شهدت العشرون سنة الأخيرة عدة اكتشافات مهمة للغاز الطبيعى فى شرق البحر المتوسط وهو الأمر الذى أشعل سباقاً وتنافس على استغلال هذه الثروة التى هبطت من السماء على دول شرق المتوسط، فقد أثرت اكتشافات الغاز فى هذه المنطقة المهمة من العالم على العلاقات الدولية فى المنطقة، بين دول بينها عداء إسرائيل ولبنان اضطروا للجلوس والتفاوض، وإن كان عبر وسطاء، ومن الدول المعنية بذلك ليبيا ومصر وقبرص وتركيا، الأمر الذى دعى الأخيرة للتدخل فى ليبيا لحماية مصالحها فى غاز شرق المتوسط.
لكن الأهم من العلاقات الدولية بين الدول على السطح هو أن المعطيات الجيولوجية تؤكد على أن هذه الاكتشافات التى تحدث عنها العالم، هى مجرد رأس جبل الجليد لهذه الثروة الهائلة الكامنة تحت قاع البحر المتوسط وفى منطقته الشرقية، والتى من الممكن أن تغير الخريطة الجيوسياسية فى المنطقة.
تكون البحر الأبيض المتوسط جيولوجيا منذ حوالى 30 مليون عام، عندما اصطدمت الصفيحة القارية لأفريقيا بنظيرتها الأوروبية. هاتين الصفيحتين مازالتا تتصادمان، لهذا السبب ربما المنطقة معرض للنشاط الزلزلي والبركاني. ثم من الناحية التقنية يعتبر البحر المتوسط مجرد خليج من المحيط الأطلنطى ومضيق جبل طارق يوصل المحيط بالبحر بعرض حوالى 8 أميال بحرية، بالإضافة لهذا يعتبر مضيق جبل طارق ممر ملاحى هام يربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلنطى. وبدون الحديث كثيراً عن البحر المتوسط وأهميته ومصادر تغذيته بالمياه لأنه يفقد سنوياً حوالى 6 أقدام من المياه نتيجة البخر، تعوض من البحر الأسود وبعض الأنهار والمحيط الأطلنطى.
لن أخوض كثيراً فيما يتعلق بالتراكيب الجيولوجية لصخور البحر المتوسط وسأكتفى هنا بالقول بأن الصفيحة القارية لأفريقيا ونتيجة اصطدامها بنظيرتها الأوروآسيوية تضيق مضيق جبل طارق، مما أدى إلى فراغ وامتلاء للبحر المتوسط، ويذكر التاريخ الجيولوجى للبحر المتوسط أنه جف عشرات المرات على مدى تاريخه، وكان يمتلئ عندما تعود إليه مياه المحيط الأطلنطي، وأخر مرة امتلأ فيها البحر المتوسط كانت منذ خمسة ملايين عام. نتيجة لهذه القوى التكتونية تولدت ثمانى أحواض مختلفة بصخور متحولة رسوبية من الرمال والحجر الجيرى والطفلة و الكربونات البحرية والطبقات الصخرية الناتجة عن التبخر. كل هذه العوامل مجتمعة خلقت ظروف مثالية لتكوين حقول النفط والغاز.
وعلى الرغم من أن كل دول شمال أفريقيا المحيطة بسواحل البحر المتوسط تعتبر منتجة للهيدروكربونات (النفط والغاز)، فإن المنطقة لم تدرس سوى بشكل ضعيف للغاية. ويقدر بعض الخبراء احتياطى النفط فى منطقة شرق المتوسط بحوالى 500 تريليون قدم مكعب من الغاز وحوالى 50 مليار برميل نفط، هذه الاحتياطات يمكن مقارنتها بالإحتياطى القارى للولايات المتحدة الأمريكية. فى الوقت الحالى الاكتشافات الرئيسية فى دلتا النيل وحوض ليفانتا (الشام) والأخير يشمل منطقة واسعة فى اتجاه شمال وشرق دلتا النيل وصولاً إلى جنوب قبرص ممتداً إلى منطقة شاطئ شرق البحر المتوسط. وفقاً لتقارير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، فى هاتين المنطقتين فقط احتياطى الغاز الطبيعى يقدر بحوالى 345 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى وأكثر من 2 مليار برميل من النفط.
لقد كان اكتشاف حقل “نوح” وحقل “مارى ـ بى” فى إسرائيل ورغم تواضع انتاجيتهما، إلا أنهما وضعا بداية سلسلة من اكتشافات الغاز العملاقة منها “تمار” و “تمار إس دبليو” فى إسرائيل عام 2009، ثم “ليفيافان” فى إسرائيل عام 2010، وتلا ذلك “افرروديت” فى قبرص 2011، ثم كان الكشف المصرى الأهم “ظهر” عام 2015، وتوالت عدة اكتشافات فى قبرص منها “كاليبسو” 2018 و “جلافكوس”، ونظراً لأن الحوض الشامي لم يكن قد درس بشكل كامل وفى البحر المتوسط مازال هناك سبع أحواض رسوبية أخرى وهى أيضاً لم تتم دراستها بعد. باختصار كما يقول الخبراء فإن الثروات الهيدروكربونية الكامنة فى قاع منطقة شرق البحر المتوسط، من الممكن أن تكون أضعاف التقديرات التى تحدث عنها حتى أكثر الخبراء تفاؤلاً.
الاكتشافات الإسرائيلية والقبرصية جاءت فى طبقات من الحجر الرملى، المنتشر على مساحات واسعة فى البحر المتوسط، أما الاكتشافات المصرية فقد وجدت فى طبقات من الكالسيوم أو الحجر الجيرى أو مكونات شعاب كربونية، التى توجد فيها الكثير من حقول النفط الليبية. حقول فى طبقات كلسية طينية مثل صخور النفط القارية، التى تقوم باستغلالها شركات النفط الأمريكية من الممكن أن تضيف الكثير إلى احتياطيات البحر المتوسط الذى لم يفصح عن كل ما فى جوفه بعد.
لكن الحديث عن الطبقات وطرق استخراج نفط وغاز شرق البحر المتوسط فى الوقت الحالى والتأثير الجيوسياسى لاكتشافات الغاز فى شرق المتوسط شئ آخر وحديث آخر ملئ بالصراعات والمساعى لاستغلال الثروات واكتساب النفوذ الدولى خاصة بعد نشوب النزاع الروسي ـ الأوكراني ووجود سوق واعدة مثل السوق الأوروبية المجاورة للمنطقة. وإذا استمرت اكتشافات النفط والغاز على هذه الوتيرة فى منطقة البحر المتوسط فإننا سنجد تأثير هذا سيكون أكثر درامية فى العالم وعلى دول خطت لنفسها طريق دولة نفطية أو غازية (دول الخليج وقطر وروسيا وإيران) ستبتعد المسافة بين أوروبا المستورد الرئيسي للنفط الخليجى، والخلاف الروسى أبعد روسيا من حلبة المنافسة فى أوروبا سواء فى مجال النفط أو الغاز وهو ما سيجعل نفط وغاز المتوسط فى متناول أوروبا فهو فى جنوبها.
من منطلق اكتشافات البحر المتوسط، نجد أن حقلى “تمار” و”ليفيافانا” الإسرائيليين حولا إسرائيل من مستورد للمحروقات على طول الخط إلى مصدّر لها، نفس الشئ حدث فى مصر حيث سيحول حقل “ظهر” مصر بعد اكتمال تنميته إلى دولة مصدرة للغاز. اكتشاف غاز الشام ساعد على إعادة الدفء فى العلاقات بين كل من إسرائيل من ناحية وقبرص واليونان من ناحية أخرى، وهاتين الأخيرتين كانت مواقفهم مؤيدة للفلسطينيين ودائماً ما كانت تحدث خلافات مع تل أبيب بسبب ذلك، كما أن اكتشاف الغاز فى نفس المنطقة أجلس اللبنانيين مع الإسرائيليين للتفاوض من أجل ترسيم الحدود البحرية والاقتصادية بين البلدين ومن يدرى ما يمكن أن تؤدى إليه هكذا مفاوضات رغم أنها تجرى بوساطة أمريكية.
كما أن النشاط الإسرائيلى سواء فى عمليات تصدير الغاز لجيرانها، أو فى النشاط المكثف فى عمليات البحث والتنقيب فى مناطق مختلفة بالبحر المتوسط سيعطى تل أبيب بلا شك عناصر تأثير دبلوماسى وسياسى فى المنطقة، وسيحسن العلاقات مع الكثير من جيرانها فى منطقة البحر المتوسط، بالإضافة لقدرة إسرائيل على التصدير لدول فى الشرق الأوسط (الأردن ومصر). هذا بخلاف أن اكتشافات غاز كبرى فى فى حوض الشام الرسوبى يمكن أن يبعث الروح فى اقتصاديات بعد الدول التى تعانى اقتصادياً مثل سوريا ولبنان، وإن كان البعض يرى أن اكتشاف النفط والغاز بكميات كبيرة من الممكن أن يكون عنصر للمشاحنات بين الطوائف الدينية والمذهبية التى تزخر بهما الدولتين.
لدى مصر فرصة لتصدير الغاز المسال وقبرص تحاول إنشاء مصانع لتصدير الغاز المسال، لكن تظل خطوط الأنابيب هى الوسيلة الأرخص والأفضل للوصول إلى بنية الغاز الرئيسية فى أوروبا، يعتبر الاتحاد الأوروبى هو أكبر مستهلك للغاز فى العالم حيث يستهلك حوالى 16,6 تريليون قدم مكعب من الغاز سنوياً، كانت أوروبا قبل النزاع الروسى ـ
الأوكرانى تستورد 40% من هذه الكمية من روسيا و30% تحصل عليها من داخل الاتحاد الأوروبى و25% من النرويج وبحر الشمال، ما تبقى من الإحتياجات يأتى من استيراد الغاز المسال القادم من شمال أفريقيا (الجزائر وليبيا)، كانت روسيا قبل النزاع مع أوكرانيا ومقاطعة الأوروبيين للغاز والنفط الروسيين على استعداد لزيادة كميات الغاز المصدر لأوروبا، نظراً لأنهم كانوا يخشون نضوب غاز النرويج وهولندا السريع، أنشأت روسيا عدد من خطوط الغاز لتفادى المرور عبر أوكرانيا بعد تدهور العلاقات معها إثر أحداث أو ما أطلقت عليه روسيا انقلاب عام 2014، ووصول القوميين الأوكران المعادين لروسيا للسلطة واستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، ما دفع الأوروبيين لفرض عقوبات على روسيا لكنهم على ما يبدو لم يكونوا مستعدين للاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين الذين ينقلان بواسطة الأنابيب من الحقل حتى معامل التكرير أو إلى المنازل فى حالة الغاز.
بعد عام 2014 بعد استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم وقبلها الحرب فى جورجيا عام 2008 أدركت روسيا أن أوروبا طال الأمد أم قصر ستستغنى عن الغاز الروسى، رغم الثقة الغير محدودة التى كانت لدى المسئولين الروس فى عدم قدرة أوروبا على الاستغناء عن الغاز الروسى، فى عام 2008 طار الرئيس الفرنسى آنذاك نيكولا ساركوزى إلى موسكو على وجه السرعة وتمكن من التوصل لوقف إطلاق النار فى جورجيا بعد أن حققت روسيا أهدافها من العملية العسكرية فيها، ووعده الرئيس ميدفيديف حينها أن مسألة توريد الغاز لأوروبا لن تمس. لكن على مايبدو كانت روسيا تعد نفسها لعملية لابد أن تغضب أوكرانيا والأوروبيين، فأنشأت خط الغاز “سيبيريان باور” إلى الصين وهو خط بطاقة استيعابية لنقل 15 مليار متر مكعب من الغاز، فى حين أنها كانت تصدر للأوروبيين 150 متر مكعب سنوياً، ولذلك كانت روسيا حريصة على إنشاء مصنع ضخم لتسييل الغاز خاصة وأن الصين رفضت زيادة الكمية القادمة من روسيا لكى لا تقع فى المأزق الذى وقع فيع الأوروبيون من حيث الاعتماد على الغاز الروسى كلية.
على أى حال نعود إلى غاز شرق المتوسط وهو وثيق الصلة بما يحدث بين روسيا وأوروبا فيما يتعلق بتوريد الغاز للأخيرة، لقد فتحت اكتشافات الغاز وبكميات تجارية فى منطقة شرق المتوسط آفاق جديدة للقارة العجوز، وبدأت الدول الأوروبية تنظر إلى غاز شرق البحر المتوسط القريب باعتباره بديل للغاز الروسى، ولما كان لدى مصر مصنعين لتسييل الغاز فى دمياط وإدكو، ومع حدوث أزمة العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا فى 24 فبراير 2022، فى الوقت الذى كانت فيه روسيا قد أنشأت عدة خطوط للغاز “السيل الشمالى 1و2” تحت بحر البلطيق وصولاً إلى ألمانيا التى كان منوط بها دور أكبر فى اعتماد أوروبا على الغاز الروسى، لكن مع بدأ العمليات العسكرية فى أوكرانيا استطاعت عناصر أوكرانية بمساعدة بريطانية نسف خطى السيل الشمالى، وكان لروسيا خطوط أخرى السيل الجنوبى عبر تركيا والسيل التركى الواصل لتركيا، وهذه الأخيرة لم تدمن الغاز الروسى، فى بعض الأوقات لا تأخذ تركيا أى غاز روسى وهى تعتمد على استيراد الغاز المسال من قطر والجزائر، فهى ليس لديها مشكلة لا فى الموانى المطلة على البحر ولا فى البنية التحتية، أما السيل الجنوبى فقد أنشأته روسيا لكى تقوم أنقرة ببيع الغاز لأوروبا مقابل نسبة تحصل عليها والهدف هو أن تحفظ الدول الأوروبية ماء وجهها فى حال مقاطعة الغاز الروسى وكأنها تستورد غاز تركى وفى نفس الوقت تحظى أنقرة بمكانة استراتيجية كمصدر للغاز إلى أوروبا، على أى حال لم تسر الأمور كما كان متوقعاً واتجهت الدول الأوروبية (بلغاريا) لاستيراد غاز من بعد الدول النفطية فى بحر قزوين أوزبيكستان وأذربيجان وغيرها.
وجدت القاهرة وتل أبيب ضالتهما فى الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، فقد استطاعت إسرائيل عقد اتفاق مع مصر لتسييل الغاز من أجل تصديره لأوروبا التى عانت فى الشتاء الماضى من نقص الغاز وكانت تبحث عنه بأى ثمن، كما أحيت الأزمة المذكورة من آمال القاهرة فيما يتعلق بسعيها لأن تصبح مركز للطاقة فى شرق المتوسط، وبالفعل بدأت مصر وإسرائيل تعاونهما فيما يتعلق بتصدير الغاز لأوروبا، إلى أن جاءت الحرب فى غزة، فأوقفت تل أبيب ضخ الغاز إلى مصر لفترة مؤقتة، لكن توريد الغاز من إسرائيل عاد من جديد.
كانت مجلة “لايف” قد نشرت مقال عن أن أحد أسباب الحرب فى غزة هى ثروة قطاع غزة النفطية والغازية، وقالت المجلة إن احتياطى الغاز فى الرصيف القارى أمام قطاع غزة يقدر بحوالى 122 تريليون قدم مكعب من الغاز بالإضافة إلى 1,7 مليار برميل من النفط، حجم هذه الثروة من النفط والغاز يقدر بحوالى نصف تريليون دولار وبالأسعار الحالية قد تصل إلى 600 مليار دولار. وفى عام 2002 وافق الفلسطينيون على اقترح شركة “بريتيش غاز” على إنشاء بنية تحتية لاستخراج وتكرير النفط والغاز، والبدء فى إنشاء خط أنابيب غاز من حيث المبدأ يصل إلى أوروبا، إسرائيل اعترضت على ذلك، وأصرت على أن يمر أنبوب الغاز فوق الأراضى التى تحت السيطرة الإسرائيلية، واقترحت على الفلسطينيين بيع الغاز لها بالأسعار المحلية وليس أسعار السوق العالمية، وذلك لكى تتمكن إسرائيل من تصدير الغاز لأوروبا بالأسعار العالمية، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية بالطبع. وهناك نقطة هامة وهو عدم وجود دولة فلسطينية تجعل ترسيم الحدود البحرية سواء مع إسرائيل أو قطاع غزة مسألة صعبة.
غاز شرق المتوسط جمع حوله متناقضات كثيرة، لعل أهمها عدم ترسيم الحدود البحرية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فمن ناحية القانون الدولى ليس هناك دولة فلسطينية لترسيم الحدود معها كما حدث مؤخراً مع لبنان، ويرى بعض المراقبين أن أحد أسباب الحرب الشرسة على غزة هو محاولة إسرائيل السيطرة على الثروة الموجودة أمام القطاع، وحتى مسألة رفض قيام دولة فلسطينية من قبل إسرائيل لأن هذه الأخيرة لا تريد التفريط فى ثروة جاهزة للاستخراج، كما أن وجود ثروة هائلة كهذه تحت تصرف حماس فى غزة فيها ترى فيه إسرائيل تهديد لأمنها.
كانت روسيا المعنية بتصدير الغاز لأوروبا أول من اهتم بقضية شائكة مثل هذه، لأن بركان الغاز المتفجر فى شرق المتوسط قد يكون جغرافيا منافس قوى للغاز الروسى رغم أن هذا الأخير هو الأفضل لأوروبا لأنه كما ذكرت من الحقل إلى الموقد، لكن إسرائيل والقاهرة قريبين جداً من قارة أوروبا، وسواء الأولى أو الثانية تريد أن يكون لهما ورقة ضغط وحظوة لدى الاتحاد الأوروبى سواء على المستوى الدبلوماسى أو الاقتصادى. من هذا المنطلق أرادت تل أبيب أن تنفرد بكعكة تصدير الغاز لأوروبا عن طريق إنشاء خط أنابيب من حقولها فى شرق المتوسط إلى أوروبا، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن فقد أثبتت الأبحاث وجود عوائق طبوغرافية فى قاع المتوسط وليس من السهل التغلب عليها فلجأت إسرائيل إلى مصانع تسييل الغاز المصرية حيث تقوم مصر بتلك العملية مقابل تعديل ميزانها الغازى من ناحية وتصدر بما يعادل حوال 300 مليون دولار شهرياً. كانت مصر وقبرص قد وقعتا من قبل اتفاقية إطارية موسعة تقضى بتوريد الغاز من حقل “أفروديت” القبرصى إلى مصر، هذا الغاز كان من المفترض أن يذهب للسوق الداخلى فى مصر،
والتصدير فى حال سماح الاحتياجات المصرية بفائض (دون مشاركة إسرائيلية). لكن هذا المشروع والاتفاق المبدئى ظل على حاله دون مشاركة لاعبين آخرين، ولذلك سنناقش المسارات الأخرى للغاز التى تحدثت عنها الحكومات والخبراء وهى 1 ـ إنشاء خط أنابيب إسرائيل ـ قبرص ـ اليونان (مشاكل طبواغرافية فى تضاريس قاع البحر المتوسط) 2 ـ إنشاء مصنع تسييل غاز فى إسرائيل أو استخدام البنية التحتية الموجودة بالفعل فى مصر (دمياط وإدكو) من قبل إسرائيل وقبرص 3 ـ انضمام دول شرق المتوسط إلى مشروع ما يعرف “ممر الغاز الجنوبى”، وهو المشروع المخصص لتصدير الغاز الأذربيجانى إلى أوروبا عبر تركيا وأخيراً 4 ـ خط أنابيب للتصدير يمر عبر الأراضى التركية.
من الناحية العملية الأقل مخاطرة هما الحل الأول والثانى وهو خط أنابيب من إسرائيل لقبرص واليونان أو تسييل الغاز باستخدام المصانع المصرية، وقد قامت اللجنة الأوروبية عام 2016 بتخصيص حوالى 2 مليون يورو للقيام بعمل الدراسات الخاصة بإنشاء خط أنابيب، وينظر الخبراء لفكرة تسييل الغاز بأفضلية لأنها ستخرج بالغاز الإسرائيلى فى التصدير لأبعد من أوروبا، وهذا سيكون مفيداً لاحتمال اكتشاف حقول غاز جديدة فى المنطقة، لكن حتى الآن وبحجم الإنتاج الحالى بالنسبة لإسرائيل لا بديل عن مصانع التسييل الإسرائيلية، غير أن إنشاء إسرائيل لمصانع تسييل مع الإنتاج الحالى مكلفة جداً. الحل الأكثر منطقية فى الوقت الحالى هو أن تنضم إسرائيل إلى “ممر الغاز الجنوبى” القادم من أذربيجان خاصة وأن الأخيرة لم تستطع حتى الآن ملئ خط الأنابيب. فى الفترة الأخيرة أعربت عدد من الدول للانضمام للخط الأذربيجانى بما فيها مصر وقبرص وإسرائيل وحتى العراق وإيران وتركمنستان، هذه الأخيرة لها قصة مع نقل غازها لأوروبا ليس هنا مجالها. لكن مسئول أذربيجان كبير أشار إلى أن بلاده لم تتلق حتى الآن أى عرض جاد بخصوص الانضمام لمشروع خط الغاز الجنوبى.
بعض الخبراء يؤكدون على أن نقل الغاز الأقل تكلفة هو عن طريق تركيا، دون الانضمام لخط الغاز الجنوبى، لكن ما يخشاه البعض هو بعض الحساسيات والخلافات السياسية لتركيا مع قبرص اليونانية أو اليونان وإسرائيل نفسها.
فيما يتعلق بمصر فإن إيطاليا وشركة “إينى” الإيطالية لعبت الدور الأكبر فى اكتشاف الغاز فى حقل “ظهر” ولذلك فإن الجزء الأكبر من الغاز المصرى سيتم تصديره إلى أوروبا عن طريق إيطاليا وذلك لكى تنضم للشبكة الأوروبية الموحدة للغاز، لعبت إيطاليا دوراً مهماً فى اكتشافات نفطية وغازية فى شمال أفريقيا وعلى وجه الخصوص فى ليبيا، وهى من المناطق التى تعرفها شركة “إينى” جيداً وتعرف أن احتياطياتها مازالت وفيرة.
مع بدء الاكتشافات عام 2016 وضعت الأولولية للتصدير فقد وقعت قبرص ومصر اتفاقيات للقيام بأعمال لاستكشافات الغاز الواعدة فى منطقة أبو قير والدلتا وغيرها ومن المتوقع أن تحدث وفرة فى الإنتاج المصرى، بحيث يسمح أكثر بالتصدير والإكتفاء الذاتى، لكن أوروبا ورغم تعودها الاستغناء عن الغاز الروسى للعام الثانى على التوالى واستيرادها غاز مسال من الولايات المتحدة (ألمانيا) بزيادة حوالى 30%، إلى أنها تطمح فى أن يزدهر غاز المتوسط فهو فى كل الأحوال بنفس سعر الغاز الأمريكى المرتفع، كما أنه قريب جغرافياً.
فى كل الأحوال مشكلة غاز شرق المتوسط أن عمليات البحث والتنقيب تتم فى المياه العميقة وهذا أمر مكلف للغاية، لكن بالتأكيد ارتفاع أسعار الغاز بعد استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، إلا عدد محدود للغاية من الدول الأوروبية، سيجعل غاز شرق المتوسط ذى جدوى اقتصادية مما سيعود بالنفع على دول المنطقة (شرق المتوسط) وأوروبا.