الدور المزدوج .. شبكات التهريب على الحدود السورية –الأردنية وحروب الوكالة في المنطقة
تحليل د. فرناز عطية
أدى ارتفاع معدلات عمليات تهريب السلاح والمخدرات التي يحبطها الجيش الأردني عبر حدوده الشمالية مع سوريا والتي وصفت بالـ”حرب” إلى أن أصبحت مواجهة هذه العمليات والعمل على قطع دابرها، وتعقب القائمين عليها والوصول إليهم أحد أهم أولويات الأمن القومي الأردني، لاسيما مع ازدياد الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية سوءًا واستمرار الأزمة السورية منذ 2011 وحتى يومنا هذا وتشابك أطرافها.
ويذكر أن الجيش الأردني أعلن في 18فبراير 2024 قضاؤه على 5 أشخاص وإصابة 4 أثناء محاولتهم التسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية، وفي منتصف ديسمبر 2023 قام الطيران العسكري الأردني بعمليات قصف في قرية “أم شامة” بالسويداء حيث استهدف بيت كل من “شاكر وعايد الشويعر” وهما اسمين بارزين في مجال عمليات التهريب، والذين قتلوا في مواجهات مع إحدى الفصائل المحلية في ريف السويداء السورية 11مارس 2024، والذي كشف بدوره محادثات عبر تطبيق “واتساب”، فضحت تورط جهات أمنية وعسكرية سورية في رعاية التجارة غير المشروعة، وإقدامهماعلى إطلاق طائرة مسيرة محمّلة بشحنة مخدرات خاصة حبوب “الكبتاجون” كان مصدرها مناطق “حزب الله” اللبناني، التي تتركز فيها صناعة هذا المخدر طبقًا للمحادثات التي تم التوصل إليها، هذا إلى جانب قصف القوات الأردنية 19/12/2023 مصنعًا للمخدرات في السويداء وقتل “مرعي الرميثان” أشهر مهرب للمخدرات في المنطقة، ناهيك عن أن القصف الجوي الأردني على مدينة صلخد استهدف منزل “فيصل السعدي” المرتبط بتهريب المخدرات بالتعاون مع “حزب الله”.
محفزات تجارة تهريب “المخدرات والسلاح”
يمكن إرجاع زيادة وتلاحق عمليات التهريب غير المشروعة للمخدرات والسلاح عبر الحدود الأردنية السورية إلى عدة عوامل مشجعة، أبرزها:
- ظهور ما يعرف باقتصاد الحرب في سوريا الذي يستثمر حالات الفوضى والاضطراب الأمني في كثير من الدول، ويعود بأرباح وفيرة على القائمين على أنشطته الغير مشروعة.
- سيولة الحدود بين سوريا وجاراتها، وخصوصًا الأردن بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا والافتقار للانضباط الأمني.
- تراخي الجيش السوري والسلطات السورية في التعامل مع عمليات التهريب للمخدرات والسلاح، ومع العصابات التي تتولى القيام بعمليات التهريب، إضافة إلى وجود بيانات وتقارير تشير إلى تورط النظام السوري نفسه، وبعض عناصر حرس الحدود السوريين في عمليات الاتجار في السلاح والمخدرات المهربة عبر الحدود السورية الأردنية، وتحت مظلة قوى إقليمية في إشارة لإيران.
- وجود سوق رائجة للمواد غير المشروعة التي يتم تهريبها والاتجار بها، فعصابات التهريب تعتمد دول الخليج سوق رائجة لها فيما يخص المواد المخدرة المهربة من جنوب سوريا عن طريق الأردن، وعلى الجانب الآخر فإن الأسلحة المهربة تستهدف الأردن ومناطق أخرى كالضفة الغربية والتي تصل أيضًا عن طريق الحدود الأردنية السورية.
- استخدام عمليات تهريب السلاح والمخدرات كورقة سياسية لممارسة ضغوط بعينها على بعض الدول.
- ظهور تقنيات حديثة تسهل عمليات التهريب للسلاح والمخدرات داخل الدولة الواحدة أو عبر الحدود والتي يصعب معها كشف عمليات التهريب.
- تراجع الوجود الروسي في جنوب سوريا قبيل اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، والذي كان يتم التنسيق بينه وبين الجانب الأردني في ضبط الحدود.
- صعوبة لجوء الأردن لإقامة منطقة عازلة لوقف عمليات التهريب في الوقت الراهن، يتطلب ذلك موافقة دولية كبيرة ، كما أن الأمر يحتاج إلى عمليات طيران مستمرة لسلاح الجو الأردني لحماية تلك المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وصد سلاح المدفعية السوري الذي من المؤكد أنه سيقوم بقصف المنطقة العازلة بما فيها من سوريين، إضافة إلى حجم التكلفة المادية الكبيرة التي يصعب على الأردن توفيرها في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
تخوفات أردنية
تتركز تخوفات عمان حول محاولات لإيجاد نقاط ساخنة جديدة في المنطقة وضرب مصالح دول معينة، من خلال سعي إيران لاختراق الداخل الأردني، بمحاولة استخدام الأراضي الأردنية للقيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل، أو بالاعتداء على جهات أجنبية وبالأخص أمريكية تعمل في الأردن، لاسيما مع الأخذ في الاعتبار حوادث كحادث مقتل ثلاثة من عناصر الجيش الأمريكي وإصابة 35 آخرين في هجوم بطائرة مسيرة استهدفت قاعدة في الأردن قرب الحدود السورية في يناير 2024.
وجدير بالذكر أن عمليات التهريب للسلاح والمخدرات عبر الحدود السورية الأردنية ليست بجديدة ولكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة، وأخذت أشكالاً أكثر تطورًا، ومنها:
التهريب “الطائر”
واكبت عمليات تهريب المواد المخدرة والسلاح التقدم العلمي والتقني ليس فقط في تطوير أشكال وأنواع المواد المخدرة والأسلحة المهربة، ولكن أيضًا في أساليب تجارة ونقل المواد المخدرة والسلاح، واستحداث وسائل جديدة لخدمة هذه التجارة المحرمة دوليًا، فمؤخرًا زاد الحديث عن عمليات “التهريب الطائر” التي تضم: المخدرات والسلاح التي يتم نقلها والتجارة بها عبر الحدود الدولية أو حتى داخل الدولة الواحدة من خلال عدة وسائل منها التقليدي كالحمام الزاجل، أو وسائل الطيران المتقدمة كالطائرات الشراعية، والبالونات الطائرة، وأحدثها الطائرات المسيرة أو ما يسمى “طائرات بدون طيار”، أو “الدورنات”، والتي أثبتت أهميتها في الحروب، والآن يتم توظيفها في تجارة المواد المخدرة، وكذا تهريب بعض أنواع السلاح والمتفجرات حيث أظهر تقريرًا للإنتربول الدولي سنة 2020 أن السنوات الأخيرة شهدت تزايد استخدام الطائرات المسيرة في الأعمال غير المشروعة كتهريب المخدرات وتهريب السلاح والعمليات الإرهابية، وبعد تغيير الأردن لقواعد الاشتباك مع المهربين تم اللجوء للمسيرات منذ 17 مايو 2022، على خلفية مقتل جندي وإصابة آخرين في اشتباك معهم، ومنذ بداية العام الحالي استطاع الجيش الأردني إسقاط نحو 9 طائرات مسيرة قادمة من الجنوب السوري ومحملة بالمخدرات.
أبرز حوادث “التهريب الطائر” على الحدود السورية الأردنية
- في 17 فبراير 2022 أعلن الجيش الأردني إحباط سلطاته عمليات دخول أكثر من 16 مليون حبة من مخدر “كبتاجون” أي ما يعادل الكمية التي تم ضبطها 2021 ، وفي 25 فبراير من العام 2023 أعلنت السلطات الأردنية إسقاط طائرة محملة بقنابل يدوية ومواد مخدرة، وتكررت حادثة مشابهة في يونيو 2023، حينما أسقط الجيش الأردني طائرتين واحدة كانت محملة بالأسلحة والأخرى بالمخدرات قادمة من الأراضي السورية تحمل بكيلوجرام من مادة الكريستال المخدرة، وكذا في 16 أغسطس 2023، أعلن الجيش الأردني إسقاط طائرة مسيّرة قادمة من سوريا، وهي السابعة خلال ذاك العام، ولكن حمولتها اختلفت هذه المرة، حيث كانت تحاول تهريب متفجّرات من نوع “TNT” من سوريا إلى الأردن وفقًا لبيان الجيش الأردني، وفي 4 سبتمبر 2023 اكتشفت قوات حرس الحدود بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية محاولة طائرة بدون طيار محملة بمادة “الكريستال” المخدرة اجتياز الحدود الأردنية السورية بطريقة غير مشروعة، وقد أكدت السلطات الأردنية في هذا الشأن أن 85 % من المخدرات التي تم ضبطها كانت معدة للتهريب خارج البلاد، وأنه تم تشديد إجراءات الرصد والرقابة لأكثر من 300 كم على الحدود الأردنية السورية.
خطورة استخدام المسيرات في تجارة المخدرات والسلاح:
- تستطيع هذه المسيرات اختراق الحدود دون كشفها، خاصة إذا أجريت عليها تعديلات بعينها لتفلت من الرادارات وأجهزة التتبع والرصد، لاسيما وأن بصمتها صغيرة جدًا.
- صعوبة كشف هذه الطائرات ليلاً، بينما لا يتم كشفها إلا في فترة النهار كونها ترى بالعين المجردة وبالاستعانة ببعض الأجهزة الإلكترونية.
- المسيرات تتميز بالمرونة في الحركة عموديًا وأفقيًا دون أجنحة.
- انخفاض تكلفة استخدامها في عمليات التهريب حيث أن الطراز المستخدم في هذه العمليات لا يتجاوز أسعاره الـ1000 دولارًا.
- سهولة إطلاقها فهي لا تحتاج إلى مطارات أو مدرجات للهبوط والإقلاع كالطائرات التقليدية.
- عدد منها يعمل بنظام التتبع الالكتروني GPS وأشهرها طائرة “كواد كوبتر” وهي طائرة لاسلكية تتميز بطيران فائق الثبات.
- يتم قيادتها من خلال أجهزة للتحكم عن بعد صغيرة الحجم، وبالتالي تستخدم في المناطق التي تشدد فيها إجراءات الرقابة.
مؤشرات حول تورط النظام السوري وحزب الله في عمليات التهريب
جاء في تقرير أصدره مركز التحليل والبحوث العملياتية COAR مؤشرات وبيانات تشير إلى تورط النظام السوري في عمليات الاتجار بالمواد المخدرة، فقد أصدر تقرير تحت عنوان: “الاقتصاد السوري في حالة حرب.. الكابتاجون والحشيش ودولة المخدرات السورية” مايو 2021 ، كما أكد تقرير آخر لصحيفة الغارديان البريطانية 7 مايو 2021 أن80% من هذه المادة المخدرة ينتج في سوريا، وهو ما أشارت إليه تقديرات الحكومة البريطانية، وأضافت أن “ماهر الأسد” شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصيًا على هذه التجارة في الخارج، وكذلك الأمر بالنسبة لتقديرات الولايات المتحدة الأميركية، مما دفع واشنطن في أواخر مارس 2023 لفرض عقوبات على عدد من الشخصيات السورية واللبنانية، بينهم “”وسيم بديع الأسد“، و”سامر كمال الأسد” الذي يملك مصنعًا ينتج الكبتاجون في منطقة القلمون القريبة من الحدود السورية اللبنانية وفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية 28مارس 2023 .
وفي تقرير “الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات” 2021 جاء أن منطقة الشرق الأوسط مازالت تعاني من الأثر الخطير للاتجار في “الكابتاجون” وصناعته في الآونة الأخيرة، ويفسر ذلك جزئيًا باستمرار انعدام الاستقرار السياسي والنزاعات التي لم تجد حلاً في هذه المنطقة، وقد حدد التقرير الجمهورية السورية ولبنان باعتبارهما بلدين مصدرين لهذا المخدر، وتقع معظم أسواق هذه المادة في دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية، والإمارات وقطر، كما يوثق التقرير حالات تهريب لهذا المخدر من سوريا ولبنان إلى دول شمال أفريقيا وبعض الدول الأوروبية.
أما عن تهريب السلاح فقد أشارت إحصائيات رسمية أردنية لزيادة عمليات التهريب بنسبة 400% منذ بداية الأزمة السورية بتهريب نحو 14 ألف قطعة سلاح للأردن، فيوجد في الأردن أكثر من مليون قطعة سلاح “غير مرخصة”، تنوعت بين بندقية “بمب-أكشن”، وهو سلاح يستخدم عادة للصيد، وكلاشنكوف، وهو سلاح روسي رشاش، وحتى قنابل يدوية وأجهزة تفجير عن بعد، كذا ذكر “بيتر هارليغ” الخبير المقيم بدمشق والذي يعمل في مجموعة “الأزمات الدولية” ازدهار تجارة تهريب السلاح في سوريا منذ 2011، و أن الناس في القرى العلوية يسلحون أنفسهم خشية الانتقام من المعارضة السنية، وأنه لو كان هناك رعاة أجانب (لحركة التسلح) كما يقول النظام (السوري)، لكانت المواجهة مع القوى الأمنية أكثر قوة مما هي عليه.
ارتفاع معدلات عمليات التهريب بعد حرب غزة
كانت عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن قد أخذت منحىًا تصاعديًا بعد حرب إسرائيل على غزة، ووصلت إلى حد إدخال الأسلحة والذخائر والصواريخ، وهنا قد تستخدم عمليات تهريب المخدرات والسلاح كورقة ضغط سياسية بهدف نقل الفوضى وعدم الاستقرار للأردن في حال اتخاذها مواقف سياسية معينة من قوى إقليمية بعينها، تؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة، لاسيما مع وجود علاقات جيدة تربط الأردن بالولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن ضبط عمليات تهريب أسلحة للضفة الغربية عن طريق الأردن.
وهنا نتوصل إلى أن عمليات التهريب على الحدود ما هي إلا حربًا بالوكالة عبر ميليشيات لتهريب السلاح واستنزاف حدود الكثير من الدول العربية وتدمير طاقتها البشرية من خلال إغراقها بالمخدرات، وأن نظام الأسد لن يوفي بالتزاماته التي ترتبها الاتفاقيات مع الدول العربية ومنها الأردن في إطار مكافحة عمليات تهريب المخدرات والسلاح، بل على العكس فقد استغل النظام عودته إلى الحاضنة العربية لتمرير مزيد من عمليات التهريب لصالح إيران وأذرعها وتحقيق مصالحهم في المنطقة، في مقابل الاسهام في تهديد أمن عدد من الدول العربية، فهناك غياب للإرادة السياسية لتطبيق الاتفاقات المبرمة في هذا الشأن، نتيجة عوامل سياسية والاقتصادية؛ فالحكومة السورية اعتمدت على دعم “حزب الله” والإيرانيين والروس للبقاء، ما سيصعب معه التنازل عنهم كحلفاء، ومن الناحية الاقتصادية فتجارة المخدرات والسلاح تمد الحكومة السورية ومعاونيها بالمال، وتشكل الاقتصاد الموازي، لاسيما في ظل العقوبات، ولذلك يصعب التخلي عنها إلا حال تأمين وسائل دخل بديلة.