الاخبار الرئيسيةدراسات

ترتيبات حذرة: هل تنفذ قوات التحالف الدولي انسحابها من العراق؟

تحليل الباحث: محمد صابر

تتزايد رغبة الحكومة العراقية في إنهاء تواجد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق، وقد اتضح هذا التوجه بصورة أكثر فاعلية في إعلان رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” في مطلع يناير من العام الجاري عن تشكيل لجنة ثنائية من أجل العمل على جدولة انسحاب قوات التحاف الدولي من البلاد.

وبيد أن المحادثات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة مستمرة، لرسم جدول زمني يتم خلاله خفض تواجد القوات الأجنبية بصورة تدريجية حتى التوصل إلى إنهاءها، إلا أن هذه الخطوات يواجهها بعض العقبات لاسيما عودة تهديد تنظيم “داعش” الإرهابي وتزايد الهجمات التي تنفذها ميليشيات موالية لإيران في العراق وسوريا، لكن استئناف المحادثات التي تم البدء بها منذ منتصف فبراير 2024، بعد تعليقها على آثر هجوم الطائرة المسيرة على قاعدة البرج بالأردن، الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين، قد يساهم في تحقيق سيناريو الانسحاب من العراق.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى دراسة التطورات الأخيرة بالمشهد العراقي، في ضوء ما قد يترتب عن انسحاب قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وموقف الولايات المتحدة وتوجهاتها بشأن التواجد في العراق، في ظل اشتعال المنافسة الإقليمية بالمنطقة، وبعد ما خلفه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من آثار سلبية على صورة “واشنطن” وقيادتها للمجتمع الدولي، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية ورغبة “بايدن” في خوض الانتخابات والفوز بولاية جديدة.

تطورات استثنائية
أدت أعمال الإرهاب الصهيوني في غزة إلى تزايد التوتر في الشرق الأوسط، بما شمل تهديد القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، على أيدي الميليشيات العراقية القريبة من الحرس الثوري الإيراني، مثل “حركة النجباء” و “كتائب حزب الله”، والتي تحالفت معًا مكونة ما يدعى بـ “المقاومة الإسلامية في العراق”، مما وضع العراق في موقف محرج دوليًا في ظل عدم قدرة الحكومة العراقية على ردع رغبة إيران في رفع مستويات التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل بالساحة العراقية، من أجل تحقيق مصالحها بالضغط للتقدم بالملف النووي وتخفيف العقوبات الاقتصادية.

ويشير توجه الحكومة العراقية للخضوع إلى مطالب الميليشيات، بعد مطالبة العراق قوات التحالف الدولي بالانسحاب ومغادرة البلاد، مع التأكيد على أن عدم تواجد القوات الأجنبية لن يؤثر سلبًا على حفظ أمن واستقرار العراق، بخلاف ما تدعيه “واشنطن” من تخوفات حول عودة تنظيم “داعش” من جديد، ولكن يمكن القول بأن موقف الحكومة بذلك مبني على تحقيق مصالحها المتعلقة بالإستراتيجية الخاصة بها والبرنامج السياسي المعلن لها، بما يعني أن هذه الخطوة – إن حدثت – ستكون خطوة نجاح بارزة في ملف الحكومة العراقية القائمة.

لكن لا يوجد أي خطة متفق عليها حاليًا للانسحاب من العراق وفقًا للتصريحات الأمريكية، على خلاف ما يعلنه الجانب العراقي، الذي يؤكد موافقة ورغبة الولايات المتحدة في الانسحاب وإنهاء مهام قوات التحالف الدولي في العراق، ويبدو أن هذه المباحثات الجارية بين الطرفين هدفها المعلن هو رسم خارطة – مستقبلية – لتنفيذه على مدى بعيد، ولكن حتى اليوم لا يوجد خطة لذلك، وبالتالي قد يكون خلف ذلك محاولة أمريكية لكسب المزيد من الوقت عبر المفاوضات المطولة.

موقف الولايات المتحدة

تؤكد واشنطن موقفها الحاسم من الهجمات التي يتم شنها في العراق وسوريا على قواعد وقوات الولايات المتحدة وحلفاؤها، والتي تنفذها ميليشيات مدعومة من إيران، وأنها تحتفظ دائمًا بحقها في الرد، و أعلن التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” عن تنفيذ ضربات استهدفت من خلالها قادة عسكريين للفصائل العراقية الموالية لإيران، خاصًة ميليشيا “كتائب حزب الله” وميليشيا “النجباء”، مما ترتب عليه تأكيد الحكومة العراقية رغبتها المتزايدة في إنهاء مهام التحالف الدولي بالعراق، لتخطيه الهدف المرجو منه، وإضراره بالمصلحة الوطنية للعراق وتعديه على سيادته.
وهناك العديد من العقبات التي تقف في طريق تحقق سيناريو الانسحاب، وتؤدي إلى تعقيده لتزايد الضغوط على واشنطن على آثرها، ومن أهم هذه التحديات:

(1) رغبة “جو بايدن” في الحفاظ على صورة إدارته قبل الانتخابات الرئاسية: تواجه الإدارة الأمريكية الحالية في مسألة النفوذ بالشرق الأوسط اختبارًا حقيقيًا لمدى نجاحها، في ظل اقتراب انعقاد الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر من العام الجاري، خاصًة وأن الانسحاب هذه المرة قد يتم استغلاله من قبل طهران وتكرار سيناريو الانسحاب من أفغانستان 2021، الذي أدى لزيادة حجم السخط الداخلي والدولي تجاه الولايات المتحدة، خاصًة في ظل تصاعد سيناريو عودة “دونالد ترامب” لمنافسة “بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

(2) تزايد النفوذ الإيراني ومخاطره: لا يمكن قبول الولايات المتحدة بالانسحاب في الوقت الحالي لما قد يعنيه من تهديد للتوازن الإقليمي، فالظروف الإقليمية تفرض بقاء واشنطن ونفوذها بالعراق، في مواجهة النفوذ الإيراني هناك، وعدم التخلي عن الحلفاء التقليديين – السنة والأكراد – في ظل تعاظم النفوذ الإيراني بالمنطقة، والانسحاب من العراق سيحقق مكاسب أكثر للميليشيات الموالية لإيران، بترك مساحات من الفراغ الذي تطمع طهران لشغله، بما قد يؤدي إلى توفير الفرص للأخيرة لزيادة تهديدها بدرجات أكثر حدة للكيان الصهيوني، في ظل استمرار ممارساته العدوانية والدموية إزاء الفلسطينيين.

(3) تجدد ظهور خلايا تنظيم الدولة “داعش”: يبدو أن هزيمة “داعش” في 2019 كانت تعني النجاح في إسقاط دولته المزعومة، لكن لم يعني ذلك القضاء على التنظيم من جذوره التي امتدت بمناطق مختلفة في العالم، وفي هذا السياق، يخشى الغرب عودة قياديي “داعش” الأكثر خطرًا إلى تنفيذ عمليات أكبر في الشرق الأوسط، في ظل تنامي هجمات التنظيم في المنطقة، وتعددها أكثر في إفريقيا.

عدم الرغبة في الانسحاب
يمكن القول أن الولايات المتحدة لا ترغب في التخلي عن الحلفاء الأكراد في العراق وسوريا، نظرًا لأن ذلك قد يحمل في طياته تخليًا بالتالي عن الأوروبيين، مما قد ينتج عنه من عودة تهديد “داعش” للعالم، بالإضافة إلى ترك ساحة التنافس الإقليمي بالشرق الأوسط أمام طهران للانفراد بالسيطرة والتحكم، بالإضافة إلى كون هذا الانسحاب قد يشكل تكرارًا لسيناريو الانسحاب من أفغانستان وما نتج عنه من تداعيات سلبية، شكلت أمرًا كارثيًا على صورة الولايات المتحدة أمام المجتمع الدولي، وأدت إلى تزايد عمليات “داعش خراسان” ومن جهة أخرى وتنامي النفوذ الإيراني هناك.

وفي هذا الحال يكون الخاسر الوحيد بهذه المعادلة – في حال الانسحاب الأمريكي من العراق – هو الولايات المتحدة وحلفاؤها، من الغرب أو الأكراد والسنة في العراق، بينما يكون الرابح الأول هو إيران التي قد تتمتع بمساحة أكبر في تمديد النفوذ، بالإضافة إلى ما قد ينتج عن انسحاب “واشنطن” من فرص لتركيا في تنفيذ هجماتها بحرية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، أي أنه سيتم توفير الفرصة للأطراف الفاعلة بالشرق الأوسط، مثل إيران وتركيا وروسيا لرسم خطط التحرك في المنافسة الإقليمية على النفوذ فيما بينهم، وهو الأمر الذي يدعو هذه القوى اليوم إلى التخطيط لهذه المرحلة جيدًا من أجل الاستعداد لكافة السيناريوهات.

فعلى الرغم من عدم الرغبة في الانسحاب، بل وضرورة التواجد والحفاظ على النفوذ لعدم إهدار السيطرة والتوازن، ولعدم ترك الساحة للأطراف المنافسة، والإضرار بصورة الولايات المتحدة بالمجتمع الدولي كقوة عظمى، فإن سيناريو الانسحاب من العراق يبقى واردًا وإن كان على مدى غير قريب، في ظل توافر الرغبة في الانسحاب، بسبب تداعيات “طوفان الأقصى” التي أدت لتنفيذ العديد من الهجمات على القواعد الأمريكية بالمنطقة، ومقتل 3 جنود أمريكيين.
وبناءً على ما سبق، يبدو أن إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ستستمر لفترة طويلة، في ظل الرغبة بالحفاظ على الوضع القائم حفظ التوازن في النفوذ ومجابهة حالة التمدد الإيراني في المنطقة، حتى أن هذه المباحثات الجارية مع الحكومة العراقية، ما هي إلا محاولة أمريكية لكسب المزيد من الوقت، حيث تدرك واشنطن تمامًا أنه لا يمكن الانسحاب في المدى القريب بالأساس، وبالتالي لا يمكن للأخيرة ترك المجال لإيران، التي تطمع في ممارسة الضغوط بكافة صورها على الولايات المتحدة الأمريكية، مستغلة الميليشيات الموالية لها بالمنطقة العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى