فوز نتنياهو برئاسة الوزراء ومصير اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان
بقلم د. فرناز عطية-
انتهت الانتخابات الإسرائيلية في مطلع نوفمبر 2022 بعودة نتنياهو مجددًا لسدة الحكم وفوزه بمنصب رئيس الوزراء وثأره لهزيمته السياسية المتمثلة في إسقاط حكومته السابقة، ولكن هل يفي بوعده للجماهير في إلغاء أو تحييد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تل أبيب وبيروت المبرم في أكتوبر الماضي بوساطة أمريكية، الذي لطالما شن نتنياهو حملة عنيفة ضده قبل فوزه بالانتخابات.
بعد مفاوضات واتصالات مضنية استمرت لعامين تقريبًا بين لبنان وإسرائيل بوساطة أمريكية بهدف الوصول إلى حل منصف ودائم للنزاع القائم بين الدولتين منذ فترة طويلة بشأن الحدود البحرية واستغلال مصادر الطاقة في المتوسط، فقد تم توقيع اتفاق مؤقت ومحدود النطاق بين البلدين لترسيم الحدود البحرية بينهما في 27/10/2022، وبحسب البيانات اللبنانية المودعة لدى الأمم المتحدة عام 2011، فإن حدود لبنان تمتد إلى ما يعرف بخط 23، ويذكر أن إسرائيل تطالب بحصة داخل هذه الحدود تتراوح ما بين 860 و1430 كيلومتراً مربعاً وذلك وفقاً للخرائط الإسرائيلية، في حين يؤكد لبنان تبعية هذه المناطق لنطاق حدوده، والتي تضم الحقل المعروف باسم “قانا”، وهو ما جعل المنطقة المتنازع عليها بينهما بحدود 860 كيلومترًا مربعًا، وظل الوضع على ما هو عليه إلى عام 2020 عندما ألقت إسرائيل الحجر في المياه الراكدة وشرعت في الاستعداد لتشغيل حقل “كاريش” الواقع إلى جوار مناطق بحرية محل نزاع مع لبنان؛ مما أدى لتعطيل وتجميد الأعمال الإسرائيلية في الحقل، وكذا حرمان لبنان أيضاً من إمكانية جذب شركات التنقيب للعمل في حقل “قانا”.
يذكر أنه في الوساطات السابقة كانت هناك محاولات لحل النزاع من خلال اقتسام هذه المنطقة بين البلدين، ونتيجة هذا الاتفاق باتت هذه المنطقة كاملة للبنان، وبات الخط 23 يشكل الحدود المعترف بها من قبل إسرائيل للمياه الإقليمية اللبنانية باستثناء منطقة قريبة من الشاطئ اللبناني بمساحة بين خمسة إلى ستة كيلومترات مربعة بقيت غير محسومة وهي الآن تحت سيطرة إسرائيل التي تعتبرها نقطة استراتيجية، كونها تطل على ساحلها الشمالي، حيث نص الاتفاق على الاعتراف بخط إسرائيل الأمني قبالة مستوطنة “روش هنيكراه”.
ظروف وتوقيت إبرام الاتفاق:
- يعد الاتفاق “اتفاق الساعات الأخيرة” فقد أبرم قبل انتهاء ولاية الرئيس اللبناني “ميشيل عون” في مطلع نوفمبر الجاري، وعدم انتخاب مجلس النواب اللبناني حتى الآن لرئيس جديد؛ مما يعني بداية لمرحلة “الـفراغ الدستوري” غير محددة المدة ومجهولة التأثير على سير المفاوضات، إضافةً إلى أن الاتفاق أبرم قبيل الانتخابات العامة الإسرائيلية التي فاز فيها نتنياهو برئاسة الوزراء، لاسيما مع اعتراضه على الاتفاق وتهديده بإلغائه، ناهيك عن التوقعات الكبيرة التي تلوح باعتزامه تشكيل حكومة يمين متطرف ستتسم بمواقفها الراديكالية خاصة حيال الدول العربية.
- تهديدات “حزب الله” لإسرائيل في حال بدأت في عمليات الاستخراج والتشغيل لحقل “كاريش”، حيث اكتسبت هذه التهديدات طابع جدي عندما أرسل ثلاث مسيرات فوق الحقل وبث لاحقًا مقطعًا مصورًا عن إحداثيات الحقل ومعلومات عن باخرة التنقيب.
- استمرار الحرب الأوكرانية الروسية وتسببها في إحداث أزمة في سوق الطاقة العالمي، وبالتالي فإن أي إنتاج إضافي للغاز بات حاجة ضرورية لأوروبا وأمرًا مرحباً به من قبل للولايات المتحدة.
- يتواكب الاتفاق مع عزم الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن استئناف المحادثات بشأن الملف النووي الإيراني.
مبررات ابرام الاتفاق - رغبة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في خفض التوتر وتجنب الاحتكاك والمناوشات بينه وبين “حزب الله”، حيث يرون أن الاتفاق بمثابة تعزيز لأمنهم واستقرارًا لحدودهم الشمالية ودعمًا لاقتصادهم بمليارات من عائدات أي غاز يتم اكتشافه.
- اعتبار معظم اللبنانيين أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل يعد فرصة عظيمة أمام لبنان لدخول سوق الطاقة العالمي كمنتج ومصدر يجب استثمارها، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد.
- صعوبة لجوء “حزب الله” لاعتراض أو عرقلة عملية التفاوض خوفًا من استثارة الغضب الشعبي، أو أن يظهر الحزب وكأنه يفوت على البلاد فرصة قد تساهم في تخطي الأزمة الاقتصادية.
- عدم جاهزية طهران للدخول في مواجهة مع واشنطن الضامنة للاتفاق بين تل أبيب وبيروت، أملاً في العودة إلى مادة المفاوضات لمناقشة الملف النووي الإيراني من جديد.
مقايضة قانا بكاريش
كشفت مسوحات شركة توتال الفرنسية للمياه اللبنانية أن “حقل قانا” اللبناني بالقطاع رقم 9 يتجاوز الخط 23 جنوبًا، بمعنى أن أجزاء منه تقع ضمن المياه الإسرائيلية التي تم الاعتراف بها، وفي هذا الإطار قضى الانفاق بأن يكون لبيروت الحقوق الحصرية في الاستفادة منه وتطويره، على أن تقوم شركة توتال الفرنسية، التي فازت بمناقصة التنقيب في القطاع رقم 9، بإبرام اتفاق منفصل مع إسرائيل لتعويضها عن حصتها في الحقل من أرباح الشركة الخاصة وليس من أرباح لبنان، وعلى الجانب الآخر يتم إطلاق يد إسرائيل في حقل “كاريش”.
عقبات تواجه الاتفاق
يواجه هذا الاتفاق عدة عقبات تتمثل في معارضته من قبل سياسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي الذي يسعى في الوقت الراهن لتشكيل حكومة يمين متشدد، إضافة إلى جماعات سياسية محافظة وعلى رأسها “منتدى كوهيليت للسياسة” على أساس أنه لا يحق للحكومة المؤقتة تغيير الحدود الملاحية أو اتخاذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية الحاسمة دون تفويض انتخابي، كما أن الاتفاق لا يتعرض للحدود البرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وبالتالي قد تتم إعادة التفاوض على الحدود البحرية بينهما إذا جرت مفاوضات بشأن هذه الحدود البرية الفاصلة بين البلدين- والتي لم يتم التطرق لها الاتفاق- كما أن الاتفاق لم يحصل على الموافقات النهائية في البلدين، ناهيك عن أن “حزب الله” لا يرى أن هذا الاتفاق سبيل لفتح باب التطبيع والحوار مع تل أبيب، إلا أن العداء التقليدي بينهما لايزال قائمًا على أساس أن إسرائيل مازالت دولة احتلال تغتصب أجزاء من الأراضي اللبنانية يسعى الحزب لتحريرها.
وبالرغم من هذه العقبات التي تعترض طريق الاتفاق ورؤية البعض على الجانبين أن الاتفاق يعد هشًا، إلا أن هناك مظاهر تؤشر إلى احتمالية استمراره وإتمام إجراءات الموافقة عليه من قبل الجانبين من أبرزها: تصريحات الوسيط الأمريكي “آموس هوكستين” الذي وصف الاتفاق بالتاريخي واستبعد أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية القادمة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إلغاء الاتفاق؛ حيث أكد أن الأغلبية في إسرائيل تدعمه، كما ذكر أن “حزب الله” أعلن دعمه للحكومة اللبنانية بشأن الاتفاق، كما رحب به الجيش اللبناني، كما رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في وقت سابق أربعة طعون قضائية على الاتفاق دون إبداء أسباب، كذلك يرى البعض أن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل ذا طابع وصياغة مختلفة فقد لا يحتاج إلى التصويت عليه في الكنيست بأغلبية الثُلثين أو أن يجرى بشأنه استفتاءً شعبياً، حيث لن يتم التوقيع المشترك عليه، ولكن ستوضع خطابات لكل من أطراف الاتفاق ” لبنان وإسرائيل” والولايات المتحدة كونها وسيط وضامن، تنص الخطابات على قبول كل منهما على حدة للمقترح الأميركي الذي يشمل بنود الاتفاق، في وثائق تقدمها الدولتين إلى منظمة الأمم المتحدة.
وعلى الجانب اللبناني أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني “نجيب ميقاتي” أن الضمانات الأمريكية ستحمي الاتفاق، وأنه بات في عهدة الأمم المتحدة، علاوةً على ذلك فإن تهديدات “حزب الله” لإسرائيل لاتزال قائمة بشأن حقل “كاريش” في حال لم يسوى ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، هذا إلى جانب رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تقليل الاعتماد على إيران وروسيا كمصدر للطاقة في المنطقة، والتخفيف من انخراط طهران في الشأن اللبناني بشكل خاص والإقليم بشكل عام، وفي ظل ما سبق نجد أنه من الصعوبة بمكان أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية لإلغاء الاتفاق بشكل كامل بحيث ينتهي أثره كأن لم يكن.