لائحة اتهام رابعة لـ”ترامب” وتزايد حدة الاستقطاب السياسي الأمريكي
تحليل د. فرناز عطية ..
من جديد عاد اسم الرئيس السابق “دونالد ترامب” ليتصدر صفحات المواقع الإخبارية بلائحة اتهام جديدة فيما يعرف بقضية “انتخابات جورجيا” وهذا في وقت لم يتجاوز الأربعة أشهر على الاتهامات السابقة الموجهة له في عدة قضايا منها الانسحاب العشوائي من أفغانستان، و” قضية الصمت” الخاصة بتوجيه 34 تهمة جنائية له بمدينة منهاتن في ولاية نيويورك بتهمة تزوير سجلات تجارية فيما يرتبط بدفع أموال لشراء صمت 3 أشخاص قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 بما يتضمن انتهاك لقوانين التمويل الانتخابي، ويندرج ضمن الرشاوى الانتخابية، وقضية إساءة التعامل مع وثائق سرّية بعد مغادرته مهام منصبه في البيت الأبيض.
أما الآن فتوجه له لائحة اتهام رابعة من هيئة المحلفين الفيدرالية الكبرى المكونة من أربع تهم تتعلق بالجهود المبذولة لإلغاء نتائج انتخابات 2020 في وثيقة المحكمة المكونة من 45 صفحة ضمن تحقيق أجراه “جاك سميث” المحقق الخاص، والذي جاء فيه أن “ترامب” تآمر ومعه 18 شخصًا للاحتيال على الولايات المتحدة للحيلولة دون تصديق الكونغرس على فوز الرئيس “بايدن” وحرمان الناخبين من حقهم في انتخابات نزيهة، وقد حمّله “سميث” المسؤولية المباشرة عن (أحداث السادس من يناير2021)، وبهذا يصبح “ترامب” أول رئيس أميركي سابق يواجه اتهامات جنائية، وقد صدر في هذا الصدد أوامر له للمثول أمام المحكمة الاتحادية بواشنطن يوم 10 أغسطس 2023 .
المحاكمة والثلاثاء الكبير
حدّدت القاضية الفدرالية “تانيا تشاتكن” 4 مارس 2024 موعدًا لبدء محاكمة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بتهمة محاولة قلب نتائج انتخابات 2020 ، لتجري بذلك واحدة من أكبر المحاكمات الجنائية في التاريخ الأمريكي في ذروة الموسم الانتخابي عشية “الثلاثاء الكبير”، وهو اليوم الذي يدلي فيه الناخبون الجمهوريون بغالبيتهم بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب، مما يؤثر سلبًا على طموح “ترامب” للترشح عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية 2024 ولاحقًا للفوز بولاية رئاسية ثانية.
اتهامات “ترامب” مقابل اتهامات “بايدن”
بينما يرى “ترامب” أن لائحة الاتهام مسيسة، والاتهامات الموجه له هي ضمن محاولات “بايدن” ووزارة العدل للتدخل في انتخابات 2024، ويرى نفسه المرشح الأوفر حظًا، وأن هذه المحاولات ماهي إلا نوعًا من الاستهداف السياسي له ولحملته الانتخابية، وأنها تشويش وتغطية واضحة على الاتهامات الموجهة إلى الرئيس “بايدن” وعائلته، حيث يتهم “بايدن” باستغلال منصبه لتسيير أعمال ابنه “هانتر” خلال فترة توليه منصب نائب رئيس الولايات المتحدة (2009-2017)، فقد اتهم “هانتر” بارتكاب مخالفات ضريبية وحيازة سلاح غير قانوني وتعاطي المخدرات، إضافة إلى قائمة من المزاعم التي قدمها نواب جمهوريون في جلسات اللجان بالكونجرس ومنها: اختراق القوانين الفيدرالية التي تلزمه بالتسجيل كعميل أجنبي أثناء عمله في الصين وأوكرانيا، بينما كان والده يشغل منصب نائب الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، إلى جانب شراكته في مشروع للغاز الطبيعي في لويزيانا مع الملياردير الصيني “يي جيان مينغ” – قطب النفط الذي اتهم بالفساد .
انعكاس للاستقطاب والانقسام في الداخل:
تعكس لوائح الاتهام الموجهة لـ”ترامب” التي بلغت إجمالاً حوالي 78 تهمة، والتي تواكبت مع الاستعداد لدخول ساحة الترشح للانتخابات الأمريكية القادمة حالة من الاستقطاب والانقسام السياسي الواضح ليس فقط بين الحزبين الرئيسيين في اللعبة السياسية الأمريكية، بل حالة عامة يعيشها الشعب الأمريكي بين أنصار اليمين الداعمين لـ”ترامب” الأكثر راديكالية ضد المعارضين له، والتي يتكهن البعض بأنها يمكن أن تتصاعد لتكون سبب في صدامات وأعمال عنف داخل المجتمع الأمريكي بين مؤيدي “ترامب” ومعارضيه، مما يؤثر بدوره على العملية الديمقراطية والاستقرار السياسي الأمريكي، ودليل ذلك أحداث الكونجرس التي شهدتها الولايات المتحدة 6 يناير 2021 كرفض لنتائج الانتخابات الرئاسية، حتى أن كثيرًا من حلفائه شككوا في هذه التهم، ونادوا أنها مفبركة ومسيسة واستحضروا نظرية المؤامرة، لعدة أسباب:
-إثارة حالة من البلبلة بين مؤيدي “ترامب” ومحاولة زعزعة ثقتهم فيه من خلال محاولات مستمرة منذ بداية ترشحه لتشويه سمعته، خاصة مع تفوقه بنسبة كبيرة على منافسه الرئيسي في الحزب الجمهوري “رون ديسانتيس”، حاكم ولاية فلوريدا واحتمالية فوزه كمرشح للحزب، ناهيك عن زيادة شعبيته التي تتناسب طرديًا مع الاتهامات التي توجه له كل مرة، لاسيما ولغة المظلومية التي يخاطب “ترامب” بها الجماهير تلقى قبولاً لدى فئات ليست بقليلة في المجتمع الأمريكي.
-رغبة خصوم “ترامب” في تشتيت جهوده ماديًا ومعنويًا بين لقاءات الجماهير والفعاليات المختلفة التي ينبغي عليه القيام بها ضمن حملته الانتخابية وبين جلسات المحاكم المختلفة في عدة ولايات خلال احتدام المنافسة بين مرشحي الرئاسة، إلى جانب محاولة صرف أكبر قدر من تركيزه عن القضايا العامة التي تشغل الناخب الأمريكي إلى محاولات درء التهم عن نفسه في القضايا المتهم بها.
-استثمار الانخفاض النسبي لشعبية الرئيس الحالي “بايدن”، لاسيما مع الارتفاع النسبي في معدل التضخم الذي تعاني منه الولايات المتحدة، إلى جانب بعض مشكلات اللياقة الذهنية والصحية التي يعاني منها “بايدن”. تسليط الضوء على الاتهامات التي يواجهها “ترامب” إعلاميًا وسياسيًا في وقت الاستعداد للترشح للانتخابات القادمة 2024، في مقابل غض البصر عن الاتهامات الموجهة لنظيره “بايدن” ونجله “هانتر”.
قانون “ريكو” و مصير “ترامب”
وبالرغم من أنه من المقرر أن يحاكم “ترامب” وفقًا لقانون (ريكو) وهو قانون فيدرالي أقره المشرعون في الولايات المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، والذي استهدف بالأساس محاربة العصابات، وترقى الاتهامات الموجهة لـ”ترامب” لمستوى الجريمة المنظمة لاشتراك مجموعة من الأشخاص معه، وغالبًا ما سيتم تغريم “ترامب” بمبالغ مالية كبيرة إذا ثبتت عليه التهم الموجهة إليه بدلاً من عقوبة السجن التقليدية التي لا يرجحها العديد من الخبراء.
وبشكل عام فإن لائحة الاتهام الموجهة لـ” ترامب” ستعرقل مسيرته الانتخابية، وستشتت جهوده وترهقه ماديًا وذهنيًا، لاسيما مع تزامن موعد المحاكمة مع “الثلاثاء الكبير”، ولكن لن توقفها، ولكن من الناحية العملية نجد أن شعبية “ترامب” ترتفع في المقابل، فوفقًا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة Schoen Cooperman Research في شهر أغسطس الجاري بين تقدم “ترامب” على نظيره “بايدن”، فقد أكد 45% من الأمريكيين أنهم سيصوتون لصالح “ترامب” لو جرت الانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر، مقابل 44% لصالح “بايدن” ولم يحدد 11% موقفهم، لذا يرى البعض اعتزام الحزب الديموقراطي ترشيح بديل عن “بايدن” ومن المرجح أن ينسحب قبيل الانتخابات التمهيدية الأولى، بحيث يتقدم مرشح من القاعدة الشعبية وتشير التوقعات إلى “ميشيل أوباما” قرينة الرئيس الأسبق.