مقالات
انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي.. الأهمية والدلالات
بقلم د. فرناز عطية
نتهت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي بدأت في 8 نوفمبر 2022 وذلك بفوز حزب الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب وهو الغرفة الأدنى للكونجرس بواقع ٢١٨ مقعدًا حصل عليها الجمهوريون مقابل ٢١٢ مقعدًا للديمقراطيين في حين يبلغ إجمالي مقاعد مجلس النواب 435 مقعدًا، أي أن الجمهوريين استطاعوا الفوز بالأغلبية البسيطة، بينما نجح الديمقراطيون في السيطرة على الغرفة العليا للكونجرس وهي مجلس الشيوخ، حيث وصل الديمقراطيون إلى المقعد رقم 50 بينما ظل الجمهوريون عند المقعد رقم 49، في مجلس الشيوخ الذي يتكون من 100 مقعد.
أهمية انتخابات التجديد النصفي:
ترجع أهمية هذه الانتخابات إلى:
- تحديد من سيسيطر على الكونغرس والمجالس التشريعية في الولايات ومكاتب حكام الولايات، كما أنها ستؤثر على مسار الانتخابات الرئاسية 2024.
- التوازن والرقابة فمنذ وصول الرئيس “بايدن” إلى سدة الحكم من سنتين تقلص كم الاستجوابات الموجهة للبيت الأبيض؛ نظرًا لسيطرة الديمقراطيين على الكونجرس وبالتالي التراخي في الرقابة، بينما مع استحواذ الجمهوريون على مقاعد مجلس النواب فمن المتوقع أن تشتد الرقابة على مشاريع القوانين، وكذا يتحقق نوع من التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ما بين سيطرة الجمهوريين والديموقراطيين.
- تعد هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على أول عامين من فترة الرئاسة، حيث يكون الحزب الحاكم معرضًا لتلقي الضربات في أغلب الأحيان في هذه الانتخابات على يد الحزب المنافس.
عوامل ساهمت في فوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب:
أدى تضافر مجموعة من العوامل تمثلت في: الشعبية المنخفضة نسبيًا للرئيس “بايدن”، بالإضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية الذي أفرزته الأزمة الأوكرانية فقد سبق وأن أقر مجلس النواب قانون يتضمن تقديم مساعدات تصل قيمتها إلى 14 مليار دولارًا لأوكرانيا وبموجب هذا القانون تتاح الفرصة لكييف لحماية الشبكة الكهربائية في البلاد والتصدي للهجمات السيبرانية والاستحواذ على الأسلحة، وكذا تم تخصيص ما يقرب من 3 مليار دولارًا على سبيل المساعدات الإنسانية؛ وهو ما أدى بدوره إلى وصول التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أعلى مستوياته، إلى جانب الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة والمواد البترولية ورفع سعر الفائدة لعدة مرات على فترات قصيرة متوالية ومخاوف بشأن ازدياد معدلات الجريمة المجتمعية، هذا بخلاف رغبة الناخبين المعتادة في التغيير.
نتائج محبطة ” للمد الأحمر”
وعلى عكس ما كان متوقع جاءت نتائج هذه الانتخابات صادمة للجمهوريين وأنصارهم؛ حيث أشارت توقعاتهم إلى اكتساح “الموجة الحمراء ” أو “المد الأحمر” – في إشارة إلى الجمهوريين- لمقاعد الكونجرس بغرفتيه، ولكن النتائج اختلفت على أرض الواقع فقد أهدر الجمهوريون ما اعتبره البعض فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل جيل لاستعادة السلطة على الكونجرس، لعدة أسباب تمثلت في الآتي : - انقسام الجمهوريون، الذين يتراوحون بين المعتدلين في مناطق التنافس في الضواحي إلى المتشددين المحافظين.
- الأداء الباهت للحزب الجمهوري الذي يُعزى إلى اثنين من قادة الحزب، هما: الرئيس السابق “دونالد ترامب” وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ “ميتش ماكونيل”، لاسيما بعد أن أعلن الرئيس السابق “ترامب” رسميًا عن سعيه للترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة عام 2024.
- ” قضية الإجهاض ” وقرار المحكمة العليا في يونيو المتصل بإلغائها، وهو ما حفز النساء للتصويت بكثافة، وبالتالي تسابق الجمهوريون والديمقراطيون لتقديم تشريعات في هذا الشأن، حيث وعد الديمقراطيون بإقرار حقوق الإجهاض في القانون الفيدرالي، بينما اقترح الجمهوريون فرض حظر وطني على الإجهاض بعد 15 أسبوعًا من الحمل.
- خلل في القرارات التكتيكية الحاسمة، وسوء قراءة لاستطلاعات الرأي وسوء التقدير الاستراتيجي وتشتيت الجهود؛ فبدلاً من التركيز على السياسات التي تخدم الاقتصاد وتحقق الرفاهية للمواطن تم الاهتمام بالاقتتال الداخلي والمناورات من وراء الكواليس.
- اتهام “بايدن” والديمقراطيون لمعارضيهم من الجمهوريين بالمتطرفين، وقد ألصقت بهم هذه التهمة بشكل جلي مع إعلان ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، مما أدى لانصراف شريحة هامة من الناخبين للتصويت للديموقراطيين بالرغم من عدم رضاهم عن “بايدن” وممارساته السياسية.
دلالات هامة لنتائج الانتخابات: - فوز الجمهوريون بأغلبية مجلس النواب يعني أنهم قادرين على عرقلة خطط الرئيس “بايدن” وأجندته خلال فترة حكمه المتبقية، حيث سيسيطر الجمهوريون على جميع لجان مجلس النواب بسلطات إشراف واسعة، وبالتالي لهم القدرة على تعطيل مشاريع قانون أبرزها ما يرتبط بأولويات الميزانية الفيدرالية، مما يشكل قيدًا على قرارات “بايدن” وسياساته لاسيما فيما يتعلق بتقديم الدعم لأوكرانيا.
- سيطرة الديمقراطيون على مجلس الشيوخ يعد طوق النجاة للديموقراطيين في مواجهة الجمهوريين في هذه الانتخابات، من خلال:
• إعطاء الحق للديمقراطيين في الموافقة على القضاة الذين يختارهم الرئيس لشغل المناصب في محاكم المقاطعات ومحاكم الدائرة والمحاكم العليا.
• دعم الديمقراطيين في كسب مقاعد جديدة في المحكمة العليا التي تتمتع الآن بأغلبية 6-3 من المحافظين.
• يكون لهم الحق في رفض التشريع الذي يرسله مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
• يتح لهم تعليق خطط الجمهوريين الرامية إلى إجراء التحقيقات مع “بايدن” وأسرته، خاصة نجله “هانتر” فيما يتعلق بتعاملاته التجارية مع أوكرانيا والصين إلى جانب تهم الاحتيال والتهرب الضريبي.
• قدرة الديمقراطيين على منع أي محاولات من قبل الجمهوريين في مجلس النواب لعزل “بايدن”.
وبالتالي بعدما تكشفت النتائج النهائية لانتخابات الكونجرس الأمريكي يتوقع أن ترسم هذه النتائج ملامح عامة تتسم بها السياسة الأمريكية الخارجية في المرحلة المقبلة اتجاه عدد من القضايا، فعلى سبيل المثال يتوقع أن تغل يد الرئيس الأمريكي “بايدن” فيما يتعلق بالدعم المقدم لكييف في إطار الأزمة الأوكرانية، ويقل انخراط الولايات المتحدة في هذه الأزمة، وغيرها من الملفات التي تستنزف وترهق الاقتصاد الأمريكي، كما يتم تقييد تحركات “بايدن” في كثير من ملفات السياسة الخارجية للبلاد، كالملف النووي الإيراني والذي كان مقرر أن يستأنف “بايدن” المباحثات فيه مع طهران للوصول لاتفاق، أما الآن فأصبح هذا الأمر مستبعد مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، خاصة مع إصرار طهران على الوصول إلى اتفاق يُصوّت عليه الكونجرس، كي لا يكون عُرضة للإلغاء في حالة وصول رئيس أمريكي جديد عام 2024، مما يعني إجمالاً أن المرحلة المقبلة ستشهد إحكام الرقابة من قبل الكونجرس على تحركات الرئيس وقراراته فيما يرتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية.