تأثير الأطراف الدولية على الانتخابات الصومالية
عاطف صقر –
أدلة كثيرة تؤكد تأثير الأطراف الدولية على الانتخابات الصومالية، خلال الفترة مابين انتهاء المدة الدستورية للرئيس فرماجو، فى فبراير 2021 وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية فى مايو 2022.
وهذه العلاقة ظهرت قبل ذلك، بعد انهيار الحكومة الصومالية فى عام 1991، فى عقد الكثير من المؤتمرات الصومالية بعواصم خارجية؛ لإعادة الصومال دولة طبيعية، بدلاً من حالة الدولة الفاشلة. كما صدرت قرارات من مجلس الأمن الدولى ومن منظمات إقليمية، ونفذتها دول معنية، لتحقيق الهدف نفسه.
فالصومال تطل على غربى المحيط الهندى ومدخل البحر الأحمر، وهو ممر لجزء مهم من التجارة الدولية. وزادت أحداث مابعد انهيار الصومال من أهميتها لمصالح دول شتى. فقد تحولت الصومال إلى ساحة مفتوحة جزئياً لـ”حركة الشباب “الصومالية ،المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، المصنف تنظيماً إرهابياً، يعمل ضد مصالح الدول فى الاستقرار. كم أن أزمتها ضخت كثيراً من اللاجئين إلى دول العالم المتقدم، التى أصبحت معنية بوقف أسباب اللجوء. ولهذا، فإن المشاكل السياسية الصومالية، التى أعقبت انتهاء مدة رئاسة فرماجو، وفرت الأجواء لتفاعل العوامل الخارجية مع التطورات الانتخابية.
ودارت أبرز المشاكل، فى هذه الفترة، حول كيفية استكمال انتخاب مجلسى الشيوخ والشعب؛ باعتبار أنهما ينتخبان رئيساً لفترة جديدة. لهذا ظهر تنافس داخلى على كيفية ضمان انحيازات نواب المجلسين الجديدين، باعتبار أن هذه الانحيازات- لأى مرشح للرئاسة- ستحدد الفائز بالأغلبية التى تدفعه إلى فترة رئاسية جديدة. وبدا أن البديل لعدم القدرة على التحكم فى تحديد النواب المنتخبين، هو السعى للبقاء فى الرئاسة من جانب الرئيس القائم (فرماجو)،فى مقابل مناهضة المعارضين لذلك من الطامحين للرئاسة أوالحريصين على استقرار العملية السياسية بالصومال.
لهذا كانت هناك محطات مهمة فى الصراع الداخلى، أبرزها عندما سعى فرماجو للتمديد لنفسه عامين عبر تعهده- فى أبريل2021- بإجراء الانتخابات فى غضون عامين(بدلاً من فبراير 2021) وموافقة مجلس النواب (الذى تختاره القبائل) على ذلك التعهد؛ لكن عدم موافقة مجلس الشيوخ(الذى تسيطر عليه الولايات الصومالية) أثار أزمة سياسية، ووقعت اشتباكات استولت خلالها قوات معارضة للتمديد (تابعة لزعماء بعض الولايات الصومالية)، على نقاط فى العاصمة؛ مما أثار مخاوف من انقسام قوات الأمن على أساس قَبَلى؛ ومخاوف من فتح الطريق أمام “حركة الشباب” للاستيلاء على الصومال.
وظهر العامل الدولى من خلال دعوة دول غربية- داعمة للصومال- فرماجو إلى العودة للتفاوض، مع التهديد بفرض عقوبات مالم يمتثل. ودعت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة فى الصومال جميع الأطراف إلى العودة للحوار بشكل فورى. كما حذرت الأمم المتحدة من أن المجتمع الدولى، الذى يقدم المساعدة للصومال، لن يتساهل مع أى تمديد للرئاسة. ونقل موقع “يورونيوز” أن محللين يرون أن فرماجو يعتمد على دعم تركيا ودولة خليجية ثرية بالغاز وحلفاء إقليميين مثل: إثيوبيا وإريتريا، مستغلاً انقسامات دولية تجاه الأزمة.
وتراجع ” مجلس النواب”(مع فرماجو) عن قرار التمديد، وتمت العودة إلى الاتفاق الانتخابى الخاص بإجراء انتخابات مجلسى النواب والشيوخ والرئاسة بشكل غير مباشر. وعقب ذلك ، تم حوار، واتفاق بين رئيس الوزراء وبين رؤساء الولايات الصومالية ، على كيفية إنهاء الأزمة الانتخابية . وساهم المجتمع الدولى فى تحقيق هذه الكيفية، التى جرت بموجبها انتخابات مجلسى الشيوخ والشعب، والرئاسة.
فوفقاً لتقرير أمين عام الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، فإن بعثة الأمم المتحدة واصلت اتصالاتها مع فرماجو وروبلى رئيس وزراء الصومال وآخرين؛ داعية إلى حل الخلافات بالحوار، وتنفيذ أى اتفاق بين الأطراف الصومالية بشأن الانتخابات، والالتزام بحصة المرأة فى البرلمان. وتمت الموافقة على تقديم نحو 4ملايين دولار مساعدة إضافية للانتخابات فى نوفمبر الماضى، ليبلغ ما قدمه المانحون 11 مليون دولار من إجمالى الميزانية البالغة 27 مليون دولار؛ بشرط إحراز تقدم ذى مصداقية فى تنفيذ الانتخابات.
وواصلت الأمم المتحدة تقديم الدعم التقنى والمالى للجان الانتخابية، وتقديم المساعدة والتخطيط مع بعثة الاتحاد الأفريقى لأمن الانتخابات فى أماكن الاقتراع. (تولت قوات بعثة الاتحاد الأفريقى الانتقالية “أتميس” تأمين مقر عملية انتخاب الرئيس الصومالى بمنطقة مطار مقديشو).
ونظم صندوق الأمم المتحدة للسكان حلقة نقاشية؛ حول تمكين الشباب الصومالى من المشاركة فى الانتخابات. وأصدر صندوق النقد الدولى بياناً يحذر فيه من عدم استكمال برنامجه لدعم الميزانية الصومالية، مالم يتم إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى الموعد المحدد. وترجع أهمية ذلك إلى أن الصومال لاتستطيع توفير ميزانيتها ودفع رواتب جنودها دون دعم خارجى، مما يضعف موقف رئيسها، عند إعاقة الانتخابات.
وأصدرت مجموعة “الشركاء الدوليون للصومال”(تضم نحو26 دولة ومنظمة إقليمية معنية بالصومال)عدة بيانات، تحث على الحوار بين الصوماليين، وتسريع العملية الانتخابية، مع عدم قبول تأجيلها ،وأن تحتوى كافة الأطراف، وتكون نزيهة وحرة، وأن يختار البرلمانيون “رئيساً” يخدم مصالح الصومال، وأن يصوتوا لضمائرهم من خلال: اختيار المرشح الذى يعتقدون أنه يوفر سياسات تعزيز السلام والاستقرار، والحكم السليم، فى السنوات القادمة.
وهددت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات ضد من يتلاعبون بالانتخابات، إذا لم يتم الالتزام بالموعد الذى حدده المجلس الاستشارى الصومالى المعنى بالانتخابات، بعد أن تأخرت هذه الانتخابات أكثر من سنة على موعدها المقرر.(والمعروف أن فرماجو يحمل الجنسية الأمريكية، الأمر الذى كان يحمل تهديداً له فى ضوء التقارير عن رغبته فى إعاقة الانتخابات والبقاء فى الرئاسة)
كل ذلك يؤكد أن المجتمع الدولى حاول تحريك العملية الانتخابية بالصومال وتحجيم العنف، عبر الضغط من أجل: الحوار بديلاً عن العنف، والالتزام بالمواعيد والاتفاقات الانتخابية، حتى تكتمل المؤسسات العليا الصومالية، لتخطو الصومال نحو الاستقرار،والتنمية، والديمقراطية .