الاخبار الرئيسيةمتابعات

مؤتمر السلام في سويسرا النتيجة صفر

الآمال الأوكرانية على مؤتمر السلام الخاصة بتسوية نزاعها مع روسيا، والتي امتد النزاع فيها لأكثر من عامين، ولا توجد أي بارقة أمل لإنهاء النزاع حتى الآن. في المحصلة لم يأت المؤتمر بأي جديد رغم محاولات الرئيس الأوكراني في دعوته للمؤتمر التخفيف من المطالب التي ينتظرها من المؤتمر، عندما أعلن أن البيان الختامي للمؤتمر سيعالج ثلاث قضايا رئيسية من المنصوص عليها في خطة السلام الأوكرانية وهي ضمان الأمان النووي والأمن الغذائي والأمر الثالث هو الجوانب الإنسانية المتمثلة في تبادل الأسرى وجثامين الجنود القتلى على أساس مبدأ الكل مقابل الكل وعودة الأطفال الأوكران الذين أجلتهم روسيا إلى أراضيها.

هذه الجوانب متفق عليها من الجميع وعملية تبادل الأسرى تجرى بين البلدين روسيا وأوكرانيا على قدم وساق بين حين وآخر، والأمن النووي حتى الآن تتصرف روسيا بحكمة في محطة زابوروجيا لتوليد الطاقة الكهربية ولم يحدث أي حادث يعكر صفو التواجد الروسي إلا زيارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية المستمرة للمحطة. وفي اعتقادي أن مسألة ضمان وصول المواد الغذائية والحبوب لدول الجنوب تسير أيضاً بمعدلاتها الطبيعية، رغم خروج روسيا من اتفاق الحبوب وأوكرانيا وأعلنت أنها وصلت إلى مستوى ما قبل النزاع في تصدير المواد الغذائية (الحديث يدور عن الحبوب التي تقول أوكرانيا أنها تطعم 400 مليون إنسان من دول جنوب الكرة الأرضية)، أي أن القرارات التي صدرت عن المؤتمر متحققة بالفعل ولا تحتاج لمثل هذا المؤتمر، إلا إذا كان الرئيس الأوكراني قد أراد من وراء عقد المؤتمر، أن يعرف من معه ومن ضده من دول العالم أو بمعنى أدق من مع روسيا ومن مع الغرب، لذلك ركز المؤتمر في بيانه الختامي على المسائل الإنسانية، وحتى الأمن النووي مرتبط بالأمن الغذائي، لأنه إذا وقع لا قدر الله حادث في محطة زابوروجيا سيكون كارثة على أوروبا والعالم لأن التلوث سيقضي على الأمن الغذائي، سواء في أوكرانيا أو روسيا اللتان تعتبران من أكبر منتجي القمح في العالم.

لا شك أن الرئيس الأوكراني في دعوته لحوالي 160 دولة لحضور المؤتمر، كان يراهن على مظاهرة تأييد لأوكرانيا في مطالبها لكنه فوجئ بأن دولاً كثيرة لا تريد الصدام مع روسيا أو لها مصالح استراتيجية، معها وهي من الدول التي لا تهتم كثيراً بالعقوبات، وكانت الضربة القوية هي رفض الصين للحضور، ومن وجهة نظري هذا الموقف ليس من منطلق التأييد لروسيا بالطبع، فالصين مستفيدة اقتصادياً من العقوبات المفروضة على روسيا، لكن أزمة تايوان هي ما يشغل الصين حالياً والغرب حليف أوكرانيا لا يريد تقديم تنازلات في هذا الملف، ورغم أن الصين عدلت قبيل المؤتمر من صياغة مبادرتها للسلام في أوكرانيا وتحدثت بدلاً من المطلق عن “وحدة وسلامة أراضي الدول في إطار ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، إلى الحديث عن سيادة أوكرانيا وهذا موقف إن صدق يعتبر نقلة نوعية في الموقف الصيني رغم عدم حضور بكين للمؤتمر.

لكن هناك مباراة أخرى كانت تدور رحاها بين الرئيسين الأوكراني والروسي، فقد اتهم الرئيس بوتين عشية المؤتمر زيلينسكي بأنه لا شرعية له حيث انتهت فترة رئاسته خلال الفترة الماضية وأن عليه إجراء انتخابات رئاسية جديدة أو حسب الرئيس بوتين تسليم السلطة لرئيس البرلمان كما قال وفق الدستور الأوكراني، ولن أدخل في جدل حول دستور أوكرانيا، وفق القادة الأوكران لا يمكن إجراء انتخابات في الظروف الحالية وحوالي 20% من أراض البلاد خارج سلطة أوكرانيا بل انضمت لروسيا وفق استفتاء ودستور روسيا، ربما هذا ما جعل الرئيس الأوكراني يقضي الشهر الأخير وبالتحديد بعد هذا التصريح في زيارات لدول أجنبية في اعتقادي للتأكيد على أنه الرئيس الشرعي لأوكرانيا وربما أراد اختبار شرعيته من خلال طرق الاستقبال، كرئيس لأوكرانيا وأعتقد أن حلفاء أوكرانيا أدركوا هذا، فعندما زار زيلينسكي أسبانيا استقبله في المطار الملك شخصياً، وعشية المؤتمر أطلق الرئيس بوتين قنبلته الثانية عندما أفصح عن رؤيته لبدء أي مفاوضات سلام لتسوية النزاع حين طالب القوات الأوكرانية بالإنسحاب من بقية الأجزاء التي تسيطر عليها في المناطق الأربعة التي سيطرت عليها روسيا وهي لوجانسك ودنيتسك وزابوروجيا وخيرسون بعد 24 فبراير 2022.

لا تسيطر القوات الروسية على هذه المناطق الأربع بالكامل حتى حدودها الإدارية، وأن تتعهد بعدم الانضمام للناتو وأن تلقي السلاح وتتخلى عن ايديولجيتها القومية المتعصبة، بمعنى أدق طالب أوكرانيا بالاستسلام كشرط لبدء التفاوض. ربما كان الرئيس بوتين بمبادرته أراد أن يتواجد في مؤتمر سويسرا لكن على طريقته الخاصة، وأن يرسل رسالة بمطالبه مقدماً لمن سيخطروه بنتائج المؤتمر، باعتبار أن هذه شروطه لوقف العمليات العسكرية، وكأنه يشارك في الحوار الذي دار في المؤتمر دون حضور فعلي، وهو كذلك بعث برسالة ضمنية لمن تحدثوا عن اجتماع روسيا والاتحاد الأوروبي المزمع عقده في المملكة العربية السعودية عقب المؤتمر الحالي، والتي توقع بعض الخبراء الروس أن يوجه الأوروبيون إنذار شديد اللهجة للرئيس بوتين ليوقف الحرب، ووفق السيدة يلينا بانينا مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية الروسي، توقعت بانينا أن تدعو الولايات المتحدة لمؤتمر سلام في الخريف القادم تدعو إليه روسيا لتوجيه إنذار نهائي لها بوقف العمليات العسكرية، ومكان المؤتمر الذي قد يعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية لم يكن اختياره اعتباطاً، فالجميع يعرف مدى تأثير السعودية في تحديد أسعار النفط بالتنسيق مع روسيا من خلال أوبك+، وغني عن التعريف أن المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفيتي دق عندما زودت الرياض إنتاجها من النفط، فانخفضت الأسعار التي كان لها تأثير كارثي على الاقتصاد السوفيتي حينها وعلى الدولة ككل.

نعود للمؤتمر الذي عقد في مدينة مدينة بيورجنشتوك السويسرية، فقد حضرت دول الغرب المؤتمر وكانوا اغلبية ولما لا وهم حلفاء أوكرانيا وداعميها، في كل الأحوال حضر بشكل أو بآخر حوالي 90 دولة بممثلين ذوى مستويات مختلفة، وثمان منظمات وهي الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتعاون الأوروبي والمجلس الأوروبي والفاتيكان. القمة بدأت بتبرير أسباب فرض العقوبات على روسيا، بينما الجانب الأوكراني تحدث عن سبب عدم دعوة روسيا لحضور مناقشات المؤتمر، وذلك حتى لا تضيع وقت المؤتمر في جدل، لكنهم وعدوا بإخطار روسيا بما سيتم التوصل إليه. لم تكن الأمور تسير بما يخدم مصالح كييف من عقد المؤتمر. أول المتحدثين كانت رئيسة سويسر افيولا أمهيرد، التي تذكرت فجأة حيادية بلادها وقالت “لا معنى لأى عملية سلام بدون روسيا”.

ثم تحدث وزير خارجية المملكة العربية السعودية فيصل بن فرحان وتحدث بنفس طريقة رئيسة سويسرا، مشيراً إلى أن أي مباحثات سلام جادة لا بد أن تتم في وجود روسيا، حتى الرئيس الأرجنتيني الجديد والذي انسحب من البريكس بعد تقدم سلفه بطلب الإنضمام، والذى يوصف بأنه ينتهج سياسة موالية للغرب، أعلن “أنه يستطيع أن يكره جاره، لكن إذا رفض هذا الجار شراء السلع الخاصة بي فإني سأفلس”، وهو ربما بعبارته هذه يدعو للسلام وعلاقات حسن الجوار بين روسيا وأوكرانيا وعودة العلاقات الطبيعية بينهما، وواضح أن الدول في أمريكا اللاتينية ترفض استمرار النزاع، بينما رئيس كولومبيا غادر المؤتمر بعد حضوره بوقت قليل، ثم كتب على صفحته على وسائل التواصل الإجتماعي ما يفيد بأن المؤتمر مصيره محدد سلفاً وهو لن يناقش أي وسائل أو حلول لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا.

لكن المدهش أنه قبل نهاية المؤتمر طالب الرئيس الفنلندي وهو من أشد المؤيدين لأوكرانيا والمنضم للناتو حديثاً، بعقد مؤتمر ثان لبحث النزاع الأوكراني الروسي، كما لو كان المؤتمر الحالي قد انتهى أو فشل، بينما السلطات السويسرية التي لم تتمكن من جمع سوى تقريباً نصف المدعوين، أدركوا أن المؤتمر فشل وبالتالي يجب الدعوة لمؤتمر جديد ستدعى إليه روسيا، ويبدو أن الدولة المضيفة أدركت أنه لا حل دون حضور الطرف الثاني روسيا، وإلا سيكون كل هذا مضيعة للوقت والمال.

لكن إذا نظرنا في قائمة المدعوين فإننا نرى أن دول الجنوب حضر منها  كل من البرازيل وإندونيسيا والهند وجنوب افريقيا والإمارات العربية المتحدة والفليبين وتايلاند لكن بمستوى تمثيل ضعيف أقل من وزير، بينما حضرت المملكة العربية السعودية بوزير الخارجية ونفس المستوى مثل تركيا، الرئيس الأمريكي كانت لديه مقابلة انتخابية مع بعض نجوم هوليود، فحضرت نائبته، وغادرت بعد اليوم الأول وفق وسائل إعلام روسية وأبقت جيك ساليفان مستشار الأمن القومي. الصين لم تحضر رغم إلحاح الرئيس الوكراني عليها بالحضور، وكان من وجهة نظره حضور الصين مؤشر مهم، لكنها لم تحضر على اعتبار ن المؤتمر لم تدع إليه روسيا الطرف الثاني والأهم في النزاع، كما أن أي قرارات سيكون من الصعب تنفيذها أو فرضها على طرف النزاع الثاني، في نفس الوقت تحدثت بكين عن تنظيم “قمة سلام” ستدعو إليها طرفي النزاع، ووزعت الخارجية الصينية بيان مشترك من الصين حول تسوية النزاع الأوكراني، وأشار المتحدث باسم الخارجية الصينية أن الموقف الصيني تؤيده أغلبية من دول العالم.

هذا عن المؤتمر وما يدور أو مادار فيه، لكن الأهم من ذلك ورغم عدد الدول الأقل كثيراً عن المدعوين، لكن على أي حال هناك 90 دولة وثمان منظمات حضرت وبصرف النظر عن مستوى التمثيل فإننا نجد أنفسنا هنا مطالبين، بأخذ رأي هذه الدول بعين الاعتبار، وكلنا يذكر خطة الرئيس الأوكراني لتحقيق السلام والمكونة من عشر نقاط ذكرت الثلاثة التي ناقشها العالم أو التي اتفق عليها المؤتمر بالفعل، وهي غير ملزمة لروسيا وفي تصوري يحاول الغرب وأوكرانيا تجريد روسيا من أهم ورقة ضغط تستخدمها روسيا وهي التهديد بضربة نووية في حال تدخل الناتو مثلاً أو تعرضها لهزيمة قد تؤثر هلى كينونة الدولة الروسية المترامية الأطراف والمتعددة العرقيات، أو إحداث أضرار بمحطة زابوروجيا النووية، أما مسألة تبادل الأسرى أو كما أطلق عليها الجوانب الإنسانية فهي تنفذ كل يوم، وقبل المؤتمر بفترة قصيرة تم تبادل 75 من الأسرى من الجانبين وإن كان المؤتمر يتحدث هنا عن الكل مقابل الكل وإغلاق الملف.

لكن إذا تحدثنا عن سبب هكذا مؤتمر فإنه بالإضافة لما ذكرناه يريد الغرب وأوكرانيا تعهد روسي وضمانات من الدول التي أقرت النقاط الثلاث التي وافقت عليها تقييد روسيا من استخدام أي أسلحة نووية أو إلحاق الضرر بمحطة زابوروجيا، وإلا ستصبح دولة منبوذة يحق لحلف الناتو مثلاً التدخل ضدها حتى لو كان هذا الاستخدام داخل أوكرانيا وفي محطة زابوروجيا، هناك سبب آخر وجوهري وهو بصراحة أن الغرب وجد نفسه أمام معضلة فلم تتوقع أوروبا التي لا تنتج أسلحة تقريباً نفسها بدون قدرات عسكرية أمام حرب طالت وتخطت العامين، وبالتالي تريد أوروبا كسب الوقت من خلال هكذا مؤتمرات لإعداد نفسها عسكرياً، وفي هذه الحالة إما ستدخل أوروبا الحرب إلى جانب أوكرانيا ممثلة في حلف الناتو، أو ستترك أوكرانيا لمصيرها لأنها ستكون قد أعدت العدة للدفاع عن نفسها حتى في حالة اكتساح روسيا للأراضي الأوكرانية وبالتالي سترتب أوراقها مع روسيا من جديد.

والآن فإنه سيكون على حلفاء أوكرانيا من الأوروبيين الاجتماع بروسيا، كما أعلنت عن ذلك سويسرا، للحديث فيما اتفق عليه العالم في المؤتمر الدولي بسويسرا، إذا وافقت روسيا على النقاط الثلاثة وهي نقاط تبدو بريئة وإنسانية ووافق عليها الحضور في المؤتمر بصرف النظر عن مستوى التمثيل لكنهم 90 دولة على الأقل وهو عدد غير قليل، رغم عدم توقيع بعض الدول على البيان الختامي، وإن كان لهم حق التوقيع لاحقاً، وسيعرض ما توصل إليه المؤتمر على روسيا قبل نهاية الشهر الجاري، وهنا الخبث الغربي هل توافق روسيا أم أنها سترفض هذه النقاط الإنسانية الصرفة والتي تهدف لإنقاذ البشرية من الجوع والتلوث النووي ولم شمل الأسر التي يرزح أولادهم أو عائليهم في الأسرمن الجانبين الروسي والأوكراني، لكن النقطة الأهم هي المتعلقة بالأمن الغذائي، والمعنية به دول جنوب الكرة الأرضية، ملعب روسيا الرئيسي الآن، فهم لا يعنيهم الأمان النووي كثيراً، وعدم موافقة روسيا على ضمان الأمن الغذائي سيضعها في موقف صعب مع دول الجنوب، خاصة وأنها هذا العام ربما لن تصدر حبوب بنفس مستوى العام الماضي لأسباب مناخية.

لكن وبعد انتهاء المؤتمر لا توجد بارقة أمل لحل النزاع أو حتى على الأقل لبدء مفوضات سلام جادة وكما أعلن وزير الخرجية الأوكراني في نهاية الأمر لابد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا، لكن على الأخيرة أن تبتعد عن لغة التهديد كما يقول الجانب الأوكراني، هذا في الوقت الذي صرح فيه الرئيس بوتين بأنه لا يريد توقيع اتفاق سلام مع زيلينسكي وإن كان يرحب بالتفاوض وفي هذا إشارة ربما للغرب المرهق للتخلص من الرئيس الأوكراني، وذلك بعد أن لاحظ بوتين تلهف الغرب على الخروج من المأزق الحالي. بينما يرى بعض الخبراء أن عملية التفاوض حتمية لكن عندما يدرك الطرفان أنهما وصلا لطريق مسدود على الأرض ومن خلال المعارك، لكن في الوقت الحالي حققت روسيا بعض التقدم على الأرض، لكنه ليس نقلة نوعية مهمة، بينما تراجع الجانب الأوكراني تحت ضغط نقص الذخيرة الناتج عن تأخر واشنطن عن الوفاء بالتزاماتها بسبب عدم تصويت مجلس النواب على تقديم المساعدات في الوقت المناسب، لكن الذي لا شك فيه هو أن جميع الأطراف أصابها الإرهاق من كافة النواحي والكل يبحث عن حل يحفظ ماء الوجه، ولا شك كذلك أن المؤتمر فشل بدليل الدعوات الأخرى لعقد مؤتمر آخر بحضور روسيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى