متابعات

أزمة استثنائية ..إلغاء حكومة نتنياهو قانون “المعقولية” (الدوافع والتداعيات)

تحليل د. فرناز عطية .. جددت مصادقة البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” في قراءته الأولى للبند الرئيسي الأول “إلغاء اختبار المعقولية” الذي صاغه “سيمشا روثمان” عضو الكنيست عن الائتلاف الحاكم ضمن مشروع خطة “الإصلاح القضائي” التي تتبناها الحكومة اليمينية الإسرائيلية بزعامة “بنيامين نتانياهو” أضخم احتجاجات شعبية شهدتها إسرائيل في تاريخها والتي اندلعت منذ ستة أشهر.

ويرى كثير من الإسرائليين أن هذا المشروع يمثل خرقًا للعهد الاجتماعي بين المواطن والدولة الإسرائيلية، وتواجه هذه الخطة معارضة واسعة في الداخل والخارج بما في ذلك الولايات المتحدة، ويحد مشروع القانون المقترح من صلاحيات المحكمة العليا، كما يلغي إمكانيّة أن يفصل القضاء في “مدى معقوليّة” قرارات الحكومة، بحيث يوسع من سلطات الحكومة على حساب تقليص سلطة (المحكمة العليا)، وقد مررته لجنة “الدستور والقانون والعدالة” بالكنيست أوائل شهر يوليو 2023 بعد 9 جلسات تم خلالها إعداد النص النهائي لهذا التعديل الجدلي، وقد حصل على أغلبية 64 صوتًا مقابل معارضة 56 صوتًا، وقد أقر الكنيست 11 يوليو2023 القراءة الأولى للقانون، فيما تم إقرار القانون يوم 24 يوليو 2023 في قراءته الثانية والثالثة، وهي خطوة ضرورية ليصبح القانون نافذًا.

مضمون الصيغة المعدلة:
ينهي البند المعدل إمكانية اختبار المحكمة العليا لـ “معقولية” قرارات الحكومة، بينما تتضمن الصيغة المعدلة من القانون سحب صلاحية البت في القرارات الحكومية من المحكمة الإسرائيلية العليا، وخاصة قرارات رئيس الحكومة والوزراء، مع استثناء هيئات أقل مستوى من الحكومة .
وبذلك يمنح القانون الحكومة صلاحية أوسع في تعيين القضاة والوزراء، فحجة “المعقولية” -الملغاة بحكم القانون المعدل- أداة رقابية استخدمتها المحكمة العليا لتحديد مدى دستورية القوانين والتشريعات، كذا تؤكد للقضاة أن القرارات التي يتخذها المسؤولون الحكوميون “معقولة”، كما يستطيع القضاة بموجبها الرقابة على فصل أو تعيين مسئولي الدولة بالقطاع الحكومي.

دوافع الإلغاء :
أعلن ” نتنياهو” رئيس الحكومة أن الهدف وراء التعديلات القضائية بشكل عام وتعديل هذا البند بشكل خاص بإلغاء “المعقولية” هو الحد من تجاوز القضاة غير المنتخبين في قرارات الحكومة المنتخبة، وعودة القضاء إلى استقلاليته، بعد أن أصبح مسيسًا وتابعًا للمعارضة اليسارية طبقًا لرؤيته.

ولكن كثير من المتابعين يرون أن الدوافع الحقيقية وراء رغبة نتنياهو في طرح صيغة معدلة لهذا البند، وطرح خطة للإصلاح القضائي التي أعلنها بداية العام الجاري هو سعيه للتهرب من القضايا والاتهامات الموجهة له، لاسيما وأنه يتوقع إجباره على التخلي عن منصبه حال ثبوت هذه الاتهامات بحقه، طبقًا لحجة “المعقولية”، وترجع تفاصيل قضايا اتهامه إلى عام 2019، إذ وجه وقتئذ “أفيخاى ماندلبليت” المدعي العام الإسرائيلي اتهامات له بالفساد، وتعتبر الأولى من نوعها لرئيس وزراء قائم بمنصبه، وتعلقت بخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال فى قضايا معروفة باسم ” 1000 و2000، و4000″.

وجدير بالإشارة أن “المعقولية” اكتسبت زخمًا كبيرًا بعد أن قضت المحكمة العليا يناير 2023 بإقالة “أرييه مخلوف درعي” رئيس حزب شاس الديني المتشدد من منصبيه كوزير للداخلية والصحة في الحكومة الحالية – وهو أحد أهم حلفاء نتنياهو- بسبب إدانته في قضية تهرب ضريبي عن العام 2022، كذلك يعتبر الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو بأن الظروف السياسية الراهنة في إسرائيل تمثل فرصة ذهبية لتمرير مثل هذه القوانين لن تكرر بسهولة، لاسيما في ظل وجود ائتلاف مسيطر يمثل التيارين اليميني والديني القومي، وهو ما جعل “نتنياهو” يمضي قدمًا في التصويت على هذه التشريعات المعدلة وتمريرها ورفض التنازل، ناهيك عن إدراك “نتنياهو” أن درعي أو سمويتريتش أو بن غفير بإمكانهم إسقاط الائتلاف الحكومي في الوقت الذي تراجعت فيه شعبيته، وهو ما دفعه للإسراع بالتصويت على هذه التعديلات رغم الاحتجاجات لضمان عدم تفكك الائتلاف الحكومي الحالي ورفع شعبيته بين أوساط اليمين.

تداعيات إلغاء قانون ” المعقولية “:
أولاً: التداعيات الأمنية والسياسية

التأثير على القوة العسكرية وتماسك الجيش وجاهزيته، خاصة بعد إعلان عدد كبير من قوات الاحتياط في سلاح الجو، والمخابرات العسكرية، ووحدات السايبر، والمشاة ومؤخراً ، نيتهم الاضراب ووقف التطوع في قوات الاحتياط احتجاجًا على التعديلات المطروحة وخطة إصلاح القضاء من قبل حكومة نتنياهو، حيث رؤا أن اليهود الأرثوذكس المتشددين يحاولون الاستحواذ على السلطة والسيطرة على الدولة ومؤسساتها، بالرغم من أن أغلبهم لا يخدم في الجيش الإسرائيلي.

انتشار الاضطرابات الأمنية، فقد شهدت عشرات المدن في الآونة الأخيرة من الشمال إلى الجنوب بما في ذلك تل أبيب وحيفا والقدس المحتلة وبئر السبع وريشون لتسيون وهرتزليا، مظاهرات ضد حكومة اليمين المتطرف واشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن وأنصار ائتلاف “نتنياهو”.

ترسيخ الدكتاتورية وإطلاق يد السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الحكومة شيئًا فشيئًا على حساب السلطة القضائية، إلى جانب الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات أحد الأسس الراسخة للديمقراطية، وإنهاء الصورة الذهنية الثابتة لدى الغرب بإدعاء أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية بالشرق الأوسط، لاسيما مع رفض المعارضة الإسرائيلية للتعديلات وخطة الإصلاح القضائي.إضعاف مؤسسات الدولة والنظام القضائي وخفض معدل الثقة به، خاصة وأن إسرائيل لاتمتلك دستورًا مكتوبًا وإنا يستند الحكم فيها إلى 13 قانون أساس، وبالتالي يعتمد هيكلها المؤسسي على الرقابة القضائية.زيادة الاستقطاب بين أعضاء الائتلاف الحاكم الإسرائيلي بين التيار المعتدل فيه و التيار المتشدد، وفي هذا الإطار أشارت استطلاعات الرأي منذ اشتعال الاحتجاجات إلى تضاؤل فرص الائتلاف الحكومي الحالي في العودة مُجدداً إلى السلطة في الانتخابات القادمة، وكان آخرها استطلاع 25 يوليو 2023، لقناة (N12 News) وإذاعة (ريشيت 13) وقد كشفتا أن عدد المقاعد التي قد يشغلها ائتلاف نتنياهو الحاكم هو 52 و53 مقعداً على الترتيب، مقارنة بـ64 مقعداً حالياً.

الإضرار بالمصالح الإسرائيلية لصالح القضية الفلسطينية، لاسيما مع زيادة عدد المستوطنات، وافتعال حرب مع الفلسطينيين، وعمليات الاقتحام والهجوم كما هو الحال في مخيم جنين، وتكثيف عمليات الاعتقال والقتل والقمع ضد الفلسطينيين إلى جانب استكمال عملية الضم والتهويد في الضفة الغربية للإلهاء المعارضة والرأي العام الإسرائيلي وإخماد صوتهم، مما يولد دائرة مستمرة من العنف والعنف المضاد، ويزيد العمليات الفدائية ضد الإسرائليين، ويزيد على المدى البعيد من معدلات الهجرة العكسية.توسيع الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي مما يؤثر سلبًا على تماسك المجتمع، ووحدة الدولة وأمنها، ناهيك عن الانقسام الخارجي الذي ظهر في اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ويهدد بدوره متانة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة.

ثانيًا: التداعيات الاقتصادية

التأثير سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي، والذي يتوقع أن يكون فوريًا ومباشرًا وملموسًا، بحيث يطال الاقتصاد الكلي والجزئي، فقد تصاعدت تحذيرات من قبل عدد من خبراء الاقتصاد بلجوء مؤسسات وشركات تدريج الائتمان العالمية بخفض التقييم الائتماني لإسرائيل، خاصة بعد تراجع الشيكل وتراجع المؤشرات في أسواق الأسهم إثر سن القانون، مما يؤدي إلى رفع الفائدة على الدين الخارجي، وإرهاق خزينة الدولة، وزيادة الفائدة المصرفية المرتفعة أصلاً بسبب التضخم المالي، وكذا تآكل إضافي في مستويات الدخل والقدرة الشرائية، بما يشكل سبباً لتباطؤ حقيقي للاقتصاد، كما أشارت البيانات الرسمية إلى انخفاض الاستثمارات الجديدة، خاصة الاستثمارات الأجنبية، بنسبة 90% في الأشهر الأخيرة، وفي هذا السياق نشر موقع “كلكاليست” الاقتصادي قبل يومين من تعديل القانون، نتائج استطلاع أجراه مركز “ستارت أب نايشن (مركز أمة شركات المخاطرة)”، أن 68% من شركات التقنيات الحديثة تعتزم الخروج من السوق الإسرائيلي، و أن قرابة الـ10% بدأت فعلاً بعمليات إعادة التموضع والانتقال إلى بلدان أخرى.

وماسبق يؤكد لنا أن إسرائيل تعيش أزمة منقطعة النظير ومتشابكة الأبعاد لم تمر بها من قبل، وبالتالي فإن تمادي حكومة نتنياهو وإئتلافه الحاكم في محاولات السيطرة على مفاصل الدولة، والابتعاد بها عن الديمقراطية، وضرب عرض الحائط بمطالب المحتجين والمعارضة، سيؤدي إلى مشكلات في الداخل والخارج مما يتطلب حلولاً ناجعة وسريعة لإنقاذ المشهد المضطرب في تل أبيب والذي سيعجل بشكل أو بآخر برحيل حكومة نتنياهو إن استمرت على نهجها الحالي.ا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى