الاخبار الرئيسيةندوات

“ازدواجية المعايير ووصم حركات التحرر الوطنى بالإرهاب”.. حلقة نقاشية جديدة بمركز آتون للدراسات

تحت عنوان “ازدواجية المعايير ووصم حركات التحرر الوطنى بالإرهاب”، عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية مساء الأربعاء 22 نوفمبر، بمشاركة المؤرخ الكبير الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، والدكتور طه علي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، والإعلامى نبيل نجم الدين، خبير العلاقات الدولية، والاستاذ محمد عامر رئيس القسم الدولي بصحيفة الوطن، وأدارها الكاتب الصحفي فتحى محمود رئيس المركز.

وقد تركز الحديث بمختلف الأطروحات والنقاشات التي جاءت خلال تلك الحلقة النقاشية حول مصطلح “ازدواجية المعايير” الذي يقود في كثير من الأوقات إلى المساواة بين حركات التحرر الوطني والجماعات الإرهابية، وهو ما ظهر بوضوح خلال الأيام الماضية مع اندلاع الأحداث في قطاع غزة وذهاب بعض الدول الغربية إلى تصنيف المقاومة الفلسطينية كحركات إرهابية خصوصاً “حماس”، وهو ما دفع إلى تساؤلات عدة تشغل كثيرين بشأن تلك الازدواجية التي تصمم عليها الدول الغربية.

وفي مستهل تقديمه للحلقة النقاشية وحديثه عن تلك الازدواجية، أكد الكاتب الصحفي فتحى محمود أن الواقع كان يحمل كثيراً من الشواهد على هذه الحالة، فقد رأينا من قبل المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا بزعامة نيلسون مانديلا يتم تصنيفه كحركة، وحدث نفس الأمر مع جبهة التحرير الجزائرية وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وحزب الله اللبناني وحزب العمال الكردستاني، لافتاً إلى أن كل حركات التحرر تقريباً يتم وصفها في البداية كحركة إرهابية، ثم عندما تنتصر بعد ذلك تفرض إرادتها ويتم التعامل معها كأمر واقع وتسقط عنها صفة الإرهاب.

تاريخ مفهوم ازدواجية المعايير
من جانبه، تحدث الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث عن فكرة ازدواجية المعايير والتي لها تاريخ وليست وليدة اللحظة، وقال إنه عندما تكونت 13 مستعمرة في العالم الأمريكي واستقلت عن بريطانيا اتهمتها الأخيرة بالإرهاب، لأن تلك المستعمرات كانت تعبر عن رجال الأعمال الذين لديهم مصالح متناقضة مع بريطانيا، وهم الذين مولوا جورج واشنطن لعمل ميليشيات لمحاربة القوات البريطانية، لافتاً إلى أنه من هنا كانت بداية أن كل حركة تحررية في الغالب تكون ممولة من أصحاب مصالح تشكل ما نسميه ميليشيات إلى أن تنجح وتتأسس دولة لها ويتم الاعتراف بها، مشيراً إلى أنه طوال القرن 19، كانت كل الحركات التي قامت بالاستقلال في اليونان، وبلاد البلقان، وإيطاليا 1860، وألمانيا 1871، كان ينظر إليها من الكيانات الأخرى على أنها حركات إرهابية أو حركات تمرد.

وأوضح أستاذ التاريخ أن مصطلح ازدواجية المعايير ظهر عشية الحرب العالمية الأولى، وكان القانون الدولي المتعارف عليه لم يتبلور بعد، وكانت مفاهيمه في طي التكوين وبدأت تظهر في أعقاب حرب القرم آخر حرب تقليدية في القرن ال19 قبل الحروب الكبرى أو العظمى أي الحربين العالميتين، وأن تخرج فكرة الحرب عن نطاق الميادين العسكرية إلى المناطق المدنية، والضحايا بعد أن كانوا عسكريين أصبحوا بشراً وحجراً وأثراً وشجراً.

وأشار كذلك إلى أن مصطلح ازدواجية المعايير ظهر في رحم حرب البلقان، ما بين الدولة العثمانية والدول البلقانية، التي كانت سبباً أساسياً من أسباب الحرب العالمية الأولى، مضيفاً أن فكرة الازدواجية لها جذور تاريخية من نشأة الولايات المتحدة حتى وقتنا هذا وصولاً الآن إلى حركة حماس وحزب الله، وأشار كذلك إلى أن بريطانيا كانت تنظر إلى حركة الفدائيين في القناة، بأنهم إرهابيين، وكان يتم تفصيل قوانين ضد حركة الفدائيين في القناة على أنهم إرهابيين ومتمردين وجماعات مسلحة وليسوا أصحاب أرض وقضية واحتلال.

وتحدث “الإمام” عن أن واحدة من ملامح ازدواجية المعايير كان وعد بريطانيا العرب والأرمن والكرد والسريان والكلدان واليهود بإقامة دولة لهم تزامناً مع الحرب العالمية الأولى، لكن اليهود هم الوحيدون الذين فازوا بذلك الوعد، لافتاً إلى أنه إلى يومنا هذا، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والأنظمة الأمريكية والأوروبية وبعض الأنظمة العربية، يساعدون إسرائيل على تحدى القانون الدولي وتحدى القرارات الدولي وتحدى القرارات الدولية.


ازدواجية المعايير تعبر عن القوة والمصالح

أما الدكتور طه علي علي الباحث السياسي والمتخصص في العلاقات الدولية، فرأى أن مصطلح ازدواجية المعايير ما هو إلا تعبير عن فكرتي القوة والمصلحة، وقد ميزت تلك الازدواجية السلوك الغربي بوجه عام وليس الولايات المتحدة فقط، مشيراً إلى أنها ارتبطت بقدر كبير بالتفسيرات الواقعية لأسباب الحرب العالمية الأولى والتي تقوم على أن المحدد الأساسي لمسار العلاقات الدولية بشكل عام يقوم على المصالح، فالأصل هي المصلحة والتي تعززها القوة، أي أن ازداوجية المعايير تمثل حاصل ضرب القوة في المصلحة.

وربط ازدواجية المعايير بتفاوت هيكل القوة ما بين الفاعلين في العلاقات الدولية بشكل عام بين فاعل قوي وآخر أقل وفاعل وسط بينهما، وهنا المصالح تتعارض وتختلف بين هؤلاء الفاعلين بحكم اختلاف الرغبات والأهداف، مؤكداً أن هذه سنة تاريخية، فهي لا ترتبط بفترة الولايات المتحدة، بل تعود إلى ما قبل ذلك. وعليه، يرى الدكتور طه علي أن ما يجري ليس ازدواجية معايير بقدر ما هو عبارة عن تحرك في إطار المصلحة التي بالضرورة متغيرة، وضرب مثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية باتفاقها في الرؤية مع الإيرانيين ضد العراقيين في مسألة الحصول على منطقة “شط العرب”، ثم نجد واشنطن نفسها تتحالف مع العراقيين ضد الإيرانيين مع الحفاظ على علاقات سرية مع طهران.

ازدواجية المعايير هي الاستعمار في شكله الجديد

بدوره، أبدى الكاتب الصحفي نبيل نجم الدين تحفظه على مصطلح ازدواجية المعايير، مشيراً إلى أن ازدواجية المعايير بين حركات التحرر والإرهاب مسألة محورية تشغل بال العامة والخاصة، معتبراً أن هذا اللفظ مضلل ولا يعبر إلا عن استمرار الاستعمار. وعندما تحدث عن المطابقة بين حركات التحرير الوطني والإرهاب، قال “نجم الدين” إن فكرة تعظيم الإرهاب بشكل هيستيري ومرضي بدأت بعد ضرب برجي التجارة العالميين في 2001، لافتاً إلى أن تنظيم القاعدة تم تخليقه في معامل وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي أيه”، وتم تخليقه لتحقيق بعض الأهداف الأمريكية، في إشارة إلى أن الأمريكيين هم من خلقوا الإرهاب الذي يتحدثون عنه.

وبناء على ما سبق، يرى أن مصطلح ازدواجية المعايير مضلل، وأنها تسمية تعبر عن الوجه غير القبيح للاستعمار والاحتلال وعدم العدالة، وبالتالي لا شيء اسمه ازدواجية معايير، بل هناك استعمار واستغلال وسيطرة. أما فيما يتعلق بحركات التحرر ونعتها بالإرهاب، يؤكد أن هذا الأمر مرتبط بتضليل الضعفاء، مضيفا أنهم “يعرفون أن الذي يرفع السلاح هو يرفعه لحماية نفسه أو الدفاع عن أرضه أو عرضه أو شرفه، ولكنهم يضعون عباءة الإرهاب عليه لاستمرار الاستغلال والاستعمار”.

وأبدى الكاتب الصحفي كذلك استغرابه وعدم فهمه لعدم ترويج الإعلام الغربي لقصة حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس، رغم ترويج الإعلام الغربي لكل ما يقال بحق إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وبالتالي لما لا تعتبر عملية “طوفان الأقصى” حقاً لدى جماعة فلسطينية تضرب محتلاً مستعمرا ينتهك كافة حقوق القانون الدولي وحقوق الإنسان، داعياً إلى ضرورة الخروج عن الأطر التي يفرضها الغرب علينا، وأن يكون لدى العرب ما هو جديد ويتم الترويج له في وسائل الإعلام العربية ومراكز الفكري العربي.

وقال “نجم الدين” إنه في التاريخ الحديث كانت فرنسا تعتبر حركات التحرر في أفريقيا جماعات إرهابية، ولهذا ضربت باريس مصر في 1956 لأن مصر كانت تؤيد حركات التحرير في أفريقيا كلها وليس في الجزائر فقط، كما قتلت القذافي في ليبيا لأنه تحدث عن العملة الأفريقية الموحدة وتوحيد أفريقيا، مؤكداً أن الاستعمار موجود ولكن تغيرت أوجهه. وفي ختام حديثه، أكد الكاتب الصحفي على أن الغرب هو الذي خلق فكرة المطابقة بين حركات التحرر الوطني والإرهاب، وأن الدول الغربية هي التي خلقت كذلك ازدواجية المعايير، مشدداً على أن ما حدث في 7 أكتوبر في قطاع غزة يأتي ضمن إرهاصات نظام دولي جديد يتشكل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى