حلقة نقاشية جديدة لمركز أتون حول مستقبل الشرق الأوسط في العام الجديد| صور وفيديو
تحت عنوان “خريطة الشرق الأوسط في العام الجديد” عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية، بمشاركة نخبة متنوعة من المحللين السياسيين د. نبيل رشوان، خبير الشئون الروسية، د. طه علي، أستاذ العلاقات الدولية، والكاتب الصحفي أحمد أبو بكر، المتخصص في الشئون الخليجية، والكاتب الصحفي أحمد شيخو، الباحث ومدير مكتب وكالة انباء الفرات في القاهرة، وقد أدار الحلقة الكاتب الصحفي فتحي محمود، مدير مركز أتون للدراسات.
واستهل الحلقة النقاشية فتحي محمود مدير مركز أتون قائلاً إنه مع بداية العام الجديد، فإن الأوضاع في الشرق الأوسط أصبحت مصدر تساؤلات كثيرة لا سيما بعد حرب غزة، وتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، مشيراً إلى أن هذا يتزامن مع مساع 3 قوى إقليمية للسيطرة على المنطقة وهي تركيا وإيران وإسرائيل، ولكل منهم أطماع وأليات خاصة لتحقيق أطماعهم.
تساؤلات كثيرة بشأن الشرق الأوسط
ولفت إلى أن إسرائيل هي مصدر تغيير كبيرة في المنطقة، لا سيما في ظل الاتفاقات الإبراهيمية التي عقدتها مع عدد من الدول العربية، وما إذا كنا سنشهد مزيداً من الدول العربية التي تنضم لتلك الاتفاقات، وهل ستنجح في السيطرة على الإقليم أو في المواجهة مع القوى الأخرى، مشيراً إلى أن تركيا تواصل تحركاتها هي الأخرى للسيطرة على عدة مناطق، وكذلك فإن إيران لديها سياساتها التوسعية.
وتساءل “محمود” كذلك عن مشروع التعاون بين دول الإقليم الذي كان قد بدأ على أساس اقتصادي بعيداً عن الخلافات السياسية والذي يرى أنه قد فشل، مشيراً إلى أن دول الإقليم رأت أن تجاهل الأسباب السياسية التي وراء الخلافات بينهم أمر صعب، وأن الاقتصاد وحده لا يمكن أن يكون محركاً لهذا التقارب، وكذلك موقف الدول الكبرى مما يجري في الإقليم وما إذا كان لديها مواقف مختلفة في العام المقبل، وغيرها من الأسئلة التي طرحها في تقديمه لتلك الحلقة النقاشية.
موقف روسيا من الأوضاع في الشرق الأوسط
الإجابة على التساؤلات السابقة بدأت من الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي والعلاقات الدولية والذي قال إن روسيا تتأثر بعدة عناصر فيما يتعلق بالشرق الأوسط، إذ تسعى في الوقت الحالي لاجتذاب تأييد دول المنطقة في الحرب التي تخوضها حالياً في مواجهة أوكرانيا وكذلك الغرب وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، مؤكداً أن هذا هو العامل الرئيسي لدى موسكو في تحديد علاقتها بمنطقة الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالفترة القادمة، يقول “رشوان” إن العلاقات المصرية الروسية معروفة بطبيعتها التاريخية، وبالتالي العلاقة بين القاهرة وموسكو بعيدة ومستمرة، مشيراً إلى أن روسيا تحاول إيجاد موقع لها في ليبيا من خلال مجموعات فاجنر، والجزائر ذات علاقات جيدة مع موسكو، لكن المغرب ليست على نفس المستوى.
أما فيما يتعلق بموقف روسيا من دول الخليج فإن علاقتها تبقى منصبة في إطار التحكم في أسعار النفط، كما أنها حريصة على علاقتها بإيران التي تعتبر فزاعة لدول الخليج، علماً أن الروس لا يثقون في طهران، وروسيا لديها كذلك بعض الشركات في السودان، وكما نعلم فإن الروس لديهم قاعدة بحرية وأخرى جوية في سوريا يستمر وجودها لمدة 49 سنة وقد تمتد هذه المدة التي توسعت في إطار مطالب مالية كانت للروس لدى النظام السوري.
وأشار كذلك إلى اهتمام روسيا بعروض السلاح بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى القمح لا سيما أن روسيا قطب كبير في الحبوب بالعالم بصفة عامة، كما يسعون لإنشاء محطة نووية في تنزانيا، معبرباً عن توقعاته بأن تقوم روسيا بتحريض على حروب ونزاعات سواء في أفريقيا أو المنطقة، وكان يمكنها التدخل في ليبيا بقوة إلا أن الأمر مرتبط بأن الطرف الآخر هو تركيا التي تسيطر على غرب ليبيا، والجزء الشرقي الخاضع لسيطرة خليفة حفتر الذي تؤيده لأسباب عديدة منها وجود بعض مناطق البترول.
روسيا والوضع في فلسطين وسوريا
أما عن القضية الفلسطينية، يقول الدكتور نبيل رشوان إن الموقف الروسي لا يختلف كثيراً عن مواقف الدول العربية وتنساق وراء نفس المصطلحات التي نستخدمها والتي اخترعها الغرب من الأساس مثل حل الدولتين، مشيراً إلى أن الروس لديهم رؤية أن نهاية الإرهاب في الشرق الأوسط مقترنة بحل عادل تجاه أزمة فلسطين، كما أنها في الوقت ذاته تتبنى المواقف الرسمية للأمم المتحدة لا سيما أن الاتحاد السوفيتي السابق كان من أوائل المعترفين بإسرائيل، وكان لديهم ندماً من قبل على قطع العلاقات مع تل أبيب بعد 67.
وتحدث “رشوان” عن الوضع في شمال سوريا وما إذا كان هناك احتمالية للتصادم مع تركيا في ظل استمرار عملياتها العسكرية بتلك المناطق، وأعرب عن رؤيته بأن هذا الأمر مستبعد، بل إن تركيا وسعت المنطقة العازلة التي تريدها من 5 كيلومتر إلى 30 كيلومتر، مؤكداً كذلك أن الروس ينسقون مع أنقرة في إدلب على وجه الخصوص، بسبب وجود عناصر روس ضمن جبهة النصرة وغيرها.
وأضاف أن كل ما يشغل روسيا في سوريا هو ألا يقوم أي طرف بإلقاء أي صاروخ على قواعددها، وتركيا تؤمن لها هذا الأمر من ناحية جبهة النصرة، أما عن الموقف بالنسبة للقضية الكردية والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا فيقول إن علاقات روسيا مع تركيا لا تسمح لها بالتدخل لدعم الكرد على الإطلاق، وكذلك فإن موسكو لا تسطيع الدخول في صدام مع إيران ودمشق إذا دعمت الكرد، لا سيما أن أنقرة هي التي تحمي القواعد العسكرية الروسية في الأراضي السورية.
كما استبعد “رشوان” كذلك أي صدام روسي مع القوة التي شكلتها أمريكا لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب من هجمات الحوثيين، مشيراً كذلك إلى أن واشنطن تقوم بضربات باستمرار، كما أن منطقة بحر المندب بالكامل تحت السيطرة الأمريكية.
تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية
أما عن تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيرها على الشرق الأوسط في العام الجديد، يقول “رشوان” إن الشرق الأوسط لم يتأثر بتلك الحرب إلا عندما ارتبط الأمر بالأمور التجارية مثل القمح، كما أن خروج روسيا من اتفاق القمح كان له تأثيراً على الأسعار، لكن أوكرانيا أوجدت حالياً طريقاً آخر عن طريق رومانيا وغيرها، وبالتالي فإن التأثير ليس بالكبير، مشيراً كذلك إلى أن كل من موسكو وكييف يسعيان لكسب أنصار جدد في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لحظة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط
بدوره، يقول الدكتور طه علي الباحث والمحلل السياسي إننا نمر بلحة مفصلية في العالم وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة مركزية في جغرافيا وتاريخ العالم، وكل التحولات الكبرى التي مرت بالعالم تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بما يحدث على هذه البقعة الجغرافية.
ويرى “علي” أنه بالإمكان قراءة الأحداث من منظور النظام العالمي، معرفاً النظام العالمي بأنه النسق الدولي الذي تتنظم فيه العلاقات بين الوحدات المشكلة له، وهذه الوحدات قد تكون دولاً أو شركات عابرة للدول أو جماعات فوق الدولة أو تحت الدولة أو جماعات عرقية، وكلما كان لجهة ما تأثيراً في المشهد العام كلما كانت هذه الجهة وحدة في النظام الدولي.
واستعرض الباحث السياسي الجوانب التاريخية لمفهوم النظام الدولي، مشيراً إلى أن أي نظام تكون هناك قوى مهيمنة عليه، وعندما تحاول قوة ما تهديد التوازن في هذا النظام، فإن تلك القوى المهيمنة تتكاتف لتكبح هذا المتمرد، مثل تجربة محمد علي في مصر بمعاهدة سنة 1840، لأنه وقتها وصل بقواته إلى الأستانة على نحو هدد الإمبراطورية العثمانية، مشيراً كذلك إلى دور الثورة الصناعة في ظهور فواعل جديد بالنظام الدولي لاحقاً تطالب بمكانة لها في الساحة الدولية مثل ألمانيا وقتها.
ويقول الدكتور طه علي إن النظام العالمي يستقر لعدد من السنوات ربما تتجاوز القرن، وما أن تطرأ مجموعة من المتغيرات عليه يبدأ يتحول نحو التغير ثم ينضج وينضج ثم ينفجر بحرب كبرى، مثل الحروب النابليونية والحرب العالمية الأولى، وهو ما يسمى سيناريو الانفجار في علم السياسة، والحرب العالمية الأولى بعدها ظهر الشرق الأوسط في صورته الراهنة، وتم تقسيم دول الشرق الأوسط على أساس قومي وظهور كيانات لم تكن موجودة، كما أن الغرب تربع على تشكيلة النظام العالمي، والأخير يتكون من نظم فرعية أو إقليمية والشرق الأوسط نظام فرعي منه.
ويرى “علي” أن النظام الحالي نضج ويقترب من ذروته شيء فشيء من الانفجار، وهناك عدة مؤشرات أولها في شرق المتوسط فهناك قوة إقليمية مهيمنة هي تركيا التي كانت منهارة قبل 100 عام، والآن ترفع شعارات قومية وتوظف الدين لدرجة أن رجب طيب أردوغان يقول إن لديه الإمكانية لإدارة غزة، وهو يقول ذلك بعد أن وضع موطيء قدم له في سوريا وليبيا، وبالتالي لديه رؤية لإعادة المد العثماني، ويستخدم مفردات مثل العثمانية الجديدة وبالتالي هناك مشروع تركي في المنطقة.
وأكد أن خطورة ما نحن بصدده الآن تكمن في فشل المشروع القومي العربي في الشرق الأوسط، وإفساح المجال للمشروع الصهيوني والإيراني والتركي وفي الخلفية المشروع العولمي، مشيراً كذلك إلى تغير الطبيعة الجيلية لشعوب الشرق الأوسط فالشباب على سبيل المثال كانوا عمود أحداث ما يعرف بالربيع العربي، والشباب اليوم يقودون في إيران المظاهرات ضد النظام، وفي تركيا رغم الطبيعة السلطوية للرئيس التركي وتصدره المشهد، لكنه كل مرة يكسب الانتخابات بدرجة أقل من السابقة أي أن منحنى التأييد له يتراجع نتيجة الطبيعة الجيلية للشباب.
ولفت إلى أنه على المستوى السياسي هناك زحف من القوى الكبرى إلى الشرق الأوسط مثل الصين التي أقامت قمة صينية عربية وأخرى صينية خليجية وقمة صينية سعودية وكل هذا في سبتمبر فقط، والولايات المتحدة تقدم مبادرات ومبادرة أمام مبادرة، مشيراً كذلك إلى أنه رغم جسامة ما حدث في حرب أكتوبر 1973 لم تحرك واشنطن حاملات الطائرات ولا غواصة نووية كما فعلت بعد ما جرى في 7 أكتوبر، وبالتالي فإن هذا يؤكد أن ما يحدث على الأراضي الفلسلطينية لا يخص القضية الفلسطينية فقط بل هو جزء من نظام عالمي جديد يتشكل.
وأشار كذلك إلى مسألة تشكيل تحالف دولي في منطقة البحر الأحمر لمواجهة الحوثيين، معتبراً أن الهدف الرئيسي من هذا الأمر هو خلق مرتكزات غربية إداركاً من الأمريكيين والغرب أننا بصدد نظام جديد، كما أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الجغرافية التي رسمت لها بموجب معاهدة لوزان التي جعلت جزيرة مثل فيس التي لا يفصلها عنها سوى كيلومتر واحد تخضع للسيادة اليونانية.
وأكد أن كل هذه الضغوط تجعلنا بصدد انفجار محتمل، خاصة وأن هذا النظام الذي تشكل قبل 100 عام قد بلغ ذروته وهناك قوى دولية جديدة وقوى إقليمية جديدة مثل تركيا، وفواعل أخرى مثل المكون الكردي في الشرق الأوسط الذي يرى لنفسه الأحقية في أن يكون له أساس، لأن حقه غُبن بموجب اتفاقية لوزان، واليوم لم يعد الكرد كما كانوا من قبل، فالكرد حالياً لديهم فصيل كبير لديه رؤية أيديولوجية يعبر عنها القائد الكبير عبدالله أوجلان وهو رجل لديه طرح، ولديه جناج عسكري اسمه وحدات حماية الشعب في شمال وشرق سوريا، وبالتالي أصبح هناك واقع جديد وفاعل وهو أحد معادلات اللعبة، ويجب أن يأخذ في الاعتبار لأنه يلعب دوراً مهماً.
صراعات من أجل تقاسم النفوذ
بدوره، تحدث الكاتب الصحفي السوري أحمد شيخو مدير مكتب وكالة فرات للأنباء في القاهرة، قائلاً إن ما يحصل الآن من صراعات مثل الحرب الروسية – الأوكرانية والوضع في فلسطين والصراع التركي الكردي جميعها صراعات تأتي بين مراكز القوى ضمن النظام العالمي الواحد من أجل تقاسم النفوذ والسلطة، وبالتالي ضمن هذه الصراعات يمكن لشعوب المنطقة أن تحقق بعض المصالح والمكاسب.
وأضاف أن التدخلات الخارجية هي أحدى الإشكاليات التي تطال المنطقة، بالإضافة إلى غياب الديمقراطية في دولنا، كون النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية غالبيتها تواجه تحديات كبيرة، وخلال الفترات الماضية كان صعود الميل الديني سبباً في إشكاليات لا تتماشى مع هوى المنطقة، إلى جانب الهيمنة الفكرية الغربية على المنطقة، وبالتالي بالحقل الثقافي كذلك لا بد أن يكون هناك تغيير في ذهنية شعوب الشرق الأوسط.
وأشار “شيخو” إلى أن هناك فواعل عالمية وإقليمية تريد الهيمنة على الشرق الأوسط، وفي النظام العالمي فإن القوى التي تسيطر على الشرق الأوسط تكتسب الرصيد الأكبر لكي تكون القوة الأولى في العالم، معرباً عن اعتقاده بأن أمريكا لن تنسحب من الشرق الأوسط كما كان يعتقد البعض، وإنما آليات ضمان مصالح واشنطن هي التي تتغير من مؤسسات لتيارات سياسية حسب التحديات.
مسرح عبثي
من جهته، يقول أحمد البكر الخبير في الشؤون الخليجية إنه للوهلة الأولى فإن محاولات استقراء المشهد وربط الأحداث ببعضها وتوقع ما سيحدث في العام المقبل أمر يحتاج إلى خبير لوغاريتميات، واصفاً الوضع الحالي في المنطقة بأنه مسرح عبثي، وأن قراءة الأحداث في المنطقة ربما لا تحتاج إلى محلل سياسي أو خبير اقتصادي، وإنما تحتاج إلى قوى خارقة بسبب الأحداث التي تتطور بشكل عجيب.
وأضاف أنه يتوقف عند المشاهد التي انتابت دولاً عريقة في الديمقراطية مثل المشاهد التي حدثت بعد هزيمة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وما حدث من تخريب في شارع الشانزيليزيه بفرنسا، وهذه المشاهد العبثية التي تطال العالم كله والتي وفقاً له تشير كما لو كان هناك مجلس إدارة يوزع الأدوار في العالم، وما نعتقد أنها مشاهد عبثية فهي مرتبة ومنظمة.