الاخبار الرئيسيةمتابعات

الهجوم الإيراني .. وخيارات الرد الإسرائيلي

تحليل - شروق صابر

في خطوة تصعيدية كبرى قامت إيران يوم 13 أبريل الجاري بشن هجوم مباشر من داخل أراضيها على إسرائيل باستخدام 185 طائرة مسيرة و110 صواريخ أرض-أرض و36 صاروخ كروز، في أول هجوم عسكري مباشر من جانبها ضد إسرائيل، مما أثار مخاوف من صراع إقليمي أوسع نطاقًا نتيجة للحرب في غزة، وقد جاء هذا التصعيد من قبل طهران بعد مقتل قائد كبير لها في “الحرس الثوري” في هجوم يعتقد أنه إسرائيلي استهدف مجمع سفارتها في دمشق في الشهر ذاته، وتدرس إسرائيل الآن ردها، حيث لا تريد السماح لإيران بإنشاء معادلة جديدة، بينما تحثها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على ضبط النفس.

قراءة في الهجوم الإيراني
تباينت ردود الفعل حول الهجوم  الذي شنته إيران على إسرائيل، فأولًا: بالنسبة لردود الفعل الدولية، هناك من رأى أن نتائج الهجوم تصب في صالح إسرائيل حيث عزز من فرص إعادة صورتها التي شوهت في غزة إلى وضعها السابق بأنها الدولة الضحية، ووفقًا لـمجلة “The Times of Israel”، فإن الضغوط التي كانت تُمارس ضد إسرائيل في الفترة الأخيرة حتى من جانب حلفائها لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتركيز المجتمع الدولي منذ السابع من أكتوبر على معاناة المدنيين هناك، مع إغفال العالم لضرورة إلحاق الهزيمة لحماس، قد تحولت عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل، فقد أدى الهجوم إلى حشد حلفائها بجانبها.

وهناك من رأى أن سبب كل التصعيد الذي تشهده المنطقة منذ البداية هو إسرائيل بشنها الحرب على قطاع غزة، فقد سبق أن رددت إيران عبر وكلائها في المنطقة إن التهديدات ضد إسرائيل ستتوقف إذا أوقفت الأخيرة حربها في غزة، وهناك من رأى أن ما حدث كان “مشهد مسرحي” ليس أكثر من ذلك وإن الهجوم كان بالاتفاق بين الجانبين بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية، لحفظ ماء الوجه لإيران لضرورة ردها على الهجوم على سفارتها في دمشق.

وثانيًا: حتى داخل إيران تباينت ردود الفعل من قبل المواطنين حول هذا الهجوم، فاستدعت السلطات الكاتب “عباس عبدي” الذي كتب في صحيفة “اعتماد” الإصلاحية مقالًا تحت عنوان “خطورة الرد وعدم الرد”، كما جرى تجريم مخرج الأفلام السينمائية “حسين دهباشي” بسبب منشورات على منصة “إكس”، وصف فيها سيناريو الحرب بـ”المرعب”. وهناك من رآه انتصارًا جديدًا لإيران فقد قالت صحيفة “كيهان” التابعة لمكتب المرشد الإيراني إن “الهجوم على أهم قاعدة جوية لإسرائيل في شمال منشأة ديمونة النووية، وتدميرها يعني أن إيران لديها القدرة على تخريب جميع القدرات الاستخباراتية والعملياتية للكيان الصهيوني”.

ومع تعدد وجهات النظر والموقف العالمي والداخلي الإيراني وحتى الداخلي الإسرائيلي حول التصعيد الأخير، فالمتفق عليه من قبل الجميع هو أن هذا الهجوم يشكل نقطة تحول كبرى في الصراع بين الجانبين، رغم أنه كان متوقعًا، فقد سبقه تأكيدات من قبل المرشد الأعلى “علي خامنئي”، والرئيس “إبراهيم رئيسي”، وقيادات الجيش والحرس الثوري بأن “الرد قادم في وقت ليس ببعيد”، وذلك لأنه أثبت أن التهديد يمكن أن يتحول إلى هجوم فعلي، فقد أثبتت إيران من خلاله أنها قادرة على انتزاع الثمن من إسرائيل، وبعث برسائل واضحة تفي بأن معادلة الردع في المنطقة والتي كانت تميل لصالح إسرائيل قد تغيرت، وأن زمن عدم الرد انتهى وأن الاعتداء على إيران سيكون له تبعات خطيرة.

ورغم أن الهجوم لم يسفر سوى عن أضرار طفيفة في إسرائيل، إذ أسقط معظم الصواريخ نظام القبة الحديدية الدفاعي بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، إلا أن إيران أعلنت أنها كانت تستطيع تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل، ولكنها لم تستهدف سوى المواقع العسكرية التي نفذت الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، فقد كان هدفها هو ضرب قاعدتي “نيفاتيم”، و “رامون” الجويتين، وترى أنها نجحت في تحقيق ذلك.

خيارات الرد الإسرائيلي
على الرغم من إعلان إسرائيل وحلفائها أنهم أسقطوا أكثر من 99% من مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران في الهجوم، إلا أن القادة الإسرائيليون يرون إنه “ليس لديهم خيار سوى الرد”، فقد أكسب هذا الهجوم إسرائيل مشروعية دولية سياسية في الرد على إيران وفي أي مكان، رغم أن إيران قامت به كرد فعل على قصف قنصليتها في دمشق.

وفي الوقت الذي تدعو فيه حكومة نتنياهو إلى رد سريع، يحث الخبراء الإسرائيليين على عدم التسرع في اتخاذ القرار، وناقش مجلس الحرب الإسرائيلي، مجموعة من خيارات وضعها قادة الجيش، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة نتنياهو، تنوي الشروع في عمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بهدف “إيذاء” إيران، من دون التسبب في “حرب شاملة”، وفي المقابل قالت الخارجية الإيرانية إن طهران “لا تريد التصعيد”.

وفي ضوء ذلك سيتعين على إسرائيل الاختيار ما بين إما أن ترد بتوجيه ضربة على الأراضي الإيرانية والتي ربما تكون ضد برنامج إيران النووي وهو ما لم تسكت عنه طهران بالطبع، وربما ستتحول الأمور عقب ذلك بينهما إلى حرب واسعة، أم أنها ستحاول تقليل المخاطر وستتبع نهج أكثر ملاءمة مثل شن هجوم سيبراني ضد طهران، وفيما يلي عرض لمسارات محتملة للرد الإسرائيلي:

1- توجيه ضربة داخل الأراضي الإيرانية: وذلك عبر آليتين يمكن توضيحهم في الآتي:

  • توجيه ضربة ضد برنامج إيران النووي: تعهدت الأنظمة الإيرانية المتعاقبة بتدمير إسرائيل، وتنظر إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى طهران باعتبارها تهديدًا، خاصة مع اقترابها من القدرة على صنع أسلحة نووية، وفي وقت سابق من هذا العام، استخدم رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي مصطلح “الردع”، في وصف الغرض من برنامج بلاده النووي، ما اعتبرت آنذاك كلمة استفزازية، إذ تُشير في سياق الأسلحة النووية إلى التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل ردًا على عدوان من جانب قوى أخرى. وقد أعاد الهجوم الإيراني على إسرائيل التركيز على برنامج إيران النووي، ففي ظل تلك الأوضاع الدولية والإقليمية المتوترة واصلت إيران تطوير قدراتها النووية، وفي فبراير 2024 انتقدت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إيران على إخفائها تغيير نظام التخصيب في منشأة “فوردو” الواقعة تحت الأرض، قبل أن تعلن عن عثور مفتشيها على جزيئات يورانيوم مخصبة بنسبة 83.7 في المائة، وهي أعلى بكثير من نسبة التخصيب 60 في المائة، التي تقوم بها إيران، وهو ما أثار مخاوف من بدء طهران تمهيدات لتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، المطلوبة لإنتاج سلاح نووي.
  • استهداف القيادات العسكرية الكبرى: وهو شكل من أشكال الحرب النفسية التي استخدمتها إسرائيل ضد إيران كثيرًا باستهداف القيادات العسكرية والعلماء النوويين داخل وخارج إيران، وبالتالي يمكن أن تكرر ذلك وتقوم باستهداف أي قائد عسكري مسئول عن تنسيق الهجمات الأخيرة عليها، وبالأخص قائد القوات الصاروخية الإيرانية “أمير علي حاجي زاده” الذي تنظر إليه إسرائيل على أنه العقل المدبر لتلك الهجمات.

لكن سينظر إلى الخطوتين السابقتين على أنهما أعلى مستويات التصعيد، ومع إشارة الولايات المتحدة بالفعل إلى أنها لن تدعم هجومًا مباشرًا على إيران، أي أنها لم تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بذلك، لذا يجب عليها أن تكون حريصة على عدم التمادي في إثارة غضب أكبر راعي للأسلحة لديهم، خاصة وأن سيرافق توجيه ضربة لمنشآت نووية أو اغتيال القادة العسكريين لها خطر الفشل العملياتي، خاصة وأن إيران تعيش الآن في مستوى عالي من التأهب وبالتالي فإن هؤلاء القادة سيكونوا مختبئين الآن ما يصعب استهدافهم بسهولة، كما أن المنشآت النووية ليست بالسهولة الوصول إليها نظرًا لأنها محصنة بشكل كبير.

2- التصعيد ضد حلفاء إيران: في الوقت الذي تتعاظم فيه قدرات إيران العسكرية، فإنها تعمل على تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، وتوثيق علاقاتها مع تركمانستان، وكازاخستان، وأرمينيا، كجزء من جبهة موحدة ضد ما تسميه “الشيطان الأكبر، وهي أمريكا، والشيطان الصغير، وهي إسرائيل”. هذا بجانب تنمية جماعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتوسيع نطاق انتشارها والعمل كثقل موازن لإسرائيل وحلفاؤها الغربيون ووفقًا لذلك تقدم طهران الدعم لحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وحماس في الأراضي الفلسطينية، والفصائل في سوريا والعراق. وبالرغم من أن إيران تعلن باستمرار أن حركات المقاومة التي تدعمها مستقلة وقوية بما يكفي للتحكم بقرارها والتعامل مع التطورات المحتملة، إلا أن تمويلها ودعمها لتلك الميليشيات هو الذي يجعلها بهذه القوة.

لذا تعمل الصحف الإسرائيلية الآن على التأكيد أن طبيعة الهجوم الإيراني والذي كان مزيج من الصواريخ والطائرات المسيرة والتي استخدمتها روسيا بفعالية خلال حربها في أوكرانيا، تعكس الهجمات الروسية على أوكرانيا، لذا لن تكون الضربة الإسرائيلية على أهداف إيرانية فقط بمثابة رد مناسب، بل ستساعد أوكرانيا أيضًا في مواجهة الهجمات الروسية، وستكون أيضًا رسالة إلى بايدن والأوروبيين للنظر إلى التهديد الإقليمي الذي تشكله الميليشيات الإيرانية.

3- شن هجوم سيبراني على إيران: تخوض كلًا من إيران وإسرائيل منذ سنوات حربًا سيبرانية متبادلة،  وقد تقوم إسرائيل خلال الفترة المقبلة بتعزيز الجهود الاستخباراتية، واستهداف علماء ومصانع الطائرات بدون طيار وتنفيذ هجمات إلكترونية، لتعطيل الموانئ والبنية التحتية المدنية، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني وحتى شن ضربات داخل إيران.

وهذا الخيار ليس بجديدًا ففي عام 2020 تعطلت شبكات الاتصالات الإيرانية لعدة ساعات بسبب هجوم سيبراني كبير، وقامت السلطات الإيرانية حينها بمنع الوصول إلى شبكة الإنترنت بنسبة 75% لكي تتمكن من صد الهجمات السيبرانية وحماية البنية التحتية الحساسة في البلاد. وفي عام 2021 أدى هجوم سيبراني إلى تعطل محطات توزيع الوقود في مختلف أنحاء إيران.

هذا بجانب ما حدث في عام 2010، حين اكتشف المحللون السيبرانيون فيروس كمبيوتر، يسمى Stuxnet، نجح في اختراق البرنامج النووي الإيراني، وتبين لاحقًا أن الهجوم السيبراني كان من عمل خبراء أمريكيين وإسرائيليين، وحتى بعد اكتشاف الفيروس تم استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية بموجب أوامر من الرئيس باراك أوباما، فقد قام وفقًا لتلك الخطوة بتعطيل حصول إيران على قنبلة دون شن هجوم عسكري تقليدي عليها.

في النهاية، يمكن القول أن إسرائيل الآن حائرة أما أن تصمت وهو ما ترى أن إيران والميليشيات التابعة لها قد تترجماه على أنه ضعفًا من جانبها، ما يتيح لهم القيام بالمزيد من الهجمات ضدها، أو أن تقوم بالرد على الهجوم وذلك عبر آليتين إما بشن هجوم مباشر على إيران بغض النظر عن الثمن المتوقع نتيجة لتلك الخطوة، أو توجيه رد محسوب إليها، واتباع المسار المعتاد بينهما لعقود من الزمن من خلال الهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيال المستهدفة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى