دراسات

أزمة كاراباخ.. صراع تشعل فتيله قوى إقليمية ودولية

بقلم الدكنورة فرناز عطية – ترى هل تنجح البعثة المرسلة من قبل الاتحاد الأوروبي إثر بيان مشترك صادر عن الأطراف المعنية عقب اجتماع رباعي في براغ، لكل من رئيس الوزراء الأرميني والرئيس الأذري والرئيس الفرنسي ورئيس المجلس الأوروبي إلى أرمينيا 7/10/2022 على طول الحدود مع أذربيجان لبناء الثقة بين البلدين والمساهمة في ترسيم الحدود وإنهاء الصراع بين يريفان وباكو، والذي تجدد اشتعاله في 13 سبتمبر 2022.


اتهامات متبادلة
تبادلت أذربيجان وأرمينيا الاتهامات بشأن تفاصيل بدء القتال، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأرمينية في بيان لها أن الأولى شنت قصفًا مكثفاً بالمدفعية والأسلحة النارية من العيار الثقيل على مواقع عسكرية أرمينية في بلدات غوريس وسوتك وجيرموك، كذا استخدمت طائرات بدون طيار في هجومها.
في المقابل اتهمت وزارة الدفاع الأذربيجانية القوات الأرمينية بشن أعمال تخريبية والقصف بقذائف الهاون على مساحات واسعة قرب مقاطعات داشكسان وكلباجار ولاشين، وقد أدت الاشتباكات إلى خسائر كبيرة لدى الطرفين، حيث قضى ما لا يقل عن 100 جندي أرميني، وأكثر من 50 جندي أذري في أقل من يومين لاندلاع الاشتباكات.

جذور الصراع
اشتعل فتيل الصراع بين كل من أرمينيا الحليفة التقليدية لروسيا في خلافها التاريخي مع تركيا بشأن مذابح الأرمن، وأذربيجان التي دعمتها تركيا في عدة مواجهات ضد أرمينيا كالتي اندلعت بشكل فجائي مع مطلع ابريل 2016 في إقليم “ناغورني قره باغ” المتنازع عليه بين البلدين منذ أكثر من مئة عام، وقد دخلت الدولتان حربين بسبب النزاع على الإقليم تخللتهما عدد من المواجهات، أما الأولى كانت عام 1992 عقب انتهاء الحقبة السوفيتية، بعد ضم الاتحاد السوفيتي الأقلية الأرمينية بإقليم كاراباخ لأذربيجان، وعزل الأقلية الأذربيجانية التي تقطن إقليم ناختشيفان داخل أرمينيا، مع منح كاراباخ حكماً ذاتياً.

والثانية 2020 انتهت بهدنة من خلال وساطة روسية، إلا أن تم خرقها عدة مرات، كان آخرها 3 أغسطس 2022، عندما حدث تبادل لإطلاق النار بين الطرفين على الحدود أدى إلى مقتل جندي أرميني وآخر آذري، وجدير بالذكر أن مجموعة “مينسك” الدولية التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مكلفة بإيجاد حل لمشكلة الإقليم منذ 20 عامًا وتترأسها كل من: فرنسا والولايات المتحدة وروسيا.

الصراع في ظل مصالح دولية وإقليمية متباينة :
استغل بل ساهم فاعلين دوليين وإقليميين في تأجيج وإشعال الصراع بين يريفان وباكو لتحقيق مصالح بعينها، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يحاولون توظيف الصراع بين البلدين كأداة للضغط على موسكو لتقديم تنازلات بعينها في أوكرانيا وسوريا، وإعادة إحياء اتفاق “مينسك” لاختراق الحديقة الخلفية لروسيا، وبالتالي محاولة تطويقها، إلى جانب تأمين إمدادات الطاقة للغرب.

أما الجانب الروسي بالرغم من دعمه لأرمينيا، وارتباط موسكو بقواعد عسكرية على أراضيها وتوحيد نظامهما الدفاعيين، إضافة إلى تواجد العنصر الروسي في أغلب الهيئات والمنظمات الاقتصادية والأمنية الأرمينية التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وعلى رأسها منظمة “معاهدة الأمن الجماعي”، إلا أن موسكو تدرك أهمية علاقاتها بكل من باكو ويريفان وبالتالي تحرص على تسوية الأزمة بالشكل الذي يلبي مصالح كل الأطراف، لاسيما مع ارتباط المنظومة الأمنية والدفاعية لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مع روسيا، من ناحية أخرى لا ترغب روسيا في فتح مزيد من الجبهات حرصًا على عدم استنزاف طاقاتها، وهذا ما حذر منه بوتين الغرب بعد زيارة وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات الأميركية، في 12 تموز/يوليو إلى أرمينيا، أن يحاولوا الضغط على موسكو باختلاق نزاعات في جبهات جديدة.

وبالنسبة لتركيا فإنا ترغب في حل الصراع لصالح باكو، وذلك لعدة اعتبارات هي: تعزيز التواجد العسكري الروسي في أرمينيا يعني الضغط على الحدود التركية الشمالية الشرقية المحاذية لأرمينيا، ناهيك عن الدعم الروسي ليريفان في ملف إبادة تركيا للأرمن، واستبعاد موسكو لأنقرة من ملف الصراع الأرمني الأذري بعد 2020 وعدم التنسيق معها في تسوية الأزمة والاكتفاء بنشر قوات روسية في الإقليم محل النزاع، إضافة إلى رغبة أنقرة في اعتراف باكو رسمياً بجمهورية شمال قبرص التركية، مما يدعم الأولى في خلافها مع قبرص واليونان، إلى جانب سعي أنقرة إلى تصفية حسابات مع الجانب الروسي تتعلق بالملف السوري ومنها اتهامات روسيا لها في وقت سابق بدعم بعض التنظيمات الإرهابية من خلال منظمات غير حكومية تركية تعد واجهة للمخابرات التركية في سوريا هي : “بيسار وايليكدر ومؤسسة الحريات وحقوق الإنسان”، إضافة إلى تسمية شركات تركية كـ”توحيد بيلسيم مركزي ” و”ترند ليمتد” تقوم بتزويد المقاتلين في سوريا بالمواد الكيميائية.

من زاوية أخرى ترتبط تركيا بأذربيجان بمجموعة من المشاريع الاقتصادية كالاستثمار في مجال النفط من خلال شركة النفط الأذرية SOCAR التي تعد أكبر مستثمر أجنبي منفرد في تركيا، وكذا خط أنابيب النفط المزدوج الذي ينقل النفط الأذربيجاني عبر جورجيا إلى محطات التصدير على شاطئ البحر المتوسط التركي، وآخر ينقل الغاز الطبيعي إلى تركيا وإلى أوروبا الذي يدر إيرادات ضخمة على الدولتين، لاسيما مع اعتزام رفع سعة خط “تاناب” لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا من 16 مليار متر مكعب إلى 32 مليارًا.

تأخذ إيران موقف المراقب المتربص إلا أنها تميل إلى دعم أرمينيا ضد الدولة الآذرية المسلمة، مستخدمة قضية مذابح الأرمن كورقة ضغط لكبح الطموحات التركية لزعامة منطقة الشرق الاوسط، ومن جهة أخرى تلعب المصالح الاقتصادية دورًا في العلاقة بين طهران ويريفان حيث تشتري كل احتياجاتها من النفط من إيران، إضافة إلى رفضها إلى أي تغيير في الحدود بين الدولتين تحسبًا في أن يؤثر ذلك على حدودها والطرق التي تربطها بأرمينيا وأوروبا، أو المساس بموقعها الجيوسياسي في القوقاز الجنوبي.

وأخيرًا فإن مستعرض ما سبق يؤكد لنا أن مهمة البعثة الأوروبية وحل الصراع بين الدولتين ليست من السهولة بمكان نظرًا لتعقد وتشابك مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين أصحاب المصلحة في هذه المنطقة، وأن عدم الوصول إلى حل حاسم لهذا الصراع يعد بنا إلى نقطة الصفر، ويبقى الصراع الأرميني الأذري لهبًا ساكنًا تحت رماد الأحداث المستجدة يمكن أن يشتعل في أي وقت كنتاج لتنازع المصالح بين الدول وتداخل ملفات الأزمات في المناطق المختلفة من العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى