفكر الإرهابي، فقد استمر تمسك هؤلاء النساء بالتنظيم وأفكاره المتطرفة حتى أخر أنفاسه، وكانت تعقد لهن دورات عسكرية لتدريبهن، وقد شاركن في عمليات وهجمات إرهابية عديدة للتنظيم، بما يؤكد امتلاكهن قدرات كبيرة على ممارسة العنف والإرهاب، وخلال الكثير من اللقاءات التي أجراها الإعلام مع بعضهن، أبدين تمسكهن التام بأفكار التنظيم عبر تكفير بعض المذيعات، والتأكيد على عودة “داعش” من جديد.

هذا التمسك بالفكر المتطرف بل والدعوة والترويج له، مع استمرار ممارسة بعض صور وأشكال العنف في مخيم “الهول” باستمرار، يوحي بحقيقة أن هذه الرقعة تمثل بؤرة “داعشية”، قد ينفجر خطرها بالفعل وينتشر مرة أخرى، وأن هذه النماذج قد تشكل تنظيمًا أكثر حدة وعنف من السابق، ولذلك تتجه أنظار العالم وبالأخص العراق إلى تلك المخاطر المتصاعدة، حيث تحذر “بغداد” أن هذا المخيم يشكل “قنبلة موقوتة” قد تنفجر في أي لحظة بسوريا والعراق، وأثر ذلك الخطر يمتد بلا شك إلى المجتمع الدولي بأثره، كما أكدت الأمم المتحدة على ضرورة عودة الأطفال تحديدًا من المخيم إلى بلدانهم، خاصًة مع استمرار تحوله من معسكر هدفه احتجاز وإيواء عناصر “داعشية”، لأحد أخطر البقع الأرضية في العالم وبؤرة رئيسية للعنف والتطرف والفكر الإرهابي.

مواقف مترددة
لم يكن موقف المجتمع الدولي موحدًا تجاه مسألة ضرورة استعادة مواطنيها الموجودين بمخيم “الهول”، فهناك بعض الدول مثل كندا التي تعاونت في سحب جزء من رعاياها، إلا أن هناك الكثير من البلدان التي تنصلت من أداء دورها في تفكيك المخيم، حيث احتج البعض بعدم وجود أدلة تدين رعاياها بالإرهاب لتحاكمهم، هذا الموقف المشابه تمامًا لعدم قبول استعادة العناصر “الداعشية” المعتقلة بسجون “قسد” أيضًا، حيث يضم مخيم “الهول” أكثر من 50 ألف نسمة من نساء وأطفال وشباب، لكن فيما يتعلق بالأطفال خصوصًا يجب اتخاذ إجراءات أسرع لإعادتهم لتجنب نشأتهم على الفكر الانتقامي من دولهم التي تخلت عنهم في هذه الظروف الخطيرة، والتي قد تحولهم بالفعل إلى خلايا رئيسية للتنظيم الإرهابي مستقبلاً.

فلا يمكن تحقيق تقدم حقيقي للتخلص من مخاطر هذا المخيم وتفكيكه دون التوافق والتكاتف الدولي، لأن هذه العناصر تنتمي لأكثر من 60 دولة مختلفة، لكن هذا الأمر لم ينجح رغم نداءات العراق بضرورة سحب رعايا الدول الأوروبية من مخيم “الهول”، أو دعوة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا “قسد”، لدول هؤلاء الإرهابيين المعتقلين بالسجون الكردية لاستلامهم والتعامل معهم، وفقًا لتشريعات كل منها، فلم تستجب الأطراف المعنية لتلك الدعوة، مما دفع الإدارة الذاتية بشمال شرق سوريا إلى الإعلان عن محاكمتها لآلاف المقاتلين المنتمين لتنظيم “داعش” والمحتجزين بسجون “قسد” والتحالف الدولى، كما عملت العراق من جهتها على محاولة تفكيك مخيم “الهول”، من خلال استمرار نقل قوافل من عوائل مقاتلي “داعش” عبر المنافذ الحدودية من سوريا للعراق، وتنظيم عمليات نقل أولئك الأشخاص لمخيم “الجدعة” للتأهيل النفسي، حتى يمكن إعادة دمجهم بالمجتمع مرة أخرى.

سيناريو معقد
في ظل هذا التقاعس لمعظم الدول تجاه مسئولية استعادة رعاياها بالسجون والمخيمات السورية، تستمر التنديدات المتتالية للتأكيد على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة، من أجل تجنب مخاطر عودة التنظيم الإرهابي من جديد، وعلى هذا الأساس يمكن التطرق إلى تصورات رئيسية لمستقبل هذه الأزمة الخطيرة، ومن أهمها:

السيناريو الأول (العمل على تفكيك المخيم): ويتضمن هذا السيناريو عمل جماعي يقوم على التكاتف بين مختلف أطراف المجتمع الدولي، لاستعادة الدول رعاياها المتواجدين بالمخيم، وتفكيك الخطر من جذوره، عبر إخلاء مخيم “الهول” وإدماج جميع أطرافه بمجتمعاتهم بعد تأهيلهم بما يسمح لتحقيق ذلك، دون تشكيل أى خطر، لكن هذا السيناريو تفرض على تحققه قيود عديدة، أهمها تخوف أغلب الدول المعنية بذلك مما وصلت إليه حالة هؤلاء الأشخاص من فكر متطرف وإرهاب دموي، نتيجة استمرار التزامهم بمعتقدات التنظيم، بل ونشأة الأطفال على هذه الأسس العدوانية، التي قد تندمج أيضًا مع كراهية للدول التي ينتمون إليها، التي تركتهم خلال السنوات السابقة في هذه الظروف.

السيناريو الثاني (بقاء الوضع على ما هو عليه): هذا السيناريو هو الأقرب في الوقت الحالي، نظرًا لتقاعس الكثير من الدول عن تنفيذ مسئولياتها تجاه رعاياها بمخيم “الهول” أو حتى في السجون الكردية، والتخوف من مخاطر هؤلاء الأشخاص على المجتمعات التي ينتمون إليها في حال استعادتهم، وبالأخص النساء اللواتي شاركن في تنفيذ عمليات إرهابية حقيقية وجرائم دموية، وهو ما جعل الأمم المتحدة تدعو لاستعادة الأطفال وإن كان ذلك دون النساء.

إجمالًا، يمكن القول إن التطورات التي تجري بمخيم “الهول” ومخاطره الحقيقية على الأمن العالمي، تثبت ضرورة العمل على تبني إستراتيجية فعالة وغير تقليدية، من أجل العمل على إعادة التأهيل بصورة قوية لكل من بهذا المخيم، من النساء والأطفال أو الشباب، للتمكن من تحقيق خطوة الاندماج إلى مجتمعاتهم الأصلية، وكسر حالة التخوف من أفكارهم المتطرفة، بل وتحويلهم إلى أشخاص أسوياء يمكن قبولهم والرغبة في الاستفادة منهم أيضًا بالدول المنتمين إليها، على أن يتم ذلك بحكمة وتعاون دولي، خاصًة أن عدم التمكن من تفكيك هذا الخطر، قد يؤدي إلى ترك المجال مفتوحًا أمام سيطرة الفكر “الداعشي”، بما يزيد من التهديدات الأمنية كمساعي التنظيم الإرهابي “داعش” إلى العودة من جديد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى