جفاف القرن الأفريقى: الأسباب والعواقب والدروس
بقلم: عاطف صقر-
يبدو الاهتمام الإعلامى العالمى واضحاً، بما تعلنه منظمات دولية، بشأن المخاطر، التى تهدد بالموت جوعاً ملايين الأشخاص فى شرقى أفريقيا. والجفاف، ومايرافقة من ظروف محلية ودولية، يتسبب فى مثل هذه الكارثة.
لهذا نتناول ظاهرة الجفاف فى العالم، وامتدادتها فى شرقى أفريقيا، وبخاصة فى مناطق بالصومال وأثيوبيا وكينيا، التى تتجاور جغرافياً . كما نتناول الظروف المتزامنة مع الجفاف، مما يفاقم من تأثيراته السلبية، والدروس المستفادة من الكارثة لتقليل آثارها مستقبلاً.
الجفاف أكثر انتشاراً فى القارات
ووفقاً لتقرير بالإنجليزية لمراكز منع الأمراض والسيطرة عليها، فإن الجفاف هو الأسوأ تأثيراً على البشرية بالمقارنة بالكوارث الطبيعية، فى القرن العشرين. فالجفاف يؤثر على حوالى 55 مليون شخص على مستوى العالم سنوياً، فى حين تؤثر ندرة المياه على 40% من سكان العالم. وأصبحت موجات الجفاف أكثر انتشاراً فى العديد من القارات؛ بحيث بات هناك مايوصف بـ”تيار جفاف” . والآن، مع التغير المُناخى العالمى، يمكن أن تصبح موجات الجفاف أكثر انتشاراً على مستوى العالم. وتبدأ موجات الجفاف بشكل غير ملحوظ، لكن آثارها تتراكم مع الوقت، وتصبح آثارها ذات مغزى على الأرواح والممتلكات. وتعد موجات الجفاف فى المرتبة الثانية، من بين الكوارث المناخية المكلفة، بعد الأعاصير المدارية.
وفى القرن الأفريقى الأطول والأسوأ
أما فى منطقة القرن الأفريقى، فإن تكرار وقسوة مواسم الجفاف فى السنوات الأخيرة، مع الامتداد الزمنى الاستثنائى لمواسم جفاف 2021-2022، جعل الأمر أصعب وأصعب للعائلات، من أجل أن تستعيد حالتها الطبيعية بين صدمات الجفاف. وفى السنوات العشر الأخيرة، عانى القرن الأفريقى من ثلاث موجات جفاف( من 2010-2011، ومن 2016-2017 ومن 2020-2021). وأدى جفاف 2010-2011،وما تزامن معه من صراع “مسلح”، وقضايا خاصة بصعوبة الوصول للضحايا، إلى مجاعة فى الصومال. ودفع جفاف 2016-2017 الملايين فى المنطقة إلى حافة المجاعة؛ التى تم منعها -فقط- عبر استجابة إنسانية سريعة وفى الوقت المناسب.
وأصبح تزايد تكرار الصدمات بالجفاف فى المنطقة يعنى أنه أمام المعرضين لتأثيراته مساحة محدودة للعودة للحياة الطبيعية، بعد أن أدى الجفاف إلى زيادة عدد النازحين داخلياً، فى تجمعات بدائية واتسمت مواسم المطر(أكتوبر-ديسمبر2020،مارس-مايو 2021,اكتوبر-ديسمبر 2021،ومارس- مايو 2022) بأنها قليلة الأمطار. وموسم الجفاف الرابع- على التوالى- فى مناطق بالصومال ،وجنوب شرقى وجنوبى أثيوبيا، وشمالى وشرقى كينيا، جعل المنطقة تسجل الجفاف الأطول فى التاريخ المعاصر، والأسوأ بها خلال 40 سنة. وأرجع البعض حدوث الجفاف إلى ظاهرة الـ”نينو” التى تؤثر على المناخ، بما فى ذلك اضطرابات خاصة بقلة الأمطار أو الفيضانات.
كوارث تتضافر مع الجفاف
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية– المعروف باختصار “أوتشا”- فإن المجتمعات المتأثرة بالجفاف، فى الصومال وأثيوبيا وكينيا، تكافح من أجل التغلب على العواقب التراكمية لصدمات أخرى، تشمل: النزاعات، الفيضانات، وهجمات الجراد على المزروعات. فالعديد من تلك المناطق، أصيب بأمطار شديدة الغزارة، وفيضانات ضربت المنطقة عام 2019، والتى كانت سبباً رئيسياً لتكاثر تاريخى للجراد. كما تأثر القرن الأفريقى باضطراب إمدادات الغذاء العالمية، بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية؛ حيث تعتمد الصومال-مثلاً- على روسيا وأوكرانيا للحصول على أغلبية وارداتها من الحبوب.؛ فى الوقت الذى يترك فيه فيروس كورونا آثاره على انخفاض الدخول كما أدى ارتفاع أسعار الوقود، لارتفاع أسعار البترول عالمياً، إلى زيادة تكلفة النقل، فضلاً عن الارتفاع السابق لأسعار المواد الغذائية ، وما يضاف إليه من نقص فى المحاصيل ينتج عنه مواصلة ارتفاع أسعار الغذاء، وبالتالى زيادة مخاطر سوء التغذية.
تهديد حياة الملايين
ويهدد الجفاف نحو 20 مليون شخص بانعدام حاد للأمن الغذائى، خلال شهور، وفقاً لتحذيرات من منظمات إنسانية وهيئات للأرصاد الجوية. ففى الصومال، يوجد أكثر من 7ملايين شخص يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائى، بما فى ذلك 213 ألفاً فى ظروف خطر الموت جوعاً، و8 مناطق صومالية تهددها المجاعة من الآن وحتى سبتمبر القادم. كما يعانى نحو 7 ملايين أثيوبى ونحو4ملايين كينى من انعدام الأمن الغذائى بسبب الجفاف. كما نفق نحو 7ملايين رأس ماشية فى منطقة القرن الأفريقى؛ منها 3ملايين فى الصومال، ومابين 2-3 ملايين بأثيوبيا، وحوالى مليون ونصف المليون فى كينيا. والمعروف أن الماشية هى رأس المال لملايين العاملين بالرعى فى تلك المناطق، لدرجة أن سيدة نازحة وصفت نفوق الماشية بأنه يعنى الموت لمُلاكها.
نقص تمويل المساعدات
لهذا وجه العديد من المنظمات- المعنية بالمساعدات والإغاثة- نداءات لإمدادها بالمساعدات، مقدرين احتياجاتهم العاجلة–خلال شهور- بنحو 1800 مليون دولار(منها مليار للصومال،و640 مليوناً لأثيوبيا،و180 مليوناً لكينيا). وتريد تلك المنظمات الاستفادة من تجربة عام 2017؛ حيث أدت تعبئة إنسانية مبكرة إلى تجنب مجاعة بالصومال، فى حين توفى 260ألف شخص عام 2011- نصفهم من الأطفال- بسبب الجوع أو أمراض سببها الجوع. والآن، فإن نقص التمويل الحاد لبرامج المنظمات المعنية ،يعوق قدرتها على مواجهة أزمة التهديد بالموت جوعاً بالقرن الأفريقى، فضلاً عن عرقلة وصول المساعدات لبعض المناطق الصومالية بسبب موقف حركة الشباب، التى تعارض وجود منظمات الإغاثة لأسباب واهية.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة “يونيسيف”، فإن أكثر من 7 ملايين طفل يعانون من سوء حاد فى التغذية، بمن فيهم مليونا طفل يعانون من سوء حاد ومهلك فى التغذية. وقد نقل العديد من قنوات التليفزيون العالمية مشاهد حية للأوضاع المهلكة لمثل هؤلاء الأطفال، وماذكرته أمهاتهم عن أن بعضهن فقد طفلين من ثلاثة ،فى أثناء قطع مسافة 10 كيلومترات من منطقة النزوح إلى المخيم، أملاً فى إيجاد الطعام والماء.
الحفاظ على المياه
ويبقى المهم توصية بعض التقارير بالاستفادة من الأزمة فى تطوير برامج الحفاظ على المياه، وزيادة الاستثمارات فى المناطق المنكوبة؛ بحيث تتم الاستفادة من المياه الجوفية، وقت قلة الأمطار، وزيادة شريحة السكان العاملين فى حرفة الصيد، وبخاصة أن سواحل الصومال-مثلاً-تمتد نحو3آلاف كيلومتر، وغنية بالأسماك.