متابعات

كيف إنعكست حرب أوكرانيا على الوحدة الألمانية؟ 

في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر عام 1990 أعيد دمج ألمانيا الغربية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية معاً وأعلن توحيدهما رسمياً. لكن بعد 32 عاماً كيف غيرت حرب بوتين في أوكرانيا من علاقة شرق ألمانيا مع غربها؟


أدى الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ستة أشهر لزعزعة غير مسبوقة للعقيدة السياسية لألمانيا التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية. كما حطم عددا من القناعات السياسية مؤكدا على الحاجة لتغيير سريع وجذري لبوصلة برلين في عالم متحرك. في بعض الأحيان يمكن رصد التغييرات الكبيرة في التفاصيل الصغيرة. فعلى سبيل المثال، تم نشر شريط مصور قصير، في شهر آب، لا تتعدى مدته ثلاثين ثانية على موقع يوتيوب، وهو أول فيديو ترويجي للجيش الألماني منذ خمس سنوات.

ويعرض الشريط في نصفه الأول جنودًا يرتدون الزي العسكري في مشاهد من الحياة اليومية: يلعبون مع أطفالهم، يشترون صحف ويتجولون في أنحاء المدينة.
وفي النصف الثاني فقط تم عرض الجانب الحربي لحياة الجنود من خلال صور لطائرات مقاتلة في تدريبات طيران سريعة ومشاهد سفن حربية في أعالي البحار، وجنود يهبطون من طائرات هليكوبتر رافعين شعار: “نحن حماة ألمانيا”.

لقد تسببت حربان عالميتان ودكتاتوريتان خلال القرن العشرين في كسر الثقة بين المجتمع الألماني وكل ما له علاقة بالعسكر. وبالتالي لم يكن الجنود بزيهم العسكري جزءًا من المشهد العام حتى الآن. ويمكن تأويل صور الجنود في شريط الفيديو على أنهم باتوا مظهرا طبيعياً تمامًا، في مؤشر على تحول جذري. فبسبب الحرب في أوكرانيا، بدأت ألمانيا في تطبيع العلاقة مع جيشها، إستعدادا للصراعات المستقبلية.

أعد المستشار الألماني أولاف شولتس الأرضية لهذا التحول الجوهري. فبعد ثلاثة أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا (27 شباط)، في خطاب تأسيسي حظي باهتمام كبير. ولم يتحدث المستشار عن “نقطة التحول” فحسب، بل استخلص أيضًا عددا من الاستنتاجات، أهمها ضرورة إعادة الاعتبار للجيش الألماني المُهمل منذ عقود بإنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتمويل المشتريات العاجلة.

المستشار وعد أيضا بالالتزام بما أكد عليه حلف الناتو عام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ويتعلق برفع ميزانية دفاع الدول الأعضاء إلى ما لا يقل عن عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ما جعل ميزانية التسلح الألمانية الأعلى في أوروبا. المستشار شولتس وعد أيضا في خطابه بالدفاع عن كل شبر من أراضي دول الحلف الأطلسي.

اليوم، وبعد ستة أشهر من بداية الحرب، أوضح الخبير الأمريكي جوزيف برامل في حوار مع DW أن كلمة “Zeitwende تسايتفينده” في خطاب شولتس ومعناها في الألمانية، تحول مفصلي وجوهري، أثارت انتباه صناع القرار في واشنطن. “لقد اتخذت برلين قرارا جعل الأمريكيين سعداء، خاصة وأن الأمر يتعلق باستثمار كبير بشراء طائرات مقاتلة من طراز إف.35 المكلف للغاية. وهذا معناه أنه أن ألمانيا ستظل ولعقود من الزمن تعتمد من الناحية التكنولوجية العسكرية على أميركا”.
ائتلاف “إشارة المرور” الحاكم في برلين، والمكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزبي الخضر والليبرالي، لم يتسلم مهامه بعد الانتخابات إلا في كانون الأول بشعار طموح “الجرأة على مزيد من التقدم”. لكن الحرب وأزماتها، أجبرت الحكومة منذ ذلك الحين على التضحية بعدد من القناعات الحزبية والوعود الانتخابية على مسلخ السياسة الواقعية.

فقد اضطر روبرت هابيك، وزير الاقتصاد وحماية المناخ (حزب الخضر) إلى إعادة تشغيل محطات الطاقة المغلقة التي تعمل بالفحم بسبب تقييد إمدادات الطاقة من روسيا. وهذا ما يمثل في حد ذاته تكسيرا لأحد محرمات حزب الخضر بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.وقد يضطر هابيك، وهو الذي يشغل أيضا منصب نائب المستشار إلى تمديد زمن تشغيل محطات الطاقة النووية. ويتعلق الأمر بثلاث مفاعلات كان من المقرر إغلاقها نهاية العام كجزء من التخلص التدريجي من الطاقة النووية وهي قضية في قلب برنامج حزب الخضر.

ينتظر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يترأس الائتلاف الحكومي من أعضائه أن يفعلوا ما لا يمكن تصوره منذ وقت ليس ببعيد. ففي خطاب ألقاه نهاية حزيران، لم يكتف لارس كلينغبايل الرئيس المشارك للحزب، بالدعوة إلى قيادة ألمانيا لأوروبا، حيث قال بصراحة “بالنسبة لي، تعني سياسة السلام أيضًا اعتبار القوة العسكرية كأداة سياسية مشروعة”.

إنه كلام مذهل في حزب يميل حمضه النووي تقليديًا نحو السلام ونزع السلاح وليس لبناء القوة العسكرية وفجأة أصبح من الممكن لألمانيا أيضا تسليم الأسلحة إلى مناطق النزاعات وهو ما يتعارض مع عقيدة سياستها الخارجية القائمة بعد الحرب العالمية الثانية. فقد اعتاد حزب الخضر بالتحديد على إدانة صادرات الأسلحة بشدة، على سبيل المثال إلى السعودية والدول المشاركة في حرب اليمن.

حزب بات يطالب اليوم بتسليم أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا في أسرع وقت ممكن. لقد شهد الحزب الاشتراكي هو أيضًا تحولا جوهريا، رغم أن الجناح اليساري القوي للحزب يواصل كبح جماح هذا التوجه. وبهذا الشأن اعتبر خبير الشؤون السياسة فولكر كروننبرغ من جامعة بون أنه في زمن التحولات التاريخية كهذه، لا تسير الحسابات السياسية كالمعتاد، ما يتيح الفرصة لسلك طرق جديدة. وأوضح كروننبرغ في حوار مع DW “لقد خلقت هذه الصدمة زخمًا يتيح مجالا كبيرا لإعادة التشكل السياسي. في أوقات هذا النوع من الأزمات يكون المجال واسعا للسلطة التنفيذية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى