تصاعد الصراع الإيراني – الإسرائيلي .. حلقة نقاشية جديدة لمركز آتون
جاءت التوترات التي وصلت إلى حد المواجهات المباشرة بين إسرائيل وإيران خلال الأيام الماضية لتثير كثيرًا من علامات الاستفهام، لا سيما في انعكاساتها وتداعياتها، وكذلك وجهات النظر التي شككت في جدية ما حدث، أي ما إذا كانت مواجهات حقيقية أم مجرد استعراض وتبادل أدوار، ووسط ذلك بالتأكيد كثير من علامات الاستفهام حول وضع قطاع غزة وسط هذه التطورات.
في هذا السياق، عقد مركز آتون للدراسات حلقة نقاشية حول تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط، والتي أدارها الكاتب الصحفي فتحي محمود رئيس المركز، وبحضور الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، والكاتب الكبير أسامة الدليل خبير العلاقات الدولية، والأستاذ شريف عبد الحميد رئيس تحرير مجلة شؤون إيرانية، ومحمد عامر مسؤول القسم الدولي بجريدة الوطن، ومحمد صابر الباحث بمركز آتون.
خلال الحلقة النقاشية، تباينت وجهات النظر إلى حد ما فيما يتعلق بدوافع وأهداف تلك المواجهات، وذهبت بعضها إلى أنها قد تأتي في إطار تنافس جيوسياسي بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية (إسرائيل وإيران) على الهيمنة والسيطرة في منطقة الشرق الأوسط، وأيضًا إعطاء فرصة أكبر للولايات المتحدة لتقديم الدعم العسكري لإسرائيل بحجة الدفاع عن نفسها.
وقدم الحلقة الأستاذ فتحي محمود رئيس مركز آتون، والذي استهل الحديث بالإشارة إلى أن التطورات الأخيرة المتعلقة بالتصعيد الإيراني – الإسرائيلي سيكون لها ردود فعل أو تأثيرات على موقف الشرق الأوسط في إطار الحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد المتبادل بين جميع الأطراف.
انفجار الأوضاع في الشرق الأوسط
واستهل الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، الحديث في الحلقة النقاشية، مؤكدًا خطورة التداعيات التي نجمت عن ذلك على النطاق الدولي والإقليمي، بالإضافة إلى التأثيرات على المنطقة العربية والتجاذبات بين القوى الإقليمية والدولية، ودور الولايات المتحدة والعالم الغربي.
وركز غباشي في حديثه على تحليل الضربة الإيرانية التى وصلت إلى إسرائيل، مشيرًا إلى الرد الإسرائيلي في أصفهان اختلف عنها كونه تم بإطلاق 3 صواريخ مسيرة يصل مدى الصاروخ 35 كيلومترا، أي بمعنى أن هذه الضربة تأتي من الداخل الإيراني أو من الحدود، لأن المسافة ما بين تل أبيب وطهران تصل إلى 1700 كيلومترًا.
واعتبر أن الولايات المتحدة مهندس الضربة بشكل أو بأخر، أي ضربة أصفهان، وهي التى تريد أن تحفظ ماء وجه الجانبين، الإسرائيلي والإيراني، وتجنب مزيد من التصعيد، فهي تريد الحد من وتيرة الخلاف ما بين الجانبين، حتى لا تنفجر الأوضاع بشكل أوسع في منطقة الشرق الأوسط.
وتحدث غباشي أكثر عن الدور الأمريكي في ضوء ما يجري بقطاع غزة، فأكد أن واشنطن إذا أرادت وقف إطلاق النار، فإنها قادرة على ذلك، وإذا أرادت تحريك الوضع فإنها لديها القدرة على ذلك أيضًا، فهناك العديد من الأمثلة التي تظهر جميع ذلك، منها استخدامها حق النقض (الفيتو) أربع مرات لصالح تل أبيب، وستخدمت الفيتو لمنع انضمام الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ولمنع الاعتراف بدولتها وحقها في السيادة.
أذرع داخل إيران
الكاتب الصحفي أسامة الدليل، خبير العلاقات الدولية، بدوره يرى أن إسرائيل تمتلك أذرع داخل الأراضي الإيرانية قادرة على تنفيذ ما تريده تل أبيب في أي وقت، حيث نجحت في قتل عالم إيراني مهم في البرنامج النووي واغتيال قادة الحرس الثوري من داخل البلاد وخارجها، مما يظهر أن لدى إسرائيل شبكة واسعة من العملاء وبنية تحتية استخباراتية داخل إيران وفي الدول الأخرى، مما يمكنها من شن هجمات داخل طهران بسهولة وبسرعة عبر مكالمة هاتفية، دون الحاجة لاستخدام طائرات مسيرة بمدى طويل، كما تفعل إيران التى استخدمت طائرات مسيرة يصل مداها إلى 1700 كيلومترا حتى تصل إلى الأراضي الإسرائيلية.
ويتفق الدليل مع ما طرحه الدكتور مختار غباشي في أن كل هذه الأحداث تمت بترتيب من قبل الولايات المتحدة، التي كانت حريصة على تنفيذ “خطتها المدروسة”، فقد اعترف بذلك وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عندما قال إنه تم إخطار الولايات المتحدة عبر سويسرا بتفاصيل الهجوم الإيراني على إسرائيل وكيف سيكون دقته.
ويشير الدليل – بقدر من الاستغراب أو السخرية – إلى أنه قبل وصول المسيرات والصواريخ، أكد مندوب إيران في الأمم المتحدة أن الأمر قُضي قبل أن يصل أي شيء إلى إسرائيل، مما يعني أن كل ذلك تم ترتيبة بدقة، وكانت تل أبيب بالتعاون مع واشنطن ودول أخرى بالفعل أسقطت غالبية المسيرات والصواريخ التي أسقطت.
وتطرق أسامة الدليل إلى واقع الأوضاع الفلسطينية في ظل تلك التوترات، إذ قال إن الأفعال التي قامت بها إيران ليست لها صلة أساسية بالقضية الفلسطينية، بل تأتي في إطار التنافس الجيوسياسي بين الجانبين على نطاقات جغرافية معينة، كما شدد على أن القضية الرئيسية، وهي القضية الفلسطينية، ليس لها علاقة مباشرة بما يجري بين إسرائيل وإيران، فمنطقة الشرق الأوسط تعاني من فراغ استراتيجي حيث لا توجد استراتيجية واضحة، معتبرًا أنا ما جرى بين طهران وتل أبيب يأتي في إطار تنافس بين قوتين لديهما مشروعين للهيمنة (الفارسي والإسرائيلي).
أمريكا وإسرائيل وإيران كتلة واحدة؟
انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى الأستاذ شريف عبدالحميد رئيس تحرير مجلة شئون إيرانية، الذي سلط الضوء على المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، والصراع غير المباشر بينهما أو حرب الظل المستمرة منذ سنوات، حيث أكد على عدم وجود خلاف جوهري بين طهران وتل أبيب، مذكرا بـ”فضيحة تسليم إيران تفاصيل المفاعل النووي في العراق إلى إسرائيل لتدميره”، وأيضًا دور الولايات المتحدة في تقديم العراق هدية إلى إيران، على حد قوله.
ويؤكد شريف عبدالحميد أن الأمريكيين والإسرائيليين والإيرانيين هم كتلة واحدة، فالصراع في المنطقة هو صراع هيمنة، وصراع من يثبت سيطرته على المنطقة، فإسرائيل وإيران لأول مره تواجهان بعضهما في مواجهة مباشرة، لكن داخل حدود محددة لن تصل إلى حرب مفتوحة.
ويؤكد أن حرب الظل بينهما مستمرة منذ سنوات، ولكن ما حدث مؤخرا أنه عندما وصلت الصواريخ الإيرانية إلى إسرائيل كانت طهران تريد توجيه رسالة، وليس تنفيذ ما تريد، بأنها تستطيع أن تدخل إلى عمق إسرائيل، لترد عليها إسرائيل من الداخل باستهداف أًفهان، حيث الوحدات العسكرية والتصنيع، أي كأنها تريد أن تقول إنها في الداخل الإيراني وأن إيران مخترقة تمامًا من الداخل، مؤكدًا أنه بكل وضوح لن تقاتل إيران إسرائيل والعكس صحيح.
إسرائيل استفادت
الأستاذ محمد صابر الباحث بمركز آتون، بدوره تحدث عن أن الصراع بين إسرائيل وإيران ليس جديدًا، وأن التهديدات بينهما تظل مستمرة ولكن ما حدث مؤخرًا ما هو إلا مسرحية أو لحفظ ماء الوجه، فالهجمات الإيرانية لم تكن في مصلحة غزة بل ضدها تمامًا، حيث شهدنا تراجعًا في الاهتمام بالقضية الفلسطينية أو ما يجري في غزة لمصلحة ما يجري بين طهران وتل أبيب.
وأوضح أنه كان هناك شبه عدم دعم لإسرئيل من قبل الغرب، وحتى الولايات المتحدة كان لديها نوع من الخجل أثنا دعمها لإسرائيل عسكريًا، لكن الضربات الإيرانية أعطت واشنطن فرصة أكبر لدعم إسرائيل، ودعم حقها في الرد على جميع الهجمات، وأيضًا لها الحق في تعزيز هجماتها على قطاع غزة وحماس التي تعتبرها إسرائيل بمثابة ذراع إيرانية في الداخل الفلسطيني، مؤكدًا أن الهجمات الإيرانية الأخيرة جاءت لصالح إسرائيل أكثر من كونها ضدها.