تصعيد مزدوج ..الكرد بين مطرقة أنقرة وسندان طهران
تحليل د, فرناز عطية –
أضحت إيران تحذو حذو تركيا في انتهاجها سياسة انتهاك سيادة دول الجوار العربي المتاخمة لها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي مستغلة الأزمات والتوترات الداخلية الأمنية والسياسية التي تشهدها الدول العربية، فقد شهد شهر نوفمبر الجاري تصعيد من قبل الدولتين في وقت واحد تقريبًا تجاه الكرد في شمال وشرق سوريا وشمال العراق، ففي الوقت الذي قصفت فيه أنقرة الكرد في شمال وشرق سوريا وشمال العراق فيماعرف بعملية “مخلب السيف” 20 نوفمبر 2022 حيث أعلنت أنها قامت باستخدام الأجواء السورية في استهداف هذه المناطق للمرة الأولى منذ 2019، وهددت تركيا بعملية اجتياح برية لعدة مناطق كردية في شمال وشرق سوريا بعد “تفجير إسطنبول” بشارع الاستقلال 13 نوفمبر والذي أودى بحياة 6 أشخاص وإصابة أكثر من 80 شخصًا، والذي تدور حوله العديد من التساؤلات، لاسيما وأن الحكومة التركية اتهمت مسلحين أكراد بالمسؤولية عن التفجير، في حين نفى حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية مسؤوليتهما عن الحادث.
وقد وظفت أنقرة هذا الحادث في العملية التي أطلقتها، حيث بررت وزارة الدفاع التركية الهجمات في بيانها بالآتي: “وفقاً لحقوق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بهدف التخلص من الهجمات الإرهابية من شمال العراق وسوريا، وضمان سلامة الحدود، والقضاء على الإرهاب في منبعه”.
على الجانب الآخر نجد طهران تلجأ أيضًا إلى ضرب الأكراد شمال العراق، حيث أعلن الحرس الثوري 21 نوفمبر 2022 عن بدء جولة جديدة من الهجمات بالصواریخ والطائرات المسيرة على ما وصفه بمعاقل جماعات معارضة كردية إيرانية متمركزة في العراق، التي تتهمها حكومة الجمهورية الإسلامية بالمساعدة في تأجيج الاحتجاجات المستمرة في إيران منذ سبتمبر2022 بعد مقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني”.
دوافع تقف وراء القيام بالهجمات
- استغلال انشغال العالم والقوى الدولية الكبرى في الحرب الأوكرانية وما تمخض عنها من أزمات على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
- صرف الانتباه الشعبي في كل من إيران وتركيا للخارج للتغطية على المشكلات الداخلية.
- التدهور الاقتصادي في تركيا وإيران.
- رغبة الدولتين في إحداث تغيير ديموغرافي للمناطق الكردية في شمال وشرق سوريا وشمال العراق.
- تخوف كل من تركيا وإيران من العمق الكردي بسوريا والعراق، لاسيما وأن المناطق الكردية في تركيا وإيران لها حدوداً مشتركة لمئات الكيلومترات، مما يهدد هاتين الدولتين الأخيرتين بانتشار المد القومي إلى الكرد داخل أرضيهما، فدولة كإيران على وجه التحديد تخشى من استخدام “قوى أجنبية” لأربيل والسليمانية لتمرير الدعم اللوجيستي لمهاباد وسنندج .
- رغبة أنقرة في تنفيذ عملية عسكرية بالشمال السوري هددت بها أكثر من مرة لفرض حزام أو منطقة أمنية عازلة تفصلها عن شمال سوريا حتى أنها فشلت في الحصول على موافقة روسيا على هذه العملية في قمة طهران يوليو 2022.
- انكار كل من أنقرة وطهران لوجود أزمة بين النظام والشعب سواءً نظام الملالي بإيران أو حزب “العدالة والتنمية” بسبب الاستبداد والقمع ولجوئهم لاستخدام الكرد ككبش فداء لعجزهم عن مواجهة الاحتقان الداخلي.
- رغبة أنقرة في فرض واقع جديد على الأرض قبل مؤتمر “أستانا” ومحاولة الضغط لإقراره هذا الواقع خلال المؤتمر.
- قرب خوض “أردوغان” وحزبه لانتخابات غير مضمونة النتائج، نظرًا لانخفاض شعبيته في الداخل التركي.
- إضعاف تركيا لقوات “قسد” والقضاء عليها، حيث طال القصف التركي مناطق في شمال دير الزور وهي تبعد عن الحدود مسافة تزيد على 200 كم في سابقة لم تشهدها العمليات التركية الأربع السابقة، كما أكدت الجولة “الـ19 لمؤتمر أستانا” خلال شهر نوفمبر 2022 على تقويض الخطط الانفصالية وهو ما يسمح لتركيا بتكرار مثل هذه الهجمات، إضافة إلى سعي تركيا إلى التقارب مع النظام السوري فقد أعلن “أردوغان “عن إمكانية لقائه بـ”الأسد” وأنه لا خصومة في السياسة، وكذا لقاء رئيسي جهازي الاستخبارات التركي والسوري “هاكان فيدان” و”علي مملوك” في دمشق 15 سبتمبر 2022.
- توجيه رسالة من النظام الإيراني لخصومه من الفاعلين الإقليميين والدوليين تذكيرًا بقدرات طهران على التصعيد المباشر في حال تطلب الأمر، وأنها لا تكتفي بوكلائها في المنطقة فحسب، خاصة مع محاولة البعض استغلال مناطق الحدود الإيرانية العراقية لتهديد الأمن الإيراني، فيذكر أن جهاز مخابرات الحرس الثوري في منتصف مارس 2022 أعلن عن اكتشاف “مراكز استراتيجية إسرائيلية” تعمل بشكل سري انطلاقاً من أربيل، ويرجح أن لها علاقة بأفراد الشبكة الذين اعتقلوا بتهمة التخطيط لاستهداف منشأة “فوردو” النووية قرب العاصمة طهران.
- محاولة النظام الإيراني التنصل والإفلات من مسئوليته عن جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها بحق شعبه والمطالبات الدولية بمعاقبته جراء هذه الممارسات، وذلك من خلال الالتفاف واتهام الكرد بتهديد الأمن القومي الإيراني، وتبرير هذه الممارسات بأنها دفاعًا عن أمن البلاد ضد الإرهاب، لاسيما بعد قرار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضد إيران، والذي سيتم بموجب أحد بنوده تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق للتعامل مع قمع الاحتجاجات في إيران، ويذكر أن القرار حصل على 25 صوتًا لصالحه، و 6 ضده، وامتنع 16 عضوًا عن التصويت.
ردود الأفعال تجاه الهجمات التركية والإيرانية
افتقرت ردود الأفعال سواءً الدولية أو الإقليمية إلى موقف حاسم قوي تجاه الاعتداءات التركية والإيرانية على شمالي سوريا والعراق، حتى أن النظام السوري غض الطرف عن هذه الاعتداءات، بينما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقف التنسيق مع التحالف الدولي فيما يخص عملياته ضد تنظيم داعش؛ احتجاجًا على الصمت الأمريكي تجاه القصف التركي على مواقعها في الحسكة وريف حلب، كنوع من المناورة بالإضافة إلى تذكير “بايدن” بوعوده بعدم التخلي عن الكرد كما فعل ترامب، من جهة أخرى اقتصر الموقف الأمريكي على معارضة واشنطن لأي عمل عسكري يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع في سوريا، وقد جاء هذا التصريح بعدما أعلنت وسائل إعلام تركية أنّ المقاتلات التركية استهدفت مقراً أقامته القوات الأميركية لتدريب عناصر حزب العمال الكردستاني في الحسكة السورية، أما روسيا فقد اتخذت موقفًا رخواً، حيث حثت على إيجاد حل سلمي لمشكلة الأكراد، و أكدت أن تركيا لم تخطرها مسبقاً بالعملية الجوية في سوريا والعراق، كما أكدت على ت”قوييض خطط الانفصاليين”، وهو ما جاءت به أستانا في جولتها الـ19.
وعن موقف الحكومة العراقية تجاه الضربات الإيرانية فقد اعتبرت الأمر انتهاكًا لسيادة العراق، وقد لبى رئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني” دعوة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” بزيارة طهران لمناقشة عدد من القضايا أبرزها استهداف حزب العمال الكردستاني من قبل الحرس الثوري الإيراني، أما حكومة إقليم كردستان العراق 21/11/2022 أصدرت بيانًا عاجلاً يدين بشدة الهجوم الإيراني، وطالبت بغداد والأمم المتحدة باتخاذ موقفًا واضحًا وصريحًا تجاه هذه الاعتداءات المستمرة، كما أدانت القيادة العسكرية الأمريكية للشرق الأوسط (سينتكوم) في بيان لها “لضربات الإيرانية عبر الحدود التي نُفذت بـ”صواريخ وطائرات مسيرة” قرب أربيل، ووصفتها بأنها “هجمات عشوائية وغير قانونية تُعرض المدنيين للخطر وتنتهك السيادة العراقية”.
وإجمالاً، فإن السيناريو الأقرب هو أن تشهد مناطق الكرد في شمال وشرق سوريا وشمال العراق المزيد من الهجمات المماثلة سواءً الموجهة من قبل التركيا أو من قبل إيران؛ وذلك لعدم وجود موقف حاسم يردع هذه الدول سواءً من القوى الكبرى التي تتوافق مصالحها مع هذه الأوضاع أو منظمات المجتمع الدولي، ناهيك عن الارتباك السياسي والانفلات الأمني الذي تعانيه كل من سوريا والعراق، أضف إلى ما سبق أن حيز المناورة والضغط للكرد محدود ودليل ذلك أن “قسد” عندما لجأت لضغط على الولايات المتحدة بوقف عملياتها مع التحالف الدولي ضد داعش، أعلنت مؤخرًا واشنطن أن مقتل زعيم داعش “أبو الحسن القرشي” في منتصف أكتوبر في إحدى العمليات في جنوب سوريا التي لم تشارك فيها- وتعد هذه هي المرة الأولى التي لا يشارك فيها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في قتل أعلى قائد بالتنظيم المتطرف، كما أنها المرة الأولى التي يُقتل فيها زعيم للتنظيم في جنوب سوريا وليس في شمالها، حيث تبسط مجموعة من الفصائل بعضها مدعوم من الولايات المتحدة – وما لبث إلا وأن أعلن الجيش السوري عن مسئوليته عن مقتل الزعيم الداعشي، كما يتوقع استكمالاً لهذا السيناريو استعادة الخلايا الداعشية النائمة لنشاطها، لاسيما بعد هروب عدد من عناصر التنظيم من السجون، وهروب نساء ينتمون لداعش من مخيم الهول.