ازدواجية معايير الغرب بالتعامل مع قضايا الشرق الأوسط| حلقة نقاشية بالصور والفيديو
عقد مركز آتون للدراسات حلقة جديدة ضمن حلقاته النقاشية وندواته العديدة والمتنوعة، حول ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط، بحضور مجموعة من الباحثين المتخصصين، وقد أدار الندوة الكاتب الصحفي “فتحي محمود” رئيس مركز أتون للدراسات.
وتم التطرق خلالها إلى مخاطر التصعيد في غزة في ظل دعم دولي لإسرائيل، وتناقض مواقف الغرب في التعامل مع قضايا المنطقة العربية، بخلاف موقفها من حرب روسيا وأوكرانيا، من أجل محاولة التوصل إلى رؤى مختلفة للتعامل مع هذه الحالة التي وصل إليها المجتمع الدولي، وما وصل إليه وضع المنطقة العربية اليوم وعدم توافر القرار والموقف العربي الموحد، الذي يمكن من خلاله التوصل إلى إعادة بناء الأمة، ومواكبة التطورات التحديات التي تواجهها.
كما ناقش الحضور مسئولية النظام الدولي ومبادئه، وبالتالي دور المجتمع الدولي في توفير الحلول لمواجهة الأزمة وتطوراتها المستمرة في زيادة مخاطرها، وضرورة معالجة الخلل في تطبيق هذه المبادئ والقوانين الدولية، بمشاركة الدكتور “مختار غباشي” أستاذ العلوم السياسية، والدكتور “نبيل رشوان” الخبير في الشئون الروسية، والأستاذ “محمود الشناوي” مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، والباحث “محمد صابر” الباحث لدى مركز آتون للدراسات.
تغليب المصالح الخاصة على المبادئ العامة
أشار الدكتور “مختار غباشي” إلى مدى التفات وسائل الإعلام والمواقف الشعبية حول العالم إلى مواقف الغرب المزدوجة والغير مبررة، فيما يتعلق بالعدوان على غزة، مؤكدًا مدى ارتباط هذه الازدواجية بالمعايير برغبات ومصالح هذه الدول وقدرتها على فرض القوة، كما عقب بأن الآلم الحقيقي وراء ذلك يكمن في كون المشكلة الحقيقية خلف ازدواجية المعايير ونظريات “المؤامرة”، هي مشكلة ذاتية أكثر من تعلقها بالعوامل الخارجية.
فقبل الحديث عن نظرية المؤامرة أو ازدواجية معايير الغرب، يجب النظر أولًا إلى الحالة العربية، كيف هو الوضع في حالتنا نحن – الأمة العربية – وكيف ننظر لأنفسنا، ثم كيف ينظر الغير لنا ويتعاطى معنا، أي أنه يجب النظر إلى آليات تعامل الدول العربية مع الأزمات العربية، ثم التساؤل لاحقًا عن ازدواجية معايير الغرب، وبالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن التحركات العربية ذاتها لم تكن بها موقف مشترك، وكان بمعظمها ازدواجية معايير، وهناك العديد من المواقف الغربية أيضًا التي دعمت القضية الفلسطينية.
وقد طرح الدكتور “مختار غباشي” تساؤلًا هامًا في هذا الشأن ماذا فعلت أو قدمت الدول العربية والإسلامية في سبيل القضية الفلسطينية؟ حتى نطالب الغرب بأن يحذو خطوة منصفة لأجل العالم العربي، ومن ثم الحديث حول ازدواجية المعايير.
القضية الفلسطينية وتصعيداتها المتطورة
تناول الدكتور “مختار غباشي” بداية تطور القضية الفلسطينية واشتعالها منذ قرار 181 لسنة 1947 الخاص بـ “تقسيم فلسطين”، الذي أعطى 55% من أرض فلسطين آنذاك للكيان الصهيوني، ويتحدث الكثير من الأطراف العربية عن الرغبة في إعادة حدود فلسطين 1967، وهناك فارق كبير بين الأمرين، وكأن شيئًا لم يكن منذ 1947 وحروب العرب مع الكيان الصهيوني حتى هذا الوقت.
ووضح أنه لا يمكن الربط بين توافر وتطبيق القواعد القانونية الدولية والشرعية، وإنما يحكم عملية التطبيق بتوافر القوة الملزمة للتحرك، وإن توافرت القواعد القانونية والمبادئ والأسس فهي تعطيك تعزيزات أدبية لكنها لا تعطيك حق وتمكنك منه، ولتحقيق ذلك لا بد من توافر القوة اللازمة لتنفيذ هذا الحق، وبالتالي فإن هذه الأزمات الدولية مرتبطة ارتباطًا تامَا بمفهومي القوة والمصلحة المرجوة للأطراف الممتلكة للقوة والنفوذ الحقيقي.
هناك اليوم حالة خلل جذري واضحة بهيكل الأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاحها بشكل تام، خاصًة فيما يتعلق بمجلس الأمن وتكوينه ومسألة الفيتو، فالفيتو الأمريكي هو أكثر ما تسبب في زيادة تعقيد الأزمة في غزة، والفيتو الروسي هو ما منع وقف إطلاق النار في أوكرانيا في بداية الحرب، وبذلك تكون الأمم المتحدة قد فشلت في حل الأزمة الأوكرانية وحل الأزمة الفلسطينية، وهو فشل حقيقي في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
أما فيما يتعلق بازدواجية المعايير فيجب النظر أولًا بالمواقف العربية مزدوجة المعايير أيضًا في التعامل مع الدول الراعية للكيان الصهيوني والداعمة له، وهناك العديد من المواقف العربية المتخاذلة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، نحن في العالم العربي أصحاب المعيار المزدوج الحقيقي في التعاطي مع أزماتنا نحن، لا يمكن التساؤل عن دور القوى الغربية في التعامل مع أزمة عربية دون توافر قوة عربية حقيقية ضاغطة على هذه القوى من أجل التعامل بإيجابية وليس سلبية وتحيز مع القضايا والملفات المتعلقة بالمنطقة العربية.
المعيار الحقيقي للتحرك للقوى الكبرى
وبسؤال الأستاذ “فتحي محمود” رئيس مركز أتون للدراسات الإستراتيجية حول دور روسيا والصين بالشرق الأوسط ومواقفهم من الأزمة الفلسطينية، عقب الدكتور “نبيل رشوان” الخبير بالشئون الروسية بأن القوى الكبرى لا تتحرك في الشرق الأوسط لتحقيق مبادئ القانون الدولي، وإنما بحثًا عن ما يحقق مصالحها ويقوي نفوذها وقوتها، فعلى سبيل المثال فإن موقف موسكو من الأزمة السورية كان قوامه رغبة روسية في تمديد النفوذ بالشرق الأوسط وبناء قاعدة على البحر المتوسط، وهو ما تحقق بالفعل، ولا يوجد دافع لدى موسكو للدفاع عن القضية الفلسطينية حتى اليوم.
بل أن هناك مصلحة مشتركة أكثر مع الكيان الصهيوني، لاسيما التنسيق الثنائي في تنفيذ الضربات والتحركات في سوريا، وصفقات التسليح والعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وحسابات المصالح هي ما يمنع الصين أيضًا من اتخاذ موقف من القضية الفلسطينية صراحًة، وفي نموذج الصين فإن ما يشغلها أكثر هو ملف تايوان، والذي تحتاج فيه لعدم إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة عالية، وبالتالي فإن هذه الازدواجية في المعايير فرضت تأسيسًا على مصالح هذه الدول صاحبة القوة بالمنطقة والمجتمع الدولي، لكن هذا لم يكن يمنع أي طرف عن اتخاذ موقف إنساني على الأقل بدعم الفلسطينيين.
وأكد الأستاذ “محمود الشناوي” مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط رفض فكرة ازدواجية المعايير، ورؤيته أن هناك معيار واحد بالأساس لدى هذه القوى الغربية والشرقية أيضًا، وهذا المعيار بدرجة أولى مرتبطًا بالمصلحة “الغير أخلاقية”، وفي الغرب تحديدًا يوجد التوجه الصهيوني، واللا أخلاقية في تنفيذ هذه المصلحة، أما العرب ذاتهم فلولا مواقفهم المتخاذلة أيضًا لما سقطت بغداد، ولم يكن هناك حاجة لمواقف الغرب المربوطة بمصالحهم المعادية للمنطقة العربية والطامعة بها، ومسألة ازدواجية المعايير بلا شك أساسها استمرار القوى الدولية في تغليب المصالح الخاصة بها على الأخلاق والمبادئ والقوانين الدولية.
وفي الختام، أكد الدكتور “مختار غباشي” أن جامعة الدول العربية بحاجة إلى إعادة إحيائها، واستعادة دورها المحوري في معالجة ملفاتها، ويجب التوصل لحلحلة الأزمات العربية، خاصًة فيما يخص القوى العربية المحورية تاريخيًا (سوريا – العراق – مصر)، هناك حاجة في سوريا لإدراك الرئيس السوري “بشار الأسد” أنه لا يجب أن يستمر في الجولة السياسية القادمة، وإنهاء السيطرة الإيرانية والروسية على الدولة السورية،هناك حلول متعددة لكافة الأزمات العربية، لكن عامل الثقة التامة لا يبدو متوفرًا وهذا ما سمح سابقًا بلجوء سوريا لإيران، ودول الخليج العربي للولايات المتحدة في حمايتها.