“العنف ضد المرأة”.. حلقة نقاشية جديدة بمركز آتون
عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية حول العنف ضد المرأة وذلك بمشاركة الدكتورة عندليب فهمي المتخصصة في الإعلام والسيكولوجيا والكاتبة الصحفية حنان حجاج مدير تحرير جريدة الأهرام والباحثة السياسية الدكتورة فرناز عطية والكاتبة والباحثة ولاء أبوستيت ومن العراق عبر الفيديو الدكتورة ندى عمران استاذة الإعلام، والكاتب الصحفي فتحي محمود رئيس المركز.
مظاهر عديدة للعنف ضد المرأة
واتطلقت الدكتورة عندليب فهمي النقاش، حيث أكدت أن العنف ضد المرأة له كثير من المظاهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، موضحة أن التقاش سيتركز في هذ الحلقة حول العنف ضد المرأة وكافة أشكاله، وبعد ترحيبها بالضيوف أوضحت أنها واحدة من النساء اللواتي تعرضن لكل أنواع العنف ضد المرأة كما تقول، مشيرة إلى اختطاف نجلها خارج مصر من قبل زوجها السابق الذي اكتشفت أنه يعاني من مرض نفسي، وحتى الآن لا يزال أهله ينكرون أن لديه مشكلة نفسية.
وبعد خطف نجلها، قالت إن الأطباء الذين اطلعوا حالته أكدوا أنه يعاني من اضطراب شخصية نرجسية، إلى أن يصل إلى السيكوباتية، ومارس ضدها أنواع عنف مختلفة رغم أنها تزوجته عن حب وطلقت بعد عام للضرر، وبعد 4 سنوات ونصف من الطلاق اختطف نجلها، وصولاً إلى العثور على طفلها في ألمانيا وقد مارس عليه والده بعض العنف.
وقالت إن واقعة العنف قد تسببت في صدمة نفسية للطفل نتيجة خطفه بطريقة سينمائية وعبر بلطجية، وأنها قد دخلت لاحقاً في إشكاليات تتعلق بالحضانة وحول كيفية أن يرى طفل كهذا والده الذي سبب له صدمة نفسية، وهنا نرى أن هناك عواراً دستورياً في هذه المسألة إذ أن القانون يعطي حتى للمجرمين الحق في أن يروا أبنائهم، مشيرة إلى أنها لا تزال تعاني من الإرهاب النفسي الذي يمارسه زوجها السابق ضدها، وكل أنوع الإرهاب لدرجة أنها لا تستطيع التوجه إلى منزلها الأساسي وكذلك عملها الأساسي، مؤكدة أنها ليست هي الوحيدة بل هناك أناس كثيرين لديهم نفس المشكلات، مؤكدة كذلك أنها كانت محظوظة أنها أعادت نجلها، في المقابل هناك أمهات أو نساء لا يستطعن الحديث عن العنف الذي يمارس ضدهم.
ثلث سكان العالم من النساء يتعرضن للعنف
من جهتها، استهلت الكاتبة الصحفية حنان حجاج مديرة تحرير جريدة الأهرام حديثها عن بتعريف مفهوم العنف ضد المرأة، وقالت إن الأمم المتحدة وضعت لها تعريفاً وهو أنه أي فعل عنيف تجاه أي شخص على أساس الجنس ويرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد أو القهر أو الحرمان، معتبرة أن هذه الأمور التي وردت في التعريف تبدو بالنسبة لنا في المجتمعات الشرقية من الرفاهيات.
وأشارت إلى أن هناك دراسة أعدتها منظمة الصحة العالميةعلى مدار 8 سنوات في الفترة من 2010 إلى 2018 إذ تم دراسة عينات من 161 دولة من النساء من 15 منطقة رئيسية وكانت نتائجها أن منطقة غرب المحيط الهادي 20% من النساء تعرضن لنوع من أنواع العنف مرة واحدة أو اثنتين، وفي أوروبا 22%، وفي الأمريكتين 25%، وفي منطقة الشرق الأوسط 31%، وفي أفريقيا 33% وفي جنوب شرق آسيا 33%، أي أن ثلث سكان العالم من النساء يتعرضوا لنوع من أنواع العنف.
ولفتت كذلك إلى أنه في مصر نجد أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2020 ذكر أن هناك 8 ملايين سيدة مصرية تعرضن لنوع من أنواع العنف، وبالتالي، وفقاً لها، فنحن لا نتحدث في حالات فردية أو استثنائية بل نتحدث أن هناك سياقاً مجتمعياً كاملاً موجوداً به العنف يتم تقنينه بآليات المجتمع، والأخيرة كانت سابقة على الدين فالسياق المجتمعي بالأساس رسخ العنف، والمجتمع تعامل معه.
وتطرقت الأستاذ حنان حجاح إلى بعض الجوانب الدينية في مسألة العنف ضد المرأة، ولفتت إلى أن أنه انطلاقاً من فكرة مثل القوامة، أصبح من حق الرجل أن يهذب المرأة، وترتب على ذلك العنف كأنه شيء مشرعن في الدين وهو غير مشرعن بالمناسبة، فالإمام محمد عبده تحدث في هذه المسألة، وهناك حديث شريف يقول “من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة”، أي الضرب، والإمام محمد عبده عندما تحدث عن هذه المسألة قال إن هناك تدرج في العقوبة.
وقالت إن آيات تهذيب النساء كان بها تدرج، منتقدة لجوء بعض الرجال للضرب مباشرة دون هذا التدرج، نعتبرة أن فكرة الضرب على سبيل المثال بمسواك أو غيره تحولت إلى حجة تساعد على ممارسة العنف الحقيقي، مشيرة إلى أن فكرة القوامة والتي كانت آية قرآنية لإدارة العلاقة بين الرجل والزوجة حتى لا تحدث مشكلات، لكن تم سلخ الآية من نطاقها الضيق لتمتد إلى نطاقات أخرى، وتحول القوامة من مجرد آلية تنظيمة ضيقة في الدين إلى آلية حاكمة لكل علاقة النساء بالرجال على مستوى كل العلاقات المجتمعية.
انعكاسات الحالة السياسية
بدورها تحدثت الباحثة السياسية الدكتورة فرناز عطية عن تأثير الأوضاع السياسية ودخلها في العنف ضد المرأة في الوطن العربي ككل، وقالت إننا رأينا الاضطرابات السياسية الحاصلة سواء نتيجة صراع أو احتلال أو ثورات، مشيرة إلى أن الثورات التي يفترض أنها تجلي الظلم تضع للأسف مزيداً من العنف والأعباء على المرأة بدليل ما يحدث في السودان، إذ نرى اغتصاب وقتل ونزوح واعتقال وتهجير للنساء، إذ تتحمل المرأة تبعات تلك الصراعات بنسبة 100%.
وتحدثت د.فرناز عطية أيضاً عن أن هناك مشكلات في أن بعض النساء نتيجة الصراع تجد نفسها في مكان وزوجها في مكان آخر وأولادها في مكان آخر، وتتحمل المرأة تبعات ذلك اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً ونفسياً. كما أشارت كذلك إلى وضع المرأة في فلسطين، فلا يخفى على الجميع الوضع الذي تتناقله عدسات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وهي أعمال تجعل إذ كانت هناك حاجة إلى تأهيل المجتمع الفلسطيني مرة فإن المرأة الفلسطينية بحاجة إلى التأهيل مرتين.
وتطرقت الدكتور فرناز عطية إلى العنف الذي يطال المرأة على أساس العرق مثل الكرد الذين عاشوا فترات بها عنف واضطهاد ولا يزالون يعنفون من الدول التي يوجدون بها وبالأخص دولة مثل تركيا، حيث تمارس القوات الخاصة بتركيا كل أشكال العنف ضد النساء والاعتقال والاغتصاب والاختطاف والتهجير لا سيما في مناطق شمال وشرق سوريا.
وترى الدكتورة فرناز عطية أنه في حالة الاستقرار نجد أيضاً أن المرأة تعاني العنف السياسي، فعلى سبيل المثال في الانتخابات تكون هناك ظاهرة غريبة وهي أن المرأة عدوة المرأة ويمارس العنف من المرأة ضد المرأة، وهذا يعود إلى بداية التنشئة التي تقوم على أن السيدة لا تصلح أن تتخذ قراراً وأنه لا ثقة في قرارات المرأة وأنه لا بد من وجود شخص في حياتها تستند عليه في مثل هذه القرارات، على الرغم أن هناك كثير من الأماكن التي حققت فيها المرأة مكاسب تفوق الرجل.
وضع مؤسف للمرأة في العراق
بدورها أبدت الدكتورة ندى عمران وهي أستاذ جامعية بالعراق أسفها لوضع المرأة العراقية، فلقد عانت المرأة من عقود من الحروب وبينهما حصار قاس، وكانت المرأة طوال تلك العقود هي الأكثر تحملاً في الأسرة والمجتمع لوطأة تلك الحروب، وواجهت ظروف الحصار الاقتصادي.
وأضافت أن الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد الغزو لم تسمح بتبوأ المرأة مراكزاً قيادية، وهكذا أصبح النظام ذكورياً، وكل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 ربما لن نجد فيها سوى امرأة واحدة، وفي الحكومة الحالية لا توجد إلا امرأة واحدة وهي من المكون المسيحي، وأتت في إطار المحاصصة الطائفية التي أفرزها الاحتلال، كما أن هناك حوالي 25% من النساء في البرلمان وقد أتوا في إطار كوته تم فرضها من قبل الاحتلال الأمريكي، وهي غير كافية.
وضربت مثالاً آخر حول واقع المرأة في العراق، إذ قالت إن دولتها مقبلة على انتخابات محلية وهناك عديد من اللافتات للمرشحات النساء إلى جانب الرجال، وبسبب طبيعة المجتمع فإن الانتقادات موجهة دائماً إلى النساء، حتى أن البعض يقول ماذا فعل الرجال حتى تفعل المرأة، في إشارة استهجان إلى المرشحات، إذ لا تزال المرأة تفتقد إلى المراكز القيادية بسبب الإعلام الذي يخصص للمرأة مساحات قليلة.
الأطر القانونية للعنف
من جهتها، تقول الكاتبة والباحثة ولاء أبوستيت إن العنف ضد المرأة له كثير من الأطر السياسية والثقافية والقانونية، معتبرة أن المرأة من الناحية القانونية تعد في أفضل فتراتها من حيث التشريعات، فالقوانين إلى حد ما مقارنة بالماضي أفضل، لكن الأزمة في تطبيق القانون، وذلك يتسبب في أنها تكون بحاجة إلى سنوات لتأخذ حقها.
وأشارت إلى أنه في الفترة الأخيرة كانت هناك إشارات إلى تحسين وضع المرأة سياسياً وأن تكون هناك كوته برلمانية، لكن في النهاية تبقى هذه الأمور مجرد محاولات، معتبرة أن المرأة هي المحارب الأول للمرأة وهذا من الأمور المستغربة في المجتمع المصري، وحتى في إطار النخبة نجد أنها لا تختلف عن الطبقات الدنيا فيما يتعلق بالمرأة.
ملاحظات عامة
وفي ختام الحلقة النقاشية، أبدى الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات مجموعة من الملاحظات بصفة عامة، إذ أعرب عن اعتقاده بأن المرأة نفسها بحاجة إلى تكثيف نشاطها في المجتمع المصري وفي إطار حركة التطور الاحتماعي للتأثير على المجتمع والخروج من الدائرة الحالية التي توجد بها.
وأوضح أن البيئة الاجتماعية بها فيروسات تعرقل أي عملية تطور اجتماعي للمرأة، مشيراً في ذلك إلى أن شهادة المرأة ضد زوجها غالباً لا يعترف بها، كما أن أقسام الشرطة تتعامل مع العنف الزوجي كما لو كان موضوعاً عائلياً. ولفت “محمود” كذلك إلى مسألة التطور المجتمعي لواقع المرأة وقال إنه رغم ما يبدو على السطح من تطور بالنسبة للمرأة بزيادة عدد النائبات وتمكينهغ في مواقع مختلفة، لكن كل ذلك لم يؤثر على حركة تطور المرأة بشكل كبير، لأن ذلك واقع مصنوع وليس نتاج تطور طبيعي، بدليل أنه في ظل وجود هذا العدد من النساء لم يساعد ذلك في خروج القوانين المناهضة للعنف ضد المرأة.
وأشار إلى ضرورة إعادة النظر في بعض المفاهيم الاجتماعية مثل مفهوم الشرف الذي يرتبط بالنساء فقط دون الرجال، منتقداً في ذلك دور منظمات المجتمع المدني على وجه الخصوص وعدم قيامها بما يجب أن يكون فيما يتعلق بمواجهة العنف ضد المرأة، كما دعا إلى إعادة النظر في الخطاب الديني وكذلك التشريعات.